المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ذكر مملكة المصر] - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٣

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الثالث]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌أ- المؤلف:

- ‌ب- المخطوط:

- ‌ج- منهج المؤلف في تأليف الكتاب

- ‌د- التأريخ والمؤرخون في عصر المؤلف:

- ‌هـ- منهج المحقق في تحقيق المخطوط:

- ‌النّوع الثّاني في ذكر ممالك الإسلام جملة

- ‌الباب الأول في مملكة الهند والسّند

- ‌الباب الثاني في ممالك بيت جنكيز خان

- ‌الفصل الأول في الكلام عليهم جمليا

- ‌نبذة من عقيدته وياسته وقاعدته وسيرته

- ‌الفصل الثاني في مملكة القان الكبير

- ‌الفصل الثالث في التورانيين وهم فرقتان

- ‌الفرقة الثانية في خوارزم والقبجاق

- ‌الفصل الرابع في مملكة الإيرانيين

- ‌الباب الثالث في مملكة الجيل

- ‌الفصل الأول في بومن

- ‌الفصل الثاني في صاحب توليم

- ‌الفصل الثالث في كسكر

- ‌الفصل الرابع في رسفت

- ‌الباب الرابع في مملكة الجبال

- ‌الفصل الأول في الأكراد

- ‌الفصل الثاني في اللر

- ‌الفصل الثالث في الشول

- ‌الفصل الرابع في شنكاره

- ‌الباب الخامس في مملكة الأتراك بالروم

- ‌الفصل الأول في مملكة كرمينان

- ‌الفصل الثاني في مملكة طغرلو

- ‌الفصل الثالث في مملكة توازا

- ‌فصل الرابع في مملكة عبدلي

- ‌الفصل الخامس في مملكة كصطمونية

- ‌الفصل السادس في مملكة فاويا

- ‌الفصل السابع في مملكة برسا

- ‌الفصل الثامن في مملكة اكيرا

- ‌الفصل التاسع في مملكة مرمرا

- ‌الفصل العاشر في مملكة نيف

- ‌الفصل الحادي عشر في مملكة مغنيسيا

- ‌الفصل الثاني عشر في مملكة بركي

- ‌الفصل الثالث عشر في مملكة فوكه

- ‌الفصل الرابع عشر في مملكة إنطاليا

- ‌الفصل الخامس عشر في مملكة قراصار

- ‌الفصل السادس عشر في مملكة أزمناك

- ‌الباب السادس في مملكة مصر والشام والحجاز

- ‌[ذكر مملكة المصر]

- ‌ذكر هيئة جلوسه للمظالم

- ‌ذكر هيئة في بقية الأيام

- ‌ذكر هيئته في الأسفار

- ‌ذكر انتهاء الأخبار إليه

- ‌فصل

- ‌زي ذوي العمائم المدورة

- ‌الكلام على أرباب الوظائف في هذه المملكة

- ‌ذكر الوظائف

- ‌فصل

- ‌ذكر عادة هذه المملكة في الخلع ومراتبها

- ‌ذكر العيدين

- ‌فصل

- ‌القاهرة

- ‌الاسكندرية

- ‌دمياط

- ‌ومما يتعلق بذيل هذه المملكة

- ‌ذكر برقة

- ‌ذكر المملكة الثانية وهي مملكة الشام

- ‌ذكر دمشق وبنائها

- ‌أسماء بعض جهاتها

- ‌جملة أعمال دمشق

- ‌بعلبك

- ‌حمص

- ‌حماة

- ‌حلب

- ‌طرابلس

- ‌صفد

- ‌القدس

- ‌الكرك

- ‌الشوبك

- ‌غزة

- ‌فائدة جليلة تتعلق بذكر غزة

- ‌(تتمة في ذكر سبب سفرهم الموجب لموت من مات منهم غريبا)

- ‌تنبيه

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌[ذكر مملكة المصر]

‌الباب السادس في مملكة مصر والشام والحجاز

[ذكر مملكة المصر]

ص: 413

هذه الممالك هي مملكة واحدة، يقع معظم مصر في أوائل الثالث، ومعظم الشام في أواخره، وحلب منه في الرابع، وهي مملكة كبيرة، وأموالها كثيرة، وقاعدة الملك بها قلعة الجبل [1] ثم دمشق وهي من أجل ممالك الأرض لما حوت من الجهات المعظمة، والأرض المقدسة، والجهات «1» والمساجد التي هي التقوى مؤسسة «2» بها المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها [2] وقبور الأنبياء صلوات الله عليهم [3] والطور [4] والنيل [5] والفرات [6] وهما من الجنة.

وبها معدن الزمرد ولا نظير له في أقطار الأرض، وحسب «3» مصر فخرا بما تفردت به من هذا المعدن، واستمداد ملوك الآفاق له منها.

[1] قلعة الجبل: هي القلعة التي بناها قراقوش: بهاء الدين أبو سعيد لصلاح الدين الأيوبي، والتي اتخذت مقرا للحكم وهي الآن تقع بموقعها الكائن بالقاهرة بمنطقة القلعة عند سفح جبل القطم.

[2]

إشارة إلى قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى

» جزء من حديث للبخاري في باب التطوع (التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح للإمام الحسين بن المبارك، بيروت ط 2 سنة 1980 ج 3/557) .

[3]

بها قبور إبراهيم وموسى وهود وصالح وشعيب وأيوب ولوط ويوسف وإدريس ويعقوب وآخرون.

[4]

الطور: جبل بسيناء ناجى منه موسى عليه السلام ربه وهو المذكور في قوله تعالى: وَطُورِ سِينِينَ

[التين، الآية 2] وهو جبل أضيف إليه سينيين وسنين شجر (مراصد الاطلاع 2/896) .

[5]

ونيل مصر يفضل أنهار الأرض عذوبة مذاق، واتساع قطر وعظم منفعة، والنيل أحد أنهار الدنيا الخمسة الكبار (رحلة ابن بطوطة 34) ونيل مصر قيل هو تعريب نيلوس (مراصد الاطلاع 3/1413) .

[6]

الفرات: أحد الأنهار الخمسة الكبار، يجري في العراق وسوريه وتركيا، واسمه بالفارسية فالاذروذ (مراصد الاطلاع 3/1021) .

ص: 415

«1» أخبرنا العدل عبد الرحيم شاهد المعدن بما أذكره من أحواله قال: إن بينه وبين قوص [1] ثمانية أيام بالسير المعتدل المعتاد، والبجاه [2] تنزل حوله وقريبا منه لأجل القيام بحفره وحفظه، وهذا المعدن وهو في الجبل الآخذ شرقي النيل في بحرى، قطعة عظيمة من هذا الجبل تسمى قرشنده، وليس في الجبال التي هناك أعلى [3] ولا (المخطوط ص 199) أشرف منها، وهو في منقطع من البر، لا عمارة عنده، ولا حوله ولا قريبا منه، والماء عنه على مسيرة نصف يوم منه أو أزيد، وهو ما يحصل من المطر، (ويعرف بغدير أعين بكثرة مطر [4] ) ، ويقل بقلته.

وأما هذا المعدن فهو في صدر مغارة طويلة في حجر أبيض منه يستخرج الزمرد [5] ، والحجر الأبيض المذكور ثلاثة أنواع، أحدهما يقال له طلق كافوري، والثاني يقال له طلق فضي، والثالث يقال له حجر خروي، يضرب من هذه الحجارة حتى يخرج الزمرد وهو كالعروق فيه، والذي يخرج من أجوده، وأنواع الزمرد ثلاثة الدبائي وهو أفخرها، ولكنه قليل بل أقل من القليل بل لا يكاد يوجد.

[1] قوص: مدينة عظيمة لها خيرات عميمة، بساتينها مورقة وأسواقها مونقة ولها المساجد والمدارس وهي منزل ولاة الصعيد (رحلة ابن بطوطة 41- 42) مدينة كبيرة وهي قصبة صعيد مصر (مراصد الاطلاع 3/1133) .

[2]

البجاة قوم سود الألوان يلتحفون ملاحف صفراء ويشدون على رؤوسهم عصائب يكون عرض العصابة منها أصبعا ومقرهم عيزاب وملكهم يدعى الحدربي (رحلة ابن بطوطة 42) .

[3]

وردت بالمخطوط أعلا.

[4]

ما بين القوسين ورد بالحاشية.

[5]

الزمرد هو الزبرجد جوهر ثمين (انظر: الدخيل في لهجة أهل الخليج 65 القاموس المحيط 1/308) .

ص: 416

قال العدل عبد الرحيم: أنه ما رآه في مدة مباشرته ولا خرج منه شيء في طول تلك المدة.

قال: وهو يستخرج في طول السنة مهما وجد من يعمل فيه، قال: وليس فيه عدة محصورة بل هم تارات بحسب الاهتمام وعدم الاهتمام باستخراج هذا المعدن.

قال: وإذا استخرج الزمرد يلقى في الزيت الحار ثم يحط في قطن، ويصير ذلك القطن في خرق خام، وما يجري مجراه.

قال: والاحتراز على هذا المعدن كثير جدا، والفعلة تفتش عند خروجهم منه في كل يوم حتى يفتش منهم أماكن لا يليق ذكرها هذا ما أخبرني به.

وحدثني آخر له معرفة بهذا المعدن وأحواله أن هؤلاء الفعلة في هذا المعدن مع هذا الاحتراز الشديد لهم حيل كثيرة في سرقة الزمرد، منها أن الرجل منهم يسرق ما يمكنه من الزمرد ويعمله في كيس صغير من معد منه لذلك، ويربطه ثم يعلقه بخيط ابريسم [1] مبروم مشدود فيه بين أضراسه الدواخل، ويكون رأس الخيط معقودا عقدا وثيقا، فإذا علق الخيط أخرج تلك العقدة بين الضرسين إلى جهة الشفة، فيبقى ناشبا به، فإذا خرج إلى ظاهر المعدن، وصار (المخطوط ص 200) جنب بأمن أخرجه وأخذ ما فيه «1» .

وبها البلسان [2] وهو ما هو وملوك النصرانية تترامى على طلبه، والنصارى

[1] أبريسم هو بريسم وبريشم نوع من الصوف من الكلمة الفارسية بريسم (انظر: معجم تيمور 2/8 الدخيل في لهجة أهل الخليج 16) .

[2]

البلسان: شجر له زهر أبيض صغير كهيئة العناقيد، وهو من الفصيلة البخورية، يستخرج من بعض أنواعه دهن عطر ينبت بعين شمس بظاهر القاهرة (المعجم الوسيط 1/71) .

ص: 417

كافة تعتقد فيه ما تعتقد، وترى أنه لا يتم تنصير نصراني حتى يوضع شيء من دهن البلسان في ماء العمودية «1» عند تغطيسه فيها.

فأما وجوه دخل هذه المملكة وخراجها وعساكرها وأجنادها وما أوى «2» إليها من الأمم، وسكنها من أشتات الخلائق، وعرفت به سلاطينها من حسن السياسة وقدم «3» الرئاسة فأمر لا يخفى له خبر، لا يغطى «4» ضوءه على ذي بصر، وقد تقدم في مواضع من هذا الكتاب ويأتي في مواضع أخرى منه، ما يحقق ما قلناه، ولا يعتقد معتقد أو يظن ظان أنى قلت في هذا بغرض لكوني من أهل هذه البلاد وتحت ظل ملوكها، وربيب أنا وآبائي في نعم سلاطينها «5» ، فمعاذ الله أن أقول إلا الحق أو أسطر عني «6» غير الصحيح، لا سيما فيما يحدث به جيل بعد جيل بل لهذا اختصرت في القول.

ومعاملتها الدراهم، ثلثاها فضة، والثلث نحاس، والدرهم ثمانية عشر خروب، الخروبة ثلاث قمحات، والمثقال أربعة وعشرون خروبة، والدرهم منها قيمته أربعة وعشرون فلسا، والدينار الجيشي مسمى عنه ثلاثة عشر درهما وثلث درهم من العادة عنه مسمى أربعون درهما سوداء الدرهم منها ثلث درهم مما ذكر، ولا يوجد بالديار المصرية من الدراهم السود إلا المسميات لا الأعيان.

فأما بالاسكندرية فإنها توجد بها وهي كل اثنين «7» بدرهم وأما الكيل فيختلف، فبمصر الأردب، وهو ست ويبات [1]«8» أربعة أرباع، الربع أربعة

[1] الإسكندرية: الثغر المحروس والقطر المأنوس العجيبة الشأن، الأصيلة البنيان، بها ما شئت من تحسين وتحصين لها أربعة أبواب وبها المنار وعمود السواري (رحلة ابن بطوطة 21- 22) (انظر: مراصد الاطلاع 1/76) .

ص: 418

أقداح، القدح، مائتان واثنان وثلاثون درهما، هذا أردب مصر وفي أريافها يختلف الأردب عن هذا المقدار إلى أنهى ما ينتهى «1» ثمان ويبات [1] ، وإنما المعهود المتعامل إنما هو بالأردب المتقدم ذكره، والرطل هو اثنا عشر أوقية، الأوقية اثنا عشر درهما، فيكون الرطل مائة وأربعة وأربعون درهما.

وأما دمشق فهي بنظير المعاملة المذكورة خلا أن الصيحة «2» تتفاوت، فينقص كل مائة مثقال شامي مثقالا وربعا بمصر [2] ، وكذلك الدراهم والرطل اثنا عشر أوقية، الأوقية خمسون درهما، فيكون الرطل ستمائة درهم.

والغرارة «3» للغلات وهي اثنا عشر كيلا، كل كيل ستة أمداد، المد ينقص قليلا عن الربع المصري، ونسبة ما بين الغرارة والأردب، أن كل غرارة ومد نصف ثلاثة أرادب بالمصري تحريرا وفي بر دمشق ربما زاد الرطل والغرارة على الدمشقي حتى يكثر تفاوت ما بينهما لعظم زيادة بعض المواضع، لكن كيل دمشق، ورطلها هو المعتبر وإليه المرجع.

وأما حلب وحماة وحمص فأرطلها [3] أزيد من الدمشقي ولا تعرف الغرائر، وإنما تعرف المكاكيك [4] ، وتختلف زيادة بعضها على بعض، منها ما هو معتدل الغرارة مكوكان ونصف وما بين ذلك، كل ذلك تقريبا.

[1] ويبات جمع مفرده ويبة. والويبة كيلتان والأردب ست ويبات (المعجم الوسيط 2/1104) .

[2]

الصنجة: وهي السنجة من سنگ الفارسية وهو الحجر المستعمل في الوزن، عيار وزن والهاء للنسبة (فرهنگ عميد 2/1246 والدخيل 75) .

[3]

الغرارة: وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه، وهو أكبر من الجوالق جمعه غرائر (المعجم الوسيط 2/672) .

[4]

مكاكيك جمع مفرده مكوك، مكيال قديم يختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، قيل: يسع صاعا ونصفا (المعجم الوسيط 2/917) .

ص: 419

فأما مصر فمزروعها «1» على النيل بعد زيادته وعمومه البلاد، سوى قليل لا يعتبر به في بلادها مما يزرع على المطر، كأطراف البحيرة وما يزرع على الأنهر كالفيوم [1] ، وماؤها من البحر المنهي اليوسفي المشتق من النيل، لا ينقطع جريه أبدا على ما هو معروف من أمره.

وأكثر محاسن مصر مجلوبة إليها حتى بالغ بعضهم فقال: إن العناصر الأربعة مجلوبة إليها، الماء وهو النيل مجلوب من الجنوب، والتراب مجلوب من حمل الماء وإلا فهي رمل محض ولا ينبت الزرع، والنار لا يوجد بها شجرته وهو الصوان إلا إذا أجلب إليها، والهواء لا يهب إليها إلا من أحد البحرين إما الرومي [2] وإما الخارج من القلزم [3] إليها.

ولقد زاد هذا في تحامله وهي كثيرة الجنوب من القمح والشعير والفول والحمص والعدس والبسلة واللوبيا والدخن والأرز وبها الرياحين الكثيرة كالحبق «2» والآسن، والورد والنيلوفر والنسرين والبان «3» والتمر حنة [4] والمنثور والياسمين والأترج والنارنج والليمون والحامض الكباد والموز الكثير وقصب السكر الكثير، والرطب (المخطوط ص 202) ، والعنب والتين والرمان والتوت والفرصاد والخوخ واللوز والجميز والنبق والبرقوق والقراصيا والتفاح «4» .

[1] الفيوم، ولاية غربية بينها وبين الفسطاط أربعة أيام (مراصد الاطلاع 3/1053) .

[2]

البحر المتوسط (انظر: الخريطة آخر الجزء الثالث) .

[3]

القلزم: هو بحر اليمن (مراصد الاطلاع 3/1116) وهو البحر الأحمر الآن.

[4]

وردت بالمخطوط التامر صفا أ 201 ب 132.

ص: 420

وأما السفرجل والكمثرى فقليل وكذلك الزيتون مجلوب إلا قليل في الفيوم، لا اعتبار به، ولا من الجوز إلا ما قل جدا ولا يوجد بها الفستق ولا البندق، وبها البطيخ الأصفر أنواع والأخضر أنواع والخيار والقثاء على أنوع، والقلقاس واللفت والجزر والقرنبيط [1] والفجل والبقول المنوعة.

وبها أنواع الدواب من الخيل والجمال والبغال والحمر والبقر والجواميس والغنم والمعز، ومما يوصف من دوابها بالجودة الحمر لفراهتها، والبقر والغنم لعظمها.

وبها الأوز والدجاج والحمام، ومن الوحش الغزلان والنعام والأرنب، فأما من أنواع الطير، فكثير كالكركي والأوز وغير ذلك وأوسط الأسعار في غالب أوقاتها الأردب القمح بخمسة عشر درهما، والشعير بعشرة، وبقية الحبوب على هذا الأنموذج، وأما الأرز فيبلغ أكثر من ذلك، وأما اللحم فأقل سعره الرطل نصف درهم وفي الغالب أزيد، والدجاج يختلف سعره بحسب اختلاف أحواله فجيده الطائر بدرهمين، ومنها ما هو بثلاثة، وقد يزيد، ومنها ما هو بدرهم واحد.

