المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول في الأكراد - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ٣

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الثالث]

- ‌مقدمة المحقق

- ‌أ- المؤلف:

- ‌ب- المخطوط:

- ‌ج- منهج المؤلف في تأليف الكتاب

- ‌د- التأريخ والمؤرخون في عصر المؤلف:

- ‌هـ- منهج المحقق في تحقيق المخطوط:

- ‌النّوع الثّاني في ذكر ممالك الإسلام جملة

- ‌الباب الأول في مملكة الهند والسّند

- ‌الباب الثاني في ممالك بيت جنكيز خان

- ‌الفصل الأول في الكلام عليهم جمليا

- ‌نبذة من عقيدته وياسته وقاعدته وسيرته

- ‌الفصل الثاني في مملكة القان الكبير

- ‌الفصل الثالث في التورانيين وهم فرقتان

- ‌الفرقة الثانية في خوارزم والقبجاق

- ‌الفصل الرابع في مملكة الإيرانيين

- ‌الباب الثالث في مملكة الجيل

- ‌الفصل الأول في بومن

- ‌الفصل الثاني في صاحب توليم

- ‌الفصل الثالث في كسكر

- ‌الفصل الرابع في رسفت

- ‌الباب الرابع في مملكة الجبال

- ‌الفصل الأول في الأكراد

- ‌الفصل الثاني في اللر

- ‌الفصل الثالث في الشول

- ‌الفصل الرابع في شنكاره

- ‌الباب الخامس في مملكة الأتراك بالروم

- ‌الفصل الأول في مملكة كرمينان

- ‌الفصل الثاني في مملكة طغرلو

- ‌الفصل الثالث في مملكة توازا

- ‌فصل الرابع في مملكة عبدلي

- ‌الفصل الخامس في مملكة كصطمونية

- ‌الفصل السادس في مملكة فاويا

- ‌الفصل السابع في مملكة برسا

- ‌الفصل الثامن في مملكة اكيرا

- ‌الفصل التاسع في مملكة مرمرا

- ‌الفصل العاشر في مملكة نيف

- ‌الفصل الحادي عشر في مملكة مغنيسيا

- ‌الفصل الثاني عشر في مملكة بركي

- ‌الفصل الثالث عشر في مملكة فوكه

- ‌الفصل الرابع عشر في مملكة إنطاليا

- ‌الفصل الخامس عشر في مملكة قراصار

- ‌الفصل السادس عشر في مملكة أزمناك

- ‌الباب السادس في مملكة مصر والشام والحجاز

- ‌[ذكر مملكة المصر]

- ‌ذكر هيئة جلوسه للمظالم

- ‌ذكر هيئة في بقية الأيام

- ‌ذكر هيئته في الأسفار

- ‌ذكر انتهاء الأخبار إليه

- ‌فصل

- ‌زي ذوي العمائم المدورة

- ‌الكلام على أرباب الوظائف في هذه المملكة

- ‌ذكر الوظائف

- ‌فصل

- ‌ذكر عادة هذه المملكة في الخلع ومراتبها

- ‌ذكر العيدين

- ‌فصل

- ‌القاهرة

- ‌الاسكندرية

- ‌دمياط

- ‌ومما يتعلق بذيل هذه المملكة

- ‌ذكر برقة

- ‌ذكر المملكة الثانية وهي مملكة الشام

- ‌ذكر دمشق وبنائها

- ‌أسماء بعض جهاتها

- ‌جملة أعمال دمشق

- ‌بعلبك

- ‌حمص

- ‌حماة

- ‌حلب

- ‌طرابلس

- ‌صفد

- ‌القدس

- ‌الكرك

- ‌الشوبك

- ‌غزة

- ‌فائدة جليلة تتعلق بذكر غزة

- ‌(تتمة في ذكر سبب سفرهم الموجب لموت من مات منهم غريبا)

- ‌تنبيه

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفصل الأول في الأكراد

‌الفصل الأول في الأكراد

ص: 257

«1» الذي نقول وبالله التوفيق، أن الأكراد، وإن دخل في نوعهم (كل جنس أتى ذكره في هذه الفصول، فإنهم جنس خاص من نوع)[1] عام وهم ما قارب العراق وبلاد «2» العرب دون من توغل في بلاد العجم، ومنهم طوائف بالشام واليمن، ومنهم فرق مفترقة في الأقطار، وحول العراق وديار العرب جمهرتهم، وغلب في زماننا بما يقارب ماردين، منهم إبراهيم بن علي المسمى بالعزيز مالو [2] ، واستفحل أمره، وقويت شوكته، واجتمعت عليه جموع وبرقت بها اسنة ودروع، وثوب باسمه الداعي، وتقيدت دون غايته «3» المساعي، ثم مات، وقام ابنه بعده، ولكنه ما حكى «4» الوالد الولد ولا سد الشبل موضع الأسد.

