الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع في مملكة الإيرانيين
«1» وهي العراق والعجم [1] وخراسان [2] ، هذه المملكة طولا من نهر جيحون المحيط بآخر حد خراسان إلى الفرات القاطع بينها وبين الشام، وعرضا من كرمان المتصل بالبحر الفارسي المنقسم من البحر الهندي إلى نهاية ما كان بيد بقايا الملوك السلجوقية بالروم، على نهاية حدود العلايا وأنطاكية من البحر الرومي [3] ، ويفصل في الجانب الشمالي بين هذه المملكة وبين بلاد القبجاق النهر المجاور لباب الحديد، وهو المسمى باللغة التركية دمرقابو [4] ، وبحر طبرستان وهو المسمى ببحر الخزر وبالقلزم [5] .
أخبرني الفاضل نظام الدين أبو الفضائل يحيى بن الحكيم الطياري أن هذه المملكة تكاد تكون تربيعة [6] ، فيكون طولها بالسير المعتاد أربعة أشهر، وعرضها أربعة أشهر، وهذه هي المملكة الصائرة إلى بيت هولاكو بن تولي «2» بن جنكيزخان، وتداولها السلاطين من أبنائها «3» إلى الآن.
وهي متوسطة في المعمور؛ من أجلّ ممالك الأرض وأوسطها في الطول والعرض، وبها تخت الأكاسرة [7] إلى أن تسلمه الإسلام، ثم استقرت بها قاعدة الخلافة
[1] إيران: العراق العجمي.
[2]
خراسان: أحد الأقاليم الإيرانية المشهورة يقع شمال شرق إيران، وعاصمته نيسابور.
[3]
البحر الرومي: البحر الأبيض المتوسط.
[4]
دمرقابو: من اللغة التركية بمعنى الباب الحديد.
[5]
ويدعى أيضا بحر قزوين وبحر مازندران وبحر طبرستان وبحر گيلان.
[6]
أي مربعة الشكل.
[7]
جمع مفرده كسرى وهو حاكم الفرس من الكلمة البهلوية خسرو (فرهنگ رازي 277) .
العباسية إلى آخر الأيام، ذات أقاليم كثيرة. ومدن كثيرة «1» ، مشتملة على رساتيق [1] وأعمال وخطط وجهات.
وقاعدة الملك بها الآن توريز [2] ثم السلطانية وبيت هولاكو يرون أن الملك من قعد على التخت باوجان وأوجان (المخطوط ص 98) في ظواهر توريز.
وفيها من الممالك العظيمة العراقان؛ عراق العرب، وعراق العجم وخراسان وكرمان وفارس وآذربيجان وآران والري والجبال وديار بكر وربيعة والجزيرة وأرمينية [3] وكرجستان [4] والروم [5] ، وإذا أنصفت هذه المملكة كانت قلب الدنيا على الحقيقة.
وهذه المملكة تندرج في مطاويها عدة ملوك كلهم عبيد سلطانها، كصاحب هرى [6] ، وأصل اسمها «2» هراة، وصاحب كرمان [7] وصاحب كيلان [8] ، وصاحب سمنان وصاحب مالاين «3» وصاحب أرزن، ونحن نتكلم على قواعد الملك بها.
أما توريز فواقعة في آذربيجان، وهي مدينة قديمة، أغرقت «4» في السعادة أنسابها، وثبتت في النعمة قواعدها.
[1] جمع مفرده رستاق وتعني قرى (فرهنگ رازي 408- فرهنگ عميد 2/1072) .
[2]
وهي تبريز.
[3]
هي جمهورية أرمينيا الآن.
[4]
هي جمهورية جورجيا الآن.
[5]
هي جمهورية تركيا الآن.
[6]
هرى وهراة: وهي مدينة قائمة الآن في أفغانستان.
[7]
كرمان: إقليم شرقي إيران.
[8]
كيلان هي گيلان وجيلان.
وأما السلطانية فواقعة في عراق العجم بناها السلطان محمد خدابنده أو بخانتوين «1» أرغون بن أبغا بن هولاكو [1] ، «2» بناءها، ووسع فناءها، وأتقنت قسمتها في الخطط والأسواق وجلب إليها الناس (من أقطار الأرض)«3» ، ومن أقطار مملكته، واستجلبهم إليها بما بسط لسكانها من العدل والإحسان، وهي الآن عامرة آهلة، كأنما مرت عليها مئين [2] سنين، لكثرة من استوطنها، وتأهل بها وأولد من الولد فيها، وقد مضت عليها مدة بلغ بنوها مبالغ الرجال، ومنهم من جاز إلى رتبة الاكتهال.
وأما أوجان فهي بظاهر توريز ذات مروج ممتدة وماء جم، وبها قصر اتخذه أواخر ملوكهم صار معدا لمنزل السلطان، وبنى أكابر الأمراء قصورا لمنازلهم حوله، فأما عامة الخواتين والأمراء والكراء «4» ، فإنهم يتخذون زروبا [3] من القصب كالحظائر، ينزلون بها أيام نزولهم بأوجان [4] في مشاتيهم، وينصبون مع حظائرهم [5] الخركاوات [6] والخيم، وتمتد الأسواق، وتبقى مدة مشتهاهم بها «5» ، مدينة متسعة
[1] أولجايتو بن أرغون بن آباقا بن هولاكو المعروف عجمد خربنده ثم خدابنده حكم ما بين 1304- 1316 في إيران والعراق وهو السلطان الثامن في سلسلة أبناء هولاكو (تركستان 717) .
[2]
أمئات أو مئوية.
[3]
زروبا جمع مفرده زريبة وهي الحظيرة.
[4]
وردت بالمخطوط أوجاب.
[5]
وردت بالمخطوط حضائرهم.
[6]
خركاوات جمع مفرده خركاه وهي خيمة كبيرة (فرهنگ رازي 272، فرهنگ عميد 1/850) .
الجوانب، فسيحة المذاهب، حتى إذا رجعوا (عنها)«1» إلى مصيفهم راحلين عنها، أحرقوا تلك الحظائر، لكثرة ما يتولد فيها يحرق من الأفاعي (المخطوط ص 99) والحيات.
أخبرني الفاضل نظام الدين أبو الفضائل يحيى بن الحكيم أنه يغرم على تلك الحظائر خزائن أموال ثم يحرقونها لا يبالون؛ وملوك هذه المملكة مشتاهم باوجان، وفي بعض السنين ببغداد، وأما مصيفهم في قراباغ [1]«2» باللغة التركية وحتى البستان الأسود، وتربته سوداء، ثم قرى ممتدة، وهو صحيح الهواء والماء، كثير المرعى، وإذا نزل به الأردو، والأردو [2] هو محلة السلطان، وأحدث الأمراء به والخواتين منازلهم ينصب به مساجد جامعة وأسواق منوعة، يوجد بها من كل ما [3] في أمهات المدن الكبار، (حتى يكون للخياطات أسواق ومحلات)«3» ولا ينكر على أحد بل كل امرئ وما استحسن، وإنما الموجودات على كثرتها من (الملابس)«4» والمأكل والمشارب والماعون، وأجر الصنائع غالية جدا، لكلفة المحمل، ومؤنة الأسفار، حتى يبلغ الشيء ثمن مثله مرتين وأكثر.
وأما الكلام في توريز فإنها مدينة غير كبيرة المقدار والماء مساق «5» إليها، وبها أنواع الفواكه، ولكنها ليست بغاية في الكثرة.
[1] قراباغ: إقليم ذات حكم ذاتي تابع لأرمينيا وواقع في آذربيجان، وهو قره باغ أي الحديقة السوداء باللغة التركية.
[2]
المعسكر.
[3]
وردت بالمخطوط كلما.
وأما أهلها فمن أظهر الناس حشمة، وأكثرهم تظاهرا بالنعمة، ولهم الأموال المديدة والنعم الوافرة والنفوس الأبية للدنايا، ولهم التجمل في زيهم جميعه من المأكول والمشروب، والملبوس والمركوب، وما منهم إلا من يأنف أن يذكر الدرهم في معاملته بل لا معاملة بينهم إلا بالدينار وهو مسمى عندهم بالرائج، عندهم ستة دراهم، هو معاملة تلك المملكة إلا بغداد وبلادها «1» وخراسان.
فأما معاملات بغداد فستأتي في مكانها، وأما خراسان فدينارها أربعة دراهم، كما تقدم ذكره في مملكة ما وراء النهر، وفي بعضها هذا الرائج.
ولنرجع إلى ما كنا في ذكره من أمور توريز، فذكرنا أنها مدينة ليست بخارقة في الكبر، ولا لها حواضر في خارجها، وهي اليوم أم إيران جميعا لتوجه القاصد (المخطوط ص 100) من كل جهة إليها، وبها محط رحال التجار والسفّار، وبها دور أكثر الأمراء الكبراء المصاحبين لسطاتها، لقربها من أوجان، وهي مستقر أكثر أوقاتهم، ويشتد البرد بتوريز كثيرا، وتتوالى الثلوج بها حتى أنه ليتخذ سروات أهلها في أدرهم أدر [1]«2» مستوية لا انفراج «3» وفي سقوفها ولا في دوائرها ولا ضوء لها إلا ما تؤديه طاقات حيطانها من وراء الزجاج المركب عليها.