ويعمل بمصر معامل [2] كالتنانير [3] ، ويعمل بها البيض بصنعة وتوقد، يحاكي بها نار الطبيعة في حضانة الدجاجة البيض، ويخرج في تلك المعامل الفراريج، وهي معظم دجاجهم.

وبها ما يستطاب من الألبان والأجبان، وبها العسل بمقدار متوسط بين الندرة والقلة، وأما السكر فكثير جدا، وقيمته المعهودة منه على الغالب من السعر «1» ،

[1] وردت بالمخطوط القنبيط، وهو بقلة زراعية من الفصيلة الصليية، تطبخ وتؤكل وتسمى في مصر والشام القرنبيط (المعجم الوسيط 2/791) .

[2]

المعامل هي المصانع.

[3]

التنانير جمع مفرده تنور وهو الفرن (فرهنگ رازي 170) .

ص: 421

الرطل بدرهم ونصف «1» ، ومنها يجلب السكر على اختلاف أنواعه إلى كثير من البلاد، وقد نسى بها ما كان يذكر من سكر الأهواز.

وبها الكتان المعدوم المثل المنقول «2» ، ومما يعمل من قماشه إلى أقطار البلاد، ولقد أراني خواجا جمال الدين (المخطوط ص 203) يوسف الماحوزي [1] مقاطع شربا «3» أبيض من الصنف الممرش، استعملها بالاسكندرية على أنه يقدمها للسلطان أبي سعيد كأنها جناح الزنبور. لا أظن أنه يعاد لها في الدنيا قماش، قال: أنه استعملها [2] ، يقوم «4» كل مقطع منها (ساذجا)«5» بسبعمائة درهم ورقا، ويقوم طرزه وهو ساذج (بمثل ذلك)«6» ، فيقول جملة المقطع الواحد بألف وأربعمائة درهم ورقا عنها سبعمائة درهم نقرة [3] ليس فيه إلا الكتان.

وبها قليل من الحرير في طرز على أنه لا يكون غالب الطرز إلا من الكتان، فإن الأبيض فيه لا يكون من الحرير أبدا، ومنه تكون الكتابة وهي حلى الطراز، وقال لي إن الكتان لا يباع الدرهم منه، وأما ما يدخل في الطرز فيباع بنظير وزنه مرات عدة.

قلت: وهذا الشّرب هو الذي تفوق به الاسكندرية البلاد أكثر مما يعمل فيها من القماش على اختلاف أجناسه وأنواعه.

[1] الشيخ جمال الدين الحويزائي ذكره ابن بطوطة ضمن علماء مصر وأعيانها (رحلة ابن بطوطة 38) .

[2]

صنعها.

[3]

الفضة.

ص: 422

ثم نعود إلى ذكر مصر فنقول: وأما مبانيها فقليل منها بالحجر وأكثرها بالطوب وأفلاق النخل والجريد، وخشب الصنوبر مجلوب إليهم من بلاد الروم من البحر ويسمى عندهم النقي. وبها المدارس والخوانق والربط والزوايا والترب الضخمة والعمائر الجليلة الفائقة والأماكن المعدومة المثل، المفروشة بالرخام، المنقوشة بالأخشاب، المدهونة بأنواع الأصباغ، الملمعة «1» بالذهب واللازورد، ومن حيطانها ما هو مؤزر بالرخام، وتختلف المباني بحسب اختلاف أصحابها.

وحاضرة مصر تشتمل على ثلاث مدن عظام، الفسطاط وهو بناء عمرو بن العاص [1] وهي المسماة عند عامة أهل مصر بمصر العتيقة [2] ، والقاهرة المعزية بناها القائد جوهر [3] لمولاه الخليفة المعز بن القائم بن المهدي [4] ، وقلعة الجبل بناها قراقوش [5] للملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب رحمه الله تعالى، وأول من سكنها أخوه العادل، وقد يفصل «2» بعض هذه الثلاثة ببعض بسورما، بناه قراقوش بها، إلا أنه قد يقطع الآن في (المخطوط ص 204)

[1] هو عمرو بن العاص الذي فتح مصر وخط مدينة الفسطاط وهي قاعدة مصر لزمن طويل.

[2]

ما زال هذا الاسم معروفا حتى الآن باسم مصر العتيقة ومصر القديمة.

[3]

جوهر: هو جوهر الصقلي، قائد المعز لدين الله الفاطمي، فتح مصر وبلادا كثيرة في شمال أفريقيا والشام، وأسس ملكا واسعا للفاطميين (روضة الصفا 221- 222، الخطط المقريزية 1/27) .

[4]

المعز لدين الله الفاطمي ابن القائم المهدي، كان ملكا شجاعا صاحب رأي، تولى حكم الدولة الفاطمية سنة 341 هـ، وانتقل إلى مصر سنة 361 هـ ومات سنة 365 هـ (انظر: روضة الصفا 221- 223، العبر وديوان المبتدأ والخبر 4/47، ابن الأثير 6/354، ابن كثير 11/233 حمد الله المستوفى 464) .

[5]

قراقوش هو بهاء الدين أبو سعيد المعروف بقراقوش ومعناه بالتركية القصاب أو النسر الأسود، نشأ في خدمة صلاح الدين، وناب عنه في بعض الأحيان، بنى سور القاهرة وقلعة الجبل وقناطر الجيزة توفي سنة 1201 هـ اشتهر بأحكامه التعسفية التي هي محل شك المؤرخين (انظر: الموسوعة العربية الميسرة، شفيق غربال وآخرون 1373) .

ص: 423

بعض الأماكن.

وهذا السور هو الذي ذكره الفاضل في كتاب كتبه إلى صلاح الدين فقال:

والله يحيى الموتى «1» حتى يستدير بالبلد من بنطاقه ويمتد عليها رواقه، فيها عقيلة ما كان معصمها ليترك بغير سوار ولا خصرهما ليخلى بلا منطقة نضار، والآن قد استقرت خواطر الناس وآمنوا به من يد تتخطف ومن طمع مجرم يقدم ولا يتوقف وقد عظمت، وبها المارستان [1] المنصوري [2] المعدوم «2» النظير لعظمة بنائه، وكثرة أوقافه، وسعة انفاقه، وتنوع الأطباء وأهل الكحل [3] والجراح «3» به، وهو جليل المقدار، جميل الآثار جزيل الإيثار، وقفه السلطان الملك المنصور قلاوون [4] رحمه الله.

