الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو بيان لما أعدّ الله للمؤمنين والمؤمنات من جزاء حسن، ومقام كريم فى الآخرة.. إنّ لهم عند الله جنّات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ومساكن طيبة فى جنّات عدن.. أي جنّات إقامة واستقرار.. يقال عدن بالمكان، أي أقام واستقر.. فهى جنات لا يتحول عنها ساكنوها إلى مكان آخر، حيث تطيب لساكنيها الإقامة، لما يجدون فيها من نعيم لا ينفد، ولا يملّ مهما طالت صحبته، وامتدّ الزمن فى الحياة معه.
وقوله سبحانه: «وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ» .. هو نعيم فوق هذا النعيم الذي يناله أصحاب الجنة.. بما يفيض الله سبحانه وتعالى عليهم من رضوانه، وما يضفيه عليهم من رضاه.. فكل نعيم- وإن عظم- هو قليل إلى رضوان الله، الذي يناله من رضى الله عنهم، ثم إن كل نعيم هو تبع لهذا الرضا، ونسمة من أنسامه الطيبة المباركة.. ولهذا جاء قوله تعالى:«ورضوان من الله أكبر» مستأنفا، غير معطوف على ما قبله، حتى لكأنه إضراب عما سبقه، بمعنى «بل» .. وعلى هذا يكون التقدير:«بل.. ورضوان من الله أكبر» ..
وقوله تعالى: «ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» الإشارة هنا إلى رضوان الله، الذي هو الفوز كل الفوز، والنعيم كل النعيم.
الآيتان: (73- 74)[سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74)
التفسير: لم تنته الآيات القرآنية بعد، من عرض الوجوه التي يظهر بها المنافقون فى الناس، فما زالت هناك وجوه كثيرة لهم، سيكشف عنها القرآن فى آيات تالية- ومع هذا، فقد جاء قوله تعالى:«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» - جاء معترضا سلسلة هذا العرض الكاشف عن مخازى المنافقين، ليذكّر النبىّ بما ينبغى أن يأخذ به المنافقين، الذين هم أشد أعداء الإسلام خطرا على الإسلام.
والكفار والمنافقون، هم على سواء فى كفرهم بالله، ومحاربتهم لدين الله، وكيدهم لرسول الله.. وإن على النبىّ أن يجاهد هؤلاء وأولئك جميعا، وأن يلقاهم بكل قوة وبأس.. فالمنافقون، كافرون، وأكثر من كافرين.. لأنهم يسترون كفرهم بالنفاق، ويدارونه بإظهار الإسلام.. فهم بهذا عدوّ خفىّ، يأمن المسلمون جانبه، ولا يأخذون حذرهم منه، فيطّلع منهم على ما لا يطّلع عليه العدوّ الظاهر، من مواطن الضعف منهم، وانتهاز الفرصة فيهم..
فإذا جاهد النبىّ الكفار، فليجاهد المنافقين كذلك، وليشتدّ فى جهادهم، وليغلظ عليهم، فلا يرخى يده عنهم إذا أمكنته الفرصة فيهم..
وقوله: «وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» هو بيان للحكم الواقع تحته الكافرون والمنافقون، وهو أن جهنم مأواهم الذي يؤوون إليه، والمصير الذي يصيرون له.. وأنهم إذا أفلتوا فى هذه الدنيا من القتل أو الأسر، فلن يفلتوا فى الآخرة من عذاب جهنم، وبئس المصير..
وقد جاء فى سورة التحريم نص هذه الآية هكذا: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (9: سورة التحريم) وفى هذا تأكيد للأمر بجهاد النبىّ للكفار والمنافقين، وأخذهم بالبأساء والضرّاء، حتى يزول الخطر الذي يتهدد الإسلام والمسلمين منهم..
قوله تعالى: «يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا» هذا عرض لحال من أحوال المنافقين، وكشف لوجه من وجوههم المنكرة..
وهو أن من دأبهم أن يحلفوا كذبا وزورا أنهم ما قالوا هذا القول المنكر، الذي كان سرا بينهم، ففضحهم الله به، وأطلع النبىّ والمسلمين عليه..
وقد كذّبهم الله، وردّ أيمانهم الكاذبة بقوله سبحانه:«وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ» .
والمراد بكلمة الكفر، هو الكلام الذي تحدثوا به فيما بينهم، وتناولوا فيه النبىّ بالهزء والسخرية، وقالوا حين سئلوا:«إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ» ..
وذلك منهم هو الكفر الصّراح.. فلو كان فى قلوبهم شىء من الإيمان، لما حدّثتهم أنفسهم بهذا السوء، ولما طاوعتهم ألسنتهم على النطق بهذا المنكر من القول..
وفى التعبير عن كلمات السوء بكلمة الكفر، إشارة إلى أن حصيلة هذا الكلام الكثير الذي دار على ألسنتهم، هو كلمة واحدة، هى الكفر، الذي دمغوا به ظاهرا، بعد أن كان يعيش فى كيانهم متخفيا، مستبطنا..
فكلامهم كله، هو الكفر، إذ لا ثمرة له إلا الكفر..
وقوله تعالى: «وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ» .. هو تأكيد لكفرهم الذي استعلن بكلماتهم المنافقة التي فضحهم الله بها.. وفيه إشارة إلى أنهم لم يكونوا مؤمنين أبدا، وأن الإيمان لم يدخل قلوبهم، وإنما جرت كلمة الإسلام على ألسنتهم، فحسبوا بهذا من المسلمين لا المؤمنين..
فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا.. وإلى هذا يشير قوله تعالى:
«قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا، وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا.. وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ» (14: الحجرات) .
وقوله تعالى: «وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا» هو فضح لخفيّة من خفايا المنافقين، وكشف لمكيدة من مكايدهم، وأنّهم قد بيتوا عدوانا، ودبروا كيدا، ولكنّ الله- سبحانه- أبطل كيدهم، وأفسد تدبيرهم.. فقد أرادوا بالنبيّ- صلى الله عليه وسلم شرا، وائتمروا فيما بينهم على أن يرصدوا له، وهم معه على طريق العودة من تبوك، فأطّلع الله سبحانه النبىّ عليهم، وأراه ما دبروا له.. فدعاهم النبىّ إليه، وكشف لهم عن تدبيرهم السيء.. فلم يجدوا غير الحلف كذبا وبهتانا، بأنّهم ما قالوا شيئا، ولا بيّتوا شرّا..
وقوله سبحانه: «وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ» ..
هو تسفيه لهم، واستنكار لهذا المنكر الذي هم فيه.. وأنهم لم يتخذوا هذا الموقف المنحرف اللئيم من الله ورسوله، إلّا لما أفاء الله ورسوله به عليهم من فضله.. وهكذا أصحاب الطباع السيئة، والنفوس المريضة، تنقلب حقائق الأشياء عندهم، فإذا النور ظلام، والحق باطل، والنعمة نقمة..
والله سبحانه وتعالى يقول فى مثل هؤلاء الحمقى والسفهاء من الناس: