الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات: (19- 22)[سورة التوبة (9) : الآيات 19 الى 22]
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)
التفسير: كان بعض مشركى مكة يقومون على خدمات فى المسجد الحرام، كالسقاية للحجيج، وإطعام الوافدين للحجّ، وتأمينهم، وعمارة المسجد، وفرشه، وغير هذا مما كانت تتقاسمه قريش بين بيوتها من أعمال البيت الحرام.
فلما جاء الإسلام، وحرّم على المشركين الاتصال بالمسجد الحرام، والقيام بأى عمل فيه، أوله- وقع فى نفس هؤلاء الذين كانوا يقومون على تلك الأعمال، أنهم بعد أن دخلوا الإسلام، لا زالوا فى حاجة إلى ما يملأ هذا الفراغ، ويذهب بذلك القلق النفسي الذي استشعروه، حين زال سلطانهم الديني على المسجد الحرام، وقاصديه..
وفى قوله تعالى: «أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» .. موازنة بين تلك الأعمال التي كان يعدّها المشركون من القربات، وبين الإيمان الذي عمر قلوب المسلمين، ووصلهم بالله ربّ العالمين.
وفى هذه الموازنة، تبدو تلك الأعمال التي كانوا يعملونها وهم متلبسون بالشرك- تبدو ضئيلة تافهة، لا وزن لها إلى جانب الإيمان بالله وما يملأ كيان المؤمن من الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد فى سبيل الله.. «لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ» .
وفى الموازنة بين سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، وبين من آمن بالله واليوم الآخر- فى هذه الموازنة ما يسأل عنه.. وهو:
لماذا جاءت الموازنة بين أعمال، هى السقاية وعمارة المسجد الحرام، وبين أشخاص هم المؤمنون بالله واليوم الآخر؟ وكيف تقوم موازنة بين أعمال وأشخاص،؟ إن المتصور هو أن تقوم الموازنة بين أعمال وأعمال، أو بين أشخاص وأشخاص.. حتى يمكن أن يعرف الفاضل والمفضول، والطيب والخبيث، بالنظر فى المتجانسين والموازنة بينهما..
فكيف هذا؟
والجواب- والله أعلم- أن هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يؤدّون تلك الأعمال، ويحسبون أنها قربات عند الله، وأنها تجعل لهم شأنا وذكرا عنده، هى أشياء لا حساب لها فى ميزان الأعمال، إذ كانت غير مستندة إلى إيمان، ولم يكن الذين يأتونها بالمؤمنين بالله..
والحديث عن هذه الأعمال، دون الحديث عن أصحابها، يشير إلى أن أصحابها لا معتبر لهم فى موازين الناس، ماداموا على غير الإيمان.. وعلى هذا التقدير جاء النظم القرآنى بأعمالهم، ولم يجىء بهم، إذ كانت الأعمال فى ظاهرها حسنة طيبة، ولكنها لا نعود بثمرة عليهم، ولا تضاف لحسابهم..
أما المؤمنون بالله، واليوم الآخر والمجاهدون فى سبيل الله، فإنهم بإيمانهم بالله وباليوم الآخر وبالجهاد فى سبيله، أصبحوا هم الصورة الكاملة للإنسان الكامل
الذي ينظر إليه وإلى أعماله، كأصل أصيل فى تقويم الناس وأعمال الناس.
وقوله تعالى: «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» إشارة إلى أن أصحاب هذه الأعمال الطيبة قد ظلموا هذه الأعمال، إذ لم يزكّوها بالإيمان، كما أنهم قد ظلموا أنفسهم، إذ لم يظهروها من الرجس والشرك.
قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» فى هذه الآيات عرض لمنازل المؤمنين فيما بينهم، بعد أن ميّز الإيمان بينهم وبين المشركين، وجعلهم جميعا فى مقام كريم عند الله، يتقبل أعمالهم الطيبة، ويتجاوز عن سيئاتهم، على حين لا يقبل من غير المؤمنين عملا، ولو كان مما يدخل فى باب الطيبات الصالحات من الأعمال.
والمؤمنون الذين هاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله، أعظم درجة عند الله، من الذين آمنوا وجاهدوا ولم يهاجروا.. والذين آمنوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله، أعظم درجة عند الله من الذين آمنوا ولم يهاجروا ولم يجاهدوا.. وهكذا يتفاوت المؤمنون فى منازلهم ودرجاتهم عند الله.
وأعلى درجة عند الله للمؤمنين، هى درجة المهاجرين الذين جاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم بعد أن اجتمع لهم الإيمان والهجرة- وقد وعدهم الله سبحانه وتعالى بالفوز برضوانه وجناته، ينعمون فيها بنعيم مقيم، لا ينفد ولا ينقطع أبدا.. (خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»