الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث في التورانيين وهم فرقتان
(المخطوط ص 62) الفرقة الأولى: فيما وراء النهر، الفرقة الثانية: في خوارزم والقبجاق «1» .
الفرقة الأولى فيما وراء النهر وما قبلها وما بعدها «2» من ممالك تركستان، هي من أجل الممالك، وأشهرها، والنهر المشتهر لهم هو جيحون [1] ، وهو النهر الذي ينبع من ونج [2] حتى يصب في بحيرة خوارزم [3] وهي ممالك طائرة السمعة، طائلة البقعة، أسرة ملوك وأفق علماء ودارة أكابر، ومقعد ألوية وبنود [4] ومجرى سوابق وجنود، كانت بها سلطنة الخانية [5] وآل سامان [6] وبني سبكتكين [7]
[1] نهر جيحون ببلاد ما وراء النهر ويعرف في الفارسية بآمودريا والاسم الآري القديم له فخشوا أو وكشو وأحد روافده الآن وخش وعرف عند العرب تجربات (تركستان 146) .
[2]
ونج وهي ونه وهي ببلاد ما وراء النهر (انظر: ياقوت الحموي 4/931) .
[3]
بحيرة خوارزم هي بحيرة آرال في الوقت الحاضر ويصب بها نهري سيحون وجيحون.
[4]
بنود جمع مفرده بند، والعبد هو العلم الكبير (المعجم الوسيط إبراهيم مصطفى وآخرون القاهرة 1972 ج 1/73- انظر: كتابي الدخيل في لهجة أهل الخليج 23) .
[5]
يقصد خانية خوارزم، والخانية هو إقليم أو منطقة وخوارزم أكبر مدن الأتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها، لها الأسواق المليحة والشوارع الفسيحة والعمارة الكبيرة والمحاسن الأثيرة (رحلة ابن بطوطة 239) .
[6]
آل سامان: هم أولاد سامان المنسوب إلى بهرام جوبين، وكان أسد بن سامان في خدمة غسان بن عباد وإلى خراسان فأكرمه وأنعم على أولاده وجعلهم ولاة على سمرقند وفرغانة واشروسنه وهرات، وقد استقلوا فيما بعد وأسسوا دولة آل سامان التي تكونت على يد إسماعيل الساماني سنة 279 هـ واستمرت حتى قضى عليها محمود الغزنوي أواخر القرن الرابع الهجري (انظر: روضة الصفا لميرخواند ترجمة د. أحمد الشاذلي القاهرة 1988 ص 79 وما بعدها- زين الأخبار گرديزى ترجمة د. عفاف زيدان ص 19) .
[7]
بنو سبكتكين: هم أولاد ناصر الدين سبكتكين، كان علاما تركيا وليتّكين صاحب خراسان في عهد منصور بن نوح الساماني، ولما مات اليتكين وابنه إسحاق استقل سبكتكين بحكم غزنة سنة 366 هـ وأسس الدولة الغزنوية (انظر: روضة الصفا النسخة الفارسية 4/28- النسخة العربية 129- ابن الأثير 7/86- ابن كثير 11/286) .
والغورية [1] ومن أفقها بزغت شمس آل سلجوق [2] وامتدت في الإشراق والشروق، وغير هذه الدول مما طم سيول هذه الممالك على قربها.
فأما قبل انتقالها إلى الإسلام فكانت في ملوك الترك لا تروم، ولا ترام، ولا تشق لها سهام، خيم بها الإسلام، وجازت ملكها هذه الأمة، برقت بالإيمان أسرتها، وتطرزت بالجوامع والمساجد قراها، ثم بنيت بها المدارس والخوانق والربط والزوايا، وأجرى الوقف عليها، وكثر من العلماء أهلها، وسارت لهم التصانيف المشهورة في أهل البحث والنظر، ولبخاري [3] من هذه المزايا الفاضلة أوفر الأقسام، ولم يعد علم الفقه والبحث والنظر، ولبخاري [3] من هذه المزايا الفاضلة أوفر الأقسام، ولم يعدّ علم الفقه هذه الأفاق مشرقا، ولم يعد علم هذه الأرض محققا، وما يقال في مملكة من بلادها بخاري وسمرقند [4] ، وترمذ [5] ، وخجند [6] ،
[1] الغوريون: هم أهل بلاد الغور، حارب قائدهم محمد بن سوري محمود الغزنوي وذكر صاحب طبقات ناصري أنهم أسلموا في عهد خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ونقصه ذلك القول العتبي في تاريخ يميني، وقد أسس الغوريون دولة واتخذوا من غزنة عاصمة لها (انظر: روضة الصفا- الترجمة العربية للمحقق 141- طبقات أكبرى ترجمة المحقق 1/23 تاريخ گزيده 5/ر 4
[2]
آل سلجوق: ظهر السلاجقة في بلاد ما وراء النهر واستولوا على خراسان بقيادة طغرل بيگ السلجوقي وحاربوا مسعود الغزنوي حتى طرده خارج خراسان وغزنة وأسسوا دولة السلاجقة.
[3]
بخارى: قاعدة ما وراء نهر جيحون، ينسب إليها إمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، خربها اللعين تنكيز خان (رحلة ابن بطوطة 244- مراصد الاطلاع 1/169) ما زالت بخارى قائمة الآن في جمهورية أزبكستان.
[4]
سمرقند: من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالا، مبنية على شاطىء واد يعرف بوادي القصارين عليها النواعير (رحلة ابن بطوطة 251) مدينة ما زالت قائمة في جمهورية أزبكستان، بلد معروف مشهور بما وراء النهر (مراصد الاطلاع 1/736) .
[5]
ترمذ: مدينة كبيرة حسنة العمارة والأسواق، تخترقها الأنهار بها البساتين الكثيرة (رحلة ابن بطوطة 252) .
[6]
خجند هي خجنده من أعمال فرغانة ثم صارت في القرن العاشر الهجري وحدة إدارية قائمة بذاتها، ومدينة خجند من كبريات مدن ما وراء النهر بها قلعة وشهرستان وريصة (الاصطخري 333- ابن حوقل 394- 395- الطبري 2/1439) .
والمالق [1] وغزنة [2] وأخوات هذه الأمهات، وأخبارها مشهورة، وآثارها مشهودة، ومن نظر من كتب التواريخ رأى مثل عين المتوشم من أحوال هذه البلاد، ومن فيها، وهي وافقة في «1» (الرابع ونادر منه في الثالث أو تمايل إلى الخامس، ولا يكاد يبلغه)«2» من أوسط المعمورة، وأوسع الأرض إذا قيل أنها أخصب بلاد الله، وأكثر ماء ومرعى، لم نعد القائل الحق في أوصافها ذات الأنهار السارحة والمروج الممتدة، كأنما نشرت الحلل على آفاقها، أو كسرت الحلى على حصبائها، وهذه المملكة طولها من ماء السند إلى ماء ايلا (المخطوط ص 63) المسمى قراخوجا وهو يلى بر الخطا، وعرضها من ونج، وهو منبع ماء جيحون إلى حدود كركانج [3] ما عدا خوارزم، وحدها من الجنوب جبال البتم [4] ، وماء السند الفاصل بينها وبين السند، ومن الشرق أوائل بلاد الخطا على خيلام وكلسكان وما هو على سمت ذلك من الشمال مراعي بارات «3» وخجند وبعض خراسان إلى بحيرة خوارزم، ومن الغرب بعض خراسان إلى خوارزم إلى مجرى النهر آخذا إلى الختل [5] .
[1] المالق: الماليق أو الماليغ: مدينة كانت تقع بالقرب من مدينة كولجه الحالية على شاطىء نهر أيلي الذي يصب في بحيرة بلكاشن (انظر: حاشية بلوشيه على جامع التواريخ 410- 411) .
[2]
غزنة: هي غزني وغزنين، بلد محمود الغزنوي، شديدة البرد (رحلة ابن بطوطة 261) وهي قاعدة ملك محمود الغزنوي، وتقع الآن في أفغانستان.
[3]
كركانج: هي جرجانية حاضرة أمراء المأمونية في خوارزم، وهي گرگانج (تركستان 248- 250- فرهنگ أدبيات فارسي 26) وأطلق العرب عليها جرجانية وأطلق عليها المغول أرگينج (المقدسي 288- 289) .
[4]
البتم مرتفعات وجبال ينبع منها نهر زرفشان وهي أيضا تأتي بتمان (تركستان 168) .
[5]
الختل: مقاطعة واقعة بين نهري ينج ووخش وهي تسمى ختل وختلان، وأهم نواحيها وادي نهر كجي سرخاب (تركستان 151) .
ومن بلاد هذه المملكة فرغانة [1] والشاش [2] واستيجاب [3] وأسروشنه (آه)[4]«1» وبلاد الختل، وفيها طرف من السند من غزنة إلى جنوبها وأقاليم هذه المملكة واقعة فيها على ما يذكر، وبلاد الختل آخذة على جانب جبال اليتم مغربا بشمال، ويليها الصعورانات في الشمال، ثم تزيد إلى ما يتاخم خوارزم وبلاد فرغانة، آخذة على جانب جبال اليتم شرقا بشمال ويليها بلاد السابون في الشمال ثم الشاش وأعمالها إلى حائط عبد الله بن حميد المعروف بحائط القلاص في خارجه بلاد استيجاب في الشمال بشرق «2» .
وبلاد الغزنة ممتدة في نهاية الشمال من أطراف بحيرة خوارزم في الغرب إلى بلاد استيجاب في الشرق ومراعي باران، وخجند داخل بلاد الغزنة، بينها وبين حائط القلاص، وبلاد أشروسنة في الوسط على نهاية الأنهار النازلة من جبال اليتم من جهة المشرق.
وأما أكابر مدنها المشهورة وهي القواعد العظام والأمهات الكبار، فإقليم غزنة وإقليم ما وراء النهر وهو بخاري وسمرقند وخجنده وترمذ، وإقليم الشاش وهو الشاش. ومغالاق، وإقليم فرغانة، وهو بدغينان [5] ورباط سرهنك وايدكان وأوش
[1] فرغانة: مدينة عامرة في بلاد ما وراء النهر، ما زالت حتى الآن تابعة لجمهورية أزبكستان- (انظر: وصف فرغانة عند بارتولد 272 وما بعدها) .