وأما السلطانية فأوسع بقعة وقضاء وأكثر فاكهة وماء، وهي مع كون بعض سلاطين هذا البيت أنشأها، إلمامهم بها أقل من توريز، وبها قلعة مبنية مرجلة على بسيطها، فأما الموجود بتوريز وبالسلطانية من الفواكه فمن أنواعها خلا ما لا يطلع في البلاد المفرطة البرد كالأترج والنارنج والليم والليمون والرطب والقصب والموز، وما يجري هذا المجرى، فإنه لا يجيء إليها إلا محمولا من العراق، هي بلاد ما
[1] أدر جمع مفردة دار، وتجمع دور وأدر.
للزيتون بها نبات، فأما ما عدا هذا من الثمار والرياحين وغالب الخضروات، فإنها لا تعدم، وأنواعها من كثير ومتوسط وقليل على اختلاف الشجر والنبات والقمح والشعير والحمص والعدس، والفول متوسط الوجود بها، ولو توفرت الدواعي على الفلاحة والزرع لكثرت مغلاتها، وعظمت جباياها «1» لكن «2» ملوكها لا التفات لهم إلى ذلك.
فأما الأسعار بتوريز والسلطانية فمتى نزل السلطان على جهة، غلت أسعارها لكثرة أتباعه والنازلين معه، مع قلة الزرع في الأصل، وأما ما لا ينزل عليه السلطان، فأسعاره رخية، ولا إلى غاية، ولا يباع بتوريز والسلطانية وبلادهم (يعني أهل هذه المملكة غالبا)«3» ، في الغالب قمح ولا شعير ولا شيء مما سوى هذا إلا بالميزان، وليس لهم إلا المن [1] وهو بتوريز رطلان بالبغدادي فيكون زنته مائتين وستين درهما، وبالسلطانية المن زنته ستمائة درهم وأما معاملتهم فكما تقدم بالدينار الرائج.
سألت الفاضل نظام الدين أبا الفضل يحيى بن (المخطوط ص 101) الحكيم عن السعر المتوسط في توريز والسلطانية، فقال: أما مع نزول السلطان فغلاء حيث كان، وأما مع عدم نزوله فلا يكاد يتفاوت، يباع الخبز كل منين بسدس دينار، وهو درهم واحد، وهكذا الشعير إذا رخص قليلا، وأما في السلطانية فعلى نسبة هذا السعر، وأما ما يباع بالأردو، فأغلى [2] لتكليفه حمولته، وأما اللحم في الكل فكثير جدا.
ومما لابد من ذكره في هذه المملكة مدينة بغداد دار السلام ومدار الإسلام لأنه مما لا يجوز إهمال ذكرها وإخلاء هذا الكتاب من شيء عن حالها، فإنها، وإن لم
[1] المن: ميزان يختلف مقداره من مكان لآخر.
[2]
وردت بالمخطوط أغلا.
تكن اليوم كرسي ملك، فإنها كرسي ملك الوجود، وقد تقدم القول أن المنصور أبا جعفر [1]«1» بناها، وهي جنبان على ضفتي دجلة، شرقي وغربي كل منهما مدينة كبيرة عظيمة غنية بنفسها عن الأخرى، إحداهما بناء المنصور، والأخرى بناها «2» المهدي [2] موضع معسكره، وبينهما جسران منصوبان، أحدهما يعرف بالعتيق والثاني بالجديد [3] ، وهما منصوبان على دجلة شرقا بغرب على سفن وزواريق أوقفت في الماء، ومدت بينها السلاسل الحديد المكعبة بالكعاب الثقال، وفوقها الخشب الممدد وعليهما التراب مغدف بالقير [4] يمر عليها أهل كل جانب إلى الآخر بالجمال والخيل والحمول، وعلى ضفتي دجلة قصور الخلافة والمدارس والأبنية العلية، بالشبابيك والطاقات [5] المطلة على دجلة.
وبناؤها بالآجر وهو المسمى بمصر الطوب، ومن بيوتها ما هو مفروش بالطوب وما هو مفروش بالقير، ولهم الصنائع العجيبة في التزويق بالطوب، وبها تتلاقى دجلة والفرات، وبها البساتين المونقة، والحدائق المحدقة.
وأما النخيل فلثمراتها فضل على ما سواها من أنواع منوعة من التمر والرطب
[1] أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي الثالث، أنشأ بغداد ما بين سنة 145- 146 هـ وسماها مدينة السلام (انظر: بناء مدينة بغداد في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 1/66- 79) .
[2]
المهدي: محمد بن المنصور ثالث خلفاء الدولة العباسية 158- 169 هـ/ 775- 785 م، اشتهر بحروبه مع البيزنطيين أنشأ الطرق العامة وحسن جهاز البريد (انظر تاريخ بغداد أو مدينة السلام لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى 463 هـ دار الفكر بيروت) .
[3]
انظر: ابن بطوطة 149.
[4]
مغدف بالقير: مغطى بالقير، من غدف وأغدف وأغدف الليل أرخى ستوره، والغدافى ما كان لونه أسود (المعجم الوسيط 2/669) .
[5]
طاق: فتحة جمعه طاقات وتعني النوافذ.
وبها أنواع الرياحين والخضروات والغلال، وسعرها متوسط في الغالب، لا يكاد يرخص، بها ديناران أحدهما يسمى العوان عنه اثنا عشر درهما، الدرهم بقيراط وحبتين، وذلك الدينار عشرون قيراطا (المخطوط ص 102) ، كل قيراط ثلاث حبات، كل حبة أربع فلوس نقرة [1] عن كل «1» فلسان أحمران.
والثاني الدينار المرسل به أكثر ومبايعاتهم ومعاملات تجارهم عنه عشرة دراهم.
فأما الرطل البغدادي فوزنه مائة وثلاثون درهما، والمن بها مثله من توريز، وهو رطلان بالتوراني، وأما كيل الغلال بها فأكثرها الكز [2] ، وهو ثلاثون كاره [3] وكل كاره قفيزان فيكون الكز ستون «2» قفيز [4] ، والقفيز مكوكان «3» والمكوك [5] خمس عشر آق [6] .
وتختلف الكاره في الغلال والقمح والهرطبان «4» ، وهو كارة كل منهما مائتان وأربعون رطلا، وكارة الأرز ثلثمائة رطل، وكارة كل من الشعير والحمص والعدس
[1] النقرة هي الفضة (فرهنگ عميد 2/1915، فرهنگ رازي 959) .
[2]
الكز: گز مقياس يعادل متر، وهو كز بالكاف الفارسية (فرهنگ رازي 758) .
[3]
كاره: مقياس قديم.
[4]
وردت بالمخطوط قفيزان، والقفيز مقياس قديم (فرهنگ رازي 665) .
[5]
مكوك: مكيال قديم يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، قيل: يسع صاعا ونصفا، جمعه مكاكيك (المعجم الوسيط 2/917) .
[6]
آق: هي آقة: نقل قدره أربعمائة درهم أو ثمانية وأربعون ومئتان وألف جرام، بطل استعمالها في مصر جمعه أقق (المعجم الوسيط 1/22) .
(والهرطبان)«1» مائتا رطل، وكارة الحبة السوداء المسماه بالشونيز مائة رطل.
قال الفاضل نظام الدين أبو الفضائل يحيى بن الحكيم إن القانون ببغداد أن كز القمح تسعة وثلاثون دينارا ونصف دينار، والشعير خمسة عشر دينارا، كلاهما من العوان «2» .
قال: ولعل هذا السعر المتوسط، لا يكاد يميل فيه القانون عن معدله، وأما إذا كان المشتى ببغداد، فناهيك بقلة الأقوات والغلاء الزائد، وإذا شتى السلطان ببغداد (ناهيك بقلة الأقوات)«3» ، نزل بدار تعرف بالجاثليق [1] من أدر الخلافة، وهي الآن باقية البناء تامة البهجة صالحة لمنازل الملوك.
قال قاضي القضاة أبو محمد الحسن الغوري أنها ليست من ديار الخلفاء، بل هي دار الدوادار [2] الكبير وكان قد نزلها الجاثليق في زمان هولاكو، وكان معظما عنده لمكانته من قطر خاتون زوجة هولاكو [3] .
ولقد «4» سألت الصدر مجد الدين «5» بن الدوري عن السبب في قلة الغلال ببلاد العراق مع امتداد سوادها وقبول أرضها للنبات، فقال: لهذا سببان قلة الزّراع لما استهلكه القتل زمان هولاكو، ومبرة العراق لما جاوره من البلاد.
[1] الجاثليق: رئاسة الكهنة السريان في بلاد المشرق (الأعلام للزركلي 5/308 ومقدم الأساقفة جمعه جثالقة (المعجم الوسيط 1/111) .
[2]
الدوادار: من الكلمة دوات دار أي صاحب الدواة، يعني الكاتب (انظر: فرهنگ رازي 356) .
[3]
قطر خاتون زوجة هولاكو هي دوقوز خاتون كانت مسيحية وهي ابنة ملك الكرايت (جامع التواريخ 2/220) .
وببغداد خاصة وهذه المملكة عامة الآثار الجميلة والآثار الباقية من الجوامع والمساجد والمدارس والخوانق [1](المخطوط ص 103) والربط والبيمارستانات [2]«1» والصدقات الجارية ووجوه البر المتعددة.
ومن يوفى صفات محاسن العراق «2» ، وقد كانت قبلة ملوك الآفاق، وما بالعهد من قدم، ومنها قلائد الأعناق، وترابها لمى القبل وإثمد الأحداق.
وسألت الفاضل نظام الدين أبا الفضائل يحيى بن الحكيم إن كانت الأوقاف باقية في نواحي هذه المملكة عليها الآن أم تناولتها أيدي العدوان، فأخبرني بأنها جميعها جارية من مجاريها، لم يتعرض إليها متعرض لا في دولة هولاكو ولا فيما بعدها بل كل وقف بيد متوليه ومن له الولاية عليه وكل ما يقال من نقص أحوال الأوقاف بإيران جميعا هو من سوء ولاة أمورها لا من سواهم.
وحدثني هذا الفاضل نظام الدين أبو الفضائل يحيى بن الحكيم الطياري بكثير من أحوال هذه المملكة وقواعد ملوكها وترتيب جنودها وجيوشها، فمما حدثني أن السلاطين بها لا التفات لهم إلى أمر ولا نهي في البلاد، ولا في متحصلات الدخل والخرج فيها بل الوزير هو حامل هذه الأعباء، وله التصرف المطلق في الولاية والعزل والعطاء والمنع، لا يشاور السلطان إلا على ما جل من المهمات، وفيما قل من الأمور، بل هو السلطان حقيقة، وصاحب البلاد معنى، وإليه ترجع الأمور كلها، وبيده عقدها وحلها.
فأما أمر الجيوش والعساكر فإلى كبير أمراء الألوس وهو المسمى بكلاري بك،
[1] خوانق جمع مفرده خانقاه، مكان يقيم فيه المتصوفة، وهي الصومعة والتكية (فرهنگ رازي 261) .
[2]
البيمارستانات جمع مفرده بيمارستان، وترد أحيانا مارستان في الفارسية وغالبا في العربية وهي دار الشفاء (فرهنگ رازي 74) ويذكرها ابن بطوطة مانستار (رحلته ص 235) .
أي أمير الأمراء، كما كان قطلوشاه [1] مع السلطانيين محمود غازان وأخيه محمد خدابنده وجوپان مع محمد خدابنده ثم بعده مع ولده السلطان بو سعيد بهادرخان، وهذا القائم الآن الشيخ حسن بن حسين بن آقبغا [2] مع أنه السلطان محمد بن طشتمر [3] بن استمر بن عبرجى «1» وأمراء الألوس أربعة بكلاري بك، وثلاثة آخر، ويسمى هؤلاء الأربعة أمراء القول، ويشترط أن يكون هؤلاء هم الذين تكتب أسماؤهم في اليراليغ [4] والفرمانات [5] بعد اسم السلطان، ثم اسم الوزير بعدهم ولا يتوقف في كتابة (المخطوط ص 104) اسم من الأسماء ممن هو غائب منهم عن الأردو، بل تكتب أسماؤهم كلهم، حضر منهم من حضر وغاب منهم من غاب، وكل ذي سيف لا يخرج أمره عن القائم بهذه الوظيفة التي هي إمرة أمراء الألوس، وكل ذي قلم ومنصب شرعي لا يخرج عن الوزير، وطبقات الأمراء أعلاها والنوين [6] وهو أمير عشرة آلاف، ثم أمير ألف، ثم أمير مائة، ثم أمير عشرة، هذه طبقات رتبهم لا نقص فيها ولا مزيد عليها وعامة العسكر لا تزال أسماؤهم في دواوينهم على الإفراد بل كل طائفة عليهم في الديوان فارس معين، إذا رسم له بالركوب، رعبوا «2» منهم العدة المطلوبة.
[1] قطلوشاه أو قتلوشاه من كبار القادة المغول، قتل سنة 707 هـ (انظر: الدرر الكامنة 7/339) .
[2]
حسن بن حسين بن أقبغا وهو ابن عمة السلطان أبو سعيد بهادر وقد تغلب على الملك بعد موت السلطان (انظر رحلة ابن بطوطة 154) .
[3]
طشتمر بن اسنتمر بن عبرجي هو طاش دمر.
[4]
يراليغ جمع مفرده يرليغ وهي كلمة مغولية بمعنى حكم أو أمر (فرهنگ رازي 1038) .
[5]
الفرمانات جمع مفرده فرمان والفرمان هو الحكم والأمر.
[6]
نوين: نوين ونويان، لفظ مغولي لأمراء وقواد المغول الكبار (فرهنگ رازي 971، فرهنگ عميد 1/234- 235) ونوين معناها رئيس تومان أي رئيس فرقة مكونه من عشرة آلاف (انظر حاشية كاترمير على جامع التواريخ 86- صبح الأعشى 4/423) .
وسألت الفاضل أبا الفضائل يحيى بن الحكيم عن مقدار عدة الجيش فقال: أما المنزل في دواوينهم فما يبلغ عشرين تومانا [1] ، وأما إذا أرادوا ركبوا بثلاثين تومانا، وما يزيد عليها وهم اليوم في انبتات شمل «1» ، وشتات آراء، لا يلتم لهم جمع، ولا يضمهم وفاق، قلت له: فكم مقدار «2» ما لهؤلاء من الأرزاق؟ فقال: أما ما هو مستقر لهم في دواوينهم من زمان هولاكو فلا يرضى أحدهم من كبارهم به ولا بأضعافه مرات، وأما الصغار فما يتجاوز واحد منهم المستقر له.
قلت: فكم هو المستقر في الديوان؟ وبكم يقنع كبارهم الآن؟ فقال لي: المقرر من قديم لكل نوين أمير تومان، تومان وهو عشرة آلاف دينار رائج عنها ستون ألف درهم، وأما اليوم فما يقنع النوين منهم إلا بخمسين تومان وهي خمسمائة ألف دينار رائج، عنها ثلاثة آلاف ألف درهم، ومن خمسين تومان إلى أربعين تومان، وأما كبيرهم بكلاري بك فالذي استقر لجوبان ثم لمن بعده ثلاثمائة تومان، وهي ثلاثة ألف ألف دينار عنها ثمانية عشر ألف ألف درهم، مع ما يحصل لكل من أمراء الألوس الأربعة من الخدم الكثيرة في البلاد جميعها عند تقديرات الضمان لها على ضمانها، على ما تنبه عليه في موضعه.
قال: وأما أمير الألف ومن دونه فلا يتجاوز أحد منهم مقرره القديم في الديوان لأمير الألف ألف دينار رائج عنها ستة آلاف (المخطوط ص 105) درهم، وأما أمير المائة والعشرة «3» ، وكل واحد من العسكرية أي الجند، فمائة دينار رائج، عنها ستمائة درهم لا تفاوت بينهم، هذا هو المقرر الجاري من قديم، وإنما تبقى مزية أمير المائة أو العشرة أنه يأخذ لنفسه شيئا مما هو للعسكرية.
[1] تومان: قائد ألف في العصر المغولي (فرهنگ عميد 1/234) وهي تعادل عشرة آلاف دينار (فرهنگ رازي 179) وتومان تعني عشرة ريال في العصر الحديث.
ولكل طائفة أرض لنزولهم توارثها الخلف عن السلف منذ ملك هولاكو هذه البلاد، فيها منازلهم، ولهم بها مزدرع لأقواتهم، لكنهم «1» لا يعيشون بالحرث والزرع.
هذه جملة ما هو لعساكر إيران مما ازداد، وما هو مستقر في الديوان، وأما الخواتين فالذي لهن الآن منه ما يبلغ للخاتون الواحدة، مائتا تومان، وهو ألف ألف دينار، عنها اثنا عشر ألف ألف درهم، وما دون ذلك إلى عشرين تومان، وهو مائتا ألف دينار عنها ألفان ألف ومائتان ألف درهم.
وقال لي الفاضل أبو الفضائل [1] يحيى بن الحكيم: وهذا قد يزيد وينقص.
وأما الوزير فله مائة وخمسون تومانا، هو ألف ألف وخمسمائة ألف دينار رائج، عنها تسعة آلاف ألف «2» درهم، قال: ولا يقنع بعشرة أضعاف هذا في تقارير البلاد.
وأمّا الخواجكية [2] من أرباب الأقلام فمنهم من يبلغ في السنة ثلاثين تومانا، وهي ثلاثمائة ألف دينار عنها ألف ألف. وثمانمائة ألف درهم، قال: وبهذه المملكة ما لا يحصى من الإدرارات والمعيشات والمرسومات، حتى أن بعض الرواتب تبلغ عشرين ألف دينار، وأما الإدرارات من المبلغ أو القرى فإنها تبقى لصاحبها كللك «3» يتصرف فيه كيف شاء، من بيع وهبة ووقف لمن أرادوا المعايش لمدة الحياة غير المرسومات والإنعامات، قال: وهي ما لا يحصى.
[1] ورد بالمخطوط أبي الفضائل.
[2]
الخواجكيه جمع مفرده خواجه وهو لقب يعادل كلمة السيد والرئيس، وهنا تعني الكاتب، وكان هذا اللقب يطلق على أهل العلم والأدب (انظر: فرهنگ رازي 290) .
