الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة جليلة تتعلق بذكر غزة
«1» قالوا يجوز أن يكون اسمها مأخوذا من الغز والغز الشذق وهما غزان سميت بذلك لأنها في فم الشام مما يلي شقة البحرى، ويكون مأخوذا من قول العرب أغزت البقرة فهي مغز إذا عسر حملها سميت بذلك لعسر السير إليها على الناس والدواب للرمل المتاخم لها، وتعرف في القديم بغزة هاشم، سميت بهاشم بن عبد مناف جد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإليها كانت رحلة قريش هي إحدى الرحلتين المذكورة في القرآن، رحلة الشتاء والصيف [1] وهي الصفية منها، وكان عليها حصن منيع قد بقيت منه بقية إلى الآن (المخطوط ص 282) هدمته قيس، لما جاء إليها بعض قبائل اليمن وفيها يقول أبو عامر السلمي في قصيدته المسماة بالذاهبة وهي ثلاثمائة بيت يهجو بها اليمن ويذكر مثالبهم في القرآن والأخبار، ويذكر مناقب قريش:[الوافر]
ونحن الموقدون على حروري
…
ونحن لحصن غزة هادمونا
وفي غزة قبر هاشم بن عبد مناف، وبذلك قيل لها غزة هاشم، وهاشم أول من مات من بني عبد مناف، وكانوا أربعة أخوة؛ هاشم هذا وقبره بغزة، ثم مات بعده أخوه عبد شمس وقبره بمكة بالحجوان، ثم مات بعده أخوهما نوفل بطريق العراق بموضع يقال له سلمان وقبره هناك، ثم مات بعده أخوه المطلب بأرض اليمن في موضع يقال له ردمان وقبره هناك، فهؤلاء بنو عبد مناف الأربعة.
(تتمة في ذكر سبب سفرهم الموجب لموت من مات منهم غريبا)
اتفقوا على أنه كان لعبد مناف خمسة بنين وهم سادة قريش كلها هاشم
[1] إشارة إلى قوله تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ
[قريش، الآية: 1] .
والمطلب ونوفل وعبد شمس، وأبو عمرو ومات صبيا ولم يكن له خبر مع إخوته، وكانت العرب وقريش كلها تسمى بني عبد مناف هؤلاء الأربعة فضاح النضار لشرفهم وجمالهم وبهائهم، وكانت قريش كثيرة التجارة إلا أنهم كانوا لا يخرجون من مكة والحجاز، وكانت الأعاجم تأتيهم بالبضائع فيشترون منهم ويبيعونهم، فأقاموا على ذلك زمانا طويلا حتى ركب هاشم بن عبد مناف فخرج إلى الشام فنزل بقيصر ملك الروم.
واسم هاشم يومئذ عمر العلي، فكان يذبح كل يوم شاة، ويصنع جفنه ثريد ويجعل اللحم عليها أوصالا، ويدعو من حوله فيأكلون معه، وكان هاشم من أحسن الناس وجها، وأكرمهم أخلاقا، فقيل لقيصر ها هنا رجل قريش يهشم الخبز، ويصب عليه المرق (الخطوط ص 283) ويجعل عليه اللحم، وإنما كانت العجم تجعل المرق في صحاف واللحم في المرق ويلتدمون بذلك، ولم يكونوا رأوا الثريد فسمى هاشما بهشيم الثريد، وفيه يقول شاعرهم بمكة:[الكامل]
عمرو العلى هشم الثريد لقومه
…
ورجال مكة مسنتون عجاف
وهذا أول من فعله من العرب والعجم، فدعاه قيصر، فلما رآه وكلمه، أعجبه إعجابا عظيما، فقال له هاشم: أيها الملك إن لي قوما هم تجار العرب، فإن رأيت أن تكتب لي كتابا تؤمنهم فيه على أنفسهم وما معهم من المال والبضائع وغير ذلك فإنهم يقدمون عليك بما تستظرفه من أدم الحجاز وثمره وغير ذلك مما يصير إليهم ولا يبلغك من طرف البلاد، فأمر أن يكتب له كتاب جامع للعرب، وأخذه هاشم وسار فصار كلما جاء حيا من أحياء العرب على طريق الشام أخذ من أشرافهم إيلافا، والإيلاف أن يأمنوا عندهم وفي أرضهم على أنفسهم وأموالهم، وأخذ هاشم الإيلاف من جميع القبال ممن بينه وبين الشام حتى قدم مكة، فأتاهم بشيء لم يأتهم بمثله أحد قط فسروا بذلك سرورا عظيما، وخرجوا