وبها البساتين الحسان والمناظر النزهة والأدر المطلة «4» على البحر وعلى الخلجانات الممتدة فيه أوقات مدها، وبها القرافة تربة عظمى لمدفن أهلها.

وبها العمائر الضخمة، وبها المتنزهات المستطابة، وهي من أحسن البلاد أيام ربيعها للقدر [5] الممتدة من مقطعات النيل بها، وما يحفها من زروع أخرجت

[1] دار الشفاء.

[2]

نسبة إلى المنصور سيف الدولة قلاوون الذي حكم مصر سنة 1279 م- 1290 م (المنجد في الأعلام ص 546) .

[3]

أطباء العيون.

[4]

الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي وكان معروفا بالألفى لأن الملك الصالح أيوب اشتراه بألف دينار ذهبا وهو من بلاد القبجاق، تولى حكم مصر ما بين سنة 1279 م- 1290 م (انظر:

رحلة ابن بطوطة 36) توفي 21 ذي الحجة 741 هـ (النجوم الزاهرة ج 10 أحداث سنة 741 هـ) .

[5]

الغدر جمع مفرده غدير وهو النهر الصغير (المعجم الصغير 2/669) .

ص: 424

شطآها [1] وفتقت أزهارها. وبها الآثار القديمة الدالة على حكمة بانيها كالأهرام وأشهرها الهرمان الكبيران بالجيزة [2] ، وبرابي أخميم [3] ، فأما بقية ما يذكر من البرابي والملاعب بالأشمونين وألصنا وقيط وعين شمس ومنارة الإسكندرية والبيت الأخضر بمصر يوسف عليه السلام، فكل هذه قد غير الدهر معالمها، وطمس آثار غالبها، وشرع الخراب بالهرمين الكبيرين والبراي بأخميم لأخذ حجارتها، وتغيير بهجتها [4] . وبها الصنم المقارب للهرمين المسمى عند العامة بأبي الهول وهو صنم كبير لا يبين منه إلا إلى قريب نصفه.

والقول في الأهرام والبرابي «1» كثير، والأقرب أن الأهرام هياكل لبعض الكواكب، فأما البرابي فقال لي الحكيم شمس الدين أبو عبد الله محمد بن شقير الدمشقي أنه رآها وأجاد تأملها، فوجدها مشتملة على جميع أشكال الفلك، وأن الذي ظهر له أنه لم يعملها حكيم واحد ولا ملك (المخطوط 205) واحد بل تولى عملها قوم بعد قوم حتى تكاملت في دور كامل وهو ستة وثلاثون ألف سنة [5] ، لأن مثل هذه الأعمال لا تعمل إلا بأرصاد، ولا يكتمل

[1] إشارة إلى قوله تعالى:

وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ

[الفتح، من الآية 29] .

[2]

يقصد هرم خوفو وخفرع ولم يذكر هرم منقرع حيث كانت الرمال ترتفع حوله، ولم يحدد ابن بطوطة المعاصر للمؤلف عدد الأهرامات (رحلة ابن بطوطة 36) .

[3]

البرابي جمع مفرده بربى وهو مبني بالحجارة في داخله نقوش وكتابة للأوائل لا تفهم في هذا العهد، أما أخميم فهي مدينة عظيمة البنيان عجيبة الشأن (رحلة ابن بطوطة 41) .

[4]

أكد ذلك ابن بطوطة في حديثه عن أخميم 41.

[5]

ذكر ابن بطوطة إنها بنيت في ستين سنة وكتب عليها، بنينا هذه الأهرامات في ستين سنة، فليهدمها من يريد ذلك في ستمائة سنة، وقول ابن بطوطة عن المدة الزمنية أقرب إلى الصواب أما العبارة التي ذكرها فهي منكرة لأنه لم يكن قد تم فك رموز اللغة الهيروغليفية وكما ذكر هو نفسه أنها لا تفهم (انظر الرحلة ص 36- 41) .

ص: 425

رصد المجموع «1» في أقل من هذه المدة المذكورة، هذا ما أخبرني به عنها.

وكتب القاضي محيي الدين بن الزكي إلى القاضي الفاضل كتابا ذكر فيه مصر وسماها بالمومسة، فعز ذلك عليه، وذكر في جوابه إليه، وهجم بي التأمل على لفظة أطلقها على مصر، وكنى بها عنها، ووصمها بما وسمها، وبث في القلوب عصمها، وأظنه عاقبها بذنب فرعون حين قال: أنا ربكم الأعلى [1] وحين قال أليس لي ملك مصر كما فعل الرشيد [2] ، وولى الخصيب [3] ، فإن كان إلى ها هنا ذهب، فقد غاب عاقبها بذنب لم يجبه، وهدمها بأمر لم تنبه، وعلى كل حال فلو كان على نفس لكنت معه عليها، ولو بعث سهما إليها لتولت يدي إيفاده إليها، فلقد أخرجني من أرضي بسحره، وندم خادمه على ما فات فيها من عمره، فهو الآن لا يرفع إليها طرفا من كسله، (ولا يرى نيلها إلا أقل من مسل برد أو وشلة)«2» وإذا رأى دينارها الأحمر، قال: به حمرة من خجله، وإذا رأى ابريزها [4] الأسود، قال: من سواد عمله، وإذا رأى هرميها، قال: انكسر نهداها، وإذا رأى ملتها الحاقة قال: شاب قوادها، ثم راجع النظر فإذا اللفظة التي أطلقها سيدنا عليها وهي المومسة تأبى العلقة، فكيف له أن يقذف المستورة بهذا القذف؟ ويهجم على خدرها بهذا الوصف؟! وقد وفد إليها عن شامه حين أخذ الكفر بمخنق إسلامه، فانجدته واصرخته، وسكنت الروع

[1] إشارة إلى قوله تعالى: فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى

[النازعات، الآية: 24] .

[2]

يقصد هارون الرشيد الخليفة العباسي.