قال: ومن هؤلاء من المستوفيين [1] من له الضبط على اتساع أقطار الممالك.
قال: وأما وظيفة القضاة فعادة هذه المملكة أن يكون بها في صحبة السلطان قاضي قضاة الممالك وهو يولى في جميع المملكة على تنائى أقطارها إلا العراق، فإن لبغداد قاضي قضاة (المخطوط ص 106) مستقل بها، يولى بها، وفي بلادها جميع عراق الغرب «1» .
وقال لي قاضي القضاة أبو محمد الحسن الغوري، أن آخر ما استقر له ست قرى وتومان «2» عشرة آلاف دينار في السنة.
قال الفاضل نظام الدين أبو الفضائل يحيى بن الحكيم: أن ملوك هذه المملكة وأمراءها «3» لهم ميل كلي إلى الشراب، فملوكها «4» اشتغالهم كله «5» بلذاتهم، وأمور دولتهم منقسمة بين أمراء الألوس والوزير على ما تقدم، ولاشتغال سلاطينهم «6» باللذات وانعكافهم «7» على منى نفوسهم، ومنتهى شهواتهم أعرضوا عن تدبير البلاد وأحوالهم، ولم يفكروا في مالها أن كثر أو قل، وبمملكتهم كيش [2] ونعمان، وهما مغامس اللؤلؤ، وبالدامغان في جبلها معدن ذهب.
قال لي شيخنا الإمام العلّامة فريد الدهر شمس الدين أبو الثناء محمود
[1] المستوفى، هو المحاسب والمحصل للحقوق وهي وظيفة (انظر: فرهنگ رازي 860) .
[2]
كيس: تعجيم قيس، جزيرة في وسط البحر تعدين أعمال فارس وتعد من أعمال عمان (مراصد الاطلاع 3/1192) وهي الآن جزيرة كيش.
الأصفهاني: إن هذا المعدن قليل المتحصل لكثرة ما يحتاج من الكلف حتى يستخرج، وبشتكاره شرقي العجم البازهر [1] الحيواني، يوجد بمعاليق الأيائل وهو الذي لا يباريه شيء في مقاومة السموم.
قال ابن البيطار [2] وأجوده الأصغر ثم الأغبر وخاصته النفع من السموم الحيوانية والنباتية، ومن عض الهوام ولدغها، وإذا شرب منه مسحوقا أو مسحولا وزن أثنى عشر شعيرة، خلص من الموت، وإذا امتصه تبادر للسم نقعه، وإن نثر على موضع لسع الهوام حين يلسع اجتذب السم، وبها الإثمد على مسافة يوم من أصبهان [3] في حفر بالأرض، وهو الذي لا يقوم شيء مقامه، وإنما قل النوع الجيد الآن.
سألت شيخنا شمس الدين محمود الأصفهاني عن سبب قلته، فقال: لانقطاع عرقه، فما بقى منه يوجد إلا ما لا يرى منه.
وبهذه المملكة مستعملات «1» القماش الفاخر من النخ والمخمل [4] والكمخا والعتابي والنصافي والصوف الأبيض المارديني [5] ، وهو في النهاية في بابه، ويعمل
[1] البازهر: هو من الكلمة الفارسية پادزهر المأخوذة من الپهلوية Patyahr وتعني ضد السم، الترياق المضاد للسم (فرهنگ عميد 1/417) .
[2]
ابن البيطار: أبو محمد عبد الله بن أحمد ضياء الدين ابن البيطار المالقي عالم النباتات والأعشاب، ولد أواخر القرن السادس الهجري، له الجامع في الأدوية المفردات أو الجامع لمفردات الأدوية والأغذية (دائرة المعارف الإسلامية 1/226- 227) .
[3]
أصبهان هي أصفهان إحدى المدن الإيرانية مجاورة لبلاد اللور (ياقوت الحموي 2/404) .
[4]
النخ والمخمل: النخ نوع من القماش القطني أو الحريري (فرهنگ رازي 944) والمخمل نوع من القماش الناعم (فرهنگ رازي 839) .
[5]
الكمخا والعتابي والنصافي والمارديني: أنواع من الأقمشة.
البسط الفاخرة في مواضع بها مثل شيراز [1] وأقصرا [2] وتوريز.
وحدثني (المخطوط ص 107) شيخنا فريد الدهر شمس الدين أبو الثناء محمود الأصفهاني أن بمدينة قمشمير مسرة «1» ثلاثة أيام عن أصفهان عين ماء سارحة نزرة «2» ، يسمى ماؤها بماء الجرادلة، خاصيته أن يحمل من مائها في إناء إلى الأرض التي أتاها الجراد، فيعلق ذلك الإناء في تلك الأرض، فيقصدها ما لا يحصى من طير، يقال له سار [3] يأكل ما فيها من الجراد حتى يفنى «3» .
قال شيخنا شمس الدين: وتعليق هذه الإناء شرط في خاصيته، بحيث لا يمس الأرض من طريقه ولا في مكان تعليق.
وحكى لي الأمير السيد المجيد في كتابه محمد بن حيدر الشيرازي أنه بين الدامغان واسترآباذ من خراسان عينا ظاهرة إذا ألقى فيها نجاسة، فار ماؤها وأزيدت وتكدر جوها [4]«4» .
وحدثني شيخنا فريد الدهر شمس الدين الأصفهاني أن بمازندران، وهي المسماة طبرستان عين ماء، من حمل من مائها، تبعته دودة طول أنملة الإنسان، فلو
[1] شيراز: قاعدة فارس، وهي مدينة أصيلة البناء، تضارع دمشق (انظر: وصفها عند ابن بطوطة ص 136) .
[2]
أقصرا: من بلاد الروم وتابعة لملك العراق (انظر: رحلة ابن بطوطة 196) .
[3]
سار: طائر صغير أكبر من العصفور يظهر أول الربيع غذاؤه العنب والتوت، لحمه حلال (فرهنگ عميد 2/1143) .
[4]
وردت هذه القصة عند كثير من المؤرخين وفي أماكن أخرى فقد ذكرها ميرخواند في كتابه روضة الصفا (انظر: الترجمة العربية ص 132) كما ذكرها نظام الدين أحمد في طبقات الكبرى (انظر: الترجمة في رسالة دكتوراه للمحقق بجامعة القاهرة 1/6، وعند ابن الأثير في كامله 7/87، وابن كثير في البداية والنهاية 11/286) .
حمل الماء تسعة، وكان معهم عاشر لم يحمل الماء، تبع كل واحد ممن حمل دودة، ولم يتبع العاشر الذي لم يحمل شيئا، فإن قتل واحد منهم تلك الدودة استحال الماء مرا لوقته، واستحال ماء كل من هو وراءه مرا، وأما من هو على جانبه فلا يستحيل ماؤه.
ومن عادة هذا السلطان أن يصحبه في الأردو في كل حل ومرتحل أعيان من العلماء والمدرسين برواتب جاريات «1» على السلطان، ومع كل منهم فقهاء وطلبه، وهؤلاء هم المسمون بمدرس السيارة، ومعهم أعيان الحواصلية الرؤساء، وطوائف الدواوين والكتاب ومن جميع أرباب الصنائع والمهن، حتى يكون الأردو كالمدينة العظيمة، ينزل ويرحل معه «2» ، وأخبرني الصدر مجد الدين إسماعيل السلامي أنه يوجد بالأردو خيم وخركاوات منصوبة تكترى للناس [1] لمن يصحب الأردو وماله مأوى أو من يجيء غريبا إليه، يكتريها، وينزل فيها، وبها الكبار والمتوسطات والصغار وأسواقهم «3» ، وهي المسماة بالبازار [2] ، مشتملة على ما يكون في المدن العظام من الملبوس والمطعوم والمشروب وغير ذلك بما لا حاجة بنا إلى ذكره، وليس يعترض ناسكهم على فاتكهم، ولا قاتلهم من باسلهم.
ومن قاعدة هذا السلطان أنه إذا نزل منزلا وهو المسمى عنده البيرق [3] ، ينصبه بالبعد منه علمان لا يتجاوزهم راكبه، وأمراؤه يلتزم معه أعظم الآداب، فما منهم أحد إذا قارب خركاه القان على نحو عشرين علوة نشاب أو أكثر إلا ينزل عن فرسه ويمشى.
[1] تؤجر للناس.
[2]
البازار: السوق (فرهنگ رازي 42) .
[3]
يرق: وهي يورت بمعنى مقام، خيمة (فرهنگ رازي 1043) وتأتي بمعنى أردو (تركستان 561) .
قال لي الصدر مجد الدين إسماعيل أنه رأى جوبان على ما كان بلغ من العظمة، وبو سعيد معه اسم بلا معنى، وهو متى وقعت عينه على الأردو، نزل، ومشى، فيتعب لبعد المسافة، فيقعد على كرسي صندلي [1] ليستريح، ثم يمشي، ثم يقعد ليستريح مرات حتى يصل إلى باب الكرباس [2] وهو باب الخان.
