المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (5- 8) [سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٥

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (88- 93) [سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 93]

- ‌الآيات: (94- 99) [سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 102) [سورة الأعراف (7) : الآيات 100 الى 102]

- ‌الآيات: (103- 116) [سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 116]

- ‌الآيات: (117- 122) [سورة الأعراف (7) : الآيات 117 الى 122]

- ‌الآيات: (123- 126) [سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 126]

- ‌الآيات: (127- 129) [سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 133) [سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 133]

- ‌الآيات: (134- 137) [سورة الأعراف (7) : الآيات 134 الى 137]

- ‌الآيات: (138- 141) [سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

- ‌الآيات: (142- 144) [سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 144]

- ‌الآيات: (145- 147) [سورة الأعراف (7) : الآيات 145 الى 147]

- ‌الآيات: (148- 150) [سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 150]

- ‌الآيات: (151- 152) [سورة الأعراف (7) : الآيات 151 الى 153]

- ‌الآيات: (154- 155) [سورة الأعراف (7) : الآيات 154 الى 155]

- ‌الآيات: (156- 159) [سورة الأعراف (7) : الآيات 156 الى 159]

- ‌رسالة الإسلام ونسخها للرسالات السابقة

- ‌الآيات: (160- 162) [سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌الآيات: (163- 167) [سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 167]

- ‌الآيات: (168- 171) [سورة الأعراف (7) : الآيات 168 الى 171]

- ‌الآيات: (172- 174) [سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌الآيات: (175- 179) [سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 179]

- ‌الآيات: (180- 185) [سورة الأعراف (7) : الآيات 180 الى 185]

- ‌الآيات: (186- 188) [سورة الأعراف (7) : الآيات 186 الى 188]

- ‌الآيات: (189- 198) [سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 198]

- ‌الآيات: (199- 206) [سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌8- سورة الأنفال

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 8) [سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 11) [سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 19) [سورة الأنفال (8) : الآيات 12 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 26) [سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 31) [سورة الأنفال (8) : الآيات 27 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 35) [سورة الأنفال (8) : الآيات 32 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 40) [سورة الأنفال (8) : الآيات 36 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 44) [سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 48) [سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 48]

- ‌الآيات: (49- 54) [سورة الأنفال (8) : الآيات 49 الى 54]

- ‌الآيات: (55- 60) [سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[الحرب والسلام.. فى الإسلام]

- ‌الآيات: (64- 66) [سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌المسلم.. وكم حسابه فى ميدان القتال

- ‌الآيات: (67- 71) [سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 71]

- ‌الآيات: (72- 75) [سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌9- سورة التّوبة

- ‌نزولها:

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 15) [سورة التوبة (9) : الآيات 6 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 18) [سورة التوبة (9) : الآيات 16 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 22) [سورة التوبة (9) : الآيات 19 الى 22]

- ‌الآيتان: (23- 24) [سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 27) [سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌الآيتان: (28- 29) [سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 33) [سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 35) [سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 37) [سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 41) [سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 45) [سورة التوبة (9) : الآيات 42 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 52) [سورة التوبة (9) : الآيات 46 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 57) [سورة التوبة (9) : الآيات 53 الى 57]

- ‌الآيات: (58- 60) [سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌الزكاة والتكافل الاجتماعى

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 63]

- ‌الآيات: (64- 70) [سورة التوبة (9) : الآيات 64 الى 70]

- ‌الآيتان: (71- 72) [سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌الآيتان: (73- 74) [سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 80) [سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 80]

- ‌الآيات: (81- 85) [سورة التوبة (9) : الآيات 81 الى 85]

- ‌الآيات: (86- 89) [سورة التوبة (9) : الآيات 86 الى 89]

- ‌الآيات: (90- 92) [سورة التوبة (9) : الآيات 90 الى 92]

الفصل: ‌الآيات: (5- 8) [سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

‌الآيات: (5- 8)[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (5) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)

التفسير: قوله تعالى: «كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ» - هو طرف من طرفى تشبيه، وقد تقدم المشبّه، والكاف هنا داخلة على المشبه به..

والصورة التي قام عليها التشبيه هنا، هى تشبيه حال بحال..