[3]

الخصيب: غضب الرشيد على أهل مصر فولى عليهم أحقر عبيده. وأصغرهم شأنا، قصدا لإذلالهم والتنكيل بهم وكان خصيب أحقرهم وكان يتولى تسخين الحمام، فولاه مصر، فسار فيهم سيرة حسنة غير ما كان الرشيد يبغيه (رحلة ابن بطوطة 40) .

[4]

وردت بالمخطوط إبليزها ويقصد العملة السوداء أ 205 ب ر 135

ص: 426

وأفرحته، وعاد إلى الفائت الدرك، وقالت الناس ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك [1] وإذا كانت دمشق من عتقاء مصر فلا فخر لها أن تكن مولاتها مومسة، وقد سترت هذه اللفظة، فما كأنها دخلت كتابه ولا مجلسه.

قلت: وأما الشام فيزرع غالبه على المطر، وهو من جميع ما ذكر في مصر من الحبوب، ومنه ما هو على سقى الأنهار وهو قليل.

وبها أنواع الأشجار وأجناس الثمار (المخطوط ص 206) من التين والعنب والرمان والسفرجل والتفاح والكمثرى والأجاص والقراصيا والتوت والفرصاد والمشمش والزعرور والخوخ وهو المسمى عندهم الدراقن، وأجلها بدمشق من غالب ذلك على أنواع منوعة وأجناس متعددة شتى، ومنها فواكه تأتي في الخريف وتبقى إلى الربيع كالسفرجل والتفاح والرمان والعنب وبها الجوز واللوز والفستق والبندق، وبها الليمون والأترج والنارنج والكباد والموز وقصب السكر، من أغوارها يحمل إليها من نحو يومين وأزيد.

وبها البطيخ الأصفر والأخضر على أنواع والخيار والقثاء واليقطين واللفت والجزر والقرنبيط [2] ، والهليون والباذنجان والملوخية والبقلة اليمانية والرجلة «1» ، وغير ذلك من أنواع الخضروات المأكولة.

ونهر دمشق الخاص بها بردى [3] ، وبها غيره من الينابيع والأنهار المارة «2» فيما حولها.

[1] إشارة إلى قوله تعالى:

وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ

[يوسف، من الآية:

31] .

[2]

وردت بالمخطوط القنبيط.

[3]

وردت بالمخطوط بردا وهو نهر بردى.

ص: 427

وبها الأوز والدجاج والحمام وكثير من أنواع الطير، ولا تكون الفراريج إلا بحضانة لا كما يعمل في مصر، ولقد ذكر أنه جاءها شخص من مصر زمن الصيف، وعمل بها في حاضرة العقيبة «1» مع الفراريج، وطلعت به الفراريج، فلما أتى زمن الخريف لم تطلع معه وخسر وترك ذلك وعاد إلى مصر، وأسعار اللحم أرخص من مصر، وأما الدجاج فنظيرها.

وأما الأوز فأغلى، وبها العسل متوسط، ويعمل بها السكر، ومنه المكرر، وهو بأزيد من سعره بمصر، ولا يكثر، وبها أنواع الرياحين الآس والورد والبنفسج والنيلوفر والخلاف والنرجس والمنثور والياسمين والترنجان «2» والمرزنجوش [1] والنمام والنسرين، وإلى وردها وبنفسجها النهاية حتى أنه «3» عطل وردها، وما يستخرج من مائة ما كان يذكر من حور ونصبين وماء الورد ينقل «4» إلى غالب البلاد (وبالشام الزيتون الكثير ومنه يحمل إلى كثير من البلاد)«5» وبها أشياء كثيرة خاصة بها.

وغالب مباني الشام بالحجر، ودورها أصغر مقادير من دور مصر، ولكنها أزيد زخرفة منها، وإن كان الرخام بها أقل، وإنما هي أحسن أنواعا وعناية أهل دمشق بالمباني كثيرة، ولهم في بساتينهم منها ما تفوق به (المخطوط ص 207) وتحسن به، وإن كانت حلب أجل بناء لعنايتهم بالحجر، فدمشق أزيد وأكثر رونقا لتحكم الماء على مدينتها، وتسلطه على جميع نواحيها.

[1] المرزنجوش: عشب طيب الرائحة، له فروع طويلة وأوراق دقيقة، وأزهار بيضاء تميل إلى الحمرة، يستخدم في الطب يسمونه بالعربي آذان الفار، الكلمة فارسية مرزنگوش (فرهنگ عميد 2/1788) .

ص: 428

وبجميع الشام وجوه الخير كثيرة من المدارس والخوانق، والربط والزاويا، للرجال والنساء والمارستانات [1] وأوقاف البر والصدقات على اختلافها، وخصوصا دمشق، فإنه لا يطاول في ذلك باعها، ولا يحاول في هذه الغاية ارتفاعها.

فأما مسجدها الجامع [2] فهو الفارق «1» بينها وبين ما سواها «2» والفائق بحسنه على كل المباني، في هذه المملكة مصر والشام، من محاسن (الأشياء ولطائف الصنائع، ما تكفى شهرته، وبها من أنواع الصناع في الأسلحة «3» والقماش والزركش [3] والمصوغ والكفت وغير ذلك مما يكاد يعد تفردها به، والرماح التي لا يعمل في الدنيا أحسن منها.

وأما عساكر هذه المملكة فمنهم من هو بحضرة السلطان، ومنهم من فرق في أقطار هذه المملكة وبلادها، ومنهم سكان بادية كالعرب والتركمان.

وجندها مختلط من أتراك وجركس وروم وأكراد وتركمان، وغالبهم من المماليك المبتاعين، وهم طبقات، أكابرهم من له إمرة مائة فارس، وتقدمة ألف فارس من هذا القبيل يكون أكابر النواب، وربما زاد بعضهم بالعشرة فوارس والعشرين، ثم أمراء الطبلخانات [4] ، ومعظم «4» من تكون له إمرة «5» أربعين

[1] دور الشفاء.

[2]

يقصد المسجد الأموي بناه الوليد بن عبد الملك بن مروان وهو من أعظم المساجد وأتقنها صناعة وأبدعها حسنا وبهجة وكمالا، ولا يعلم له نظير ولا يوجد به شبيه (انظر: وصف ابن بطوطة رحلته 163) .