قال: ولكل من الخواتين، وكل من الأمراء الأكابر يرق [3] بذاته، ينزل فيه، وكل يرق من هذه كاهل بالأسواق، وكل ما يحتاج إليه من عادة هذا السلطان أن لا يعمل مراكب ولا يجلس لخدمة، ولا لقراءة قصص [4] عليه، وإبلاغ مظالم إليه بل له من أبناء الأمراء خاصة له، يقال لهم الأبناء، فيه هؤلاء هم «1» ، لا يكاد منهم من يفارقه.
فأما الأمراء فإنهم يركبون في غالب الأيام إلى باب الكرباس [5] ، وينصب لهم هناك كراسي صندليه [6]«2» ، يجلس كل أمير على كرسي بحسب مراتبهم الأعلى ثم الأدنى، ويدخل الوزير في بكرة كل يوم على القان، ويبقى الأمراء على باب الكرباس، إما يخرج القان أو يأذن لهم أو لا هذا ولا هذا، فإذا حضر طعام القان، بعث إلى كل أمير منهم شيئا للأكل بمفرده، يأكل هو ومن انتظم معه، لم يتفرقون كل واحد إلى برية من أنفق يخصون من الأمراء من حضر ومن لم يحضر لم يطلب بحضور إلا أن دعت الحاجة إلى طلب أحد منهم طلب.
[1] صندلي: وهو الكرسي (رازي 564) .
[2]
الكرباس: بفتح كاف، قماش من خيوط القطن ينسج باليد (فرهنگ رازي 695) .
[3]
يرق وهي يورت بمعنى المقام والخيمة.
[4]
شكاوى.
[5]
الكرباس: قماش قطني مصنوع باليد.
[6]
كراسي صندلية: وهي كنبة بمخدع، كرسي مخصوص بجوانب (فرهنگ رازي 564) .
ولهؤلاء شغل شاغل بالركوب إلى الصيد في غالب أيامهم فهم يجتمعون بعضهم ببعض «1» ، ولهذا ما لهم يوم مخصوص بموكب ولا خدمة، فأما من له ظلامة، فشكواه إن كانت متعلقة بالعسكرية (المخطوط ص 109) إلى أمير الألوس، وإن كانت متعلقة بالبلاد والأموال والرعايا فشكواه إلى الوزير، وفي الغالب ما يكون أمير الألوس بالأردو، ولانفراد في المصيف أو في المشتى أو الصيد أو قصد ثغر من الثغور، فغالب الشكاوى على إطلاقها مردودة إلى الوزير.
وليست في هذه للبلاد قاعدة «2» محفوظة تمشي على نظامها، بل كل من انضوى إلى خاتون من الخواتين أو أمير من الأمراء أو كبير من الخواصكية، قام بأمره إما في قضاء حاجة يطلبها أو إزالة ظلامة يشكوها حتى من الخواتين والأمراء، من يقتل ويوسط بيده بغير أمر القان ولا أمير الألوس.
وأما اليرالغ [1] والأحكام الصادرة عنهم فالمتعلق بالأموال يسمى الطرطمغا [2] ، وهذه صادرة عن رأي الوزارة، وأمره والمتعلق بالألجية [3]«3» وهو البريد يسمى
…
[4]«4» وهي أيضا صادرة عن الوزير، قد أقام لها أناسا بذاتهم، ومرجوعهم إليه، والمتعلق بالعسكر يسمى
…
[5]«5» ، وهو صادر عن أمير الألوس.
[1] اليراليغ جمع مفرده يرليغ، لفظ مغولي بمعنى حكم، مرسوم (صبح الأعشى 4/423- 428) .
[2]
الطرطمغا: المرسوم الخاص بالأموال يسمى بهذا الاسم.
[3]
الالجية: المرسوم الخاص بالوزارة.
[4]
فراغ بمسافة 3 سم.
[5]
فراغ بمسافة 1 سم.
وليس لأحد على الجميع خط إلا الوزير، وإنما العادة أن يأمر الوزير بكتابة ما يرى، ثم تؤخذ خطوط المحدثين في ذلك الذي يكتب، ثم تحرر مسودة، وتعرض على الوزير، فيأمر بتبيضها، فإذا بيضت كتب- كما نبهنا عليه فيما قبل- اسم السلطان، ثم تحته اسم الأمراء الأربعة ويخلى تحته مكان، هو موضع خط الوزير، ثم يكمل اليرليغ [1] أو الحكم، ويختمه بالتاريخ شخص معد لذلك، غير من يكتب، ثم يأتي الوزير ويكتب في المكان الخالي فلان سوري «1» ، أي هذا كلام فلان، يسمى نفسه، ثم إن كان متعلقا بالمال، أثبت حيث يثبته مثله، وإلا فلا، وأما المتعلق بالعسكر فمنشأ الأمر فيه عن أمير الألوس، يأمر به ثم على بقية الترتيب، ولا خط لأمير الألوس بيده.
وقاعدة أصحاب الولائم من الدواوين عندهم كما هو بمصر والشام، لا يعلم صاحب علامة حتى يرى خط نائبه عليه أولا، ليعلم أنه قد نزل عنده.
وأخبرني الفاضل أبو الفضائل يحيى بن الحكيم أن الذي للأمراء والعسكرية لا يكتب (المخطوط ص 110) مرسوم، لأن كل طائفة ورثت [2] مالها في ذلك عن آبائها، وهم على الجهات التي قررها لهم هولاكو لا يتغير بزيادة ولا نقص، إلا أكابر الأمراء الذين حصلت لهم الزيادات، فإن ذلك الوقت كتب لهم بها بأمر القان، أصدر بها الوزراء عنه.
قال: ومن الخواتين والأمراء من أخذ بماله أو بعضه بلادا مما له، وكثير من أخذ بلدا عن مبلغ متحصل ذلك الملك أضعافه.
وأهل هذه المملكة قد داخلهم العجم، وزوجوهم وتزوجوا منهم، وخلطوهم بالنفوس «2» في الأمور فلهذا تفخمت قواعدهم، وجرت على عوائد الخلفاء والملوك
[1] اليرليغ: مرسوم.
[2]
كررت عبارة (طائفة ورثت) .
في غالب الأمور قوانينهم، ولقد كان هولاكو من أول ما أخذ بغداد على نية إجراء الأمور في مجاريها، وإبقاء الأحوال على ما كانت، ولكنه ما تهيأ له لشدة من كان معه على المغولية، وإفراط تخوف الناس منهم، فإنهم لكثرة خوفهم منه تجنبوا لقاءه، فزالت عنهم رتبهم، وتغيرت عليهم أحوالهم، ولقد كان يقنع منهم بالطاعة والانقياد والمداراة بالمال عن استئصال البلاء، ولكن المقادير لا ترد سهامها، ولا تصد أحكامها.
وفي هذه المملكة عدة ملوك مثل صاحب هرى [1] ، وهي هرى «1» من خراسان في أخريات البلاد، مجاورة لكرمان، وبها ملك من بقايا ملوك السبكتكينية [2] يتوارثون ملكها، ذات بلاد وأعمال وجباية وأموال ولسلطانها عسكر يقال أنها عشرون ألفا، وهم لا يبلغون ذلك، وكان قد آل ملكها إلى غياث الدين محمد السبكتكيني [3] ، وإليه لجأ جوبان بن جلو أمير ألوس إيران في واقعته مع السلطان بو سعيد، فإن لصحبة كانت بينهما، وكان مع جوبان ولده خلوقان [4] وهو ابن السلطان «2» محمد اولجايتو خدابنده وهي أخت السلطان أبو سعيد، فتلقاهما وأنزلهما في القلعة عنده، ثم خنقهما، تقربا إلى السلطان بو سعيد، وبعث بإبهام جوبان، وكان بها (المخطوط ص 111) أصبع زائدة، إلى حضرة بو سعيد، إعلاما بتحقيق قتله.
[1] هراة: مدينة عظيمة من مدن خراسان بناها الإسكندر وحولها سور عظيم، وليس بخراسان أجمل ولا أعمر ولا خصب ولا أكثر خيرا منها (آثار البلاد 481) ولأهلها صلاح وعفاف وديانة (رحلة ابن بطوطة 254) .
[2]
نسبة إلى سبكتكين.
[3]
انظر القصة في رحلة ابن بطوطة 152- 153.
[4]
أولاد جوبان هم حسن وطالش ودمرطاش وقد فر الأخير إلى مصر وهناك قتل (رحلة ابن بطوطة 153) .
وكان بو سعيد قد تزوج ببغداد خاتون بنت جوبان بعد تحيده منه، فأمر بإقامة العزاء عليهما، ثم نقل جثتيهما إلى حضرته، وجدد العزاء عليهما، ثم حملا إلى مكة المعظمة، فطيف بهما، ثم حملا إلى المدينة الشريفة النبوية، فدفنا بالبقيع منها [1] ، ومات غياث الدين المذكور، وانتقل الملك بعده لولده.
وهذه هرى مدينة جليلة من أجل مدن خراسان، مشهورة موصوفة بالحسن والنعمة، وبها الماء السارح والشجر الكثير، رخية الأسعار، حكمها حكم ما سواها من خراسان، إلا أنها مملكة تتداولها ملوك، وكلهم في طاعة صاحب إيران، وتحت أمره، وعسكر هرى من الفرس، وفيهم البهالوين [2] ذوو البأس والقوة.