وأما الفصل الجامع لأحوال سكان «5» الجبال (هؤلاء)«6» وغيرهم فإنا نقول وبالله التوفيق، أن المراد بالجبال على المصطلح (المخطوط ص 125) هي الجبال الحاجزة بين ديار العرب وديار العجم «7» ، وابتداؤها جبال همذان وشهرزور [3] ، وانتهاؤها صياصي الكفرة من بلاد التكفور [4] ، وهي مملكة سيس وما هو مضاف إليها بأيدي بيت لادن.

[1] وردت هذه العبارة التي بين القوسين في الحاشية.

[2]

هو إبراهيم شاه ابن الأمير سنيته تغلب على الموصل وديار بكر (رحلة ابن بطوطة 154) .

[3]

شهرزور كورة واسعة في الجبال بين إربل وهمذان (مراصد الاطلاع 2/822) .

[4]

بلاد التكفور هو تكفور ابن السلطان جرجيس وهي القسطنطينية العظمى (رحلة ابن بطوطة 232- 233) .

ص: 259

ولم أذكر من عشائرهم إلا من كنت به خبيرا، ولم أسم فيها منهم إلا بيت ملك أو إمارة ابتداء «1» بجبال همذان وشهرزور وأربل [1] ، وتنتهي إلى دجلة الجزيرة من كوار إلى الموصل، ونترك ما وراء النهر دجلة إلى نهر الفرات لقلة الاحتفال به على أن الذي ذكرته هو خلاصة المقصود إذ لم يبق إلا أكراد الجزيرة وقرى ماردين [2] ، وهم لكل من جاورهم «2» من الأعداء الماردين «3» ، مع أن أماكنهم ليست منيعة ومساكنهم للعصيان غير مستطيعة، فمنهم طائفة بجبال همذان وشهرزور يقال لهم الكورانية منهم جند ودعية، وكلهم أولو شوكة وحمية، مقيمون «4» ، بموضع يقال له ريادشت الأمير محمد، ومكان ثان يقال له درتنك «5» (أميرهم الأمير محمد)«6» .

وعدة القوم تزيد على خمسة آلاف، لا بين بينهم ولا خلاف، ومن بعدهم الكلالية وهم قوم لهم مقدار وكمية، تعرف بجماعة سيف الدين صبور، ومقامهم دانترك ونهاوند إلى قرب شهرزور، وعدتهم ألف رجل مقاتلة وقوية وأميرهم يحكم على من جاورهم من العصابة الكردية حكم الملك على جنده ويقدر على جمع عدد أصناف عشيرته، لأنهم واقفون بصدق كلمته، وحسن سيرته.

ومن الكلالية سوى هؤلاء [3] طائفتان؛ إحداهما مقيمة بنواحي دقوق وعددهم

[1] إربل: مدينة كبيرة في فضاء من الأرض واسع (مراصد الاطلاع 1/51) في شمال العراق.

[2]

ماردين: مدينة عظيمة على سفح جبل، من أحسن مدن الإسلام، لها قلعة تسمى الشهباء (رحلة ابن بطوطة 159) .

[3]

وردت بالمخطوط هاولاء.

ص: 260

ألف أو دونها، والأخرى باشنة من نواحي آذربيجان عدة رجالها مائتان، وكانوا أكثر من ذلك عددا، وأوفر مددا، لما كان الملك شرف الدين بن سلار صاحب أربل من جهة التتر قتله رجل من الكفار فعصى قومه على الكفار، وهاجر بعضهم إلى مصر والشام، وبقى ولده الأمير محمد حاكما على باشنه (المخطوط ص 126) من قبيلته وولده الأمير عثمان أميرا لمن أقام بوطنه من عشيرته، فلما توفى ولده توفاهم «1» سواهم.