[2]
الشاش هي جاج من أعمال أشروسنة، وهي ناحية من نواحي ما وراء نهر سيحون متاخمة لبلاد الترك وهي أكبر ثغر كان في وجه الترك وجاج هي طشقند الحالية (انظر آثار البلاد 548- تاريخ بخارى لغامبري ترجمة د. أحمد الساداتي 94) انظر الخريطة المرفقة.
[3]
استيجاب هي اسفيجاب أو اسبيجاب وهي قرب الشاش من بلاد فرغانة- معجم البلدان 4/1014) انظر الخريطة المرفقة.
[4]
اسروشنة: من قصبات ما وراء النهر من أعمال بخاري (آثار البلاد 540)(انظر الخريطة المرفقة) .
[5]
مرغينان: وهي أهم مدن القرا خانيين ومن أشهر نواحي فرغانة (ياقوت المعجم 4/500) .
وإقليم تركستان شهر كند وجند وفارجند ووأطرار [1] وشبرم وجكل وجاص كن وبرساكن وامزدابان ونيلي وكنجك وطران، وهو المسمى بلاس، ونيكي كن وسيكول والمالق وبيش مالق وحبوك وقرشي وختن وكاشغر وبدخشان ودراوران.
(المخطوط ص 64) ودرّه وبلاصاغون، كل واحدة ذات مدن وأعمال ورساتق [2] وقرى وضياع، مأوى الأتراك، وغيل أسودهم وجو عقبانهم.
وقرشي قاعدة الملك بها الآن وهي علي نهر قراخوجا في نهاية الحد، ثم بخاري ثم سمرقند ثم غزنة وإن كانت بخاري مما لا تسير إليها ركابهم ولا ترسى عليها خيامهم، ولكن «1» لعظمة مكانها، وسالف سلطاتها، وسيأتي ذكر هذه القواعد في مواضعها.
ولم يسلم ملوك هذه المملكة إلا من عهد قريب فيما بعد خمس وعشرين وسبعمائة [3] ، أول من أسلم منهم ترماشيرين [4] رحمه الله، وأخلص لله وأيد الإسلام [5] ، وقام به أشد القيام وأمر به أمراءه وعساكره فمنهم من كان قد سبق إسلامه، ومنهم من أجاب داعيه، وأسلم، وفشا فيهم الإسلام، وعلا عليهم لواؤه، حتى لم تمض عشرة أعوام حتى اشتمل فيها بملأته الخاص والعام، وأعان على هذا ما
[1] أطرار وهي أترار: مدينة من بلاد الترك آخر ولاية خوارزمشاه قتل حاكمها جماعة من التجار المغول سنة 617 هـ، وكان هذا سببا في غزو المغول للمسلمين (ابن الأثير 12/361- 362) .
[2]
رساتق جمع مفرده رستاق وهي القرية (فرهنگ رازي 408) .
[3]
علاء الدين طرمشيرين (ترماشيرين) سلطان ما وراء النهر ولى الملك بعد أخيه وكان أخوه كافرا ويدعى الجكطي كما كان أخوه الملك الأسبق كبگ كافرا وقد أسلم طرمشرين، وملك بلادا واسعة (انظر: رحلة ابن بطوطة 246- 248) .
[4]
ورد بالمخطوط برماسيرين.
[5]
اسخط ترماشيرين المغول عليه بسبب ميله إلى الإسلام والحضارة الإسلامية، ولم يراع الياساق (تركستان 131) .
في تلك الممالك من الأئمة العلماء والمشايخ الأتقياء، فاغتنموا من الترك فرصة الإذعان، فعاجلوهم بدعوة الإيمان، وهم الآن على ما اشتهر عندنا، واستفاض، أحرص الناس على دين «1» ، وأوقفهم عن الشبهات بين الحلال والحرام، وعساكرهم هم أهل النجدة والبأس، لا يجحد هذا من طوائف الترك جاحد، ولا يخالف فيه مخالف [1] .
حدثني خواجا مجد الدين إسماعيل السلامي قال: إذا قيل في بيت هولاكو أن العساكر قد تحركت من باب الحديد [2] يعني من بلاد خوارزم، والقبجاق لا يحمل أحد منهم لم هما، فإذا قيل أن العساكر تحركت من خراسان يعني من جهة هؤلاء السقط «2» ، لأن هؤلاء أقوى ناصرا، وأولئك أكثر عددا، لأنه يقال أن واحدا من هؤلاء بمائة من أولئك «3» .
وقال: ولهذا خراسان عندهم ثغر عظيم لا يهمل سداده، ولا يزال فيه من يستحق ميراث التخت أو من يقوم مقامه لما وقر لهؤلاء في صدورهم من مهابة لا يقلقل طودها، فإنهم طال ما يلوهم في الحروب، وابتلوا بهم فيها.
وحدثني الفاضل نظام الدين أبو الفضائل يحيى بن الحكيم ما معناه أن بلاد هؤلاء متصلة (المخطوط ص 65) بخراسان متداخلة بعضها ببعض، لا يفصل بينهما بحر ولا نهر ولا جبل «4» ولا شيء مما يمنع أهل هذه البلاد عن قصد خراسان، وبينهما وبين خراسان أنهار جارية ومراع متصلة، فإذا أرادوا خراسان تنقلوا في المرعى
[1] انظر: رحلة ابن بطوطة ص 248.
[2]
باب الحديد باب في بخارى (تركستان 197) وباب في كش من بلاد الصفد (تركستان 238) .
واستدرجوا استدراجا لا يبين ولا يظهر أنه لقصد بلاد بل للتوسع في المرعى، فلا يشعر بهم إلا وهم بخراسان، حتى إذا صاروا فيها، جاسوا بها خلال الديار، وعاثوا فيا عبث الذئاب، وهم مع سيرهم المجد من بلادهم إلى خراسان لا مشقة عليهم ولا على دوابهم، لأنهم من ماء إلى ماء، ومن مرعى إلى مرعى.
قال ابن الحكيم: ولهذا يخاف ملوكنا عادية هؤلاء لأنهم لا يعلمون بهم إلا وهم معهم.
قلت: ومن هذه البلاد نجم الدولة السلجوقية [1] في عهد السلطان مسعود السبكتكين [2]«1» ، ما بزغ كوكبهم ثم استعلى نيرهم ونبع معيتهم، ثم فاضت أبحرهم، وكان الاحتجاج بالتنقل في المرعى هو السبب لجر الملك إليهم حتى اشتهر من أعلامهم، وانتشرت أيامهم على ما هو مرقوم في صدر السير وصفحات التواريخ.
ولم يزل لأهل هذه (المملكتين (قديمة)«2» وكان سكان الهند لا يلزمون مقاومتهم، ولا يتقون إلا بصدور الأفيال مصادمتهم، حتى علت والحمد لله بالهند دولة الإسلام، وزادت اليوم بلسطانها القائم علوا، وتناهت غلوا، فنامت عيون أهل هذه البلاد لهيبة ذلك السلطان لعدم هجوده، وسكتت ثعالبهم المخاتلة بزئير أسوده، ولقد كان أهل هذه المملكة لا تزال تجوس أطراف الهند خيولهم، وتحتجف به الأموال والأولاد سيوفهم، حتى نشأ بالهند سلطانه الآن، وشمر للحرب ذيله،
[1] دولة السلاجقة.
[2]
مسعود بن محمود الغزنوي حكم سنة 422 هـ بعد حبس أخيه محمد، ولم يستطع أن يواجه السلاجقة والغوريين ففر ألى الهند ولكنه قتل على يد جماعة من أتباع ابن أخيه أحمد (روضة الصفا 160- 164) .
وجاهد الأعداء في كل قطر، واختلفت كلمة أهل هذه البلاد على ملوكها، فانكفوا لبأس ذلك السلطان، واختلاف ذات البين، وكان ملوك هذه المملكة من أولاد جنكيز خان، وأتباعهم من المحافظة على ياسة «1» جنكيز خان، والتعبدات المعهودة (المخطوط ص 66) . من أهل هذا البيت من تعظيم الشمس، والميل إلى آراء البخشية [1] ، تابعين لما وجدوا عليه آباءهم، يعضون عليه بالنواجذ، مثل تمسك القان الكبير، ومن إلى مملكته بها، بخلاف الفخذين الآخرين ببلاد خوارزم والقبجاق، وأهل مملكة إيران، وإن كان الملوك الأربعة من أولاد جنكيز خان، ومن تبعته تبعوا، ومن أفقه طلعوا، لكن «2» بهذه المملكة والخطا، أشد بياسته تمسكا، ولطريقته إتباعا، وهما مع هذا أعدل بني أبيهما حكما وأنشرهما له في بلادهما ورعاياهما.
وقد قدمنا التنبيه على أن رعايا هذه المملكة وقرارية أهلها من قدما الإسلام السابقين إليه، وكانوا مع كفر [2] ملوكهم في جانب ألا تزان «3» ، لا تتطرف إليهم أذيه في دين ولا حال ولا مال، فلما آل الملك إلي ترماشيرين [3] كما ذكرنا، دان بالإسلام، وأظهره في بلاده، ونشر في خانقى ملكه، واتبع الأحكام الشرعية،
[1] البخشية: كانت ديانة المغول الشامانية وهي عبادة الخان الأعظم ابن الإله المعبود (فتوحات هولاكو 5- 6) ولفظ بخشى من السنسكريتيت Bhikkshu وهو لقب يطلق في الأصل على الرهبان البوذيين (تركستان 555) .
[2]
وردت بالمخطوط كفرهم.
[3]
وهو السلطان المعظم علاء الدين طرمشيرين (ابن بطوطة 246) وهو ترمشيرين بن دوا بن براق بن آسن دوا بن موتكن بن جغتاي بن جنكيز خان حكم خانية جغتاي ما بين سنة 1326- 1334 م.