وأخبرني شيخنا فريد الدهر شمس الدين أبو الثناء محمود الأصفهاني، أن بالقرب من هرى شيخ موجود اسمه شهاب الدين أحمد الجامي، جليل القدر، واسع الحرمة والمال، له خمسة آلاف مملوك يصرفهم في أرزاقه، ومكاسبهم كثيرة ومستغلات أملاكه وزروعه وتربية دودة القز واستخراج الحرير له وعمله بما يجيء منه الجمل الكثيرة التي لا تكاد تحصر.
قال: وهذا الجامي مرعى الجانب عند سلاطين إيران، كان يفرش سجادته إلى جانب السلطان خدابنده، فقيل لخدابنده: كيف بلغ هذا منك هذه الرتبة؟ قال:
كنت مجردا في زمان أخي محمود غازان بستين ألف فارس، فضاق بنا الوقت لقلة ما نأكل نحن ودوابنا، فأقام بنا جميعنا هذا الشيخ أربعة أشهر من ماله.
وحكى لي من أثق بقوله أنه رآه على منى وهو حاج ومعه ألف جمل «1» وأثقل عليها «2» أمواله وأثقاله.
[1] دفنا في مكة (رحلة ابن بطوطة 154) .
[2]
البهالوين جمع مفرده بهلوي ويعني الشجاع والبطل.
قال: ورأيت غياث الدين صاحب هرى واقفا في خدمة الجامي [1] ، والجامي قاعد لا يكترث بوقوف صاحب هرى بين يديه.
وبهذه المملكة أبلة البصرة [2] وشعب بوان [3] ، (المخطوط ص 112) وهما نصف متنزهات الدنيا الأربعة ذات المحاسن المنوعة.
فأما الأبلة فمدينة قديمة دثرت الآن، وبقى متنزهها على ما كان، والأبلة نهر مشتق من دجلة، مرفوع إلى البصرة يسقى بساتينها، والبصرة أشهر من أن توصف حدائقها الملتفة، وجداولها المحتفة، وما تفتر به رياضها من بدائع الزهرات، وتفردت به حدائقها من يانع الثمرات.
قال الجاحظ [4] ، ونهر الأبلة سعة زيادة مقابلة نهر معقل، وبينهما البساتين والقصور العالية والمباني البديعة، يتسلسل مجراه، وتتهلل بكرة وعشاياة، وتظله الشجر، وتغنى به زمر الطير، وهي من الحسن حيث يشهد، العيان، ويظهر فنون الأفتان، والأبلة هي المدينة القديمة، وإنما اختطت البصرة، عوضها، وفيه يقول القاضي التنوخي [5] . [الكامل] .
[1] جامي: أبو نصر أحمد بن أبو الحسن المعروف بشيخ جام من مشايخ المتصوفة في النصف الأول من القرن السادس الهجري قضى عمره في الرياضة والإرشاد، مات سنة 536 هـ وله عدة كتب أهمها: أنيس التائبين، كنوز الرحمة، روضة المذنبين، بحار الحقيقة ومفتاح النجات وهو غير الشاعر عبد الرحمن الجامي المتوفى 898 هـ. (انظر: فرهنگ أدبيات فارسي 157) .
[2]
أبلة البصرة: بينها وبين البصرة عشرة أميال، كانت مدينة عظيمة يقصدها التجار من الهند وفارس (رحلة ابن بطوطة 127) .
[3]
شعب بوان: شعب بإقليم فارس به الرياض والأشجار الكثيفة والزهور الرقيقة، وهو مكان بديع.
[4]
الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ، من كبار الأدباء العرب، ولد بالبصرة، كان معتزليا، عمر طويلا ومات سنة 255 هـ له: البيان والتبيين، والبخلاء، والحيوان، والتاج في أخلاق الملوك.
[5]
هو محمد بن محمد بن منجا زين الدين التنوخي (نسبة إلى عدة قبائل تدعى بتنوخ أقاموا بالبحرين) وهو الدمشقي ثم البغدادي الأديب المتوفي سنة 748 هـ، له: أقصى الغرب في صناعة الأدب (انظر: هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي، استانبول 1955 ج 2/154) .
أحببت إليّ بنهر معقل الذي
…
فيه التسلى عن همومي معقل
عذب إذا ما حل فيه ناهل
…
فكأنه في ريق حبّ ينهل
متسلسل وكأنه لصفائه
…
دمع نجدى كاعب يتسلل
وكأنه ياقوتة أو أعين
…
زرق تلام فينها وتفصل
عذب فما تدري أماء ماءوها
…
عند المذاقة أم «1» رحيق سلسل
وله بمد بعد جزر ذاهب
…
جيشان يذهب «2» ذا وهذا يقبل
وإذا نظرت إلى الأبلة خلتها
…
من جنة الفردوس حين تخيل
كم منزل من نهرها إلى السرو
…
رفإنه في غيرها لا ينزل
وكأنما تلك القصور عرائس
…
والرّوض حلي وهي فيه ترفل
غنت قيان الطير في أرجائها
…
هزجا يقل لها الثقيل الأول
وتعانقت تلك الغصون فاذكرت
…
يوم الوداع وغيرهم يترحل
ربع الرّبيع بها فحاكت كفه
…
حللا بها عقد الهموم تحلل
(المخطوط ص 113) .
فمديح وموشح ومدثر
…
ومعمّد ومحبّر ومهلل
فتخال ذاعينا وذا خدا وذا
…
ثغرا يعضض مرة ويقبّل
ويحيط بالأبلة نهرها المشتق لها، ونهر معقل فلهذا صارت بين سلكيهما في أبهى منظر وأحرز معقل، وبها النخيل المايسات، القدود المائلات في خضر البرود، لا يفوق شيء رطبها الجنية، وثمراتها الهنية كأنها السكر المذاب بل شفاه لعمر معسولة الرضاب.
وأما شعب بوان فهو بظاهر همدان، يشرف عليها من جبل يقال له بالفارسية
الرند، والشعب في سفحه تضاحك الأفق ثغر صبحه، والأنهار تنحدر «1» عليه من أعلى الجبل، ويناجيه صبها برقة الغزل يتيه «2» على أنديتها مقبلا، ويترامى على شفاهها الخو مقبلا، قد تكسرت على رباها، فأوهمت الغواني في حلاها، بقلب عواضها المخضرة كالعذار، والتفتت حدائقها إليها كأنها اعتذار، وهو من أبدع بقاع الأرض منظرا، وأندى دوحا نضرا.
قال المبرد [1] : أشرفت على شعب بوان، فنظرت فإذا بماء منحدر كأنه سلاسل فضة، وتربة كالكافور، وروضة كالثواب الموشي، وأشجار متهادلة، وأطيار متجاوبة.
ولقد حدثني من رآها، وطيب مفارقة بثراها، إنها تذهب بالألباب ويذهب بها عصر الشباب، لا تكاد الشمس تسقط من أردائها، ولا الكواكب تغيب من فرجات أغصانها.
ولقد مر أبو الطيب المتنبي [2] بشعب بوان لما توجه إلى عضد الدولة بن بويه [3] واستطابة واستطال «3» نزولا به، واستطار إعجابا بما هزه فيه هزه الحمام من طربه، فلما سمع لغة أهل العجم، وقاس إلى فصاحة قومه البكم، استغرب بينهم
[1] المبرد (أبو العباس) 826- 898 م نحوي، ممثل مذهب البصرة، تلميذ المازني والسجستاني، علّم في بغداد من أشهر مؤلفاته الكامل المنجد في الأعلام 519) .
[2]
أبو الطيب المتنبي هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الكوفي الكندي، ولد بالكوفة سنة 303 هـ، نبغ في الشعر ومدح سيف الدولة الحمداني في سيفياته وكافور الإخشيدي في كافورياته وقتل سنة 354 هـ.
[3]
عضد الدولة بن بويه هو أبو شجاع فغا خسرو بن ركن الدولة حسن بن بويه، جلس على كرسي حكم فارس دكرمان سنة 338 هـ ثم أصفهان وضواحيها 356 هـ ثم الموصل وديار بكر وبغداد، وتوفي سنة 372 هـ (انظر: تاريخ گرديزى 146، ابن الأثير 7/100- 111، تكملة تاريخ الطبري 407، ابن الأثير 11/263، ابن مسكويه 2/300، روضة الصفا 188- 192) .
نفسه، فقال [1] :[الوافر]
مغاني الشّعب طيّبا في المغاني
…
بمنزلة الربيع من الزّمان
ولكنّ الفتى العربيّ فيها
…
غريب الوجه واليد واللّسان
ملاعب جنة لو سار فيها
…
سليمان لسار، بترجمان
(المخطوط ص 114) .
