الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقدّر- أول ما ذكر القرآن عن بنى إسرائيل، فى سوره المكيّة..
ثم جاءت بعد ذلك موارد أخرى لهذه القصة فى كثير من السّور المدنية، تحدّث عن موسى، وفرعون، وعن السحرة وإيمانهم، وعن فرعون وغرقه، وعن نجاة بنى إسرائيل من يد فرعون، وما كان منهم من مكر بآيات الله، وكفر به.. وهذا ما دعا كثيرا من الذين يشنئون الإسلام، أولا يعرفون اللغة العربية وأسرارها، إلى الطعن فى كتاب الله، وإلى اعتبار هذا التكرار قصورا فى الأداء، وعجزا فى البيان.
ومن أجل هذا، كان علينا أن نقف وقفة، مع التكرار فى القصص القرآنى عامة، ومع قصة موسى خاصة.. وسنرى وجها مشرقا من وجوه المعجزة الكبرى لآيات الله، التي سجد أهل الفصاحة والبيان بين يدى إعجازها المبين.
ونرجو أن نحقق هذا فى موضع آخر.. إن شاء الله.
الآيات: (172- 174)[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)
التفسير: فى الناس فطرة تدعوهم إلى الإيمان بالله، حيث يتهدّون بهذه الفطرة إلى التعرّف على الله، وإفراده بالألوهية، ولكن هذه الفطرة تتعرض
لآفات كثيرة، فيصيبها الفساد والعطب، فتتعطل منها القوى المدركة لآلاء الله، القادرة على الاتصال به، فيكون الضلال والتّيه فى عوالم الشرك والكفر..
وفى الحديث: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه، وينصرانه، ويمجّسانه» فقد خلق الله عباده حنفاء، ولكن شياطين الإنس والجنّ دخلوا عليهم بالغواية والضلال، فأغووهم وأضلوهم.. وهذا ما أحبّ أن أفهم عليه قول الله تعالى عن إبليس لعنه الله «.. وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ..»
(117- 119: النساء» .. ففى قول إبليس- لعنه الله- «وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ» إشارة إلى أن من دعوته إلى من يستمعون إليه، ويستجيبون له- أن يغيروا فطرتهم التي فطرهم الله عليها، وأن يدخلوا عليها من الأباطيل والضلالات ما يفسدها.
وفى قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا» - فى هذا إشارة إلى أن الله- سبحانه وتعالى قد أخذ أي أخرج من أبناء آدم، أي من ظهورهم ذريتهم، وأنه- سبحانه- أشهدهم على أنفسهم، وهم فى عالم الأرواح- حيث تشعر كل روح بذاتها ووجودها- أليس الله سبحانه وتعالى هو ربكم وخالقكم؟ فشهدوا جميعا وقالوا: بلى أنت ربّنا وخالقنا.
والله سبحانه وتعالى، يخاطب عالم الخلق جميعا، من حىّ وغير حىّ..
فليس بعجيب أن يكون بيننا وبين الله- سبحانه- هذا الموقف الذي شهدته أرواحنا، ولم تشهده أجسادنا.. كما شهدته المخلوقات جميعا، من حىّ وغير حىّ.
وهذه الشهادة إقرار سابق بولائنا جميعا لله، وإيماننا بوحدانيته.
وإن من شأن هذا الإقرار أن يقيم وجوهنا إلى الله، بعد أن نلبس هذه الأجساد التي نعيش فيها.. فهذا الإقرار رصيد من الإيمان نستقبل به الحياة، ونتلاقى به على طريق الإيمان مع دعوة العقل الذي أوجده الله فينا، ومع دعوة الرسل الذين أرسلهم الله إلينا..
ولهذا جاء قوله تعالى: «أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ» أي ليقطع عليكم العذر أن تقولوا يوم القيامة إنا كنّا عن الإيمان بالله والتعرف عليه غافلين، فذلك عذر غير مقبول.. إذ كيف تغفلون وفيكم داع يدعوكم إلى الإيمان بالله، وهى تلك الفطرة التي أشهدها الله عليكم..
وهذا العذر أيضا غير مقبول منكم، فلا يحمل عنكم تبعة شرككم بالله شرك آبائكم من قبلكم، إذ كنتم ومعكم فطرتكم، وكنتم ومعكم عقولكم، ثم كنتم ومعكم دعوة الرسل الذين يدعونكم إلى الله! فإذا أهلككم الله فإنما يهلككم بأفعالكم لا بأفعال آبائكم.
«وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» .
أي بمثل هذا التفصيل، وذلك البيان المبين، يفصّل الله الآيات، ويبينها للناس، ويكشف لهم عن ذخائر الإيمان المطموسة فى كيانهم، والتي أهملوها،