ويلي الكلالية بجبال همذان قوم يقال لهم رنكليه، أصحاب شجاعة وحيلة وعدتهم ألفان، يقال لهم جماعة جمال الدين بالان، يحكم على بلاد كنكور وما جاورها من البقاع والكور.

وأما بلاد شهرزور فكان يسكنها طوائف من الأكراد قبل خراب البلاد، أكثرهم رجالا وأوفرهم أموالا إلا طائفتان؛ إحداهما يقال أنها اللوسة، والأخرى تعرف بالبابيرية، رجال حرب وإقبال وطعمة وضرب، نزحوا عنها بعد واقعة بغداد في عدد كثير من أهل السواد بالنساء والأولاد، وأخلوا ديارهم، ووفدوا إلى مصر والشام، وتفرقت منهم الأحزاب، وأصابتهم الأوصاب، وعظم فيهم المصاب، ولكل أجل كتاب، وقد بقى في أماكنهم، وسكن في مساكنهم قوم يقال لهم الخريسة «2» ، ليسوا من صميم الأكراد وببلاد شهرزور قوم أخر بينها وبين باشنة، يبلغ عددهم ألفي نفر، يقال لهم السيولية، ذوو شجاعة، وحمية لهم، وهم قسمان قسم تورك بن عز الدين محمود، والآخر قسم يعرف بالأمير داود، ويعرف بداوود بدران ثم يليهم الفرماوية وهم يسكنون بعض بلاد بستار، وبيدهم «3» من بلاد أربل أماكن أخر، يزيد عددهم على أربعة آلاف نفر، كان أميرهم أبو بكر [1] يلقب بسيف الدين، وتولاهم بعدهم «4» ولده شهاب الدين.

[1] وردت بالمخطوط أبي بكر.

ص: 261

ثم يليهم قبيلة يقال لهم الحسنائية، ذوو أنفس قوية، ينقسمون على ثلاثة بطون وهم نحو الألف، أكبر بطونهم طائفة عيسى بن شهاب الدين كراتي، ولهم الجفر لقلعة بري والحامي.

وثاني بطونهم نفران نفر يقال لهم البلية والآخر يعرف بالجاكية «1» ، وكان الأمير عبد الله بن شهاب الدين زنكي أمير النفرين، وثالث بطونهم كان (المخطوط ص 127) لفخر الدين أمير قيم، والآن أخوه اختيار الدين عمر بن أبي بكر.

وتختص الحسائية ببلاد الكركار «2» ، وتشاركهم الفرماوية في الخفارة المأخوذة «3» بدربند قرايلي مشاركة الآخرين.

ثم يليهم «4» بلاد الكرجين ودقموق الساقية «5» ، عدتهم تزيد على سبعمائة، وكان أميرهم شجاع الدين بابكر، رمامي، ذابا عن دينه، محاربا عن حزبه، ومن ذلك موضع يقال له بين الجبلين من أعمال إربل، قوم يتخدمون للدولتين، ويدارون الفئتين، فهم في الشتاء يعاملون التتر بالمجاملة، وفي الصيف يعينون سرايا الشام في المجاملة، وعددهم كعدد الكلالية، وكان أميرهم تاج الدين الخضرين سليمان كاتبا ذابنان ولسان وفد إلى الباب الملكي المنصوري السيفي قلاوون [1] بمصر ثم اخترمته المنية، وعاد أولاده الأربعة إلى أوطانهم في الأيام العادلية الزينية مع عز الدين سنقر «6» من الشهرزورية والمبارز بن شجاع الدين من الأرخية، وبهاء الدين ابن

[1] قلاوون: من أكابر الأمراء المماليك زمن الظاهر بيبرس، تولى الحكم في مصر سنة 678 هـ، كسر التتار في حمص وغزا الفرنج غير مرة، توفي سنة 689 هـ (العبر ج 5/363) .

ص: 262

جمال الدين خوش من الحميدية، إذا لم يجدوا لهم في الدولة الزينية حرمة مرعية ولا أخبارا مرضية.

