الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا يرجع موسى بهذا العطاء الجزيل، وهذا الفضل الكبير.. لقد اصطفاء الله واختاره من بين قومه، وجعله رسولا إليهم برسالاته، وهى ما ضمت عليه التوراة من أسفار
…
وأسمعه كلامه من غير واسطة.. وكلها نعم وأفضال، لا يفى بها شكر الشاكرين، وحمد الحامدين، ومع هذا فإن الله يقبل شكر الشاكرين، ويرضاه لهم.
الآيات: (145- 147)[سورة الأعراف (7) : الآيات 145 الى 147]
وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (147)
التفسير: ثم بيّن الله سبحانه وتعالى محتوى ما حمله موسى من رسالات ربّه، فقال تعالى:
«وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ» فهذه الألواح التي أنزلها الله على موسى، هى التوراة، وفيها مواعظ وعبر، بما تقصّ من أنباء السابقين، وبما تحدّث به من قدرة الله، وكيف خلق الخلق وأقام هذا الوجود، على ذلك النظام البديع، بعد أن كان عدما لا وجود له..
ثم لقد جاءت التوراة فى أحكامها، وتشريعها وآدابها، على صورة مبسوطة
مفصلة تفصيلا، يتناول الكلّيات والجزئيات، وجزئيات الجزئيات، بحيث يكون كل شىء فيها واضحا مفهوما لكل إنسان، أيّا كان حظه من الفهم والإدراك.
وهذا التفصيل الذي جاءت عليه التوراة إنما يكشف عن طبيعة بنى إسرائيل، وأنهم على شىء غير قليل من بلادة الحسّ وجفاء الطبع، وسوء الفهم، بحيث يعاملون كما يعامل الأطفال فى كشف معالم الأشياء لهم، كشفا لا يحتاجون معه إلى عقل يفكر.. كما أن هذا التفصيل يراد لغاية أخرى، وهى حصر هؤلاء القوم فى حدود ما ترسم لهم الكلمات من حقائق، رسما محددا واضحا، يتناول أدق التفاصيل، حتى لا يكون لأهواء القوم ونزعاتهم سبيلا إلى التأويل الفاسد لمضامين الكلمات ومحتوياتها، الأمر الذي لا يعين عليه هذا التفصيل المبيّن لكل شىء.. ومن هنا جاء بنو إسرائيل إلى التوراة بالتحريف، والمسخ فحذفوا وأضافوا، وغيروا وبدّلوا، ليبلغوا بذلك ما لم يكن لهم إليه سبيل بالتأويل والتخريج.
وقوله تعالى: «فَخُذْها بِقُوَّةٍ» .. الضمير هنا للألواح، وهى التي كتبت فيها التوراة.. وأخذها بقوة، هو شدّ العزم على القيام لها، والعمل بها، والوفاء بما فيها من أمر ونهى.. فليست الشرائع والأحكام فى نصوصها وعباراتها، وإنما هى بالعمل بما تحمل هذه النصوص وتلك العبارات، من شرائع وأحكام، وبتحويل هذه الشرائع وتلك الأحكام إلى واقع الحياة، فتكون سلوكا تظهر فى الناس آثاره وشواهده.
وقوله تعالى: «وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها» أي بأحسن ما فى هذه الألواح، والمراد بأحسن ما فى الألواح المثل الطيبة للناس، وهى التي تعرضها التوراة لأهل الإيمان، والاستقامة والتقوى.. فهؤلاء هم الذين ينبغى
أن يقتدى بهم، كما يقول الله تعالى:«أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» .. وفى التوراة غير هذه المثل الطيّبة من الناس، مثل للقوم الظالمين، الذين يفسدون فى الأرض ولا يصلحون، وتلك المثل هى التي ينبغى للعاقل أن يحذرها، ويتجنب الأخذ بها، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى بعد ذلك:
«سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ» ففى تلك الديار التي ضمّت الفاسقين مثل ظاهرة، تحدّث بما حلّ بأهلها من بلاء ونكال.. فليحذر بنو إسرائيل أن يحلّ بهم ما حلّ بمن فسق عن أمر ربّه، واعتدى على حدوده، واستباح حرماته.
فى هذا تحذير لبنى إسرائيل وتهديد لهم، إن هم سلكوا سبيل الظالمين، واستكبروا فى الأرض بغير الحق، ومكروا بآيات الله، وعصوا رسله، وتنكبوا طريق الخير، وركبوا طرق الغىّ والضلال.
فهؤلاء الذين يتخذون هذا الموقف اللئيم مع آيات الله، سيصرفها الله عنهم، كما انصرفوا هم عنها، فلا ينالون منها خيرا، ولا يجدون فيها هدى، كما يقول الله تعالى:«وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ» (127: التوبة) لقد حجبهم الله عن مواقع رحمته، بعد أن أخذوا من آياته هذا الموقف، فأغمضوا أعينهم عنها، وجعلوا أصابعهم فى آذانهم فلم يستمعوا لها..