الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله، ولم ينتهوا عن غيّهم.. أما هؤلاء المشركون، فما زالت الفرصة سانحة لهم، وما زال طريق النجاة مفتوحا بين أيديهم.. فماذا هم فاعلون؟
الآيات: (55- 60)[سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59)
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)
التفسير: قوله تعالى «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» .. هو التعقيب المناسب لما أخذ به الظالمون من بلاء ونكال..
إنّ هذا الحكم هو الذي تشيّعهم به الحياة، وهم يعالجون سكرات الموت، إذ كانوا فى حرب مع الله، ومع أولياء الله.. فكيف يرحمهم قلب، أو تدمع عليهم عين؟
وفى قوله تعالى: «فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» بعد قوله سبحانه: «الَّذِينَ كَفَرُوا» - فى هذا ما يسأل عنه: إذ كيف يكون نفى الإيمان عنهم مسبّبا لكفرهم،
مع أن عدم الإيمان هو عين الكفر.. والسبب لا يكون عين المسبّب، وإن كان نتيجة لازمة من لوازمه؟ ..
والجواب- والله أعلم-: أن كفر هؤلاء الكافرين الذين وصفوا بأنّهم شرّ الدّوابّ عند الله.. إنما يتلبس بنفوس خاصّة، من جماعة من الكافرين، لا بكلّ الكافرين.. وتلك الجماعة هى التي من شأنها ألا تخلع هذا الكفر أبدا، بل تشدّ قلوبها عليه، حتى تموت به! ومن هنا استحقت تلك الجماعة هذا الوصف الذي وصفها الله سبحانه وتعالى به، وهى أنها شرّ ما دبّ على الأرض من كائنات، وذلك لأنها لا تعقل كما يعقل الناس، ولا تسمع كما يسمع الناس، ولا تبصر كما يبصر الناس.. ثم هى ليست من دوابّ الحيوانات، تعيش، فى حدود الطبيعة المتاحة لتلك الدواب، وإنما هى خلق آخر..
مزيج من الإنسان والحيوان.. وذلك مسخ للإنسان، وللحيوان معا، وبهذا المسخ يكون هؤلاء الآدميّون الحيوانيّون شرّ الدّواب، طبيعة وخلقا.
فقوله تعالى: «فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» حكم قاطع، قاض على هذا الصنف من الكافرين بأنه لن يدخل الإيمان قلبه أبدا.. وهذا الصنف هو الذي ذكره الله سبحانه وتعالى فى قوله:«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ.. وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» (6- 7:
البقرة) .
وقوله تعالى: «الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ» .
هو بدل من الذين كفروا، وهذا البدل يكشف عن صفة من صفات هؤلاء
الكافرين. وهى أنهم لا يحفظون عهدا، ولا يرعون ذمة، إذ لا وازع عندهم، من دين أو خلق..
وفى قوله تعالى: «عاهَدْتَ مِنْهُمْ» إشارة إلى أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لم يدعهم إلى أن يعاهدهم بما عاهدوه عليه، بل إنهم هم الذين جاءوا إلى النبي يعرضون عليه عهدهم بالأمان والموادعة بينهم وبينه، وأن النبىّ صلوات الله وسلامه عليه أجابهم إلى ذلك، وقبل منهم العهد الذي أعطوه..
وفى نقضهم لهذا العهد الذي جاءوا هم به من تلقاء أنفسهم، وأعطوه عن رضى واختيار- فى نقضهم لهذا العهد، الذي هو فى الواقع عهدهم، خيانة لأنفسهم، فوق أنه خيانة للعهد من حيث هو عهد، يجب الوفاء به على أي حال.
وفى قوله تعالى: «وَهُمْ لا يَتَّقُونَ» بعد وصفهم بقوله سبحانه: «ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ» فى هذا إشارة إلى أنّهم متحللون من كل قيد يمسك بهم على خلق فاضل، ويقيمهم على مبدأ كريم.. إنهم لا يتقون أي محظور تحظره الشرائع السماوية، أو تجرّمه القوانين الوضيعة والمواضعات الخلقية.
والمراد بهؤلاء الذين ينقضون العهد الذي عاهدوا عليه الرسول، هم جماعات اليهود الذين كانوا بالمدينة، يثيرون الفتن، ويذيعون المنكر، ويحيكون الدسائس، وينتهزون الفرصة المواتية لينالوا من النبي والمؤمنين ما يريدون من شر.
ثم إن هذا الحكم هو حكم عام، يقيمه المسلمون دائما فيما بينهم وبين الكافرين..
وقوله تعالى: «فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» .
هو الجزاء الذي أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم أن يلقى به هؤلاء الكافرين، الذين لا يؤمنون بالله أبدا، والذين ينقضون عهدهم مع النبىّ، ويلقونه فى الجبهة المحاربة له كلما سنحت الفرصة لهم، سواء أكان ذلك بأشخاصهم، أم بأموالهم وأسلحتهم، يمدّون بها أعداء المسلمين..