واقتدى بها، وأكرم التجار الواردين عليه من كل صوب، وكانت قبله الطرقات لا تفتح لتجار مصر والشام إليها، ولا يهم مضطرب «1» في الأرض منهم بالمرور عليها، فلما ملك ترماشيرين، كثر قصد التجار له، وعادوا شاكرين منه، حتى صارت بلاده لهم «2» طريقا قاصدا، ومنهجا مسلوكا [1] .
حدثني الصدر بدر الدين حسن الأسعردي التاجر بما كان ترماشيرين يعامل به التجار والواردين عليه من الإكرام ومزيد الإحسان، وأخذ قلوبهم بكل إمكان.
قال صاحب كتاب صفة أشكال الأرض ومقدارها [2] ، ما وراء النهر من أحضب الأقاليم منزلة، وأنزهها، وأكثرها خيرا، وأهلها يرجعون إلى رغبة في الخير، واستجابة لمن دعاهم إليه مع قلة غائله، وسلامة ناحية وسماحة بما ملك أيديهم، مع شدة شوكة ومنعة وبأس ونجدة وعدة وعدة وآلة وكراع وبسالة وعلم وصلاح.
فأما الخصب فليس من إقليم ألا يقحط أهله مرارا قبل أن يقحط ما وراء النهر (المخطوط ص 67) من واحدة ثم أن أحسوا ببرد أو بحراد أو بآفة تأتي على زروعهم وغلاتهم، ففي فضل ما يسلم في عروض بلادهم، ما يقوم بأودهم حتى يستغنوا به عن شيء، ينقل إليهم من غير بلدهم، وليس بما وراء النهر مكان يخلو من مدن أو قرى أو مراع لسوائمهم [3] ، وليس بشيء لا بد للناس إلا وعندهم منه ما يقيم به أودهم، ويفضل عنهم لغيرهم.
فأما طعامهم في السعة والكثرة فعلى ما ذكرناه، وأما مياههم فإنها أعذب المياه وأبردها وأخفها، قد عمت جبالها وضواحيها ومدنها إلى التمكن من الجمد في
[1] انظر: رحلة ابن بطوطة ص 246- 248.
[2]
كتاب صفة أشكال الأرض ومقدارها.
[3]
السوائم مفردها سائمة وهي كل إبل أو ماشية ترسل للرعي ولا تعلف (المعجم الوسيط 1/483) .
جميع أقطارها، والثلوج من جميع نواحيها، وأما الدواب ففيها من النتاج ما فيه كفايتهم، ولهم من نتاج الغنم الكثير، والسائمة المفرطة، وكذلك الملبوس فإن لهم من الصوف والقز [1] وطرائف البز [2] ، وببلادهم من المعادن وخصوصا الزئبق الذي لا يقاربه في الغزارة والكثرة معدن، وأمّا فواكههم فإنك إذا توطنت [3] السغد وأسروشنه [4] وفرغانة والشاش، رأيت في فواكههم ما يزيد على سائر الآفاق، حتى ترعاها دوابهم، ويجلب إليها من محاسن الأشياء، وطرف البلاد ما يتنافس الملوك فيه.
وأما سماحتهم فإن الناس في ما وراء النهر كأنهم في دار واحدة، ما ينزل أحد بأحد إلا كأنه رجل دخل دار نفسه، لا يجد المضيف من طارق يطرقه كراهية، بل يستفرغ جهده في إقامة أوده، من غير معرفة تقدمت، ولا توقع لمكافأة بل اعتقاد السماحة بأموالهم، وهم في كل امرئ [5] على قدره فيما ملكت يده، وحسبك أنك لا ترى صاحب ضيعة يستقل بمئونته إلا كانت همته اقتناء قصر فسيح، ومنزل للأضياف، فتراه نهاره في إعداد ما يصلح لمن يطرقه، وهو متشوق إلى وارد عليه ليكرمه، فإذا حل بأهل ناحية طارق، تنافسوا فيه، وهم فيما بينهم يتبارون في مثل هذا الشأن، حتى يجحف بأموالهم، كما يتبارى سائر الناس في الجمع والمكاثرة والمال.
قال: ولقد شهدت (المخطوط ص 68) آثار منزل بالصغد [6] ، قد ضربت الأوتاد على باب داره بخيول الضيفان، أن ما بها مكث لا يغلق ما يزيد على مائة
[1] القز وهو الخز ويعني الحرير الخام.
[2]
البزّ: نوع من الثياب (المعجم الوسيط 1/56) .
[3]
وردت بالمخطوط تبطنت.
[4]
وردت بالمخطوط أسروشة.
[5]
وردت بالمخطوط أمرء.
[6]
ترد بالسين والصاد- السغد والصغد من بلاد ما وراء النهر (انظر: الخرائط المرفقة) .
سنة: لا يمنع من نزولها طارق، وربما نزل به ليلا على بغتة المائة والمائتان والأكثر من الناس بدوابهم وحشمهم، فيجدون من طعامهم ودثارهم وعلف دوابهم ما يكفيهم، من غير أن يتكلف صاحب المنزل أمرا بذلك، أو يتجشم عبئا، لدوامه مع البشاشة بأضيافه لعلم سروره بهم كل من شهده.
قال: وترى الغالب على أهل المال والثروة صرف أموالهم على خاصة أنفسهم في الملاهي، وما لا يرضى الله تعالى، والمنافسات فيما بينهم، والغالب على أهل الثروة والمال في ما وراء النهر صرف أموالهم في عمل المدارس وبناء الرباطات وعمارة الطرق والأوقاف على سبيل الجهاد ووجوه الخير وعقد القناطر إلا القليل من ذوي البطالة، وليس من بلد ولا سبيل مطروق ولا قرية آهلة إلا وفيها من الرباطات [1] ما يفضل عمن ينزل به.
قال: وبلغني أن بما وراء النهر زيادة على عشرة آلاف رباط في كثير منها، إذا نزل النازل أطعم وعلق على دابته.
قال: وقلّ ما رأيت خانا [2] أو طرف سكة أو محلة أو مجمع ناس بسمرقند في المدينة وظهرها إلا وبه ماء مسبل بجمد.
قال: وحدثني من له خبرة أن بسمرقند وظواهرها ما يزيد على ألفي مكان يسقى فيها ماء الجمد مسبل عليه الوقوف، من بين سقاية مبنية وجباب نحاس منصوبة وقلال خزف مثبتة في الحيطان [3] .
وأما بأسهم فمشهور مستفيض، وفي بعض الأخبار أن المعتصم سأل عبد الله [4]
[1] مفرده رباط وهو ملجأ الفقراء من المتصوفة (المعجم الوسيط 1/335) .
[2]
الخان مكان فسيح خاص لنزول التجار، وهو مكون من طابقين، طابق لنزول الدواب والثاني لإقامة التجار (انظر: فرهنگ رازي 260) والخان: الفندق (المعجم الوسيط 1/272) .
[3]
وردت بالمخطوط الحيطا.
[4]
عبد الله بن طاهر بن الحسين، تولى أمر خراسان لمدة سبع عشرة سنة كان كاتبا وأديبا وقائدا مشهورا، كان-
أو كتب إليه يسأله عن من يمكنه حشده من خراسان وما وراء النهر، فأنفذ إلى نوح ابن أسد بن سامان [1] فكتب إليه أن ثم ثلاثمائة ألف قرية، إذا خرج من كل قرية فارس وراجل لم يتبين أهلها فقدهم.
قلت: ولقد حدثني الصدر مجد الملك يوسف بن زاذان (المخطوط ص 69) البخاري أنه يوجد عند آحاد العامة من عشرين دابة إلى خمسمائة دابة، لا كلفة عليه في اقتنائها لكثرة الماء والمرعى.
قال: وهم أهل طاعة لسلاطينهم، وانقياد لأمرائهم حتى أن المتولى لأمورهم يتصرف في أموالهم وأمورهم وسائر أحوالهم تصرف المالك في ملكه، والمستحق في حقه، متبسطا في ذلك، مادا يده لا هو يتحشى، ولا صاحب المال والحال يتشكى، كلاهما طيب القلب، قرير العين، راض بصاحبه.
وحدثني الشريف السمرقندي أن أهل هذه البلاد في الغالب، لهم بواعث هم على طلب العلم، والمظاهرة على الحق والمضاهاة في الخلال الحميدة، إلا من قل وقليل ما هم.
وقد ذكر علي بن مشرف [2] في كتاب ألفه باسم الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل [3]، ذكر فيه ما وراء النهر فقال: وهي في الدنيا أنموذج الجنة في
- عادلا وكريما، له أشعار بالعربية (انظر روضة الصفا 50- زبن الأخبار گرديزي 14- مروج الذهب للمسعودي 4/200- ابن الأثير 9/8- ابن كثير 1/35) .
[1]
نوح بن أسد بن سامان: تولى أمر سمرقند من قبل والي ما وراء النهر غسان بن عباد، وهو أحد أبناء أسد بن سامان مؤسس الدولة السامانية (روضة الصفا ص 79- 80) .
[2]
علي بن مشرف: هو علاء الدين أبو الحسن علي بن مشرف المارد بني الشافعي الأديب، كان في حدود سنة 620 هـ، له إثبات الدليل في صفات الخليل وهو ديوان شعر (انظر: هدية العارفين 1/705) .
[3]
بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل في عهد أرسلان شاه بن مسعود ثم في عهد ولده القاهر، ولما توفي القاهر سنة 615 هـ، انفرد بالسلطة ودام حكمه ثلاثة وأربعين عاما، وقد صالح هولاكو، ودخل في طاعته وحمل إليه الأموال في بغداد، توفي سنة 656 هـ (انظر: أبو الفداء 3/198- تاريخ ابن خلدون 5/1151- دائرة المعارف البستاني 5/241- 243) .
