الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بتجارة عظيمة، وخرج هاشم معهم يحوطهم ويؤمنهم ويجمع بينهم وبين رؤساء العرب في جميع طريقهم حتى ورد بهم الشام فأحلهم غزة ومات هاشم في ذلك السفر، فدفن بغزة. [1]
ثم خرج أخوه المطلب إلى اليمن ففعل كفعل هاشم بالشام، وأخذ من ملوك اليمن عهدا لمن يجيء ويسافر إليهم من قريش، ثم أقبل يأخذ الإيلاف ممن يمر به من العرب حتى أتى مكة كما فعل هاشم، وكان المطلب أكبر ولد عبد مناف، وكان يسمى الفيض لكرمه وهلك عبد المطلب بردمان من أرض اليمن في سفرة سافرها.
وخرج عبد شمس بن عبد مناف إلى ملك الحبشة فأخذ منه كتابا وعهدا لمن يجيء من قريش، ورجع يأخذ (المخطوط ص 284) الإيلاف من كل من مر به من العرب من بلاد الحبشة إلى أن أتى مكة كما فعل هاشم والمطلب، فمات بمكة وقبره بالحجون، وكان أكبر من هاشم.
وخرج نوفل بن عبد شمس بن عبد مناف، وكان أصغر من إخوته إلى العراق، فأخذ عهدا من كسرى، ثم عاد يأخذ الإيلاف إلى أن أتى مكة، ثم رجع تاجرا إلى العراق، فمات بسلمان في طريق العراق.
تنبيه
البيت المقدم ذكره اختلف فيه، وأصح الروايات أنه لابن الزبعري، والزبعري في اللغة التعبير اللازب الكثير شعر الأذنين والرأس، وفيه قصر وغلظ، وهو من قصيدة له في هاشم وإخوته على أقواء في البيت الآخر منها وهي:[الكامل]
يا أيها [2] الرجل المحول رحله
…
هلا مررت بآل عبد مناف
[1] وردت في المخطوط مناف فقط.
[2]
وردت بالمخطوط يايها.
هبلتك أمك لو مررت بدارهم
…
لحموك من جوع ومن إقراف
المطعمون إذا الرياح تناوحت
…
والظاعنون لرحلة الإيلاف
والآخذون العهد من أكفافها
…
والناهشون لمقدم الأضياف
عمرو العلى هشم الثريد لقومه
…
ورجال مكة مستنون عجاف
قلت: وهذه خاتمة في ذكر الرحلة، جر الكلام إليها قربها من غزة، يقال أن الذي أحدثها سليمان بن عبد الملك بن مروان [1] ، وإن مدينة فلسطين كانت قبلها له، وأن سليمان وليها من قبل أبيه، وهو صبي، وكان معه من قبل أبيه من يدبره، ويشير عليه، والاسم في الإمارة لسليمان، وكان إلى جانب كنيسة لد بستان، حسن العمارة مليح الموضع، كثير الفواكه، وكان سليمان كثيرا ما يستحسنه، ويجلس فيه، ويستطيبه، فقال يوما للشيخ الذي يرجع إلى رأيه، وكان يسمى رجاء بن حيوة: أحب أن تشتري لي هذا البستان حتى أبني فيه من الأبنية ما يصلح لثلثنا، فكان البستان للقسيس الذي يتولى أمر الكنيسة، وأحضره رجاء وقال (المخطوط ص 285) له ذلك فقال: سمعا وطاعة أحضرني القاضي والشهود حتى أشهد على نفسي بذلك، وأفرغ منه الساعة، فأحضرهم وحضر القسيس فقال لهم جميعا: ألستم تعلمون أن هذا البستان لي، وفي ملكي ويدي، لا مانع لي ولا معارض لي فيه؟، فقال له القاضي والشهود: نعم؛ يريدون بذلك تصحيح الملك، ليصح البيع، فقال لهم: أشهدوا الآن أنى قد حبسته على الكنيسة حبسا تبتلا لا رجعة لي ولا مثنوية فيه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فسقط في أيديهم وتم مكره، وعظم ذلك على من حضر،
[1] سليمان بن عبد الملك بن مروان 54- 99 هـ/ 674- 717 م الخليفة الأموي السابع، أسس مدينة الرملة في فلسطين، وحاصر القسطنطينية، ولم يقو على فتحها توفي في دابق (المنجد في الأعلام 307) .