ثم يلي هؤلاء من أربل المازنجانية، وهم طائفة ينسبون إلى الحميدية «1» ، لم يبق لهم أمير غير أمرائهم، وعدتهم تنضاف إليهم في شدتهم، ورخائهم، ولا تنقص عدة الحميدية عن ألف مقاتل، وهؤلاء هم المازنجانية، يتعانون الصلافة، ويتشبهون بالناس «2» في الآلات واللباس، لأن أميرهم كان من أمراء الخلافة من الدولة العباسية، لقب من ديون الخلافة بمبارز الدين واسمه كنك، وكان يدعى الصلاح وتنذر له النذور، فإذا حملت إليه قبلها، ثم أضاف إليها مثلها من عنده وصدق بهما معا «3» .

قال الحكيم الفاضل شمس الدين أبو عبد الله محمد بن ساعد الأنصاري، وقد ذكره كان ذا شجاعة وصبر وتحيل ومكر وعقل وفكر وتدبير وسياسية وتثبت ورئاسة (المخطوط ص 128) لا يهمل عدوا لصغره وحقارته، ولا يهاب من أراد به سوءا [1] لعظمته وجسارته.

نقل عن ابن الصلايا رحمه الله أنه قال حين أعطاه خبز «4» أبيه سيف الدين محمد، وحياه، لقد توسمت في هذا الشاب سعادة لم أتوسمها في أحد سواه، فكان كما توسمه الصاحب رحمه الله، فرآه كذلك، إذ أقام في «5» التتر في ذلك المقام، وتمكن ابن يافث من ابن سام، وتشتت «6» أهل الإسلام، وانحل ما عهد من النظام، ولم يبق من الرجال القادرين على القتال إلا سكان الجبال فما أعجز الكفار

[1] وردت سواء أ 128.

ص: 263

استئصالهم، وتحققوا أن سهامهم لا تنالهم، عاملوهم بالمكر والخديعة، وهادنوهم على تخلية الخراج، سدا للذريعة، وقدموا منهم اثنتين، وحكموهما عليهم من الوجهين.

فما كان من وجه بلاد العجم كان مبارز الدين كنك، متحدثا فيه، وما كان من مدن العجم كان الأسدين منكاكين الحائز لنواحيه، وجعلوهما ملكين، وأعطوهما بائزتين «1» [1] ، ثم استنابوا لمبارز كنك في أربل وأعمالها، وصرفوه في سيفها ومالها، وأقطعوه عقر سوس «2» بكمالها، وأضافوا إليه هراوتل هفتون، وقدموه على خمسمائة فارس أو يزيدون.

وسعد بسعادته قومه، وأناف على أمسه يومه، وكثر في عشيرته الأمراء لاشتباكهم معه في النسب، وغلب على أقرانه بعناية الدولة والدنيا لمن غلب، وكان ترى همته همة الشبان، وهو ابن تسعين، وتولى هذه المملكة وهو ابن نحو عشرين، ما قصده عدو إلا مكنه الله منه، ولا رسم ملك من ملوك التتر بقتله إلا هلك قبل نفاذ أمره وامتثاله، ولم يبلغ ما بلغ من ملكه «3» ، وكثرة رجاله، ولا تمنعه جباله، لكن سعادته وإقباله، ثم مات وخلقه ولده عز الدين وكان يكنى به «4» فيما ألف منه وعرف عنه، ثم أخوه نجم الدين خضر.

وكان من الرفاهية على سرر مرفوعة، وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة [2] ، ونعم مما ترك أبوه موروثه إلي (المخطوط ص 129) حاشية

[1] يائزتين مثنى يايزة وهي مثل يارليغ (انظرهما: في موضع سابق) .

[2]

إشارة إلى قوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ

[الغاشية:

الآيات 13- 16] .

ص: 264

وغاشية، وعقار وماشية، وسعادات قديمة وناشئة، ومكانة في الدولتين الإسلامية والتتارية لا تطاول، ورتبته عالية في الجهتين لا تحاول، وانبساط في اللذات، وشرف بالعرض والذات، ويد لا تقصر في أدب، ولا تبالي بلاغتها بما تنفق من كنوز الفضة والذهب.

وكانت ترد على الأبواب السلطانية بمصر ونواب الشام منه كتب، تنهل بماء الفصاحة كالسحب، وتسرح «1» من إحبائها الأبكار العرب، ثم مات رحمه الله، وخلفه ولده، وجرى على سنته، وتمت به في أهل بيته منيته «2» .