فالحال التي كان عليها المؤمنون، من اضطراب واختلاف، عند ما وقعت لأيديهم غنائم بدر، هى كالحال التي كانوا عليها حين خرجوا مع النبىّ لملاقاة قريش، وقد وعدهم الله إحدى الطائفتين: إما العير التي كان يقودها أبو سفيان وفيها أموال قريش وتجارتها المقبلة من الشام، وإما النفير، وهو الجيش الذي قاده أبو جهل لينقذ به العير من يد النبىّ وأصحابه، وليثأر لكرامة قريش، حيث كان التصدّي لقوافل تجارتها، امتهانا لها، وتحديّا لمكانتها العرب.. كما كانت تفكر وتقدّر! وقد خرج المؤمنون- من مهاجرين وأنصار- مع النبي على نية

ص: 563

للعير، وقطع الطريق على قريش فى تجارتها مع الشام، انتقاما لما فعلته مع المهاجرين، حين أخرجتهم من ديارهم وأموالهم.

وكان خروج المسلمين على وجه المبادرة والاستعجال، حتى لا يفوتهم أبو سفيان والعير التي معه، ولهذا كان الذين خرجوا لهذا الوجه نحو ثلاث مئة، ليس فيهم إلا فارس واحد، وقيل فارسان، أما الباقون فكانوا رجّالة، لا يحمل أحدهم معه غير سيف أو رمح.

وقد استطاع أبو سفيان أن ينجو بالعير، ويفلت من يد المسلمين، حين أخذ طريقا غير الطريق الذي اعتادت القوافل أن تسلكه بين مكة والشام..

وتلفّت المسلمون فإذا هم وجه لوجه مع قريش التي جاءت لتستنقذ عيرها، ولتنتقم لكرامتها ممن تصدّوا لها..

وكانت قريش فى أكثر من ألف مقاتل، بينهم أكثر من مائة فارس، والمسلمون- كما علمت- نحو ثلاث مئة ليس فيهم إلا فارس، أو فارسان!.

ونظر المسلمون فإذا هم بين أمرين: إما الحرب، وهى تعنى بالنسبة لهم الفناء، والاستئصال.. وإما الفرار، وما معه من خزى وعار.. ولكن إلى أين يفرون؟ إلى المدينة؟ وهل يبعد على قريش أن تدخلها عليهم، وتهلك الحرث والنسل؟ وفى المدينة عدو يتربص بهم هم اليهود الذين يفتحون لقريش حصونهم، ويمدونهم بالعتاد والسلاح!؟

وإذ كان الموقف على هذين الاحتمالين، اللذين لا بد من أحدهما، فقد رأى النبىّ أن يستشير أصحابه، ويسألهم الرأى فيما يأخذون من أي هذين الأمرين..

ص: 564

فجمع- صلوات الله وسلامه عليه- أصحابه إليه، وقال:

«أيها الناس أشيروا علىّ!» .

وصمت الجميع.. لا يدرون ما يقولون.. وإن كان مع كل واحد منهم قولا يقوله..

إنهم خرجوا على غير أهبة واستعداد، ولم يكن الوقت الذي خرجوا فيه مسعفا للكثير منهم أن يخرج معهم..

لقد كان الموقف حرجا، اضطربت فيه القلوب، واختلطت معه المشاعر، وغامت فيه الرؤية الكاشفة حتى لم يعد أحد يدرى أين موقفه، وأين مجتمع رأيه! .. تماما كما كان ذلك بعد أن وقعت غنائم بدر لأيديهم..!

وعاد النبيّ الكريم يسأل أصحابه: «أيها الناس أشيروا علىّ» .. وكانت عين الرسول صلوات الله وسلامه عليه تتطلع إلى الأنصار.. إذ كانوا هم كثرة الناس، وأصحاب البلد الذي يواجه الخطر، ويتلقى الضربة القاضية، كما أنهم حين بايعوا النبي قبل الهجرة، كانت بيعتهم أن يمنعوه فى بلادهم مما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم ونساءهم. ولم يكن فى البيعة أن يقاتلوا معه مهاجمين.

وجاءت كلمة الأنصار، فقال سعد بن معاذ:

«لكأنك تعنينا يا رسول الله؟ قال: «أجل» ، فقال: قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع الطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته، لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد

»

ص: 565

فاستبشر رسول الله بهذا القول الذي جاء على لسان الأنصار، ونطق به رجلها..

وبهذا كان الحسم لهذا الموقف المائج المضطرب.. تماما كما كان حكم الله فيما حكم به في شأن الغنائم التي وقعت للمسلمين بعد هذه المعركة.. حيث سكنت النفوس، واجتمع الرأى الشتيت.

ومن هنا صح أن يقع التشبيه بين الحالين: حال المسلمين فى مواجهة العدو بعد أن دارت رءوسهم، واضطربت قلوبهم.. وحالهم فى الغنائم، بعد أن اختلفت آراؤهم فيها، واضطربت مشاعرهم حيالها..

