الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكرك
والكرك مدينة ذات قلعة تعرف بكرك الشوبك، والشوبك «1» أقدم منها، والكرك مدينة محدثة البناء، كانت ديرا يتديره «2» الرهبان ثم كثروا «3» ، فكبروا بناءه، وكثروا أبناءه «4» ، وآوى إليهم أناس من مجاوريهم من النصارى، فقامت لهم به أسواق، ودارت لهم به معايش، وأوت إليه الفرنج، فأدارت أسواره فصار مدينة مشهورة، ثم بنوا حصته [1] فكانت قلعة مذكورة فاستولى عليها الفرنج حتى فتح الله في زمان السلطان الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب رحمه الله تعالى.
وهو مكان صعب المرتقى، لا تليق عقارب صخوره للرقى، قد زاحم الشعر القبور بمناكبه، وعلا في السماء فألقى الهلال نعل راكبه، قعد من البر المقفر على نشز عال لا يبلغه النسر إلا محلقا، ولا يغدو مصباح الصباح إلا على شرفاتها معلقا، فلهذا اتخذته الملوك لمآلها حرزا ولمالها كنزا، ولم يزل لأولاد السلاطين في الأمور ملجأ، ومن الدهور منجا، ماؤه من مطر السماء، وله واد يتفجر عيونه بالماء، وهو (المخطوط ص 279) بلد خصب وإقبال ومنبت زرع ومسرح مال «5» وفيه يقول القاضي الفاضل: وكان الكرك شجى في الحناجر، وقذى في الحاجر،
[1] الكرك وحصن الكرك من أعجب الحصون وأمنعها وأشهرها ويسمى بحصن الغراب، والوادي يطيف من جميع جهاته، وله باب واحد قد نحت المدخل إليه في المجر الصلة (رحلة ابن بطوطة 78) .
ورصد الطرقات المسلوكة وصير في السبل المشكوكة، قد أخذ من الأمان بمخنقها، وقعد بأرصاد العزائم وطرقها، وصار دينا للدهر في ذلك الفجر، وعذرا لتارك فريضة الله من الحج، وحبس من هام الإسلام مكان عمامته، وجثم على أنفاس الحجاز، فلم يدع نفسا يصعد من تهامته فؤاديه من مسائل المعاقل بجمعها، وظله من نجوم الأسنة بمطلعها، وهو والشوبك بسر الله الأمر كبيت الواصف للأسدين:
«ما مر يوم إلا وعندهما لحم رجال أو يولغان دما»
وكفى إشارة أنه مكان الغزاة وقعرها ومستودع الفريضة ومستقرها، مجاورته لتبوك [1] وغزاتها آخر الغزات النبوية، وإلى طريقه انتهت الخطا الحميدة المحمدية، والعمل على آخر الأعمال الشرعية، والوقوف عنده إشارة لا تخفى عن الإفهام اللوذعية، وتحف بهذه القلعة مدينة قد عقل الجبل حبولها وأزلق الغراب أن يطأ ذروتها، وعصم سوار الوادي الملوك معصمها، وحمت غرة الجبل المطل أدهمها فمنكبها حاطم، والله يحطمه، ولها من ندى الغمام راضع، ومهد المنجنيق يفطمنه، وهصروه هصرة فإذا البلد قائم على عروشه بل طريح على نعوشه، قد محيت سلة دنانيره، ومن الدور فما يتعامل بالسكن فيه أهل الغرور، وصار كل مديح في الكنيسة مربطا، وكل مصعد من قلة مهبطا، وكل مسقط رأس بالحقيقة لرأس مسقطا، وفيه يقول أيضا: ومما فتحه الله على سلطاننا بلاد الكرك وما أدراك ما هو قلعة، كانت على الإسلام أية مضرة بل كانت لكعبة الإسلام زادها الله شرفا أية ضرة، وإن نعم الله لأكثر من أن يقصر لها حديثا، وأن الله قد أغشى ليل الشرك (المخطوط ص 280) نهار الإسلام، يطلبه حثيثا، وما
[1] تبوك: الموضع الذي غزاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه عين ماء تجود بشيء من الماء، ولما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت بالماء وما زالت (رحلة ابن بطوطة 78) .
أشك أن في أهل الحرم الشريف مع الرماة رماة بسهام الأسحار، ومجاهدون وبالمحاورة ما خرجوا ولا بعدوا عن البيكاد وكلا وعد الله الحسنى) «1» .