الآخرة، لا يحمل المسافر فيها ماء ولا زادا، ولا يحتاج رفيقا، ولا يستشكل طريقا مكان فاتك وناسك، ورد إليها قفل تجار [1] مات منهم واحد، له بضائع جليلة، وأموال كثر، ولم يكن ثم له وارث، فاحتاط نواب الديوان على ماله، وبلغ هذا سلطان الناحية، فأنكر غاية الإنكار، فقال: ما لنا نحن ولأموال التجار، ومعه رفاق هم أعلم بحاله، فإن كان له وارث بلغوه أمانتهم من ميراثهم، وإلا فهم أحق برفيقهم، وأولى بماله، ثم طلب التجار، وأمرهم بتسليمه، فامتنعوا، وقالوا: هذا رجل لا وارث له منا، ولا في بلده، ولا نعرف له وارثا بالجملة، ولا نعلم (من)[2] يرثه إلا بيت المال، وتجارته تقارب ثمانمائة ألف درهم، وقد مات منا، وأنتم أحق به، فغضب، وقال: لا والله نحن ما نأخذ إلا ميراث من مات من بلادنا، ولا وارث له، وأما هذا فملك بلاده، وأحق بميراثه، خذوا المال، فاحملوه إليه، قال: فأخذوه معهم إلى توريز [3] ، وأعطوه لصاحبها، لأن الرجل كان منها.
ورأيت في كتاب آخر سماه مؤلفه تفضيل الرحلة ألفه لبدر الدين لؤلؤ أيضا، ولم يسم مؤلفه نفسه، قال:(المخطوط ص 70) ، وعبرنا [4] في طريقنا إلى خان بالق ببلاد كثيرة، أجلها ما وراء النهر، وهي مما تنفذ العبارة دونها ما شئت من حسن وإحسان وحور وولدان وفاكهة صنوان وغير صنوان [5] وماء- كما قال- عن برد إحسان ملك كبير، وخير كثير، وأقوام لهم يلذ العيش ويليق عند ثباتهم الطيش، قوم كرام لا يخف لهم أطواد أحلام، ومن بلادهم معادن أشرفها الرجال،
[1] قفل تجار: أي قافلة تجار.
[2]
ما بين القوسين للمحقق.
[3]
يقصد تبريز: وقد ذكرها توريز في مواضع كثيرة كما فعل أمثاله من المؤرخين العرب.
[4]
وردت بالمخطوط وعبر.
[5]
إشارة إلى قوله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
[الرعد: الآية 4] .
ومنها اللعل الأحمر واللازورد الأزرق، وما هو من هذه الأمثال.
قلت: وبالغ في وصفها وهي كذلك، وأما ما أشار إليه من المعادن فيها فهو بدخشان، وهي مع مملكة ما وراء النهر، وليس حقيقة منه، ولا من تركستان، بل هو إقليم قائم بذاته [1] معدود للمحاورة مع أخواته، قد حوى كل بديع من حيواته، ومعدته، ونباته.
قلت: وبلغني ممن أثق به منهم أن من يسق [2] ملوكهم أنه إذا راح من عساكرهم ألف فارس إلى مكان وقتل منهم تسعمائة تسعة وتسعون فارسا، وسلم ذلك الفارس الواحد، قتل ذلك الواحد لكونه لم يقتل مع البقية، اللهم إلا أن حصل النصر لمن سلم.
وملوك هذه المملكة من بني جنكيز خان، وقد قدمنا القول أن أحوال بني جنكيز خان متقاربة في ممالكهم، لمشيهم على ياسة جنكيز خان، ولا تكاد تمتاز أهل مملكة من ممالكهم عن الآخرين إلا فيما قل.
ومعاملة ممالك قسمي إيران هؤلاء، وأهل خوارزم، والقبجاق ومعظم إيران بالدينار الرائج وهو ستة دراهم، وفي بعض هذه بالخراساني وهو أربعة دراهم، ودراهم أهل هذه المملكة خاصة من فضة خالصة غير مغشوشة، فهي وإن قل وزنها عن الدرهم معاملة مصر والشام فإنها تجوز مثل جوازها لخلوص هذه الدراهم وغش تلك، لأن ثم أن تلك الدراهم نوعان؛ درهم بثمانية فلوس ودرهم بأربعة فلوس، ويوجد بهذه المملكة من الحبوب القمح والشعير، والحمص والأرز والدخن وسائر الحبوب خلا الفول.
وأسعارها جميعا رخية (المخطوط ص 71) فإذا غلت فيها الأسعار أغلى [3]
[1] ورد بالمخطوط بدادته.
[2]
يسمى هي الياسا والياصا الجنگيزية.
[3]
وردت بالمخطوط أغلا.
الغلو، كانت مثل أرخص الرخص بمصر والشام.
وبها من الفواكه المنوعة الثمار العنب والتين والرمان والتفاح والكمثرى والسفرجل والخوخ والعين والمشمش والتوت والبطيخ الأصفر والأخضر والبطيخ الأصفر بهذه البلاد نهاية، والبخاري والسمرقندي أحسن أنواعه، وإن كان الخوارزمي يزيد عليه في الحسن واللذاذة على ما نذكره في مكانه.
وبها الخيار والقثاء واللقف والجزر والكرنب والباذنجان والقرع وسائر أنواع البقول وأنواع الرياحين من الورد والنرجس والآس والنيلوفر [1] والحبق والبنفسج وإن قل، ولا يوجد بها الأترج والنارنج والليمون والليم ولا الموز ولا قصب السكر ولا القلقاس ولا الملوخيا، فإنها من ذلك عارية الحدائق، خالية الدوح، إلا ما يأتي من المحمضات إليها مجلوبا. فأما الدواب والخيل والبغال والحمير والإبل البخت [2] والبقر والغنم، وأقلها البغال والحمر وأكثرا الأغنام فإنها في هذه البلاد كما يقال أعورتها الزرائب بالمالق، وما يليها بملأ الفضاء، ويسد عين الشمس، وهي بلاد قريبة من الاعتدال، لا تفرط في حر ولا برد، ذات عيون دافقة، وأنهار سارحة، ومراع متسعة مربعة، وخصب مفرط، يزكو حيوانها ونباتها ومعادنها.
قال لي الشيخان صدر الدين محمد ومحمد الخجنديان الصوفيان بالخانقاه الفوهية أنه لولا موتان يقع في خيل المالق [3] وأغنامها في بعض السنوات، لما أبتيعت، ولا يوجد من يشتريها، لكثرتها وبركات نتاجها.
قالا: ومدينة بدخشان [4] بها معدل اللعل البدخشاني لم يمكنا أن نتكلم
[1] وردت بالمخطوط الليفوفر.
[2]
الإبل البخت: هي الإبل الخراسانية واحدها بختى. وجمعها بخاتي وبخات (المعجم الوسيط 1/42) .
[3]
المالق أو الماليق مدينة كانت قرب كولجه الحالية على شاطىء نهر إيلي الذي يصب في بحيرة بالكاش (انظر حاشية بلوشيه على جامع التواريخ 410- 411) .
[4]
وردت بالمخطوط برخشان.
بشيء قبله، فقال له: كم قيمة هذه القطعة يا نجم الدين؟ فقال ما يعرف قيمة هذه إلا من ملك مثلها، أو رأى مثلها، وأنا وأنت والسلطان وجميع من حضر ما رأى مثلها، ولا قريبا منها، فكيف نعرف قيمتها؟ فاستحسن هو وكل من حضر قوله وصالحوا صاحبها وهو المسمى في البلاد بالبلخش ومعدن اللازورد الفائق وهما في جبل بها يحفر عليهما في معادنهما فيوجد اللازورد بسهولة ولا يوجد اللعل إلا بنقب كبير وانفاق زائد وقد لا يوجد بعد النقت الشديد والانفاق الكبير ولهذا عز وجوده وغلت قيمته فكثر طالبه والتقت الأعناق إلى التحلي به. قلت: وأنفس قطعة وصلت إلى بلادنا من البلخش قطعة وصلت مع تاجر في الأيام العادلية الزينية واحضرت إلى العادل كتبغا [1] وهو بدمشق إذ ذاك. قال لي أحمد ناظر الصاغة أحضرني الصاحب شهاب الدين أحمد الحنفي ومن يعرف الجوهر وجماعة من الأكابر منهم نجم الدين الجوهري وارانا ملك القطعة فرأيناها قطعة جليلة مسننة على هيئة المشط.... زنتها خمسون درهما وهي نهاية في الحسن وغاية في الجود كاد يضيء إليها المكان وسألنا عن قيمتها كم تساوي [2] فأشرنا إلى نجم الدين الجوهري لأنا لا يمكننا أن نتكلم بشيء قبله، فقال له: كم قيمة هذه القطعة يا نجم الدين؟ فقال ما يعرف قيمة هذه إلا من ملك مثلها أو رأى مثلها وأنا وأنت والسلطان وجميع من حضر ما رأى مثلها ولا قريبا منها فكيف نعرف قيمتها؟
فاستحسن هو وكل من حضر قوله وصالحوا صاحبها.
وسنذكر جملة مما هي عليه قواعد هذه البلاد، وأول ما نبدأ بفريبي [3] قاعدة الملك بها، وإن لم تكن شيئا مذكورا، ولها شيء على اختلاف حالات الزمان شهرة
[1] العادل كتبغا هو أنو شيروان بن طغا تيمور حكم ما بين 744 هـ- 756 هـ (جامع التواريخ 2/14) .
[2]
وردت بالمخطوط كم تسوى.
[3]
فرسبي أو فريبي، لم أعثر عليها وربما يقصد مدينة فروان أو يروان التي ما زالت تحتفظ بهذا الاسم حتى الآن مع أن عاصمة بدخشان هي جرم قرب فيض آباد- (بدخشان دائرة المعارف الإسلامية مادة بدخشان) .
تذكر، ولكن لما شملتها به في دولة ملوكها الآن من نظرات السعادة لنسبتها إلا أنها سكن لهم، وإن كانوا ليسوا بسكان جدار ولا متدبرين في ديار، ولكن لاسم وسمت به.
وأما بخاري فأم أقاليم، ويم تقاسيم، وقد كانت للدولة السامانية قطب نجومهم السائرة، ومركز أفلاكهم الدائرة، وكانت تلك الممالك كلها تبعا له، وكان آل سامان بها، وإن لم يتسموا بالسلطنة، ولا وسموا بغير الإمرة كالخلفاء لا يباشروا الأمور إلا نوابهم، ولا يخرج إلى الحروب إلا قوادهم، ودست قواعد [1] دولتهم، وأذعنت لهم ملوك الأقطار، ولم تكن ملوك بين بويه [2] على عظمة سلطانهم إلا كالأتباع لهم، يحملون إليهم الحمول والقماش المطرز بأسمائهم وأسماء أرباب دولتهم كالوزير والحاجب.
وحكى أبو نصر العتبي [3] :....... [4](المخطوط ص 73) وكتب نوح [5] بن إلى ابن بويه كتابا يهدده فيه، فكتب جوابه: يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا، فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، ثم لم يرسل هذا الجواب، خوفا لما وقر في صدورهم من مهابة آل سامان إلى أن قضى الله فيهم بأمره، وولى زمانهم،
[1] دست: مقر حكم السلاطين (فرهنگ رازي 332) صدر المجلس (المعجم الوسيط 1/292) .
[2]
بنى بويه: ينسبون إلى بهرام گور، وقيل إنهم من نسب ديلم بن ضبة وذكرهم ابن مسكوية في تجارب الأمم إنهم يزعمون إنهم أبناء يزدجرد واكد ذلك صاحب الكامل في التاريخ، جدهم أبو شجاع بويه استولى أبناؤه على بلاد الديلم طبرستان وكيلان ومازندران والري وقزوين وهمدان وأصفهان، وسيطروا على الخليفة العباسي، واستمرت دولتهم حتى سنة 487 هـ (انظر: روضة الصفا 181 وما بعدها- تجارب الأمم لابن مسكويه 6/279- ابن كثير 11/173 وما بعدها- ابن الأثير 7/231 وما بعدها) .
[3]
أبو نصر العتبي: أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبي من المؤرخين والأدباء في القرن الرابع والخامس الهجري، عاصر الغزنويين، له كتاب تاريخ يمينى ألف للسلطان محمود الغزنوي توفي سنة 427 هـ (فرهنگ أدبيات فارسي 239) .
[4]
فراغ مقداره سطر ونصف.
[5]
فراغ مقداره 3 سم.
وجاء زمان سبكتكين على إثره، قال العتبي: وخمدت تلك الشعلة.
قال صاحب كتاب أشكال الأرض ومقدارها: لم أر، ولم أسمع بظاهر بلد أحسن من بخاري، لأنك إذا علوت ولم يقع نظرك من جميع النواحي إلا على خضرة تتصل خضرتها بلون السماء فكأن السماء مكبة زرقاء على بساط أخضر، تلوح القصور فيما بين ذلك كالتراس الشتية والحجب الملطية وكالكواكب العلوية بياضا ونورا بين أراض وضياع مقسومة بالاستواء، مهذبة كوجه المرأة بغاية الهندسة، وليس بما وراء النهر ولا غيرها من البلاد أحسن قياما بالعمارة للضياع منهم، مع كثرة متنزهات في سعة المسافة وفسحة المساحة، متصلة بعضد سمرقند.
قال: ويحيط ببخاري وقراها ومزارعها سور [1] ، قطره اثنا عشر فرسخا في مثلها، كلها عامرة ناضرة زاهرة، ولبخاري سبعة أبواب حديد وهي: باب المدينة، وباب بوت، وباب جفره، وباب الحديد، وباب قهندز [2] وباب بني أسد [3] ، وباب بني سعد [4] ، ولقهندز هنا بابان أحدهما يعرف الريكستان [5] ، والأخرى باب الجامع [6] ، يشرع إلى المسجد الجامع، وعلي الربض دروب، فمنها درب يخرج
[1] انظر: أسوار القلعة وأبوابها في تاريخ بخارى للنرشخي وتاريخ بخارى لفامبري ترجمة د. أحمد الساداتي) .
[2]
يقصد به كهن دز، وقد أوردها في كل المخطوط قهندز، وكهن دز تعني القلعة القديمة (فرهنگ رازي 331- 737) .
[3]
بني أسد وبني سعد بطون من قبائل عربية الأصل، صحبت قتيبة بن مسلم الباهلي عند فتحه بخارى، واستوطنت بجوار المدينة القديمة وبعضهم استقر بالمدينة (انظر: التخطيط المرفق في آخر الكتاب) .
[4]
يذكر الإصطخري أن أبوابها كانت أحد عشر بابا وهي: باب الميدان، إبراهيم، الريو، المردكشان، كلاباذ، النوبهار، سمرقند، فغاسكون، الراميثنة، حدشرون، غشج (المسالك والممالك 306 وما يليها) .
[5]
الريكستان في الغرب، وكان يسمى باب علف خروشان أو كاه فروشان (أي باعة العلف)(تاريخ بخارى نرشخى 7/22) .
[6]
باب المسجد الجامع في الشرق وأطلق عليه النرشخي باب غوريان.
إلى خراسان، يعرف بدرب الميدان، ودرب يلى المشرق، ويعرف بدرب إبراهيم، ويليه درب يعرف بالربعة، ويليه درب المردكسان [1] ، ويليه درب كلاباذ [2] ، ويليه درب الوفهار [3] ، ويليه درب سمرقند، ويليه درب (المخطوط ص 74) بغاشلوز [4] ، ويليه درب الرامينية [5] ، ويليه درب حدس [6] ، ويليه درب غشج [7] .
وليس في مدينة بخاري ولا قهندزها [8] ، ماء جار لارتفاعها، ومياهها من النهر الأعظم الجاري من سمرقند، ويتشعب من هذا النهر الأعظم في مدينة بخاري نهر يعرف بنهر فنتيرديز [9] فيأخذ من نهر بخاري، ويجري في درب المردكشان على حد باب إبراهيم حتى ينتهى إلى باب البلعمي [10] ويقع في نهر ميركيده [11] ، وعلى هذا النهر نحو ألفي بستان وقصور وأراض كثيرة، وشهرتها منه.
ومن فم هذا النهر إلى مفيضه نحو فرسخ ونهر يعرف بجوي بار بكار [12] يأخذ
[1] المردكشان وهو باب سلخانه الحالي (تركستان 196) .
[2]
كلّاباذ وهو باب كوله (قرشي) الحالي (تركستان 196) .
[3]
وهو النوبهار وهو الآن باب مزار.
[4]
فغاسكون وهو باب إمام خاليا.
[5]
الراميثنة وهو الآن باب أوغلان.
[6]
باب حدشرون وهو الآن باب طليج.
[7]
باب غشج وهو الآن باب شيركيران.
[8]
القلاع القديمة.
[9]
وهي منارة زر الكبرى كما ذكرها الإصطخري ص 307 وما يليها.
[10]
باب الشيخ الجليل أبي الفضل هذا هو اسمها ويقصد به أبا الفضل البلعمي وزير السامانيين المتوفى سنة 329 هـ (تركستان 199) .
[11]
هو قناة نوكنده وتأخذ من القناة الرئيسية عند دار حمدونه وهي مصب لبقية القنوات.
[12]
هو جويبار بكار وتعني المجرى الذي تعم به الفائدة ويخرج من موضع وسط المدينة.
من المذكور آنفا في وسط المدينة بموضع يعرف بمسجد أحمد [1] وبغيض بني كنده [2] ، وعلى هذا النهر مشرب بعض الربض ونحو ألف بستان ونهر يعرف بجود بار القواريريين [3] يأخذ من النهر المذكور بموضع يعرف بمسجد العارض، فيسقى بعض الربض، وهو أغزر وأعمر الأراضي من نهر بكار ونهر نوكنده يأخذ من النهر المذكور ومن المدينة عند رأس سكة ختع [4] ، فيسقى بعض الربض ويغيض في المفازة [5] ، ويليه نهر الطاحونة يأخذ من النهر المذكور في المدينة بموضع يعرف بالنوبهار [6] ، وعليه بيوت أهل الربض ويدير أرجية كثيرة حتى ينتهى إلى بيكند [7] ، ومنه شرب أهل بيكند، ونهر يعرف بنهر كشنه [8] ، يأخذ من النهر في المدينة عند النوبهار، عليه شرب أهل النوبهار، فيفضي «1» إلي حصون وضياع وبساتين حتى يجاور كشنه، ونهر يعرف بنهر تاج [9] يأخذ من النهر المعروف بالريكستان، ويسقى بعض الربض، وينتهى إلى قصر رباح، فيسقى نحو ألف بستان وقصور هناك وأراضي كثيرة دون البساتين.
[1] مسجد أحيد (تركستان 199) .
[2]
نوكنده.
[3]
جويبار القواريريين (أي مجرى صناع الزجاج) .
[4]
أي المرشد.
[5]
الصحراء.
[6]
النوبهار: موضع قديم كان به صنم، وبه معبد يعد من أعظم بيوت الأصنام في بلخ ببلاد خراسان والتي بناها منوجهر بن إيرج بن افريدون (آثار البلاد 9/476) .
[7]
بيكند: اسم مدينة ببلاد ما وراء النهر قرب بخارى، وبيكند هنا قناة تأخذ من القناة الرئيسية وتصب في نوكنده.
[8]
انظر: تركستان لفامبري ص ر 200
[9]
هو نهر رباح ويخرج من القناة الرئيسية قرب الريكستان وتصل إلى قصر رباح.
ونهر الريكستان يأخذ من النهر المذكور بقرب إلى الريكستان ومنه يشرب الريكستان وأهل القهندز ودار الإمارة حتى ينتهى إلى قصور جلال ديزه.
ونهر يأخذ من النهر المذكور بقرب قنطرة حمدونه تحت الأرض إلى حياض بباب بني أسد [1] ، ويقع فضله في فارقين القهندز.
وهذه الأنهار طائفة ببخاري وجنانها «1» ولها رساتق [2]«2» كثيرة، ونواح نفيسة وأعمال جليلة وضياع ليس (المخطوط ص 75) مثلها لأهل بلد، وإن كان لأهل ناحية أو إقليم ما يضاهى بعضها، فليس كهي، على وفورها وكثرتها.
