الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول في مملكة كرمينان
«1» وهي مثل قرن الجاموس، أحاط بها جبل في مشاريقها كالقوس أخذ عليها جنوبا بشمال، وأحاط بها في مغاريبها جبل أخذ غربا بشمال ثم عطف مشرقا ثم أخذ شمالا بغرب حتى لاقى الجبل الأول فاجتمعا، فكان كأنه قرن الجاموس، فسبحان الخلاق العظيم.
وهذه المملكة قد تقدم من ذكرها ما فيه منتفع، وينزل من جبلها الغربي نهر مندروس الأعظم، وهو إذا نقص كان كالنيل فأما إذا زاد فبحر زاخر لا له أول ولا آخر، وهو يشق هذه البلاد، ويجري، وسطها بحيرة جليلة نافعة، يصطاد بها الحيتان، وتتنزه فيها أهل تلك الديار، ثم يمضي مندروس على مقطع في الجبل الشرقي حتى يخرج (المخطوط ص 168) إلى بلاد طغرلوا، ثم يمر عليها ثم يخرج إلى بلاد بركي ثم يصب في البحر المالح المؤدي [1] من الخليج القسطنطيني، إلى ماء بنطس.
وهذا نهر مندروس مجرى السفن والمراكب، تصعد وتنحدر فيه، ويخرج منه الملح، ومن الملح إليه لأهل تلك البلاد، به مرافق في الأسفار ومنه يتجهز الغزاة والبحار، وهو قاطع البرد، لا يكاد يتغير، ولا يؤثر الهواء إذا سخن فيه، لكثرة مائه، واتساع جوانبه.
وصاحب كرمينان هو أكبر ملوك الأتراك، وله تسلط على الجميع، وتبسط في ملكهم الوسيع، وكرسي ملكه مدينة كونتاي [2] ، وهي مدينة كبيرة، ذات قلعة
[1] وردت بالمخطوط الماء.
[2]
هي كوتاهية وحاكمها هو محمد بن يعقوب بن عليشير (كرميان خان) استولى على الحكم سنة 706 هـ وظل حتى 779 هـ (معجم الأنساب 227) .
جليلة، وأعمال وسيعة، ورساتيق من كل مكان، وبلاد ذوات دواب سائمة، وعمار وسكان ويقال أن له نحو سبعمائة مدينة، وقلعة، وله عساكر كثيرة.
قال العريان: له أربعون: ألف فارس مديونه، وقال بلبان أضعافها وأكثر، فقال:
أنه إذا جمع وحشد، جمع مائتي ألف مقاتل ما بين فارس وراجل ورامح ونابل، قال: وهم أهل حرب وقتال، ومخاتلة واحتيال، ولهم عدد حصينة، وسلاح للحرب وللزينة، من الفولاد المجوهر، والأطلس الأحمر، وما يذهب هذا المذهب.
ولهم مال جم من صامت وناطق، ونعم لا يحصيها إلا الخالق، وخيلهم نهاية في الروميات، لا يسبقها سابق، ولا يتعلق بغبارها الغبراء، ولا يلحقها لا حق، مسومها عندهم بما غلا من الأثمان معروفة بينهم هذه أمه فلان، وهذا أبوه فلان، وله على صاحب القسطنطينية أتاوة مقررة نحو مائة ألف دينار قسطنطينية، ويتحفه معها بتحف فاخرة، وهدايا مستحسنة، وهو في كل وقت يعرض جيوشه بالخيل والعدد والسلاح ويستعد ويعد أماكن الحرب والكفاح.
وله أمراء ووزراء وقضاة وكتاب وحاشية وغلمان وخزائن واصطبلات (المخطوط ص 169) ومطابخ وبيوت ورخت [1] ملوكي، وهيئة سلطاني، وأبهة ملكية.