ويلي يسار وأعمالها وتل حفتون وبلادها، وبلاد السهرية المشهورين باللصوصية، وهي من بلاد شقلاباد [1] إلى خفتيان [2] أبى على، ويعرف بخفتيان الصغير، وما بين ذلك من الدست والدربند [3] الكبير، وهم قوم لا يبلغ عددهم ألفا، وحبالهم عاصية، ودربندهم بين جبلين شاهقين، يشقهما الزاب [4] الكبير، ويتقلب على صخورهما بصوت مفرع وهدير قوي، عليه ثلاث «3» قناطر اثنان منهما بالحجر والجير، والوسطى مضفور [5] من الخشب كالحصير علوها عن جهة «4» الماء مائة ذراع في الهواء، وطولها بين الجبلين خمسون ذراعا، في عرض

[1] شقلاباذ: قرية كبيرة في سفح الجبل المطل على آربل، بينها وبين إربل ثمانية فراسخ (مراصد الاطلاع 2/806) .

[2]

خفثيان: قلعتان عظيمتان من أعمال أربل إحداهما على طريق مراغة والأخرى في طريق شهرزور (مراصد الاطلاع 1/475) .

[3]

دربند بشروان وهو باب الأبواب (مراصد الاطلاع 2/521) .

[4]

هو الزاب الأعلى بين الموصل وإربل (مراصد الاطلاع 2/652) .

[5]

وردت بالمخطوط مظفور.

ص: 265

ذراعين، وقد ينقل تارة من أرضه فينقص من طوله أو يزاد في عرضه، ثم تمر عليه الدواب بأحمالها، والخيل برجالها وهي ترتفع وتنخفض، وتبسط وتنقبض، يخاطر المجتاز عليها بنفسه، ويغامر بعقله، وهم يأخذون الخفارة عندها يخيلون ما شاءوا بعدها.

فإن الدربند مضيق على نهر عميق، وهم أهل غدر وخديعة، وقبائح شنيعة، لا يستطيع المسافر مدافعتهم فيه، بل ترضيه سلامته بنفسه.

قال الحكيم شمس الدين محمد بن ساعد أن نسب أحد من الأكراد إلى الجن فهم هؤلاء حقا، وإن صعب مسلك دربند، فهذا أصعب المسالك، وأشقى، كان أميرهم الحسام بن عم قميان، أنقى ما ترك ولا أبقى، ومجاورهم قوم يقال لهم الزرزارية وهي كلمة أعجمية معناها ولد الذئب. (المخطوط ص 130) .

ويقال أنهم ممن تكرد [1] من العجم المنسوبين إلى ملوكهم، ذكره بعض أهل التاريخ، ولهم عدد جم، منهم زراع وأمراء وأغنياء وفقراء، تبلغ عدة رجالهم خمسة آلاف، قليل بينهم الخلاف، ومنهم زهاد يشار إليهم، وفقهاء يعتمد في الفتوى عليهم.

مساكنهم من مرت [2] إلى جبل جنجرين المشرف على أسنة من ذات اليمين، وهو جبل عال، مشرف بمكانه على جميع الجهات «1» ، كان هواه الزمهرير وكأنه للسحب مغناطيس، يجذبها بالخاصة، قد نصب عليه للتخدير ثلاثة أحجار، طول كل حجر «2» عشرة أشبار، وعرضه ربع هذا المقدار، وثخانته «3» تزيد على ذراع في

[1] أي صار كرديا.

[2]

مرت: قرية بينها وبين أرمية منزل واحد في طريق تبريز (مراصد الاطلاع 3/1254) .

ص: 266

التقدير، على كل من الثلاثة كتابة قديمة، لم يبق منها سوى المعالم، وهي من الحجر المانع الأخضر الذي لا يغيره البرد ولا الحر، ولا يتأثر «1» إلا في ألوف سنين، تاثير «2» لا يكاد يبين، فالوسط منها على بسطة رأس الجبل، والآخران في ثلث عقبتيه لمن صعد أو نزل، يقال أنها نصبت لمعنى الإنذار، وأن المكتوب عليها أخبار من أهلكه الثلج والبرد في الصيف، وهم يأخذون الخفارة تحته، ويدركون أو يوارون من هلك ببرده.