وهم سليمان بقتله، فمنعه من ذلك رجاء، ورفق به وشاغله، وقال له: سربنا نتفرج ونبرم أمرا يكون فيه هلاك الكنيسة وغيرها، فركبا، وأمر سليمان أن لا يتبعهما أحد، فلما فصلا من لد رأيا بيتا من الشعر مضروبا على ربوة من الأرض هي الآن موضع المصلى، وكان الحر قد اشتد، فقال له رجاء أعدل بنا إلى هذا البيت لتنظر من به، ونريح فيه إلى أن يبرد النهار، فقربا من البيت، وسلما على من فيه وهما لا يريان أحدا، فبرزت لهما منه امرأة ذات برقع ردت عليهما السلام بأحسن رد ولفظ، وسألتهما النزول عندها بلسان فصيح وعزم صحيح، فنزلا، وسألتهما أن يتخففا ويستريحا عندها، وأعجبهما فعلها، ونسى سليمان أمر البستان إعجابا بكرمها وعقلها، وسألاها عن اسمها فقالت: رملة وعرفتهما أن لها بعلا في ماشية اسمه لدّ، وعرضت عليهما الغداء واللبن، وقالت عندي اللبن الحلو واللبن الحامض والخبز الحار والخبز البارد، لأن إيثاري يخالف إيثار بعلى في الطعام، وأنا أعد له ما يؤثر، وأعد لنفسي ما أشتهيه، وقدمت لهما في كل شيء من ذلك، وثردت لهما، وقد ذهلا من حسنها وجمالها وأدبها وحسن فعلها في جميع ما تحاوله، وأقسمت عليهما ليأكلان، وقالت: لو جاز لي أن آكل معكما لفعلت، والطعام يدعو الكرام (المخطوط ص 286) إلى نفسه، فأكلا ونظرا إلى ما حول البيت من الشجر والضياع وغير ذلك، فاستحسنا الموضع، وإشرافه على ما حوله من العمارة.
فقال رجاء لسليمان: لو أمرت ببناء دير ها هنا للنصارى ومسجد للمسلمين، وأمرت في النداء بالناس من أحب أن يكون في حمى من المسلمين والنصارى، فليبن دارا إلى جنب مسجده وديره، لصارت مدينة، ولتعطلت الكنيسة بالدير، وهذا الموضع أحسن من موضع لد، وأعلى، ففعل ذلك، وتبادر الناس من كل أدب من المسلمين والنصارى يحيطون المنازل والقصور على قدر
هممهم ونعمهم.
وكان سليمان خط مسجدا صغيرا ودارا للإمارة لطيفة، فقال له رجاء: غيّر هذا فإنها ستكون مدينة عظيمة فخط مسجدا عظيما كبيرا ودارا واسعة، وهو هذا الجامع، وهذه الدار المعروفة بدار الإمارة.
ثم أن سليمان أراد هدم الكنيسة وأخذ رخامها وعمدها للجامع فراجعه رجاء عند ذلك، وبعث إلى عبد الملك يخبره بما فعل القسيس من غدره ومكره وما فعلاه من بناء المدينة والجامع، وكتب عبد الملك إلى ملك الروم وكان الإسلام في ذلك الوقت ظاهرا على الروم، فأنقذ ملك الروم إلى عبد الملك من دله على موضع أخرج منه عمدا لم ير مثلها في الاعتدال والحسن، وأخرج معهما رخاما منشورا، وغير منشور ما كفى الجامع وفضل عنه.
يقال أنه كان في ضيعة من الداروم [1] ، داروم وغزة، يقال لها عمودا، وكان أكثر ما نال النصارى من ذلك أن ملك الروم ألزمهم نقل العمد والرخام من عمود إلى الجامع وسميت المدينة الرملة باسم المرأة المقدم ذكرها، وأحسن سليمان إليها وإلى بعلها.
[1] الداروم: قلعة بعد غزة للقاصد إلى مصر (مراصد الاطلاع 2/508) .