«طبت فرساننا «1» والخيل حتى
…
خشيت «2» وإن كرمن من الحران
«غدونا تنفض الأغصان فيها
…
على أعرافها مثل الجمان»
«فسرت وقد حجبن الشمس عنّي
…
وجيز من الضّياء بما كفاني»
«وألقى الشرق منها في ثيابي
…
دنانيرا تفرّ من البنان»
«لها ثمر تشير إليك منه
…
بأشربة وقفن بلا أوان»
يقول بشعب بوان حصاني
…
أعن هذا يسارعن الطعان «3»
وقد ذكرنا ما اشتملت عليه هذه المملكة الجليلة من الأقاليم، وجمل من محاسن هذه المملكة، ترتيبها، وسنذكر الآن ما لا بد منه فمن ذلك بلاد الجبال وهي تشمل على المياه التي تجري على البصرة والكوفة، وحدها الشرقي مفازة خراسان وفارس وأصبهان، والغربي آذربيجان، والشمالي الديلم والري وقزوين، والجنوبي العراق وخوزستان وتشتمل على مدن مشهورة ذكرناها فيما تقدم من الكتاب، وبلاد الديلم، وهي سهل وجبلان، فأما السهل فهو بلاد الجيل وما معها، وهي الآن بمجموعها تسمى كيلان [2] ، والجبل ممتد عليها من الجنوب إلى
[1] تم تشكيل الأبيات من الديوان.
[2]
كيلان هي گيلان وجيلان وبلاد إگليل. والجبل بين قزوين وبحر الخزر (آثار البلاد 353) .
الشمال، وطبرستان هي كيلان أو في حكمها وكذلك مازندران وكيلان، وإن كان من هذه المملكة فإنها مقررة لملوك سيأتي ذكرهم، وسجستان.
ومنها هرمز بلاد تحيط بها مما يلي الشرق مفازة بين أرض بكران وأرض السند وبين سجستان وفارس، ومن ناحية الغرب خراسان وشيء من أرض الهند، وما يلي الشمال أرض الهند، ومما يلي الجنوب المفازة التي بين سجستان وفارس وكرمان وخراسان، ويشتمل على كور ويحيط به من شرقيه نواحي سجستان وبلاد الهند، وجبال الغور، وغربية مفازة القرية وناحية جرجان، وشماليه ما وراء النهر وشيء من بلاد الترك، وجنوبيه مفازة فارس وريفه، ومن الغرب من حبر قوس إلى الغرب، وفيها من حد جرجان وبحر الخزر إلى خوارزم تقويسا على العمارة.
ومن الناس من بعد هراة (المخطوط ص 115) من خراسان ومنهم من بعدها بذاتها وأقدم مدنها بناء مرو الشاهجهان، يقال أنها من بناء ذي القرنين وهي أرض مستوية بعيدة عن الجبال، لا يرى فيها جبل، وهي كثيرة الرمال وفيها ظهرت دولة بني العباس في دار آل أبي النجم المعيطي، وأحصن مدنها مدينة نسا، وهي في غاية الحصانة كثيرة المياه والبساتين ومن خراسان قوهستان وأهلها كلهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وأرمينية وآران وآذربيجان حدودها مما يلي الشرق الجبال وبلاد الديلم، وشرقي بحر الخزر ومما يلي الغرب حدود بلاد الأرمن، ومن جهة الشمال اللان وجبال القبق، ومن الجنوب العراق وبعض الجزيرة، وأجل هذه النواحي أذربيجان وأجل مدنها قديما أردبيل.
قال: الزواوي: تكون أعمالها ثلاثين فرسخا، وبها كانت كبار الإمارة في صدر الإسلام ثم كانت تليها مراغة، وكانت قديما مقرا للجند وتليها أرمينية، وبينها وبين مراغة بحيرة كبودان وهي مالحة وليس بها سمك ولا دابة، وتختلف فيها المراكب بين أرمينية ومراغة وطولها نحو عشرين فرسخا، فأما قد بنيت توريز لم تبق بذكره معها سواها، وفي آران باب الأبواب وهي مدينة على بحر الخزر وهي ميناء ذلك البحر وإليها مرس السفن.
وكرجستان هي داخلة في حدود ما ذكرنا مع أرمينية ومدينتها تفليس [1] على نهر الكر، وقد تقدم ذكر الحال مفصلا فيما تقدم، والجزيرة وديار بكر وربيعة ومضر وهي ملاحقة لبلاد العراق وجزيرة العرب، والجزيرة بين الفرات ودجلة وقد كانت هذه بمجموعها مملكة جليلة قائمة بذاتها في الدولة الأتابكية وخوزستان وشرقيها حد فارس وأصبهان، وغربها رستاق واسط، وشماليها حد الصيمرة والكرج، كرج أبي دلف، وهو قصور مفرقة، والكر حتى يتصل على غربي الجبال أي إلى أصبهان، والجنوبي ينتهى بعضه إلى بحر فارس وبعضه (المخطوط ص 116) إلى رستاق واسط والبحر دائر عليها من آخر الشرقي إلى أول الغربي وجبال القفص والبلوص في حدها الجنوبي مما يلي الجنوب، قريبة من البحر وقريبها جبال الفضة، قريب مدينة جيرفت من كرمان وكلها جبال عامرة.
وأما البلوص ففي سفح الجبال القفص، ولا يخاف أهل القفص من أحد إلا منهم وهم بادية يسكنون بيوت الشعر ولا يؤذون أحدا، وجبال بادن خصبة منيعة ذات أشجار، وكان أهلها مجوسا زمان بني أمية ثم أسلموا في أوائل الدولة العباسية وبقوا في منعة حتى وليّ يعقوب [2] وعمر ابنا الصفار [3] فملكوا جبالهم وكرمات، ومدينتهم السيرجان ثم جيرفت، وهي بلد متجر خراسان، والأختان التوأمان، وقد رخص فيهما الجمع بين الأختين والفريدتان اليتيمتان، ولا يوصف باليتم إلا الواحدة إلا إذا كانت اثنتين السمع والبصر، والبحر والمطر، وأفضل ما جهز له أبو بكر الجيوش، وفتحه عمر الفرقدان المعنقان والنيران المتألقان، مركز الأعلام،
[1] هي تبليس الحالية عاصمة جمهورية جورجيا.
[2]
يعقوب بن الليث الصفار، كان يعمل صفارا، استولى على بست وعلى سيستان، ثم استولى على إيران كلها وهدد بغداد، كان جاهلا، أسس الدولة الصفارية (انظر: روضة الصفا 57- 61، زين الأخبار 10، تاريخ گزيده 2، ابن الأثير 5/338) .
[3]
ورد بالمخطوط عمر، وهو في الأصل عمرو بن الليث الصفار أخو يعقوب، حكم بعده ولمدة ثلاث وعشرين سنة، حاربه إسماعيل الساماتي وقبض عليه وأرسله إلى الخليفة، ومات في حبسه (انظر: روضة الصفا 60- 64، الطبري 9/545، زين الأخبار 15، ابن الأثير 6/22، ابن كثير 11/38) .
والأعلام والسيوف والأقلام، قطبا تلك الدائرة وأفتا نجومها الزاهرة عراق العرب، وعراق العجم، وعراق العرب، والأول أكبر، والثاني أشهر لمكان الخلفاء منها، وكور عراق العجم عظيمة جليلة.
ذكرنا فيما تقدم عنه ذكر الأقاليم ما نبني عليه، وأما عراق العرب فهو دونه، وإن كان غاية من الفخامة ونهاية في الضخامة، وكان ملوك الفرس دليران إيران [1] ومعناه....... [2] وهو اثنا عشر كورة.
وقال الفاضل أبو الفضائل يحيى بن الحكيم الطياري البوسعيدي أن كل كورة منها استان [3] وطساسجه [4] ستون طسوجا وترجمة إجازة، وترجمة الطسوج ناحية، فالكورة الأولى كورة ستارسان فيروز وهو خمسة طساسيج وطسوج خانقين، ومن الجانب الشرقي سقى تامرا.
والكورة الثانية كورة سار شادمهر وهي ثمانية طساسيج طسوج بشابور وطسوج نهر بوق وطسوج كلواذا وبها كلواذا، وهي (المخطوط ص 117) مدينة قديمة، وبها يسمى الكلدانيون الطائفة المشهورة المعدود منها كيومرث [5] وطهمورث [6]
[1] يقصد بعراق العجم إيران.
دليرات إيران: أبطال إيران، ودليرات جمع مفرده دلير وهي كلمة فارسية بمعنى شجاع وبطل (فرهنگ رازي 350) .
[2]
فراغ بمسافة 5 سم.
[3]
استان: إقليم أو محافظة، كلمة فارسية من البهلوية Ostan وتعني ولاية (فرهنگ عميد 1/134) .
[4]
طساسجة جمع مفرده طسوج وهي من تسو التركية بمعنى جزء من أربعة وعشرين جزءا (انظر: فرهنگ عميد 1/576) .
[5]
كيومرث: أول ملك أسطوري حكم على الأرض وهو في العربية جيومرث وبالبهلوية گيومرد أوكيه مرت (حماسهء سراي در إيران تأليف د. ذبيح الله صفا تهران 1369 ش جاپ بنجم ص 399) .
[6]
طهمورث: تهمورث ملك أسطوري حكم بعد هوشنگ ورد في شاهنامة الفردوسي بأنه تعلم ثلاثين لغة وحكم ثلاثين عاما (حماسة سراي در إيران 418- 423) .
وجمشيد [1] والضحاك [2] وطسوج نهر بين طسوج جازر وطسوج المدينة العتيقة، وطسوج زاذان الأعلى، وطسوج زاذان الأسفل.