وبيد الزرزاريه أيضا بلاد ملازكرد والرستاق بقلاعها ومزارعها وضياعها، ولا يحملون لأحد شيئا من ارتفاعها، وكان لهم أمير جامع لكلمتهم، مانع لشوكتهم «3» يسمى نجم الدين بن باساك ثم توفى، وتولاهم من بعده ولده المسمى جيده «4» ، ولما أدركه الأجل وتوفى، تولاهم ولده عبد الله، وكان لهم أيضا أمير شجاع عفيف له رأي وتدبير يقال له الحسام شير الصغير، حوله من عشيرته عصبة تسير بسيرته، وكذلك كان لهم أمير آخر جيدا «5» يسمى باساك. ابن الحسام شير الكبير، وآخر منهم له بأس قوى يدعى بهاء الدين بن جمال الدين أبي علي، وأمراء غير هؤلاء ممن ينطوى في طاعتهم ويدخل في جماعتهم، إذ لا يبلغ قدر استطاعتهم يستغنى عن ذكر اسمه بمن تقدم.

وينضم إلى الزرزارية شرذمة قليلة العدد هي لهم كالمدد تسمى (المخطوط ص 131) باسم قرينتها بالكان، منفردة بمكان، مشرف على عقبة الخان، يأخذون عليها الخفارة باليد القوية، ويجولون بين الحسائية، قتل أميرهم توبك «6» مع نجم الدين، وعاد قومه لهم بالرعية «7» ، يبلغ عدتهم ثلاثمائة رجل.

ومنهم الجولمركية [1] ، وهم قوم نسبوا إلى الوطن، لا إلى النفر، بل هم طائفة

[1] جولمكرية نسبة إلى جولمكر.

ص: 267

من بني أمية، يقال أنها حكمية [1] ، اعتصموا بالجبال، عند غلبة الرجال عليهم، واستغنوا بمنعتها عند استعمال البأس، ومخالطة الناس، طلبا للسلامة من أعدائهم، وفرارا من اعتدائهم، فانخرطوا في سلك الأكراد، فسلموا، وهم الآن في عدد كثير، يزيدون على ثلاثة آلاف، كان ملكهم عماد الدين بن الأسد بن متكلان، ثم خلفه ولده الملك أسد الدين، وتحت يده المعادن ما ينقل من الزرينجين، إلى سائر الأماكن، وكان ظهر له معدن اللازورد، فأخفى، لئلا يسمع به ملوك التتر، فيطلبونه.

ومعقله الذي يعتمد عليه من أمنع المعاقل على جبل عال، مقطوع بذاته، قرين الجبال قائم في وسطها مع الانفصال شامخ في الهواء راسخ فيما حوله من الماء، والزاب الكبير محدق به، فاصل بينه وبينها بإذن ربه، لا محط «1» للجيش عليه، ولا وصول للسهام إليه، سطحه للزراعة متسع، وفي كل ضلع من جوابنه كهف «2» مرتفع، يأوى إليه من شاء للامتناع، فيمتنع، والماء محيط بأساسه، والثلج لا يزال يشتغل، سببه برأسه، والصعود إليه في بعض الطريق يستدعى العبور على أوتاد مضروبة مصلحة لمن يطيق، ومن لا يستطيع التسليق، جر بالحبال (يعلق بها)«3» وكذلك ترفع البغال للطواحين والذخائر التي يحتاج إليها في كل حين.

والملك عليهم معتبر عند الأكراد، ولهم على كلمته اعتماد، يدعى بهاء الدين بن قطب الدين، وولده في الملك يجرى مجراه، ويخلف في سيرته أباه، وكان له ابن عم آخر يدعى بشمس الدين داود، عصا على دولة الأعداء مدة، وعجزوا عنه، وقد اجتهدوا في غيلته بكل حيلة، فلم يقدروا عليه، فبالغوا في الإحسان إليه،

[1] حكمية نسبة إلى مروان بن الحكم.