وجميع أبنية بخاري على استماك البناء والتقدير في المساكن وارتفاع أراضي الأبنية، فهي محصنة بالقهندزات [3] وليس في داخل هذا الحائط جبل ولا مغارة ولأرض عامرة، وأقرب الجبال إليها جبل وزكر، ومنه حجارة أبنيتهم، وفرش أرضهم، ومنه طين الأواني والكلس والجص، ولهم خارج المدينة ملاحات، ومحتطبهم من بساتينهم، وما يحمل إليهم من المفاوز من الفضاء والطرق.
وأراضي بخاري كلها قريبة من الماء لأنها مغيض ماء السغد [4] ، ولذلك لا تنبت الأشجار العالية بها مثل المركب «3» والجوز وما أشبهها، وإذا كان من هذا الشجر شيء فهو قصير غير تام.
[1] انظر: تركستان لبارتولد 200.
[2]
رساتق مفرده رستاق بمعنى قرى (فرهنگ عميد 2/1072) .
[3]
قهندزات جمع مفرده قهندز وهي بالفارسية كهن درّ أي القلعة القديمة (فرهنگ رازي 331) .
[4]
وردت بالقاموس ماء السعد.
ومن عمارة بخاري أن الرجل ربما أقام على الجريب [1] الواحد من الأرض، فيكون فيه معاشه وكفافه، هو وجماعة أهله.
ولبخاري مدن في داخل حائطها وخارجه، فأما داخله فالطواويس [2] ومخلسب ومغركلن وزبيده وحجاره [3] ، وهي كلها في داخل الحائط، وكلها ذوات منابر، ومن خارجه بيكند وفرير وكرمنينه وجدمنكن وجزعامكت ومديا مجكث [4] ، وجميع المدن التي داخل الحائط متقاربة في القدر والعمارة ولجميعها قهندزات عامرة، وأسواق جادة، وبساتين كثيرة، سيما ما كان بييكند فإن بها من الرباطات ما ليس ببلدان ما وراء النهر كرباط هوا، وما يقاربه، ويقال أنه كان بها ألف رباط، ولها سور عظيم حصين، ولها مسجد جامع «1» تونق فيه، وفي بنائه، وزخرف محرابه، وليس بما ما وراء النهر أحسن زخرفة منه.
وقرير مدينة قريبة من جيحون ولها قرى عامرة، وهي في نفسها حصينة، مقصودة بفاخر المطاعم والمآكل الطيبة اللذيذة، وهي مدينة بقية الحفاظ قدوة أهل المشرق والمغرب أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وكفى [5] به فخرا باقيا،
[1] الجريب: مساحة من الأرض المزروعة تعادل عشرة آلاف متر مربع (فرهنگ رازي 196) وتعني المزرعة ومكيال مقداره أربعة أقفزة (المعجم الوسيط 1/119- انظر: مادة جريب بدائرة المعارف الإسلامية وبتاج العروس 1/179) .
[2]
الطواويس على مسافة سبعة أو ثمانية فراسخ من بخارى، ولكنها داخل السور الذي يحيط ببخارى ضواحيها وقد أخذت اسمها منذ سنة 91 هـ حين شاهد العرب الطواويس، وكان الاسم القديم لهذه الناحية أرفود (انظر: الاصطخري 313- المقدسي 281 الطبري 2/1230- ياقوت المعجم 1/209) .
[3]
وردت المدن التالية زرمان وربنجن وحذيمتكن وطواويس (انظر الإصطخري 334- ابن خرداذبة 26- الطبري 2/1529 النرشخي 10- ياقوت 4/268) .
[4]
خراجر كرمينية وخديمنكن وجرغا نكث ومذيا مجكث.
[5]
أضاف في الهامش (لأهلها وغيرهم) .
وذكرا دائما، وأهل بخاري يرجعون إلى أدب وعلم وفقد وديانة وأمانة وحسن سيرة وجميل معاملة وإفاضة خير وبذل معروف وسلامة نية ونقاء طويلة.
ويتحدث أهل بخاري على قديم الأيام بطريف من أحاديثهم، وهو أنهم يتفاوضون من غير خلاف، أن من بركة طلعهم وقدرهم «1» أنه ما خرج منها جنازة وال قط، ولا عقد فيه لواء، ولا راية خرجت منه، وكان أول من اتخذها دارا، وجعلها قرارا من آل سامان أبو إبراهيم إسماعيل بن أحمد [1] ، فإنه جاءته ولاية خراسان وهو مقيم بها، فنزل بساحتها، واتخذها قاعدة له، ثم توالى عليها بنوه إلى آخر أيامهم، وانقضاء أحكامهم على ما قدمنا.
وأما سمرقند فإنها «2» مدينة مرتفعة، ولها قهندز [2] وربض يشرف الناظر بها على شجر أخضر وقصور تزهر وأنهار تطرد وعمارة تتقد، لا يقع الطرف بها على مكان إلا ملأه ولا بستان إلا استحسنه.
قال صاحب كتاب أشكال الأرض: وقد قصصت أشكال السرو «3» ، فشهت بطرائف الحيوان من الأفيلة والإبل والبقر والوحوش المقبلة بعضها على بعض كالمناجية، هذا إلى أنهار تطرد وبرك منجورة «4» ظريفة المعاني وقصور مستشرفات.
قال مسلم بن قتيبة: لما أشرفت على سمرقند، شبهوها، فلم يأتوا بشيء،
[1] إسماعيل بن أحمد الساماني: أول سلاطين السامانيين، تولى أمر بلاد ما وراء النهر سنة 279 هـ، وقضى على عمرو بن الليث الصفار كان خيرا كريم الطبع مات سنة 295 هـ (انظر: روضة الصفا، الترجمة العربية 81- الطبري 10/74- ابن الأثير 6/77- حمد الله المستوفى 4- تاريخ بخارى لفامبري 122- زين الأخبار 21- 22- ابن كثير 11/104) .
[2]
قلعة.
فقال: كأنها السماء في الخضرة، وكأن قصورها النجوم الزاهرة، وكأن جداولها أنهار المجرة، فاستحسنوا هذا التشبيه.
وبسمرقند حصن ولها أربعة أبواب، باب مما يلي المشرق، ويعرف بباب الصين، مرتفع عن وجه الأرض ينزل إليه بدرج كثيرة، مطل على وادي السغد، وباب مما يلي المغرب يعرف بباب النوبهار، وهو على نشز من الأرض، وباب مما يلي الشمال، يعرف بباب بخاري، وباب مما يلي الجنوب، يعرف بباب كش [1] .
وفي سمرقند ما في المدن العظام من الأسواق الحسان والحمامات والخانات [2] والمساكن، ولها مياه جارية، تدخل إليها في نهر، وقد بني عليه مسناة عالية من الأرض (في بعض المواضع، بل)«1» في وسط المشرق من حجاره يجرى عليها الماء من موضع يعرف بالصفارين [3] ، إلى أن مدخل باب «2» (المدينة خندق عظيم مستقل فاحتيج إلى مسناه في هذا الخندق (المخطوط ص 77) حتى يجرى الماء إلى المدينة، وهو نهر قديم جاهلي في وسط أسواقها بموضع يعرف برأس الطاق [4] ، من أعظم موضع بسمرقند، ولهذا النهر على حاشيته مستغلات موقوفة على مرماته ومصالحه، وعليه الحفظة صيفا وشتاء، وليس [5] لسور الربض بها أبواب تغلق،
[1] ذكر الإصطخري أن لها أربعة أبواب هي باب الصين، وباب النوبهار أو الحديد، وباب بخارى أو أشروسنة، وباب كش أو الباب الكبير (المسالك والممالك 316- 317- ابن حوقل 365- 366 المقدسي 378- 279) .
[2]
الخانات مفردها خان وهو بناء لإقامة التجار يدعونه أحيانا الفندق كما عند ابن بطوطة.
[3]
الصفارون جمع مفرده صفار بفتح الصاد وتشديد الفاء بمعنى صانع النحاس (فرهنگ رازي 562) .
[4]
انظر: ياقوت المعجم 1/446 فقد وصف نفس الوصف وذكرها السمعاني دروانوه كش.
[5]
وردت بالمخطوط ليسوا.
ويزعم بعض الناس أن تبعا المسمى أسعد أبا كرب ابتنى مدينة سمرقند، وأن هذا القرنين أتم بعض بنائها.
قال صاحب كتاب أشكال الأرض: وأخبرني أبو بكر الدمشقي قال: رأيت على بابها الكبير صفيحة حديد [1] ، وعليها كتابة زعم أهلها أنها بالحميرية [2] وأنهم يتوارثون ذلك، إنها من صنعة تبع [3] ، وبعض الكتابة أن من صنعاء إلى سمرقند ألف فرسخ.
قال: ثم وقعت الواقعة بسمرقند، وأحرق الباب الذي كانت عليه هذه الصفيحة، وأعاده أبو المظفر محمد بن لقمان بن نصر بن أحمد بن أسد [4] ، حديدا، كما كان من حديد وتغيرت الصفيحة.
قال بعض الأطباء: تربة سمرقند صحيحة يابسة، ولولا كثرة البخارات من المياه الجارية في سكنهم «1» ودورهم، وكثرة أشجار الخلاف عنده لا ضربهم فرط يبسها، وبناؤها من طين وخشب.
وكان أهلها من إظهار المروءات أكثر «2» من سواهم والبلد كله طرقه وسككه وأسواقه وأزقته مفروشة بالحجارة، ومياههم من وادي السغد، وهذا الوادي من بلاد البتم [5] على ظهر الصاغانيان [6] ، وله مجمع ماء يعرف بمجيء مثل بحيرة،
[1] ذكر الإصطخري نفس هذا القول ص 318.
[2]
الحميرية: لغة أهل اليمن، وحمير دولة ذات حضارة قامت في اليمن عقب دولة معين وقبيل دولة سبأ، وينسب إليها الخط واللغة الحميرية.
[3]
تبع: لقب أعاظم ملوك اليمن وجمعه تبابعه (المعجم الوسيط 1/85) وهي مثل شاه ملك وقيصر وكسرى وخان.
[4]
ابن عم الأمير نصر بن أحمد بن إسماعيل الساماني المتوفى 331 هـ (روضة الصفا 89) .
[5]
هي بلاد البتم وهي جبال ومرتفعات.
[6]
هي الصغانيان (الإصطخري 340- 341- المقدسي 283) .