والكورة الثالثة كورة سارشادقناد، وهي ثمانية طساسيج، طسوج رستاقياذ، وطسوج مهرود، وطسوج ستسل، وطسوج جلولاء، وطسوج الدسكرة والرساتيق.
والكورة الرابعة كورة بارنجان خسره، وهي خمسة طساسيج، طسوج النهروان الأعلى، وطسوج النهروان الأوسط، وطسوج النهروان الأسفل، وطسوج بادريا، وطسوج باكسايا والكورة الخامسة كورة سارشاد سابور وهي خمسة طساسيج، طسوج دجلة والفرات، وطسوج الزندورة، وطسوج الثرثور، وطسوج الآسان، وطسوج الخوارج.
والكورة السادسة، كورة ساشاد بهمن، وهو أربعة طساسيج، طسوج بهمن أردشير، وطسوج ميسان، وطسوج دست ميسان وهو الأبلة، وطسوج أثر قتادة.
والكورة السابعة كورة ستان العليا وهي أربعة طساسيج، طسوج فيروز سابور وهي الأتيار، وطسوج مسكن وهو دحيل، وطسوج قطربل، وطسوج بادروبا.
والكورة الثامنة وهي كورة سان سيربايكان وهي خمسة طساسيج طسوج نهر سبر وطسوج الرومتان، وطسوج كومي، وطسوج درفيط، وطسوج نهر جوير.
والكورة التاسعة وهي كورة بدروبرشان وهي الروابي وهي ثلاثة طساسيج، طسوج الزاب الأعلى، وطسوج الزاب الأوسط، وطسوج الزاب الأسفل.
والكورة العاشرة وهي كورة سنان تهقياد الأعلى وهي ستة طساسيج، طسوج بابل، وطسوج خطروبه (المخطوط ص 118) ، وطسوج الفلوجة العليا، وطسوج
[1] جمشيد: هو ابن تهمورث، حكم بعد أبيه، وهو أيضا من الملوك الأسطوريين (حماسهء سراي در إيران 424) .
[2]
الضحاك: هو الضحاك بن مرداس العربي الذي قتل جمشيد، وحكم بلاد إيران حتى قتله أفريدون البطل الأسطوري الإيراني (حماسه ءسراي در إيران 451 وما بعدها) .
الفلوجة السفلى، وطسوج النهرين، وطسوج عين التمر.
والكورة الحادية عشر هي كورة ستان تهقياد الأوسط وهي أربعة طساسيج، طسوج الحبة والدواه، وطسوج سوار وباروسما، وطسوج باروسما، وطسوج نهر الملك.
والكورة الثانية عشرة وهي تمام وهي كورة ستان تهقياد الأسفل، وهي خمسة طساسيج، طسوج فرات وبادفلى، وطسوج النسالحين، وطسوج تستر، وطسوج رومستان، وطسوج هرمز دخره.
قلت: ولم أذكر مدن هذه المملكة هنا لكثرتها ولأنها قد تقدم عند ذكر الأقاليم بالا يحتاج معه إلى إعادة، ولا فيه نقص يفتقر إلى زيادة، والذي ذكرناه الآن من كور العراق هو عمل بغداد الداخل حسابه فيما يختص بها من السواد دون ما هو مفرد لبقية ما معها من المدن والبلاد، والذي أعدنا ذكره هنا مما تقدم ذكره إنما هو للإعلام بمقدار هذه الملكة، وما جمعت أطرافها من الأقاليم والأمصار «1» والممالك العظيمة والمدن الكبار، مما اجتمعت في جمعة الأكاسرة، ودأبت الدولة العباسية في تحصيله، وقد صارت كلها بيد ملوك بيت هولاكو.
وهي واسطة الأرض وخالصة المعمور وسرة الدنيا وأسرة العلياء، فسبحان الله العظيم الوهاب الكريم يرزق من يشاء بغير حساب، ويعطى بلا احتساب لا راد لما قضى ولا مانع لما أعطى، يؤتى الملك لمن يشاء، وينزع الملك ممن يشاء [1] .
على أن هذا البيت في وقتنا هذا قد وهي نظمه، وهوى نجمه، وهوان «2» على الناس أمره، وخمدت تحت الرماد جمرة منذ مات بو سعيد بهادر خان آخر ملوكهم،
[1] إشارة إلى قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
[آل عمران 3: الآية 26] .
المجمع على طاعته، ثم هم بعده في دهياء «1» مظلمة، وعمياء معتمة، لا يقضي ليلتهم إلى الصباح «2» ، ولا جملتهم المفرقة إلى اجتماع، ولا فساد ذات بينهم إلى صلاح، في كل ناحية هاتف يدعى باسمه (المخطوط ص 119) وخائف، آخذا جانبا إلى قسمه، وكل طائفة تتغلب وتقيم قائما، يقول هو من أبناء القان، وتنسبه إلى فلان بن فلان، ثم يضمحل أمره عن قريب، ولا تلحق دعوته تبلغ حتى يدعى فلا يجيب، وما ذلك من الدهر بعجيب، وملوك هذا البيت، وإن كانوا ملوكا من قديم الزمان، وبينهم ما يكون بين الملوك من الشنآن، وكان متألفهم على ما وجدوا عليه آباءهم، لا ينيبون «3» للإسلام ولا يتركون آباءهم، فإنهم أهل همم تذل لها الجبال، وكرم تذهب به الأموال، فأما نجدتهم وبأسهم فأول دليل على مبلغهم منه ما ملكوه بسيوفهم من المشرق إلى الشام والي الآن ما تقادمت الأيام، وأما كرمهم قد ذكرنا منه ما يدل عليه.
حدثني شيخنا فريد الدهر أبو الثناء محمود بن أبي القسم «4» الأصفهاني أطال الله بقاه أن خواجا رشيد الدولة [1] . وله ألف كتابا (سماه
…
[2] ) «5» وقدمه
[1] خواجه رشيد الدولة هو فضل الله بن عماد الدولة أبي الخير الملقب برشيد، من وزراء وأطباء ومؤرخي إيران الكبار في العصر المغولي ولد في همدان سنة 645 هـ، والتحق ببلاط آباقا خان ثم غازان خان وكذلك خدم في عهد محمد خدابنده، قتل سنة 718 هـ، كان مؤرخا معروفا له مؤلفات مشهورة أهمها: جامع التواريخ وقد ترجم إلى العربية محمد صادق نشأت وآخرون (انظر: جامع التواريخ، رشيد الدين فضل الله الهمذاني نقله إلى العربية محمد صادق نشأت وآخرون القاهرة 1960، المقدمة ج 1/2 وما بعدها.
[2]
فراغ بمقدار 4 سم وأظنه كتاب جامع التواريخ.
للسلطان خدابنده، وقال له أن أرسطو عمل كتابا (المسمى
…
«1» ) [1] وقدمه للاسكندر، فأجازه عليه ألف ألف دينار، وما أنت ممن يرضى أن يكون دون الإسكندر، فقبل خدابنده الكتاب، وأمر له بنظير ما أمر به الاسكندر لأرسطو، فأخذ به خواجة رشيد الدولة أملاكا وعقارا قيمتها قدر المبلغ ثلاث مرات، قال:
والأملاك إلى الآن في يد أولاده وذريته.
قلت: وأحب السلطان المذكور على ما بلغنا امرأة مغنية من بغداد، فأطلق لها ما لا يحصى وما لا يدخل في حساب.
وحدثني من أثق به أن أبغا بن هولاكو كان يأنس برجل، فاتفق أن صحبه في سفر إلى جهة ما، وكانت يوم ذاك خزانة أموالهم، فأمر به أن يدخل إليها [2] ويأخذ ما أراد منها، فلما دخل إليها لم يأخذ سوى دينار واحد عمله في فيه، فلما حضر بين يديه سأله عما أخذ، فألقى الدينار من فيه، وقال: ياقان شبعت وامتلأت حتى خرج من فمي، فضحك، وأعجبه منه ما قاله، وأمر له بعشرة توامين؛ عنها مائة ألف رائج، بستمائة ألف درهم، فأخذها.
وحدثني قاضي (المخطوط ص 120) القضاة أبو محمد الحسن الغوري أن فقيرا وقف بكيخيتو [3] في أيام سلطنته، وشكا إليه ضرره، فأمر له بثلاثة توامين، وهي ثلاثون ألف رائج بمائة وثمانين ألف درهم، فاستكثر هذا طاجار وزيره، (وما تجاسر أن يشاوره،)«2» فسكبها على نطع في طريق كيختو ليبصرها، فيستكثر المبلغ،
[1] فراغ بمقدار 4 سم.
[2]
تكرار «يدخل إليها» .
[3]
هو كيخانو بن آباقا خان بن هولاكو حكم ما بين سنة 690- 694 هـ (جامع التواريخ ج 2/14، تركستان 818) .
فلما عبر عليها كيخبتو رآها، سأل عنها: فقيل له هذا الذي رسمت به لذلك الفقير، فقال هذا هو بس؟، قالوا: نعم قال: والله مسكين أنا، والله «1» كنت أعتقد أنا أعطيناه شيئا، وهذا ما هو شيء، أعطوه مثله مرة أخرى، فأعطوه [1] .
[1] سبق للمؤلف أن ذكر قصة مشابهة مع القان الكبير.