وانظر كيف أمسكت كلمات الله، بكل خالجة كانت تختلج فى نفوس القوم هنا، وهناك.. فى مواجهة العدو، ثم فى مواجهة الغنائم..

ففى مواجهة العدو..

لم يكن المسلمون يتوقعون أن تقع حرب، أو يدور قتال بينهم وبين المشركين.. لقد خرجوا يطلبون العير، ويأخذون ما يقع لأيديهم مما تحمل من أموال ومتاع.. فكان أن جاء الأمر على غير ما قدّروا، فأفلتت من أيديهم العير، وفاتهم ما منّوا أنفسهم به منها.. فواجهوا المعركة، والتحموا فى القتال..

وفى مواجهة الغنائم والأنفال:

كان المقاتلون يقدّرون أن ما وقع لأيديهم منها، هو خالص لهم، وأنه لن يخرج شىء منها إلى غيرهم.. فكان أن جاء الأمر على غير هذا التقدير الذي قدّروا، وخرجت الغنائم كلها من أيديهم، حيث وضعها الله سبحانه، فى يد الرسول صلوات الله وسلامه عليه..

ص: 566

وهكذا يصنع الله للإسلام، فيقيم وجه أنصاره على أمره وحده، لا يلتفتون معه إلى شىء آخر غيره.. فمن كان على نيّة الإيمان بالله والجهاد فى سبيله، فهذه هى سبيله: أن يصرف وجهه عن الدنيا، وأن يوطّن نفسه على الجهاد خالصا لله، لا يبغى به إلّا وجه الله، ولا يطلب إلا مثوبته ورضوانه..

ففى قوله تعالى: «كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ» إلفات للمسلمين الذين كسبوا المعركة، وحازوا ما كان مع قريش من سلاح، ومتاع ثم صرفهم الله عن هذا السلاح والمتاع- إلفات لهم إلى تلك الحال التي كانوا عليها، بعد أن صرف الله عنهم العير، وجعلهم وجها لوجه مع العدوّ فى ميدان القتال..

فهذه من تلك، سواء بسواء..

والبيت الذي خرج منه النبىّ هنا، هو المدينة.. فهى بيته- صلوات الله وسلامه عليه- الذي يأوى إليه، ويقرّ فيه.

وخروجه- صلوات الله وسلامه عليه- بالحق، أي للحقّ، ومن أجل الدفاع عن قضيّة الحق.. وليست قضية الحق هى هذا المتاع الذي كانت تحمله العير، ولا هذه الأنفال التي خلصت لأيدى المسلمين، وإنما قضية الحق هى إعلاء كلمة الله، وإزاحة العقبات التي تقف فى وجه الدعوة إلى الله، بمحاربة أولئك الذين يحاربون الله، ويصدّون الناس عن سبيله.

والحقّ دائما ثقيل الوطأة على الناس، إلّا من رزقهم الله الإيمان الوثيق، والعزم القوىّ، وأمدّهم بأمداد لا تنفد من الصبر على المكاره، والقدرة على احتمال الشدائد.. إذ الحق- فى حقيقته- مغالبة لأهواء النفس، وتصدّ لنزعاتها، وإيثار للآخرة على الدنيا، وذلك من شأنه أن يجعل الإنسان فى حرب متصلة مع نفسه، حتى إذا أقامها على الحق، وأسلم زمامها له، كان عليه

ص: 567

أن يواجه النّاس، وأن يجاهد فى سبيل الحقّ الذي عرفه، وآمن به، فيكون حربا على المنكر، بقلبه، ولسانه، ويده..

ومن هنا كان الصبر قرين الحقّ فى كل دعوة يدعو إليها الإسلام، فى مجال الخير، والإحسان، وفى كل ما من شأنه أن يقيم الإنسان، والإنسانية، على صراط مستقيم..

ففى الدعوة إلى الصفح والمغفرة ودفع السيئة بالحسنة، يكون الصبر هو عدّة من يمتثلون هذه الدعوة، ويقدرون على الوفاء بها، إذ يقول الله تعالى:«ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» ثم يقرن- سبحانه- تلك الدعوة بقوله تعالى: «وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (24- 25: السجدة) .

وفى تنبيه الإنسان إلى الخطر الذي يتهدّده من تسلّط أهوائه، ووسوسة شيطانه، حيث يقول سبحانه:«وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ» لا يستثنى- سبحانه وتعالى أحدا من الصيرورة إلى هذا المصير «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ» (سورة العصر) .