[3]

المذهب.

[4]

الذين يدق لهم الطبل وهم عادة قواد أربعين فما فوق.

ص: 429

فارسا، وقد يوجد فيهم من له أزيد من ذلك إلى السبعين.

ولا تكون الطبلخانات لأقل من أربعين، ثم أمراء العشرات ممن تكون له إمرة عشرة، وربما كان فيهم من له عشرون فارسا، ولا يعد إلا في أمراء العشرات، ثم جند الحلقة وهم لا تكون مناشيرهم من السلطان، كما أن مناشير الأمراء من السلطان، وأما أجناد الأمراء فمناشيرهم من أمرائهم وهؤلاء جند الحلقة لكل عدة أربعين نفرا مقدم منهم، ليس له عليهم حكم إلا إذا خرج العسكر، كانت مواقفهم معه، وترتيبهم في موقفهم إليه.

ويبلغ بمصر أقطاع بعض أكابر الأمراء المئين المقربين من السلطان مائتي ألف دينار حبشية وربما زادت على ذلك، وأما غيرهم فدون ذلك [1] ودون (المخطوط ص 208) دونه، ودون دونه، ودون دونه إلى ثمانين ألف دينار، وما حولها.

وأما الطبلخانات فتبلغ الثلاثين «1» ألف دينار وما يزيد وينقص عليها إلى ثلاثة وعشرين ألف دينار.

وأما العشرات فنهايتها سبع آلاف دينار إلى ما دون ذلك.

وأما إقطاعات جند الحلقة فمنه ما يبلغ ألف وخمسمائة دينار.

ومن هذا المقدار وما حوله إقطاعات أعيان الحلقة المقدمين عليهم، ثم ما دون ذلك إلى مائتين «2» وخمسين دينارا، وأما إقطاعات جند الأمراء فإلى ما يراه الأمير من زيادة بينهم ونقص.

وأما إقطاعات الشام فلا تقارب هذا المقدار، بل تكون على الثلثين منها خلا ما ذكرناه عن بعض أكابر أمراء المئين المقربين، فإن هذا نادر لا حكم له، ولا أعرف

[1] عبارة مكررة.

ص: 430

في الشام ما يقارب هذا المقدار إلا ما هو لنائب الشام، وكل جند الحلقة والإمرة «1» تعرض بديوان جيش السلطان، ويثبت باسمه وهيئته وحليته «2» ، ثم لا يستبدل به أميره إذا شاء إلا بتنزيل عوضه وعوض العوض.

وللأمراء على السلطان في كل سنة ملابس، فأما من بحضرته فحظهم في ذلك، وأقر لهم الخيول في كل سنة، ينعم بها عليهم، ولأمراء المئين مسرجة ملجمة، والبقية عرى، وتمتاز خاصتهم على «3» عامتهم بذلك، ولجميع الأمراء بحضرته من المئين والطبلخانات والعشرات الرواتب الجارية في كل يوم من اللحم وتوابله كلها والخبز والشعير والزيت، ولبعضهم الشمع والسكر والكسوة في السنة، وكذلك لجميع مماليك السلطان وذوي الوظائف من الجند. وإذا نشأ لأحد الأمراء ولد، أطلق له دنانير ولحم وخبز وعليق إلى أن يتأهل «4» الإقطاع في جملة الحلقة، ثم منهم من ينقل إلى العشرة أو إلى الطبلخانات على حسب الحظوظ والأرزاق، وإذا ركب هذا السلطان إلى الميدان يلعب الكرة [1] ، يفرق حوائص ذهب على المقدمين وركوبه إلى الميدان يكون دائما يوم السبت في قوة الحر نحو شهرين من السنة، يفرق كل ميدان على اثنين بالنوبة، فمنهم من تجىء نوبته بعد ثلاث سنين (المخطوط 209) أو أربع سنين، ولكل ذي إمرة بمصر من خواص عليه السكر والحلوى [2] من رمضان والأضحية في عيد الأضحى على مقادير رتبهم والبرسيم لتربيع [3] دوابهم، ويكون في تلك المدة بدل العليق «5»

[1] لعبة الصولجان المسماة بالفارسية جوگان وهي عصاة معقوفة يلعب بها الفارس وهو فوق حصانه بضرب الكرة على الأرض.

[2]

وردت بالمخطوط الحلوا.

[3]

علف الدواب في فصل الربيع.

ص: 431

المرتب لهم.

ومن مصطلح صاحب مصر أن تكون تفرقته الخيل «1» على أمرائه في وقتين، أحدهما عند ما يخرج إلى مرابط خيله في الربيع عند اكتمال «2» تربيعها. وفي ذلك الوقت يعطي أمراء المئين مسرجة له ملجمة، بكنابيش [1] مذهبة، والطبلخانات عريا، وعند لعبه بالكرة في الميدان، وفي ذلك الوقت يعطى الجميع مسرجة ملجمة بلاكنابيش بفضة خفيفة، وليس للعشرات حظ في ذلك إلا ما يتفقدهم به على سبيل الأنعام، والخاصة المقربين من الأمراء المئين والطبلخانات زيادات كثيرة في ذلك بحيث يصل إلى بعضهم «3» المائة فرس في السنة.

وله أوقات أخرى يفرق فيها الخيل على مماليكه، وربما أعطى بعض مقدمي الحلقة، وقاعدة عنده أنه إذا كل من نفق له من مماليكه فرس يحضر من لحمه والشهادة بأنه نفق، ويعطيه فرسا عوضه.

وأما أمراء الشام فلاحظ لأحد منهم في أكثر من قباء واحد يلبس في وقت الشتاء إلا من تعرض يقصد السلطان، فيحسن إليه، ولخاصة المقربين أنواع من الإنعامات كالعقار والأبنية الضخمة، التي ربما أنفق على بعضها أزيد من مائة ألف دينار، وكساوي القماش المنوع، وفي أسفارهم في أوقات خروجهم إلى الصيد، وغيرها العلوفات والإنزال.

ومن عادة هذا السلطان أن الخروج إلى الصيد مرات في السنة، فإذا خرج أنعم على أكابر أمراء المئين، ولا أعني المقربين، بل أكابرهم قدرا وسنا، كل واحد منهم بألف مثقال ذهبا، وبرذون خاص به مسرج ملجم وكنبوش مذهب، ومن

[1] كنبوش: جمع كنابيش وهو البرذعة تجعل تحت السرج، فارسية، وهو برقع يغطى به الوجه، وهنا يعني برذعة (انظر كنبوش في المنجد في اللغة ط 29 بيروت دار المشرق 1960 ص 699) .

ص: 432

عادته أنه إذا مر في متصيداته بأقطاع أمير كبير قدم له من الغنم والأرز والدجاج وقصب السكر والشعير ما تسمو همة مثله إليه، فيقبله منه، وينعم عليه بخلعة كاملة، وربما أمر لبعضهم بمبلغ من المال، (المخطوط ص 210) .

ومن شعار سلطنة هذه المملكة أن يركب سلطانها في يوم (دخوله إلى مدينة يحبها، ويوم العيد وأيام ركوبه إلى الميدان للعب)«1» الكرة برقبة، وهي بزرگش ذهب على أطلس أصغر يعمل على رتبة الفرس من تحت أذنيه إلى نهاية العرق، ويكون قدامه اثنان من أوشاقيته راكبين على حصانيين أشهبين برقبتين نظير ما هو راكب كأنهما معدان لأن يركبهما، وعلى الوشاقيين [1] المذكورين قباءان [2] أصفران «2» من حرير بطرازين مزركش بالذهب «3» وعلى رأسيهما قبعان مزركشان وغاشية السرج محمولة أمامه دائما [3]«4» وهي أديم مزركش بذهب يحملها بعض الركاب دائرة قدامة، وهو ماش في وسط الموكب، ويكون قدامه فارس يشبب بسبابة «5» ، لا يقصد بنغمها الإطراب بل ما يقرع بالمهابة سامعه، ومن خلفه الجنائب، وعلى رأسه العصائب السلطانية، وهي صفر مطرزة بذهب بألقابه واسمه في يوم العيدين ودخول المدينة، يزيد على ذلك برفع المظلة على رأسه، وهي الجتر [4] ، وهو أطلس أصفر مزركش على أعلاه قبة وطائر من فضة مذهبة يحملها يومئذ بعض أمراء المئين الأكابر، وهو راكب فرسه إلى جانبه،

[1] الوشاقين جمع مفرده وشاق بكسر الواو من أوشاق التركية وتعني الغلمان ذوي الوجوه الجميلة، (فرهنگ رازي 996) .

[2]

وردت بالمخطوط قباوان.

[3]

وردت بالخطوط دايم.

[4]

المظلة السلطانية.

ص: 433

وأرباب الوظائف والسلاح كلهم خلفه وحوله وأمامه الطبردارية [1] وهم طائفة من الأكراد، ذوي الإقطاعات والإمرة يكونون مشاة وبأيديهم الأطبار [2] مشهورة.

ومن رسم الأمراء أن يركب الأمير منهم حيث يركب وخلفه جنيب، وأما أكابرهم فربما ركب بجنيبين، هذا في المدن والحاضرة، وهكذا في البر، ويكون لكل منهم طلب مشتمل على أكثر مماليكه قدامهم خزانة محمولة للطبلخانات على جمل واحد يجره راكب آخر على جمل، والمال على جملين وربما زاد بعضهم على ذلك، وأمام الخزانة عدة جنائب تجر على أيدي مماليك ركاب خيل وهجن في ركابه من العرب على هجن، وأمامها الهجن بأكوارها مجنوبة للطبلخانات قطارا واحدا وهو أربعة (المخطوط ص 211) ومركوب الهجان والمال قطاران، وربما زاد بعضهم وعدد الجنائب في كثرتها وقلتها إلى رأي الأمير وسعة نفسه.

والجنائب على ما تراه منها ما هو مسرج وملجم ومنها ما هو بعنانه لا غير، وأهل هذه المملكة يضاهي بعضهم بعضا في الملابس الفاخرة والسروج المحلاة والعدد الفاخرة.

وأما زيهم فالأقبية التترية والتكلاوات [3]«1» فوقها، ثم القباء الإسلامي

[1] الطبردارية جمع مفرده طبردار وهو من اللفظ التركي تبر بمعنى بلطة وهي آلة حرب قديمة ودار بمعنى صاحب والطبردارية هم حملة البلط (فرهنگ عميد 1/534) .

[2]

أطبار جمع طبر، والطبر هي تبر التركية بمعنى سلطة، وآلة حرب قديمة (فرهنگ رازي 128) .

[3]

التكلاوات جمع مفرده تكلاة وهي قبعة ذات قرن تلبس على الرأس وهي قلنسوة مغولية في الأصل حيث تشبه قرن الحيوان (فرهنگ عميد 1/604) .

ص: 434

فوقها، وعليه تشد المنطقة والسيف، ثم الأمراء المقدمون وأعيان الجند تلبس فوقه أقبية قصيرة الأكمام أقصر من القباء التحتاني بلا تفاوت كثير في قصر الكم والطول وكلوتات [1] صغار غالبها من الصوف الملطي الأحمر، وعليها عمائم صغار ومهاميز على الأخفاف، ويعمل المناديل على الحياصة على الصولق من الجانب الأيمن.

هذا هو زي أهل هذه المملكة ومعظم حوائصهم الفضة ومنهم من يعملها من الذهب، وربما عملت باليشم [2] ولا ترصع بالجواهر إلا في خلع السلطان لأكبار المئين، ومعظمهم يلبس المطرز ولا يكفت مهمازه بالذهب أو يلبس المطرز إلا من له أقطاع في الحلقة، وأما من هو يقدر بالجامكية [3] فإنه لا يتعاطى على ذلك، وعلى الجملة فزيهم ظريف وعددهم فائقة نفيسة، وملبوسهم منوع من الكمخا والخطائى والكبخى والمخمل والاسكندراني والشرب والنصافي والأصواف.

[1] كلوتات جمع مفرد. كلوته وهي قلنسوة من القطن تغطي الأذنين (فرهنگ عميد 2/1648) .

[2]

البشم والصوف (فرهنگ رازي 108) .

[3]

الجامكية: حملة القماش والثياب.

ص: 435