حواليها القرى، ومن مبدأ هذا الوادي إلى أن ينتهى إلى سمرقند أزيد من عشرين فرسخا، فإذا جاور سمرقند بنحو مرحلتين، انشعب منه نهر يعرف بقى، وليس بالصغد نهر أوفر عمارة منه، ولا أعظم قصورا وقرى وماشية.
ونهر قي [1] وهو ثلث السغد، ويتشعب «1» من وادي السغد أنهار كثيرة إلى حد بخاري حيث تأخذ منه أنهار بخاري المذكورة ستة مشتبكة القرى والبساتين والأنهار (المخطوط ص 78) .
ولو اطلع مطلع من الجبل على وادي السغد لرأي خضرة متصلة لا يرى من أضعافها غير قهندز أبيض [2] أو قصر سامق مشيد، فأمّا فرجة مقطعة عن الخضرة أو أرض بائرة أو غابرة فقلما ترى.
قال صاحب كتاب «2» أشكال الأرض: ومن حد بخاري إلى وادي السغد يمينا وشمالا ضياع «3» تتصل إلى جبال البتم لا ينقطع خضرتها، ومقدارها في المسافة ثمانية أيام، مشتبكة البساتين الخضرة، والرياض محفوفة بالأنهار الجارية والأحواض في صدور رياضها، ومبانيها مخضرة، الأشجار والزروع ممتدة على جانبي واديها من وراء الخضرة، ومن وراء الخضرة على جانبي النهر مزارعها وقصورها، والقهندزات من كل مدينة ومدينة تبصر «4» في أضعاف خضرتها كأنها ثوب ديباج أخضر، قد سير بمجارى مياهها، وزينت بين صيف قصورها في أبهى بلاد الله وأحسنها أشجارا وأطيبها ثمارا.
[1] نهر فى بين اشتيخن وكشانيه (ياقوت الحموي 3/963) .
[2]
قلعة بيضاء.
وعامة مساكن سمرقند بالبساتين والحياض والمياه الجارية، فما تخلو سكة ولا محلة ولا ناحية ولا سوق ولا دار ولا قصبة من نهر جار أو بركة واقفة
…
وبسائر ما وراء النهر من الأنهار المتخرقة [1] والرياض المتصلة، والأشجار الملتفة، والثمار الكثيرة ما لا يوجد مثله في سائر الأمصار، ولا دمشق ولا غيرها، وإن قيل أن متنزهات الدنيا أربعة غوطة دمشق أحدها، وقال بعضهم أنها أفضلها، ولكن [2] سغد سمرقند [3] أطول وأعرض وأفسح وأكثر ماء، وأمد مدى، تجول العين في فضائه.
حدثني السيد الشريف جلال الدين حسن بن أبي المجاهد الحسيني [4] السمرقندي عن طول مدى السغد فقال: بقدر عشرة أيام بالسير المعتاد.
قلت: وقد قال صاحب أشكال الأرض أنه يكون ثمانية أيام، فقال: لا لا يكاد يقصر من عشرة أيام، فأين غوطة دمشق من هذا أو كلها من منبع الماء من واديها إلى تناهيه، لا يبلغ نصف يوم مع كون السغد مكشوفا، تسافر العين من أوله إلى آخره (المخطوط ص 79) في فرد مدى نظر، وما غوطة دمشق هكذا، لاكتناف الجبلين لواديها، ولأن أنهار السغد واضحة في خلال خمائلها، ممتدة في بسيط الخضرة، لا يحتجب ولا يخفى عن العين، وليست الأنهار بدمشق [5] مكشوفة إلا في مجرى الوادي بها، فأما إذا أشرف المستشرف عليها، فإنه لا يرى إلا ما يليه، ولا تقع عينيه إلا على ما يحاذيه، ولقد بقى من سمرقند متعة الأبصار على ما نابها من النوائب، وأعترت أنهارها من الشوائب، وبليت به أغصانها مما تشيب له الذوائب
[1] الحاربة ب 94.
[2]
لاكن ب 94.
[3]
أفضل ب 94.
[4]
الحسنى ب 95.
[5]
كذا ب 95.
أيام جنكيز خان وأبنائه، وما رميت به من حوادث الحدثان في تلك المدد، وإذا حصل الاتصاف قيل أن غوطة دمشق قطعة من سغد سمرقند.
وأما البتم فهو جبال شاهقة سامقة «1» منيفة، والغالب عليها «2» النزهة والخضرة والبقلة المعروفة بالطرخون [1] ، وهي قرى آهلة بالناس.
وبالبتم حصون منيعة جدا، وفيها معادن ذهب وفضة وزاج ونوشادر، وفي كل جبل من جبال البتم كالغار، وقد بني عليه، وأستوثق من أبوابه وكواه.
وفيها عين يرتفع منها بخار يشبه الدخان بالنهار والنار بالليل، فإذا تلبد هذا الدخان في حائط ذلك البيت وسقفه قلع منه النوشادر، وداخل هذا البيت من شدة الحر ما لا يتهيأ لأحد أن يدخله إلا احترق، إلا أن يلبس اللبود المبلولة، ويدخل كالمختلس، ويأخذ ما يقدر عليه من ذلك.
قال: وهذا البخار ينتقل من مكان إلى مكان فيحضر عليه حتى يظهر، فإذا خفى في مكان حضر عليه في آخر إلى أن يوجد، وإذا لم يكن عليه مبنيا يمنع البخار من التفرق، لم يضر من قاربه، حتى إذا اختنق من بيت، احترق من يدخله لشدة الحر.
وإما غزنة فكانت مستقر سبكتكين [2] والد السلطان يمين الدولة وأمين الملة محمود، فلما انقرضت الدولة السامانية [3] بابتداء أيامه، وتبدلت ملاهيهم بحد
[1] الطرخون: هو الترخون نوع من الخضروات (فرهنگ رازي 574) بقلة زراعية معمرة، أوراقها تؤكل (المعجم الوسيط 2/573) .
[2]
سبكتكين هو ناصر الدين سبكتكين، كان مملوكا لأليتگين وعمل بحجابة أبي إسحاق حتى مات الأخير فتولى أمر غزنة وأسس دولة الغزنويين (انظر: أخبارها في زين الأخبار گرديزي 54- روضة الصفا 129 وما بعدها- ابن كثير 11/286- ابن الأثير 7/86) .
[3]
جرجان هي گرگان، إقليم في شمال إيران محاور لخوارزم ويقع الآن في جمهورية تركمانستان.
حسامه، وكانت غزنة دارهم ومثواهم، استمروا بها، ونقلوا عن بخاري قاعدة الملك إليها، ثم تناوب بنوه (المخطوط ص 80) الجلوس على سريرها، ثم استقرت ملوك الغورية [1] ، وقاعدة سلطانهم ومنبع أعوانهم.
وغزنة مخصوصة بصحة الهواء وعذوبة الماء، والأغراض «1» بها قليلة، وأرضها لا تولد الحيات والعقارب والحشرات المؤذية، ومنها خرج الرجال الأنجاد، وتأمل مواقف ملوكها في غزو الهند والترك، وذبهم عن بيضة الإسلام والملك ما أبقيت الغورية رحمهم الله على قصور عددهم، وقصر مددهم.
لقد كملوا ما بدأ به السلطان محمود بن سبكتكين في غزوات الهند، وسنوابها الفتوح حتى دخل الإسلام تلك الممالك العظمى «2» ، وعلي الحقيقة ما فتحوا الهند بل «3» فتحوا الدنيا، وبذلك على هذا ما تقدم ذكره.
وأما غزنة [2] فهي مدينة مضايقة للسند «4» ، وقيل أنها منها، وقال صاحب كتاب صفة الأرض أن غزنة من بلاد السند وهي واقعة في الثالث.
قال أبو سعيد منصور زعيم جرجان، ولم أر بلدة في الصيف أطيب، وفي الربيع أشبه، وفي الخيرات أنظف من غزنة، وهي قليلة الأشجار، ولهذا صح هواؤها،
[1] التتار وتتر والتاتار قبائل سكنت شمال وسط آسيا وجاورت قبائل المغول، وضمها جنكيز خان إلى قبائله ومن التاتار قبائل همجية وأخرى متحضرة، لهم جمهورية ذات حكم ذاتي الآن في الاتحاد الروسي هي تتارستان.
يقول بارتولد: أن التتار عرفوا بهذا الاسم منغوليا وعرفوا في الصين باسم مونغكو- تتا (تركستان 545) .
[2]
غزنة: بلد السلطان المجاهد محمود بن سبكتكين، كانت كبيرة، شديدة البرد (رحلة ابن بطوطة 261) .
وسلم من مرورها على النقائع الوخمة «1» ، وأصول الشجر العفنة.
وأما تركستان فمملكة لو انفردت لكانت ملكا كبيرا، وسلطنة جليلة، زهرة الدنيا، وطراز الأرض، بلاد الترك حقيقة، من كناسها رتعت غزلانها، ومن غاباتها سرحت ليوثهم، وهي أقليم فسيح المدى قديمة الذكر، منشأ حماة، ومشب كماه، وهي المرادة بقولهم بلاد الأتراك، ولم تزل الملوك تلحظها لإتقاء بوادرها، والتقاء زواخرها، فأشد ما نكرت الأيام معالمها، وغيرت الغير أحوالها، ولقد صادفت حدة التتار في أول التيار، فجاءت قدامهم في سورة غضبهم، ولفحة نارهم، وأمالت السيوف حصائد آجالهم، ولم يبق إلا من قل عديده.
حكي لي من رجال في رساتيقها [1] وجاز في قراها أنه لم يبق من نعالها إلا رسوم دائرة، وأطلال بالية على البعد «2» القرية مشيدة البناء مخضرة الأكتاف فيأنس لعله يجد بها أنيسا ساكنا، فإذا جاءها، وجدها عالية البنيان خالية من الأهل والسكان، إلا أهل العمد، وأصحاب السائمة، ليست بذات حرث ولا زرع، وإنما خضرتها مروج أطلقها باريها، وبها من النباتات البرية لا يذرها باذر، ولا زرعها زارع، ويوجد بها خلف من بقايا العلماء، ويجري التيمم بالترب لعدم الماء.
