الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمل فى يوم السبت.. وهذه كلّها قيود وأغلال قيدهم الله بها، وغلّ أهواءهم الجامحة عن الحركة.. وهذا فى شأن اليهود، أما النصارى- وهم يهود أصلا- فقد كان فى شرع المسيح لهم ما هو أقسى من هذا قسوة وأشدّ تنكيلا، ويكفى ما جاء فى وصاة المسيح لهم فى قوله:«من لطمك على خدّك الأيمن، فحوّل له خدّك الآخر أيضا، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا» (5: إنجيل متى) !
رسالة الإسلام ونسخها للرسالات السابقة
فالنبى الأمّىّ هو الذي جاء رحمة عامة شاملة للناس جميعا، قد جعل الله محامل دعوته عامة إلى جميع الأمم والشعوب
…
ومن هنا كان مبعثه إيذانا برفع هذه القيود التي قيّد الله بها أولئك الذين جعل سبحانه من شريعته لهم، هذا التأديب الشرعىّ، الذي لا يرفع عنهم ثقله أبدا، إلا إذا ظهر النبي الأمّى، وإلا إذا اتبعوا هذا النبىّ الأمى، وعندئذ فقط يسقط عنهم هذا الحمل الذي وضعه الله على ظهورهم، ويرفع هذا العهد الذي أخذه الله عليهم، وتوعّدهم بالعذاب الأليم إن هم نقضوه، قبل ظهور هذا النبي الأمى، والإيمان بهذا النبىّ الأمّىّ، والأخذ بشريعته.. «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» .. ومعنى عزّروه:
منعوه من أعدائه، وكانوا سندا له ووقاية، والمراد بالنور الذي أنزل معه، القرآن الكريم.. وهو نور وهدى لمن طلبه، وفتح عينه وقلبه له.
وهذه الآية تقرر فى صراحة صريحة أن رسالة الإسلام رسالة عامة شاملة، وأن اليهود والنّصارى لن تكتب لهم رحمة الله، ولن يكونوا من المؤمنين، إلا إذا تابعوا النبىّ الأمىّ، واستجابوا لدعوته، ودخلوا فى دين الله، وهو الإسلام.
ويتقرر هذا الحكم من وجهين:
أولهما: ما نصّ عليه القرآن فى هذه الآية، وما أسمعه الله تعالى موسى، وهو يطلب إلى الله أن يكتب له ولقومه فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة..
فإن الله سبحانه وتعالى ما استجاب هذه الدعوة على إطلاقها، بل استجابها للمتقين الذين يؤمنون بآيات الله التي نزلت على موسى، وعلى من جاء إلى بنى إسرائيل بعده من أنبياء، وخاصة عيسى عليه السلام، حتى إذا جاء النبي الأمىّ- محمد صلوات الله وسلامه عليه- لم يكتب لأتباع التوراة والإنجيل حسنة فى الدنيا ولا فى الآخرة حتى يؤمنوا به.. وهذا هو بعض السرّ فى وصل قوله تعالى:«فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ» بقوله سبحانه بعد هذا: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ
…
» فالذين يتبعون الرسول النبي الأمى، بدل من قوله تعالى:«فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ» .. ومعنى هذا أن حكم كتابة الحسنة مشروط بشرطين: يتحقق أحدهما فى عهد موسى، ومن جاء بعده من أنبياء بنى إسرائيل، إلى عيسى. والشرط هو تقوى الله والإيمان بآياته التي يحملها رسله.: وهذا الشرط وحده يكفى لتقرير الحكم إلى أن يبعث النبي الأمى، فإذا بعث هذا النبىّ، أضيف إلى هذا الشرط الشرط الآخر، وهو الإيمان بهذا النبي الأمى، الذي لا يتحقق الشرط الأول، وهو التقوى والإيمان بآيات الله إلا بالإيمان به، وبالكتاب الذي معه! وثانيهما. أن هذين الشرطين قد حملتهما التوراة، التي هى شريعة أتباع موسى وأتباع عيسى معا، وأن الإيمان بعد ظهور محمد لا يتم إلا إذا تحقق الشرطان معا، وإلا إذا آمن اليهود والنصارى بما فى كتابيهما اللذين
دعواهم إلى الإيمان بهذا النبي، فإذا لم يؤمنوا به، فقد كفروا بالكتاب الذي فى أيديهم، وبهذا لم يكونوا من المؤمنين..
وفى قوله تعالى: «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» توكيد لعموم رسالة النبيّ الأمىّ، وأنه مبعوث للناس جميعا، ولهذا أمر الله نبيه الكريم أن يؤذّن فى الناس، بما أمره الله أن يؤذن به فيهم:«يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً» .
وهذا القول ليس من قول النبىّ الذي حكاه القرآن عنه، وإنما هو مما أمره الله به، فقال تعالى:«قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً..»
ثم أتبع هذه الدعوة بعرض بعض ما لله الذي يدعو إلى الإيمان به، من صفات:
«الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ» .. فالله سبحانه له ملك السموات والأرض، لا شريك له فى ملكه، ولا إله معه- بيده الحياة والموت، «فَآمِنُوا بِاللَّهِ» الذي هذا ملكه، وذلك سلطانه، «وَرَسُولِهِ» الذي يحمل رسالته إلى الناس جميعا.. «النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ» فهذا الرسول، من صفاته أنه نبىّ أمي، لا يقرأ ولا يكتب، وأنه يؤمن بالله، ويؤمن بكلمات الله التي نزلت عليه، وعلى رسل الله من قبله.. «وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» فإن فى الإيمان بالله ورسوله، وفى اتباع هذا النبىّ والاستجابة له- الهداية والرشاد، ولن يكون لمخالفه والمتأبّى عليه، والمحادّ له، رجاء فى هدى أو مطمع فى نجاة.
وقوله تعالى: «وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» هو تحريض لليهود على متابعة النبي والاستجابة له، والانتصار لدعوته، وذلك أن