الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما يتعلق بذيل هذه المملكة
ذكر برقة
قال ابن سعيد: هي سلطنة طويلة وإن لم تكن يمكن بها استقلال، لأنه قد استولت عليها العرب، وكان سريرها في القديم مدينة طبرق [1] .
قلت: وليس لها سلطان بل ولا سوى أهل العمد [2] سكان، وقربها إلى أفريقية أكثر من قربها إلى مصر، ولكن ما دون العقبة، لصاحب مصر وأمرها إليه.
أخبرني الأمير الفاضل ناصر الدين محمد بن المحسني أنها بلاد كثيرة الماء، صحيحة الهواء، وأرضها محاجر وحزوز وعرة في الغالب، وبها المروج والأشجار الكثيرة، وبها المدن المبنية الباقية (المخطوط ص 251) البناء إلى الآن، وهي خالية من السكان.
وبها القصور العليّة، والآثار الدالة على ما كانت عليه من الجلالة، وهي اليوم بيد العرب، وهم أصحاب ماشية ودواب سائمة كثيرة من الإبل والغنم، ومنهم من يزرع في بعض أرضها، فتخصب زروعها، ولكنهم أهل بادية لا عناية لهم بعمارة ولا زرع.
وحدثني غير واحد ممن دخلها من العسكر المصري ممن كان جرد إليها، أنها شبيهة بأطراف الشام وجبال نابلس، في منابت أشجارها، وكيفية أرضها، وما كانت عليه، وأنها لو عمرت بالسكان، وتأهلت بالزراع كانت اقليما كبيرا يقارب نصف الشام، وقد كانت برقة مقطعة من مناشير صاحب مصر لابن
[1] طبرق: هي طبرقة مدينة بالمغرب من ناحية البربر على شاطىء البحر، قرب باجه (مراصد الاطلاع 2/878) وهي مدينة طبرق الليبية الآن.
[2]
الخيام.
المحسنى، وكان يتوجه إليها، ويأخذ من العربان بهائم أقطعت لأمراء عربان مصر من سليم، وهم الآن يستأذون من عرب برقة العداد.
وحدثني الأمير فايد بن مقدم السلمي المقطعة له الآن وأن برقة من أزكى البلاد أرضا للدواب، وأمراها مرعى لها، وأما خيل برقة فهي من أقوى الخيل بناء، وإذا قيل الخيل البرقية كفى، وهم «1» مدورات، ليست بمقرطات العلو، ولكنها عراض مرددات صلبة الحوافر، قد جمعت بين سبق العربيات وقوة صدماتها وكمال تخاطيطها، وصلابة حوافر البراذين وثباتها على الجبال والوعور وإدمان الركوب.
وأما صورها فهي بين العراب والبراذين، عليا منها سمات الشبه، وهي إلى محاسن العرّاب أميل، وفحول الخيل البرقية انجب من إناثها، ولجند مصر بها عناية، وتباع بالأثمان الغالية، ولكنها لا تبلغ مبلغ خيل البحرين والحجاز والشام.
وطولها بالمسافة مقدار شهرين، وكانت قاعدة برقة مدينة انطابلس [1] ومن مدنها طبرق وقد تقدم ذكرها، وطجيشه ولبده وهي ذات رخام كثير عمد وألواح، وبها إلى الآن الرخام قائما ونائما، ومن مدنها المشهورة سرت [2] .
وحدثني قاضي الجماعة أبو إسحاق إبراهيم بن أبي سالم عن لبدة أنها مملوءة بالرخام الأبيض الفائق حتى شوارعها وممشى الناس في أسواقها، وأنها (المخطوط ص 252) لا يعوزها من العمارة إلا السكان.
[1] طرابلس: هي طرابلس الغرب على جانب البحر (مراصد الاطلاع 2/882) .
[2]
سرت: مدينة على بحر الروم بين برقة وطرابلس الغرب وأجدابية في جنوبها إلى البر (مراصد الاطلاع 2/704) .
وحدثني الشيخ شرف الدين عيسى الزواوي قال: مررت ببلاد برقة فرأيتها كلها خرابا بيابا «1» مقفرة، ما فيها إلا بادية العرب، وبها القصور المبنية، ليس بها الأغلال مخزونة لهم، وقال لي أن في جبال برقة أشجار مثمرة من الزيتون والفواكه الكثيرة، ولكن ليس بها مدينة معمورة تذكر لها أخبار.
وسكان برقة كلهم أهل بادية، لا يتبايعون إلا بالأمتعة، حتى أن منهم من تكون معه دراهم فيعرضها للبيع فيقول من يشتري منى هذه الدراهم، لأنها ليست عندهم نقدا ولا معاملة.