وله مدينة كمش ساراي [2] ، مدينة الفضة، وهي غير ما بأيدي بيت جنكيز خان، وهو معدن كبير المتحصل، جليل الفائدة جزيل العائدة، أعظم من الذي بأيدي بيت جنكيز خان، وأجود فضة، وأسهل مكانا، وأهون تخليصا واستخراجا.
وكذلك بها معدن يباع منه بحمل أموال، وله مدينة سركوي وهي مدينة لا تزرع إلا الأرز، وأهل هذه الملكة كرام، ولكنهم لا يفكرون في حلال ولا حرام،
[1] رخت: فرش، كلمة فارسية وتركية وتعني في العربية سرخ الحصان (فرهنگ رازي 392) .
[2]
هي من بلاد ملك العراق، مدينة كبيرة عامرة، بها معادن الفضة (رحلة ابن بطوطة 198) .
أهون ما عليهم سفك الدماء واراقتها، تنهل كمزاود الماء لا يبالون بما فعلوا، ولا يعبأون بمن قتلوا، لهم في كل أوان موارد مسوغة، ومعاهد أعداء بأنياب الأسنة محصنة، لا يردى في الحروب سيوفهم العطاش، ولا يردى لو بل نبلهم رشاش، ولا تزال ظباء الروم تتكاثر من سيوفهم على خداش صخر الحديد، ولم يضجروا، ومضت أعمار الأيام وما قالوا ولا هجروا، مالهم يسوى ما هم فيه التذاذ، ولا بغير أن تخرج وجوههم، وهي سواهم معاذ ولأهل هذه الدولة تصرف في أنواع المعابس والأسباب، وأصناف الاكتساب.
قال: وأما لبسهم ولبس جميع الروم فهو زي واحد لا يكاد يختلف، ودرهم هذه المملكة نصف وربع درهم فضة خالصة، والرطل بها زنته تحريرا ثلاثة آلاف ومائة وعشرون درهما، وكيلها يسمى المد [1] وهو نحو أردب وربع مصري تقريبا، هذا ما قاله فيه بلبان، وقد تقدم ما قاله العريان.
قال: وأما السعر المتوسط فمد القمح خمسة عشر درهما، وكذلك الشعير، أو دونه بقليل، واللحم كل رطل بدرهم واحد، وأما الفواكه والألبان والأعسال فرخيصة جدا، وأوقات الرعايا والفلاحين والزراع طيبة، كأنهم فيها في بكر مفضضة، وآصال مذهبة.
ومن جملة بلاده بلاد ابن السّائب وهذا ابن السائب صاحبها (المخطوط 170) هو صهر صاحب كرمينان، ولولا مصاهرته له ما كانت بقيت [2] إلى الآن، لأن بلاده هذه هي خارجة عن كرمينان، مجاورة لها من غربها، وهي من بلاد بيت جنكيز خان في شرقها.
[1] المد: مكيال قديم اختلف الفقهاء في تقديره بالكيل المصري فقدره الشافعية بنصف قدح وقدره المالكية بنحو ذلك وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز وعند أهل العراق رطلان جمعه أمداد ومداد (المعجم الوسيط 2/893) .
[2]
عبارة مكررة.
ولما امتد تمرتاش إلى من جاوره من الأتراك، وأخذ بلادهم ارتمى صاحب كرمينان، وانتمى إليه، وصاهره، وقوى على تمرتاش بيده القاهرة، واعتصم به، ونامت عينه الساهرة، واستمر على مصافاته الظاهرة، وامتنع على من جاهده وجاهره.
وكرسيه قراساي، وهي مدينة مشهورة، ويحيط بها وببلادها جبل استدار عليها استدارة الحلقة، وأحاطها إحاطة بالحدقة وحكمها اليوم وحكم بلاد كرمينان، وابن السائب وإن كان صاحبها، فهو الآن كأنه من قبله فيها، وليس له مدينة سوى قراساري، ولها ألف قرية، وعسكره يقارب أربعة آلاف فارس وبلاده حصينة بما أحاط بها من الجبال، وشمخ من ذوائبها التي سما بها فرع إلى النجم لا ينال.