وفى قوله تعالى: «كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» - فى هذا إشارة إلى ما وقع فى نفوس فريق من المؤمنين- لا كل المؤمنين- من مشاعر الكراهية، حين عدل بهم عن وجهتهم التي اتجهوا إليها لاقتناص العير، والاستيلاء على ما تحمل من مال ومتاع، إلى حيث يلقون قريشا وجيشها الجرار فى ميدان القتال.. ولهذا كان منهم هذا الجدال الذي تعللوا به للنكوص عن لقاء العدوّ، فقال قائلهم: ما خرجنا للقتال، ولا أخذنا أهبتنا له، ولاصحبنا إخوانما الذين خلفناهم وراءنا إليه!

ص: 568

والسؤال هنا: كيف يجادلون فى الحق بعد ما تبين لهم؟ وكيف يكونون مؤمنين مع هذا؟ وهل من شأن المؤمن أن يجادل فى الحق إذا عرف وجهه، واستبان له طريقه؟

والجواب:

أن الحقّ- وهو قتال المشركين- كان أمره ظاهرا لهم، بعد أن أفلتت منهم العير، إذ كان الله- سبحانه- قد وعدهم على لسان نبيّه الكريم بأنّهم سيظفرون بإحدى الطائفتين، إما العير، وإما النفير.. فلما أفلتت منهم العير، لم يبق إلا النفير والحرب.. فهذا حق مستيقن لهم، لاخفاء فيه.

ولكن يقوم إلى هذا الحق، تلك الرغبة القوية التي كانت مستولية على المؤمنين من قبل، وهى الاستيلاء على العير، وذلك شأن النفس دائما حين يكون خيارها بين أمرين، أحدهما محبوب، والآخر مكروه.. فإنها حينئذ لا تلتفت إلى غير المحبوب، حتى ليصبح المكروه عندها كأنه غير مفترض أصلا، فتنساه، أو تتناساه.. فإذا فاجأها هذا المكروه الذي أخرجته من حسابها وتقديرها، كان وقعه شديدا عليها، حتى لكأنه حدث طارئ لم تكن تتوقعه.. ومن هنا يكون إنكارها أو تنكرها له.

ولهذا جاء قوله تعالى: «كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» - جاء كاشفا عن تلك الحال التي استولت على بعض المؤمنين، الذين وجدوا أمر القتال ثقيلا باهظا، حيث تمثلت لهم مصارعهم، وشهدوا الموت عيانا.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى بعد هذه الآية:

«وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ» .

ص: 569

فالطائفتان: هما.. العير والنفير..

وقوله تعالى: «أَنَّها لَكُمْ» هو وعد للمؤمنين بأنه ستقع ليدهم إحدى هاتين الطائفتين: العير أو النفير..

وذات الشوكة: أي صاحبة الشدّة والبلاء، وهى «النفير» ووصف النفير بأنه ذو شوكة، لما يلقاه المسلمون فى لقاء النفير من أذى وضر.. إنه القتال والقتل!! وفى قوله تعالى:«وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ» - ما يسأل عنه..

وهو: ما هى كلمات الله التي يحقّ بها الحق، ويقطع بها دابر الكافرين؟

والجواب- والله أعلم- أن المراد بكلمات الله هى أحكامه التي يقضى بها فى خلقه، وأن تلك الأحكام تصدر بقوله- سبحانه- للشىء: كن فيكون، وكل قول لله تعالى، هو حقّ، يحق به حقّا، أي يقيمه، ويظهره.. فإذا قام الحقّ بطل الباطل..

ومعنى آخر لكلمات الله هنا، أحبّ أن أشير إليه، وهو أن المؤمنين الذين يعملون على إحقاق الحق، ويقاتلون فى سبيله، هم أنفسهم كلمات الله، قد جعل الله إليهم الانتصار للحق، وإعلاء كلمته، وإبطال الباطل، وإزهاق أنفاسه..

وفى هذا تكريم للمؤمنين، وإعلاء لقدرهم، ورفع لمنزلتهم، بحيث كانوا كلمات الله، وجند الله.. بهم يحقّ الحقّ ويبطل الباطل، ولو كره المجرمون..

وإرادة الله لا شك غالبة قاهرة.

ومن هنا كان النصر دائما للحق، وكان الغلب دائما للمحقين، وفى هذا يقول الله تعالى:«كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» .

ودابر الكافرين: دابر الشيء آخره، والمراد به قطع آخرهم واستئصالهم جميعا، إذ كان أولهم هو الذي يتلقى الضربة، فإذا بلغت تلك الضربة آخرهم كان معنى ذلك القضاء عليهم جميعا.

ص: 570