ص: 268

وأمروه بالانتقال عن الجبل ليأمنوا اعتصامه، فاحتصن التوصل في التوسل، حتى سكن ببعض المدن (المخطوط ص 132) فلما قر في دار كانت بنيت للسلطان، وغرس في ما حولها «1» بستانا جامعا لأشجار ذات أفنان، مختلفة الثمار، ومحفوفة بالارتفاع «2» ارتفاع مغلة «3» من دنانيرهم عشرون ألف ألف دينار، والدار أعظم. ما يكون من دار السلطنة لما فيها من البسط والآلات المثمنة، فخولوه في سكنها، وسمحوا له بالفاكهة وثمنها، إلى أن اخترمه ريب المنون، فترك ولده الحركة، وعاد إلى حربهم، يؤدي إليه خراج بلاده، ويقطع منها ما شاء من أقاربه وأجناده، ويأخذ الخفارة من جميع الطرقات، من آذربيجان من تبريز إلى خوى ونقشوان [1] ، وكل وظائف مستخدميه بضمان من الكتاب والمنتدين والنواب والمتصرفين والوكلاء، ولا يقدم طعامهم ضيفانه إلى ثلث الليل المعلوم إلى نصف النهار أي غذاء كان، ولا يطعم ضيفانه إلي ثلث الليل عشاء، ولا يجعل في خبزه ملحا ليأكل منه من كان حربا وصلحا.

ويجاور الجولمركية من الأكراد قوم يسكنون الجبال من بلاد تدعى مركوان، كثيرة الثلوج والأمطار مخصبة ربيعها زاهر بأنواع النبات والأزهار، وصيفها منوط بألحان الأطيار، وشتاءوها وافر الأسمان والألبان غزير اللحوم المنوعة، وهي مترخمة لأرمية «4» من بلاد آذربيجان، وكان لهم بها أميران بدر الدين والأمير حسن، أخوان شقيقان، وبالرعايا رفيقان، تبلغ عدتهم ثلاثة آلاف، وهم لمن جاورهم من الزرزارية والجولمركية أخلاف، ويعاملونهم بالرأفة والإحسان.

ويجاور الجولمركية من قبل بلاد الروم جبال وبلاد يقال لها كواره، ذات سعة وإمكان «5» ، ومرعى للحيوان، وخصب مستمر في سائر الأحيان، وإليها ينسب من

[1] هي تخجوان وهي منطقة واقفة الآن بين إيران وأرمينيا وتابعة لآذربيجان.

ص: 269

بها من السكان، فيحسبانه من قبيله.

وكان الأمير شمس الدين هو المداري عنهم، وعدة قومه ثلاثة آلاف، ويلي الجولمركية وجه عقر شوشن وبلاد العمادية، وبلاد الزيبار وبلاد الهكلر «1» .

أما الزيبارية فيبلغون خمسمائة عددا، أصحاب بازاريه [1]«2» ، لهم سوق وبلد، وكان حروب بينهم وبين المازنجانية (المخطوط ص 133) مددا، ثم قر قرارهم، (واتحدوا)«3» ، وكان ملكهم «4» أحدهما الأمير إبراهيم بن الأمير محمد الزابي، وكان موقرا في زمن الخلافة، معروفا بالحشمة، وبقى ولده بعده صغيرا، فاحتاج إلى الاعتضاد بالمبارز كنك، ليكون له ظهيرا، والثاني الشهاب بن بدر الدين برش، توفى أبوه، وخلفه كبيرا، ولولا المازنجانية لم يدع لهم سواه أميرا، فاستولى علي الرعية استيلاء كبيرا «5» .

وأمّا الهكارية فإنهم مقيمون في بلاد العمادية، تزيد عدتهم على أربعة آلاف حربية «6» ، وكانت إمارتهم إلى أميرين أخوين، أحدهما الأمير أبو بكر، والآخر الأمير علي، يعرف والدهما بالطوراشي، فأما أبو بكر فإنه كان ممتنعا برجاله، وكثرة احتياله وقوة جباله ونوابه وجيوشه وأحزابه، وبقى مدة لا يعبأ بهم ولا به، مع أنه سير له العساكر، واستعان عليه بكل ماكر، إلى أن حكم بالموصل نصراني يقال له مسعود البرقوطي، وعزل عنها الأمير رضى الدين بابا القزويني البكري رحمه الله، فاحتال النصراني على الأمير أبي بكر بكل حيلة، وأعانه عليه في المكيدة بعض القبيلة، فحسنوا له الوثوق إليه، والنزول في الطاعة على يديه، وسير له الرهائن أربعة من الصبيان إلى السلطان، أحدهما مباركشاه والثاني سيف الدين بن

[1] بازارية ونسبة إلى بازار بمعنى السوق، وتعني هنا رجال السوق والتجار.