وأما الشاش [2] فمقدار عرضها مسيرة يومين في ثلاثة أيام، وليس بخراسان ولا ما وراء النهر أقليم صغير على قدرها في صغر المساحة، أكثر منها منابر وقرى عامرة، وقوة شوكة، وهي في أرض سهلة ليس بها جبل ولا أرض مرتفعة حزقة هي أكثر نفر، وأبنيتهم من طين، وعامة دورهم تجرى فيها المياه، وكلها مستترة بالخضرة، ولها مدن كثيرة تتدانى وتتقارب مسافتها.
[1] قراها.
[2]
الشاش: هي جاج من أعمال أشروسنة (آثار البلاد 548- تاريخ بخارى لفامبري 94) .
وأما استيجاب [1] فمدينة لها قهندز وربض، أما القهندز فخراب. والمدينة والربض عامران، وعلى المدينة سور ويحيط بها مقدار فرسخ، وفي ربضها مياه وبساتين، وبناؤها بطين، وهي مستوى من الأرض، ولها أربعة أبواب، وهي مدينة ذات خصب وسعة، ولا خراج عليها، ومن مدنها الطراز [2] وتوجكرت وكجنده «1» .
وإما باراب فهو اسم الناحية، ومقدارها في الطول والعرض أقل من يوم، وبها منعة وبأس، وهي في سبخة، ولها غياض ومزارع، وقصبتها تسمى كندر، ومنها فيلسوف الإسلام [3] أبو نصر البارابي «2» [4] مفسر كتب القدماء، (المتقدم في العلوم العقلية على كل متقدم ومتأخر، والناس يقولون الفارابي)«3» والصحيح الباربي بالباء الموحدة لأن هذه تسمية تركية، وليس في اللغة التركية [5] فاء.
وأما خجنده [6] فإنها متاخمة لفرغانه، وهي في جملتها، وهي منفردة بأعمال خاصة، وهي على نهر الشاش في غربيه، وطولها أكثر من عرضها، وبساتينها ودورها متفرقة، ولها قرى يسيره، وهي مدينة نزهة، وفواكهها حسنة (المخطوط
[1] استيجاب هي استيجاب واسييجاب قرية قرب الشاش من بلاد فرغانة (معجم البلدان 4/1014) .
[2]
الطراز هي تلاس الواقعة في صحراء لامس (الجويني 2/77- 91) .
[3]
أبو نصر الفارابي: هو أبو نصر محمد بن محمد الفارابي من أعظم الفلاسفة، ولد في فاراب ببلاد ما وراء النهر، رحل إلى بغداد وتعلم العربية ودرس كتب أرسطو وسافر دمشق وحلب، وشرح آثار أرسطو حتى لقب بالمعلم الثاني له كتب كثيرة مات سنة 339 هـ (انظر: فرهنگ أدبيات فارسي 365- 366) .
[4]
وباراب تقع على ضفتي سير دريا (سيحون)(تركستان 292) .
[5]
وردت بالمخطوط تركية.
[6]
لينين آباد الحالية في تاجيكستان.
ص 82) ولكنها تنبق بها من ذرعاتها فتجلب الغلات من فرغانه وأشروسنه «1» إليها، وينحدر إليهم بها السنن من نهر الشاش، وهو نهر عظيم، ويعظم بأنهار تجتمع إليه في حدود الترك، وعموده نهر يخرج من بلاد الترك في حدود دوازكند، ثم يجتمع إليه أنهار فيغزر، ويمتد على خجنده يمر على ساكت، فيجرى إلى باراب، وإذا جاوز حد صيران جرى في برية يكون في حاشية بلد الأتراك الغربية، فيمتد حتى يقع في بحيرة خوارزم.
قال صاحب كتاب أشكال الأرض [1] : وهو نهر إذا امتد يكون نحو ثلثي نهر جيحون.
وأما فرغانة فهو اسم الإقليم وهو عمل عريض موضوع على سعة مدنها وقراها، وقاعدتها مدينة اخشيلب [2] ، وهي على شط نهر الشاش، على أرض مستوية، ولها قهندز وربض، ومقدارها نحو ثلث فرسخ، وبناؤها من طين، وعلى ربضها سور وعليه أبواب من المدينة، وفي الربض مياه جارية وحياض كثيرة، وكل باب من أبواب ربضها يفضى إلى بساتين ملتفة، وأنهارها لا تنقطع مقدار فرسخين، ويحاذيها إذا عبر الشاش مروج ومزارع كثيرة، رمال مقدار مرحلة، ويليها مدينة قنا «2» وهي من فرغانة، من أنزه مدنها لها قهندز وربض القهندز خراب والجامع من القهندز، وأسواقها من ربضها، ودار الإمارة في الربض، وعليه سور محيط به، ولها بساتين كثيرة، ومياه غزيرة ويليها في الكبر أوش [3] من فرغانة، ملاصقة
[1] سقطت كلمة الأرمن.
[2]
هي أخسيكث قصبة فرغانة آنذاك- جنوب غربي نامجان تقع على نهر سردريار الأيمن، لها خمسة أبواب (انظر: وصفها عند ابن حوقل 393- 394، المقدسي 371) .
[3]
أوش: إحدى مدن فرغانة، وكانت من أكبر مدن الثغور مع الترك، وهي ثالث مدن فرغانة من حيث الرقعة وتتكون من شهرستان وقلعة وربض (الإصطخري 335) .
للجبل، وهي مدينة عامرة ذات قهندز عامرة، ولها ربض، وعليه سور ولها ثلاثة أبواب [1] وأوزكند [2] وهي آخر مدن فرغانة لها قهندز وربض، وأسواقها في الربض مطرزة بالبساتين والمياه الجارية.
قال صاحب كتاب أشكال الأرض: وليس بما وراء النهر أكثر قرى من فرغانة، وربما بلغ حد القرية مرحلة لكثرة أهلها، وانتشار مواشيهم في المرعى، وسألت عن هذا العميد أبا المكارم حميد بن محمد الفرغاني فقال: كانت أكثر مما قال، والبلاد باقية على هذه الحال في الاتساع (المخطوط ص 83) ولكن قد قل ناسها.
وأما أشروسنه [3] فهو اسم لإقليم كالسغد، وقاعدتها مدينة تومجكت [4] ، وبها من المدن ارسبانيكث [5] وعرق [6] وفنكت [7] وساباط [8] ورامين [9] .
قال صاحب الروض المعطار في أخبار الأقطار [10] : أشروسنة أرض يحيط بها
[1] الأبواب الثلاثة هي: باب الجبل، وباب النهر، وبابا مغكدره (تركستان 267) .
[2]
أوزكند: تكتب أيضا يوزكند بها شهرستان وقلعة وربض ولها أربعة أبواب، وتقع على نهر قرادريا (ابن خرداذبه 30) .
[3]
أشروسنة: إقليم من بلاد الترك عاصمته بونجكث وهي تكتب أسروشنة (انظر: ابن خرداذبة 29، الإصطخري 343.
[4]
نومجكث هي بونجكث أو ينجكث كانت تتكون من قلعة وشهرستان يشقه النهر، وربض (الإصطخري 326- 327، ابن حوقل 379- 380، المقدس 377) .
[5]
هي مدينة ارسبانيكث أو ارسيانيكث، على حدود فرغانة (المقدسي 365) .
[6]
عرق وهي غزن على فرسخين من فغكث وستة من خجند (الإصطخري 326) .
[7]
فنكث هي فغكث على ثلاثة فراسخ بونجكث على طريق خجند (ابن حوقل 404، الإصطخري 326) .
[8]
ساباط: وتقع ما بين سمرقند وخجند، بينها وبين زامين ثلاثة فراسخ (انظر: الإصطخري 343، المقدسي 342، ابن خرداذية 27) ، ويذكر اسكفارسكي إنها قرية اسكي سقط (تركستان حاشية ص 279) .
[9]
رامين: هي زامين الواقعة على ضفتي نهر، بجوار مدينة سرسنده الجديدة (ابن حوقل 380- 381، المقدس 277) .
[10]
الروض المعطار في أخبار الأقطار.
من إقليم ما وراء النهر من شرقيها بعض فرغانة، ومن غربيها بلاد الصغد والصغانيان، وشمالها بلاد الشاش، ولأشروسنه مدن كثيرة، ومملكتها واسعة جليلة، ويقال أن فيها أربعمائة حصن ولها واد عظيم يأتي من نهر سمرقند، ويوجد في ذلك الوادي سبائك الذهب.
وقال صاحب كتاب أشكال الأرض: أما مدينة تومجكث [1] فهي مسكن الولاة، تحزر رجالها نحو عشرة آلاف رجل [2] ، وبناؤها بطين وخشب، وعليها سور، ولها ربض وعلى ربضها سور، ولها سور ثالث من وراء ذلك.
وللمدينة الداخلة بابان [3] ؛ وداخل المدينة المسجد الجامع والقهندز ودار الإمارة في الربض في مربعة الأمير.
ويجري بالمدينة «1» نهر كبير عليه رحى [4] وأسواقها في المدينة الداخلة، وبها بساتين وكروم وزروع، وذلك كله دون السغد، ولها أربعة أبواب، ولها ستة أنهار، جميعها من عين واحدة، ومنبع واحد، مقدار ما بها يزيد على عشرة أرحية [5] ومن المدينة إلى منبع الماء مقدار نصف فرسخ، ويليها في الكبر مدينة زامين [6] ، وهي على طريق فرغانة إلى السغد، وباقي بلادها متقاربة في الكبر والنزهة والبساتين والمياه.
[1] بونجكث كبرى مدن أسروشنة وقصبتها.
[2]
في القرن العاشر الهجري (انظر الإصطخري 327) .
[3]
الباب الأعلى وباب المدينة (ابن حوقل 379- 380) .
[4]
وردت بالمخطوط رحا وهي الناعورة- الساقية (839- 97) .
[5]
جمع رحى.
[6]
زامين: تقع على ضفتي نهر ليس بعيدا عن مخرجه من الجبال (ابن حوقل 380- 381، المقدسي 277) .