الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فذلك شىء لا يلتفتون إليه، بعد أن أخذوا خير ما في هذه الدنيا، وهو الإيمان..
فليكن الموت، وليكن التمثيل والتنكيل بهم، إنهم لصابرون على المحنة، موطنون النفس على البلاء، يرجون من الله أن يمدهم بأمداد من الصبر والعزم:
«رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ» .
وإفراغ الصبر: صبّه صبّا عليهم، حتى يمتلىء كيانهم به.. فإن المحنة قاسية، والبلاء شديد، وذلك أمر يحتاج إلى كثير من أمداد الصبر من ربّ العالمين.
الآيات: (127- 129)[سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]
وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (127) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
التفسير: وإذ يحذل فرعون في معركة المنطق والعقل، وإذ تفحمه الآيات التي طلع بها عليه موسى، فإنه يلجأ إلى منطق القوة، ويعمد إلى سلاح البغي والعدوان، فيسلطه على خصمه، ويضرب به في غير مبالاة..
وانظر كيف يعمى البغي أهله عن مواقع الحق، وكيف يزيّن لهم الضلال فيرونه هدى.
«قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ» .
موسى إذن هو الذي يفسد في الأرض؟ وهو الذي ما جاء إلا ليخلّص أناسا استذلّهم فرعون، وسامهم سوء العذاب؟ إنه ما جاء ليشارك فرعون في ملكه، ولا لينازعه سلطانه.. وإنما جاء ليستنقذ أناسا من العبودية، ويرفع عنهم يد التسلط والبغي.. فكيف تصح تلك الدعوى التي يدعونها عليه؟
وفي قول الملأ من قوم فرعون: «وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ» تحريض قوى لفرعون على أن يضرب ضربته، وأن يعجّل بها قبل أن يتابع الناس موسى، ويدخلوا في دعوته، ويؤمنوا بالله كما آمن السحرة، فلا يبقى إلا فرعون وتلك المعبودات التي يعبدها..!
وينظر فرعون في هذا القول، وترتسم له الصورة التي يطل بها عليه، لو أنّه ترك موسى وشأنه.. إن فرعون إذا صبر على تلك الحال، فسوف يتخلّى عنه كل شىء، حتى هذ الملأ الذين حوله من أعوان ووزراء.. إنه وحده الذي سيظل على دينه.. هذا إذا لم ترغمه الظروف وتقهره على أن ينقاد لموسى ويصبح من أتباعه!! وتغيم الدنيا في وجه فرعون، ويستبدّ به جنون الكبر والسلطان، فيصدر حكمه على موسى وقومه جميعا:
«قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ» ..
إنه استئصال لهؤلاء القوم، وقتل بطيء لهم بقتل أولادهم، وإذلال شديد
لهم، باستباحة نسائهم، وبهذا تظل يد فرعون عليهم قاهرة متسلطة.. وفي هذا نذير لمن تسوّل له نفسه أن يتابع موسى أو يتصل به.
واستحياء المرأة، هو تعرّضها لما يخدش حياءها أو يجرحه.. وذلك باستدعاء حيائها، حين تواجه بما تنكره الحرّة وتأباه العفيفة.
ويقع البلاء بقوم موسى وتنزل الضربات عليهم من كل وجه، فى أنفسهم، وفي أبنائهم، وفي نسائهم.. ونذكر هنا قول الله سبحانه في الآيات السابقة:«ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها» أي فظلموا ومعهم هذه الآيات التي جاءهم بها موسى، فكانت تلك الآيات في أيديهم أداة من أدوات الظلم والبغي.
ويدعو موسى قومه إلى الصبر والاحتمال في مواجهة هذه المحنة:
«قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» وتكون العاقبة دائما للمتقين..
ويجزع القوم- قوم موسى- ولا يصبرون على هذا البلاء الذي أخذهم فرعون به ويلقون موسى لائمين ساخطين «قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا» ..
ويجيبهم موسى متلطفا مترفقا:
أي اصبروا، فلعل الله يرفع عنكم هذا البلاء، ويهلك عدوكم، ويجعلكم أصحاب جاه وسلطان، ليبلوكم فيما آتاكم، فينظر كيف تعملون وأنتم في لباس الجاه والسلطان.. هل ترعون حق الله، وتؤدّون بعض ما لفضله عليكم من