الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر العيدين
قد تقدم ذكرنا لهيئة السلطان في ركوبه أيام الأعياد وبقى ما لابد من ذكره هنا، وهو أنه إذا ركب من باب قصره بقلعة الجبل، ونزل إلى منفذه من الإصطبل إلى ميدان العبيد الملاصق له، ينزل به في دهليز قد ضرب له على أكمل ما يكون من الأبهة «1» ، فيصلى، ويسمع الخطبة، ثم يركب ويعود إلى الإيوان الكبير المقدم. ذكره، ويمد به السماط، ويخلع على حامل الجتر [1] والسلاح واستاذدار، والجاشنكير «2» ، وكثير من أرباب الذين لهم خدمة في مهم العيد كنواب استاذدار [2] وصغار الجاشنكيرية ونقيب النقباء وناظر البيوت، ومثل هؤلاء.
ومن عادة هؤلاء أن يعد له كل عيد خلعه على أنها لملبوسه من نسبة خلع أكابر «3» المئين، فما يلبسها هو ولكن يخص بها من بعض أكابر أمراء المئين، يخلعها عليه.
ولصاحب مصر في مثل هذه اليد الطولى حتى بقى بابه سوقا ينفق فيه كل مجلوب، ويحضر إليه الناس من كل قطر حتى كاد هذا ينهك المملكة، ويؤدي «4» بمتحصلاتها عن آخرها، وغالب هذا ربما قدره هذا السلطان، ولقد يتعب من يجيء بعده بكثرة هذا الإحسان.
[1] المظلة.
[2]
المدرع: لابس الدرع، وهي وظيفة من وظائف القصر السلطاني.
ولهذا السلطان عادات جميلة كلها من الخلع في أوقات لعبه بالكرة على أناس جرت لهم عنده عوائد بالخلع في ذلك الوقت كالجوكندار «1» [1] والولاه، ومن يجري مجراهم ممن له خدمة في ذلك عادة مما ينعم به ويطلقه (المخطوط ص 233) وإذا حصل لواحد شيئا مما يصيده في صيوده، خلع عليه، وأما إذا خرج إلى صيد الوحش وصادوا الغزلان والنعام فكل من أحضر له صيدا، خلع عليه قباء مستحبا بما يناسب خلعه مثله للكبير كبير وللصغير صغير كل واحد على قدره.
وكذلك البزداريه [2] وحملة الجوارح ومن يجري مجراهم عند كل صيد انعامات ينعم بها عليهم، ولغلمانه في الطاشتخاناه [3] والشرابخانات [4] والفراشخانات [5] ، ومن يجرى مجراهم، عوائد في كل سنة زمان الصيود، كل هذه العوائد «2» جارية لا تنقطع، ولكل من يتصل بخدمة هذا السلطان بمن يرد عليه أو بها جر من مملكة أخرى أنواع الإدرارات والأرزاق والإنعام، وغايات لا يبلغها قرارته في بلاده، ولا يزين بظله.
وكذلك التجار الذين يصلون إليه ويبيعون عليه، لهم عليه الرواتب الدائمة من الخبز واللحم والتوابل والحلوى والعليق والمسامحات بنظير كل ما يباع عليه من الرقيق المماليك والجواري مع ما يسامحهم به أيضا من حقوق تطلق أخرى.
[1] جوكندار: جوگان دار لفظ فارسي وهو المسئول عن لعبة الجوگان المعروفة بالعربية بالصولجان وهي كرة تقذف بعصاه أثناء ركوب الخيل (انظر جوكندار، فرهنگ عميد 1/760) .
[2]
البزدارية جمع مفرده بزدار وهي من بازدار أي المسؤول عن الصقر البازي الخاص بالصيد.
[3]
الطاشتخاناه: هي اللفظ الفارسي طشت خانه أو تشت خانه وهو بيت الطست أو الطس أو الطشت، والطشت إناء مصنوع من معدن (فرهنگ عميد 1/578) .
[4]
الشرابخانه: بيت الشراب.
[5]
الفراشخانات جمع مفرده فراشخانه واللفظ فارسي بمعنى بيوت الفراش.
وكل هؤلاء إذا باعوا عليه ولو رأسا واحدا من الرقيق لهم خلع مكملة، لكل واحد بحسبه خارجا من الثمن، وعما ينعم به على بعضهم أو يستقر به من مال السلطان على سبيل القرض، ليتاجر به.
فأما جلّابة الخيل من عرب الحجاز والشام والبحرين [1] وبرقة وبلاد العرب «1» فإن لهم من ذلك الحظ الوافر والنصيب الراجح، وربما أعطى عن الفرس نظير ثمنها عشر مرات وأكثر، غير الخلع والرواتب والعلوفات والإنزال ورسوم المقامات خارجة عن تثمين الخيول ومسامحات تكتب لهم بالمقررات عن تجارات يتجرون «2» بها، مما أخذوه من أثمان الخيول.
«3» (قلت: وبجنده المملكة جميع قبل الملل، أما القبلة الإسلامية فهو بيت مكة المعظمة، وهو بها كما تقدم، وأما اليهود فقبلتهم البيت المقدس (المخطوط ص 234) وقد كان القبلة الأولى في الملة الإسلامية، وهو بها، وأما الساحرة وهم فرع من اليهود فقبلتهم طور نابلس وهو بها عندهم أنه طور سيناء، وأما النصارى فلا قبلة لهم وتوجههم إلى الشرق لا لقبلة، وجميع معابدهم التي يعظمونها بها مثل قمامة [2] وهي بالقدس، وإليها حجهم، من أقطار الأرض يأتون إليها من البراري والبحار، وبيت لحم [3] به مولد عيسى المسيح عليه
[1] البحرين: مدينة البحرين كبيرة حسنة، ذات بساتين وأشجار شديدة الحر، كثيرة الرمان، (رحلة ابن بطوطة 186) اسم جامع لبلاد على ساحل البحرين بالبصرة وعمان من جزيرة العرب، عمان آخرها ومدينتها هجر (مراصد الاطلاع 1/167) والبحرين الآن دولة.
[2]
يقصد كنيسة القيامة، وهي تذكر دائما عنده وعند ابن بطوطة والبغدادي وغيرهم القمامة.
[3]
بيت لحم: بلد قرب البيت المقدس، المشهور أن عيسى عليه السلام ولد به (مراصد الاطلاع 1/238) .
السلام وكنيسة صيدنايا [1] ببر دمشق، وكنيسة صور [2] ، ومن ملوكهم من لا يصح تمليكه حتى يصلى عليه فيها، وكنيسة ماري حنا [3]«1» بالاسكندرية وهي معتقد اليعاقبة منهم، وبها بطريرك القبط، وملوك الحبشة [4] لعظم هذا البطريرك، وتشير إليه بالتعظيم، وإذا جاءهم كتابه «2» ، عملوا به، لا خروج لهم عنه، ولا مندوحة لهم عند حكمه، وهو يولى عليهم مطرانا بعد مطران، كلما مات واحد بعث غيره، نائبا له فيهم، وذلك المطران يقوم بالحبشة مقام البطريرك في الأمر والنهي فيهم، وانقيادهم أجمعين إلى طاعته من غير مخالفة له ولا عليه في شيء.
حدثني من أثق به أن بعض التجار بمصر جهز مالا له مع مسفر به «3» إلى الحبشة، فمات المسفر «4» وبئس صاحب المال من ماله، وكان مالا كثيرا، فعيل صبره، وشكا إلى السلطنة بمصر حاله، فقيل للبطريرك، فكتب كتابا إلى ملك الحبشة، يأمره بإعادة مال الرجل إليه ثم أن صاحب المال سفر رجلا أعهد عليه فما طال به المكث أتى «5» بجوابه بالامتثال، وأحضر معه جميع المال بعينه أصله
[1] صيدنايا: كنيسة صيدنايا بمدينة صيداء، وهي على ساحل البحر (رحلة ابن بطوطة 48) من أعمال دمشق (مراصد الاطلاع 2/859) .
[2]
صور: بلدة حصينة بالشام، بناؤها عجيب، البحر محيط بها من ثلاث جهاتها (رحلة ابن بطوطة 48) مدينة على بحر الشام (مراصد الاطلاع 2/856) .
[3]
ماري حنا: كنيسة بالإسكندرية، وهي الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية.
[4]
الحبشة: هي أثيوبيا الآن.
وربحه.
وحكى عن تعظيم الحبشة لكتاب البطريرك أنه منذ دخل حدود بلاده وحدودهم «1» ، وعلموا بالكتاب، تلقاه عمال الأطراف بها ورفعوا الكتاب على رمح وحملوه هو ومحضره ومن حضر معه على أرفه «2» الدواب، ورتبوا له الإنزال والإقامات (المطوط ص 235) يوصله أهل كل عمل إلى الآخر على هذه الصورة حتى انتهى إلى حضرة الملك، فبالغ في إكرامه وإنزاله، وإضافته.
فلما كان يوم الأحد أخذ منه الكتاب وقرأه المطران في الكنيسة على الملك، وهو واقف مكشوف الرأس إلى أن فرغ ثم أمر بإحضار المال وتسليمه إليه، ولم يخرج منه مكانه حتى أوصل إليه المال ثم وصله بصلة جيدة، وإفادة مكرمة والإنزال جار عليه من عمل إلى عمل إلى أن خرج من حدوده.
قلت: ولهذا جميع ملوك النصرانية الملكية واليعاقبة تهادى صاحب مصر، وتراسله لاحتياجها لتمكين المترددين من عندهم من زيارة قمامة، وبقية مزاراتهم، واليعاقبة أكثر حاجاتهم إليه لمقام بطريركهم عنده، فإنهم لا باب لهم بخلاف الملكية فإن لأولئك الباب [1] وهو بروميه [2] .
قلت: والباب هو طاغيتهم العظمى عندهم أن الحلال ما حلل والحرام ما حرم، ولا لأحد عندهم مندوحة أن يتأخر عن أمره أو يتقدم «3» .
[1] الباب وهو البابا وهو الرئيس الأعلى للكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وأطلق أخيرا على رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الضياء (المعجم الوسيط 1/37) .
[2]
رومية: وهي روما، حيث يوجد الفاتيكان مقر البابا، وهي مدينة رياسة الروم وعلمهم (مراصد الاطلاع 1/642) .