فهؤلاء الذين يقفون من النبىّ ودعوته، هذا الموقف اللئيم المخادع، لا عهد لهم، ولا ذمة لهم عند النبىّ والمسلمين، ما داموا قد غدروا ونكثوا.. فليس لهم عند النبىّ والمسلمين إذا ظفروا بهم فى حرب، أو أمكنتهم أيديهم منهم فى أي موقف- ليس لهم إلا الضربة القاصمة القاضية، وإلا البلاء ينصب عليهم انصبابا، ينالهم فى أنفسهم، وأموالهم وأهليهم، وذلك ليكونوا عبرة لغيرهم، ومثلا سائرا فى الناس، لكل من ينقض العهد مع النبىّ والمسلمين.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» .
والتعبير بالظفر بهم، ووقوعهم ليد النبي بقوله تعالى «تَثْقَفَنَّهُمْ» إشارة إلى أن الحرب ليست كلّها انتقاما، واستئصالا للمغلوب، وإنما هى- فى صميمها- إصلاح له، وحيدة به عن طريق الضلال والغواية الذي يركبه، إلى طريق الحق والهدى، المدعوّ إليه.. إذ كثيرا ما تنتهى الحرب بين المسلمين وأعدائهم، وإذا أعداد وفيرة من هؤلاء الأعداء، قد تحوّلوا إلى أولياء، ودخلوا فى دين الله، وكانوا من عباده المؤمنين.
وهذا هو السرّ فى التعبير بكلمة «تثقفنّهم» بدلا من كلمة تظفر بهم..
إذ الثّقاف هو من يتولّي إصلاح الرماح، وتقويمها، بما يقتطع من أجزائها، وأطرافها، وبما يسوّى من نتوئها..
فالحرب فى الإسلام أشبه بالثّقاف للرماح، غايتها الإصلاح، والتقويم، ولكن الحرب هنا مع هذا الصنف من الناس، الذين يغدرون بالنبيّ، وينصبون المكايد له بالخديعة والختل، إذ يجيئون إليه موادعين مسالمين، ثم ينقلبون ذئابا محاربين- هؤلاء، لا يرجى لهم إصلاح، ولا يتوقع منهم خير «فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» أبدا.. وإذن فليس لهم إلا الضربة القاضية، التي لا تبقى منهم على دار ولا ديّار، حتى يكونوا فى ذلك عبرة لغيرهم.. «فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ» أي فرّق بهذا الذي تأخذهم به من بلاء ونكال، كلّ مجتمع للضلال وتبييت السوء للمسلمين، ممن ينتظرون ما وراء كيد هؤلاء الكافرين بالمؤمنين.
فكلّ من تحدثه نفسه بخيانة عهد المسلمين من بعد تلك الضربة التي نزلت بهؤلاء الخائنين- سيجد أمام ناظرية مثلا حيّا لما ينتظره من بلاء ونكال فى هذا الذي أخذ به هؤلاء القوم، وبهذا تنحلّ عزائم الذين يدبرون الشرّ للمسلمين، ويتشتت جمعهم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» .. إذ الضمير فى كلّ من «لعلهم» و «يذكرون» راجع إلى هؤلاء الذين يأتون بعد هؤلاء الذي نكّل بهم النبىّ وضربهم الضربة القاضية.. ففى الضربة التي حلت بهؤلاء موعظة وذكرى لهؤلاء الذين لم يظهروا بعد على طريق الغدر والخيانة! قوله تعالى: «وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ» هذه الآية تكشف عن وجه مشرق وضيء من وجوه الإسلام- ووجوه الإسلام كلها مشرقة مضيئة- فى رعاية العهد وحفظه والوفاء به.
لقد أشارت الآية السابقة إلى ما يدبر أعداء الإسلام للمسلمين من كيد،
ومكر، ونكث بالعهد، ونفاق فيما عاهدوهم عليه.. وأنهم ينقضون العهد الذي أعطوه من أنفسهم للنبىّ.. فى كل مرة يجيئون إليه فيها معاهدين..
وحتى لا يعامل المسلمون أعداءهم بمثل عملهم هذا، وحتى لا يدخل على نفوسهم شىء من هذا الداء الخبيث الذي استولى على نفوس أعدائهم، من نقض العهد، وخيانة الكلمة- حتى لا يكون شىء من هذا فى مجتمع المسلمين، جاءهم أمر الله، فيما أمر به نبيه، ورسم له فيه أسلوب العمل، الذي يعامل به هؤلاء الناكثين للعهد.. فقال سبحانه:«وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ» .. أي إن استشعرت خيانة من قوم بينك وبينهم عهد، وتوقعت أن ينكثوا هذا العهد على غرّة، دون أن يؤذنوك بنكثه، والتحلل منه، فلا تفعل فعلهم، ولا تنقض العهد منهم فى خفاء بينك وبين نفسك، كما يفعلون، بل أنذرهم بذلك، وأعلمهم إياه، «على سواء» أي على وضوح كامل، بصريح اللفظ، دون التلويح به.. وذلك ليكونوا على بيّنة من أمرهم، فلا يدخل فى حسابهم بعد هذا، العهد الذي بينك وبينهم، وبهذا يسقط العهد من هذا الحساب، ويعدّون أنفسهم للحرب، كما أعدّ النبي والمسلمون أنفسهم لها.
