الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذين يتخذون العجل إلها معبودا.. وهكذا يقع هؤلاء الذين عبدوا العجل تحت غضب الله، ولعنته، فتضرب عليهم الذلّة والمسكنة فى هذه الدنيا، فهذا حكم واقع عليهم لا يرفع عنهم أبدا بتوبة أو استغفار، وقد كان من غضب الله عليهم أن أمرهم بأن يقتل بعضهم بعضا، كما قال تعالى:«وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ، فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ» (54: البقرة) فليس غير القتل سبيلا إلى إصلاح ما أفسدوا.. إنهم بهذا الإثم الذي تلبسوا به قد أصبحوا كيانا فاسدا، لا يصلح للحياة، ومن الخير للإنسانية القضاء على هذا الداء الخبيث الذي نجم فيها؟
أما فى الآخرة فأمرهم إلى الله، فإن تابوا ورجعوا إلى الله- وليست توبتهم إلا بأن يقتلوا أنفسهم- كانوا فى معرض رحمته ومغفرته، وإن ظلوا على ما هم عليه من ضلال وكفر، فإن الله أعدّ للكافرين عذابا مهينا.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» .
والضمير فى «مِنْ بَعْدِها» يعود إلى السيئات، أي تابوا وآمنوا من بعد فعل هذه السيئات، وقد جعل الله توبتهم بأن يقتلوا أنفسهم، بعد أن يؤمنوا بالله، ويبرءوا من عبادة العجل الذي عبدوه!
الآيات: (154- 155)[سورة الأعراف (7) : الآيات 154 الى 155]
وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَاّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (155)
التفسير: فى التعبير عن ذهاب الغضب عن موسى بالسكوت هكذا:
«وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ» إشارة إلى أنه كان غضبا عارما، مجسّدا، حتى لكأنه كائن حىّ، له صوت مسموع، يهتف بموسى: أن اغضب! وفى قوله تعالى: «لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ» توكيد للرهبة وإضافتها إلى الله،، وقصرها عليه وحده.. والرهبة: الخوف من الله، والخشية له..
وقوله تعالى: «وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا» أي تخيّر موسى من قومه سبعين رجلا ليكونوا معه فى ميقاته مع الله، وليروا معه الله الذي طلبوا إليه أن يريهم إياه، فلما تجلى الله سبحانه وتعالى للجبل وجعله دكّا، وخرّ موسى صعقا- صعق معه هؤلاء السبعون الذين اختارهم من رءوس بنى إسرائيل..
وحين أفاق موسى، ورأى القوم صرعى حوله، هاله الأمر، وخشى أن يلقى قومه وبين يديه هذا الخبر بمصرع رؤسائهم.. وهنا يناجى موسى ربه:«رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ» إنه يتمنى لو أن الله كان أهلكهم وأهلكه معهم، وهم بين القوم، حتى لا ينظر إليه القوم نظرة الجاني على هؤلاء الصرعى.
وقوله: «أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا» هو استفهام استعطافى، يفيد الدعاء، أي ربّ لا تهلكنا بما فعل السّفهاء منّا.
وقوله: «إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ» ..
الفتنة: الابتلاء والاختبار، أي ما يبتلى الناس به من خير أو شر، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:«وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» .. فما يبتلى به الناس من نعم