ص: 270

المبارز كنك، الذي استنابه في العقد أبوه، والآخران أحمد وجركتم والدهما، فبلغ بكر الدين، كان باربل «1» نائبا في ذلك الزمان، فاغتر ونزل الباب، وبقى عند السلطان معظم المقدار، إلى عدت فيه ذوو الاعتراض، وقالوا أن أحضر ولده وأهله، فما عليه اعتراض، ولما طلبوا معه سيّر اليهم «2» بالنزول، فلم يأخذوا أمره بالقبول، وعاد مؤكدا لطلبهم برسول، وتأخر حضورهم، فاشتبهت على السلطان أمورهم، فأمر بالاحتياط عليه وعلى من معه من أصحابه، وكان إذ ذاك متوجها إلى حمص في أحزابه فلما وصلوا إلى مراغة آذربيجان، توجه حسان «3» ، إجابة داعي السلطان؛ وكان موثقا عنده في المكان (المخطوط ص 134) فانتهز الفرصة في الخروج من الوثاق، وخلص من معه من الرفاق [1] ، وركب ما وجد من الخيل عربا وساق، بناء على أن الجبل قريب، وطمعا في أن يدركه الليل، فيستتر، فلما أحسن القوم بفراره، خافوا صولة سلطانهم، ونادوا: أولام أولام على أثاره، فتنبه عليه قوم من الإختاجية «4» ، وهم رعاة الخيل، (وهو يحث فرسه)«5» بكزلك، وهي مذبة، فرماه أحدهم بسهم، أصابه به، وتواثبوا عليه أصحابه، فلم ينج منهم أحد إلا رجل كان، لما انهزموا قد دخل البلد.

وأما أكثر الرهائن فإن البارز شيرسير من سرق ولده، وهرب كل منهم، فلحق ولده، وبقى الأمير علي، أخوه مستقلا بالهكارية وحده إلى أن أتاه اليقين، فخلف فيهم ولده غرس الدين صاحب قلعة هروز، ونشأ الأمير محمد بن الأمير أبي بكر شجاعا، فقصد قلعة الجبال، فأخذها، وأحرق ما بها من الدور، وأراد أن يقيم بها،

[1] عبارة مكررة.

ص: 271

إن ساعده القدر المقدور.

والهكارية يأخذون الخفارة في أماكن كثيرة من بخاري إلى جبل «1» الجزيرة، ويليهم من قبل المرج جبال القمرانية وكهف داود، وهذه الأماكن أوطان البستكية «2» وقليل ما هم، لكنهم حماة رماة وطعامهم مبذور على خصاصة، وعدتهم لا تزيد على خمسمائة، وأميرهم مقيم بالقمرانية يقال له

[1] ويقابل الجولمركيه من قبل الموصل البختية، وهم قوم كانوا يضاهون الحميدية، لكنهم شعبهم أكثر، وقبيلهم أكثر، فكان لهم كبراء وأعيان فهلك أمراؤهم، وتشتت كبراؤهم، وتفرق جمعهم المعهود، ولم يبق منهم إلا شرذمة قليلة، تفرقت بين القبائل والشعوب، وكان من بقايا أمرائهم فخر الدين خدم صاحب ماردين فأبعده لأقوال قيلت.

وشعبهم كثيرة، وقبائلهم متفرقة «3» منهم السندية وهو أكثر شعبهم عددا، وأوفرهم مددا، يبلغون ثلاثين ألف مقاتل مختال مخاتل والمحمدية، وكان أميرهم شروين «4» ، لا تزيد على ستمائة رجل، والراستية كانوا أولى عدد وعدد وجمع ومدد إلى أن نزح أميرهم البدر بن كيايك) المخطوط ص 135) من ذلك البلد، بالأهل والولد، إلى متعة وقد تشتت شملهم، وتفرق جمعهم وعات، عدتهم لا تزيد في بلد الموصل، لا تزيد على ألف رجل، وأميرهم علاء الدين كورك بن إبراهيم، ولا ينقص من بلد القعر «5» في خمسمائة وأميرهم عمر بن أبي علي وموسى بن بهاء الدين، والدينلية وهم يسكنون الجبال المقلوب، والمختار مطلوبون بالخفارة أميرهم كلتي، ولا تزيد عدتم على ألف متفرقين في البلاد، متمزقين في كل واد «6» .

[1] فراغ بمسافة 4 سم.

ص: 272