قوله تعالى: «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا.. إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ» هو تطمين لقلوب المسلمين، ودفع لوساوس الخوف، التي تطرقهم وهم يعطون من أنفسهم الوفاء لعدوهم بالعهد الذي بينهم وبينه، على حين أنه يغدر بهم، ويباغتهم بهذا الغدر، فكيف يحاربهم العدو بسلاح ثم يحرم عليهم محاربته بهذا السلاح؟ فليطمئن المسلمون، وليعلموا أن هؤلاء الذين خانوا العهد، لم يسبقوا بتلك الخيانة إلى أخذ فرصة فى المسلمين، لأنهم- وقد فعلوا ما فعلوا من خيانة- قد تعرضوا لبغض الله وغضبه. «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ» وحسبهم هذا خسرانا وبلاء!
قوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» .
لقد سلط الله النبىّ والمسلمين على هذا العدوّ المتربّص بهم، الكائد لهم، وأمرهم بأن يضربوهم الضربة القاضية التي تأنى عليهم، وتكون مثلا وعبرة لغيرهم.
ولكن.. ما الذي يمكّن للنبى والمسلمين من أن يبسطوا يدهم على عدوّهم وينزلوه على حكمهم فيه؟ إنه لا شىء إلا القوة التي يكون عليها المسلمون فى الرجال والعتاد..
ومن هنا أتبع القرآن الكريم الأمر بتأديب العدوّ وبسط اليد عليه- أتبع ذلك بالأمر باتخاذ الوسائل المحققة لهذا الأمر، وذلك بالأخذ بكل أسباب القوة، التي ترجح بها كفة المسلمين فى ميادين القتال، ومصادمة العدوّ.
وفى قوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» ، أمر باتخاذ القوة، والعمل على بنائها، والتوسل إليها بوسائلها، ومن أهم تلك الوسائل «الخيل» .. إذ كانت فى هذا الوقت أقوى مظهر من مظاهر القوة والفروسية.. فحيث كانت الخيل، وكان فرسانها، كانت القوة والمنعة..
وفى التعبير عن «الخيل» بقوله تعالى: «وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ» إشارة إلى الإكثار من الخيل، وإعدادها للحرب، وتدريبها على القتال، وحبسها على هذا المجال، فلا تتخذ لغرض آخر، بل تكون دائما مرصودة للقاء العدوّ، مهيأة للاشتباك معه فى أية لحظة.. إنها مرابطة كما يرابط المجاهدون على الثغور لحماية المسلمين، وسد الثغور التي ينفذ منها العدو إليهم.!
وفى قوله تعالى: «تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» الضمير فى «به» يعود إلى رباط الخيل، وأنه مصدر رهبة للعدوّ. إذا كان هذا الرباط من الكثرة والإعداد على صورة يهابها العدوّ ويعمل حسابها.. وهذا يعنى استعراض تلك القوة المعدّة من الخيل وفرسان الخيل، وإظهارها بحيث يراها العدوّ، ويرى فيها ما يرهبه، ويقتل فى نفسه كل داعية من دواعى الطمع فى المسلمين، وفى لقائهم على ميدان القتال.. وهذا يعنى أيضا أن يكون هذا الرباط على صورة محقّقة لإلقاء الرعب والفزع فى نفس العدوّ، وإلا كان ستر هذا الرباط وإخفائه أولى وأحكم من إظهاره.
وهذا يعنى كذلك أن الإعداد للحرب ليس لإشباع شهوة الحرب، وإنما هو لإرهاب العدوّ أولا، حتى ينزجر، ولا تحدّثه نفسه بالحرب حين يرى القوّة الراصدة له. ومن هنا يرى أن الإسلام دين سلام، يعدّ للحرب، حتى تجتمع له القوة الممكنة له من النصر والغلب، ولكنه لا يبدأ الحرب، ولا يسعى إليها، وإنما يجىء إليها مكرها، ويدخل فيها مدافعا، لا مهاجما!! وفى قوله تعالى:«وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ» إشارة وتنبيه للمسلمين إلى ألّا يكون حسابهم فى إعداد القوة مقصورا على هذا العدوّ الظاهر لهم، ومقدورا بقدره، بل يجب أن يعملوا فى تقديرهم حسابا لأعداء آخرين، لم يظهروا لهم، ولم يواجهوهم بعداوة أو قتال..
وهذا يعنى أن يبذل المسلمون كثيرا لإعداد هذه القوة التي يحاربون بها أعداءهم الذين يرونهم، والتي يرصدونها للعدوّ الخفىّ الذي لم يظهر لهم بعد..
ولهذا جاء قوله تعالى بعد ذلك: «وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ» - جاء داعيا إلى البذل والإنفاق فى سبيل