الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حماة
حماة [1] مدينة قديمة وهي في وهدة حمراء ممتدة عليها نشزان عاليان مطلان عليها، يسميان قرون حماة، ذكرها امرؤ القيس، هي وسيزر «1» في شعره لما مر بهما في طريقه إلى قيصر.
وهي مدينة «2» على ضفة العاص بناء مكينا بالحجارة، ولها قلعة ملونة الأحجار يستدير بها سور وبيوت ملوكها وسرواتها مطلة على النهر، بها القصور الملوكية والدور السرية والمساجد والمدارس والربط والزوايا والأسواق التي لا تعدم نوعا من الأنواع، ولا صنفا من الصنوف «3» ، جليلها وحقيرها.
وغالب مبانيها العلية وأثار الخير الباقية فيها من فواضل نعم (المخطوط ص 270) الدولة الأيوبية، ولها النواعير [2] المركبة على العاص تدور بذاتها، ويرفع الماء إلى الدور السلطانية، ودور الأمراء والبساتين والغيطان.
وفي بساتينها الأشجار والغراس المفنن الأفنان، وبها «4» بقايا الناس وأنموذج الكرام، يخدمهم العلماء بتصانيفهم، والشعراء بمدائحهم، ويقصدهم الفقراء والسؤال وطوائف بني الآمال، ويتفنن أرباب الصنائع في دقائق الأعمال، وتقدم إليهم التحف، ويخصهم التجار ببدائع الطرف، وكرمهم يربي على الأمل، ويزيد
[1] حماة: إحدى أمهات الشام الرفيعة، ومدائنها البديعة، ذات الحسن الرائق، والجمال الفائق، تحف بها البساتين والجنات (انظر: رحلة ابن بطوطة ص 51) .
[2]
النواعير جمع مفرده ناعورة وهي الساقية.
على الرجاء حتى أن كل أحد ليعلق من ملوكها الطماعية بنصيب، ويفردهم بقصد، وهم أجود من الغمام السكوب، وأندى من الرياح ندى عند الهبوب.
ثم نعود إلى ذكر حماة فنقول: إنها لم تكن في القديم نبيهة الذكر، وكان الصيت دونها لحمص، ثم تنبه في الدولة الأتابكية ذكرها فلما جاءت الدولة الصلاحية الناصرية «1» [1] وانتقلت حماة إلى ملوك «2» بني أيوب مصروا مدينتها بالأبنية العظيمة والمساكن الفاخرة، وتأمير الأمراء فيها وتجنيد الجند بها، وعظموا أسواقها وزادوا فيها القصور والغراس، وجلبوا إليها من أرباب الصنائع كل من فاق في فنه، وبقى كل ما لمحل منها يكبر ويزداد «3» إلى أن أضحت الآن تامة المحاسن، معدودة في أمهات البلاد، وأحاسن الممالك.
وبها الفواكه الكثيرة والخيرات الغزار، وأسعارها رخية وسمتها ملوكية خلا أنها ذات وعر في الصيف بحجب الهواء عن اختراقها، ويعرض بها في الخريف، تغير ينسب إلى الوخم، ولا يبقى بها الثلج كما يبقى من بقية الشام مدخرا إلى الصيف، ولكنه يجلب إليها من جاورها.
وحول حماة مروج [2] ممتدة وبر فسيح يكثر به مصائد الطير والوحش، وليس بعد دمشق في الشام لها شبيه ولا يدانيها في لطف ذاتها من مجاوراتها قريب ولا بعيد وليس لها سوى عملين؛ عمل بارين وعمل المعرة.
[1] نسبة إلى الناصر محمد بن قلاوون الصالحي.
[2]
قارن وصف حماة عند ابن بطوطة 51.