المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (20- 26) [سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 26] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٥

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (88- 93) [سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 93]

- ‌الآيات: (94- 99) [سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 102) [سورة الأعراف (7) : الآيات 100 الى 102]

- ‌الآيات: (103- 116) [سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 116]

- ‌الآيات: (117- 122) [سورة الأعراف (7) : الآيات 117 الى 122]

- ‌الآيات: (123- 126) [سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 126]

- ‌الآيات: (127- 129) [سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 133) [سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 133]

- ‌الآيات: (134- 137) [سورة الأعراف (7) : الآيات 134 الى 137]

- ‌الآيات: (138- 141) [سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

- ‌الآيات: (142- 144) [سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 144]

- ‌الآيات: (145- 147) [سورة الأعراف (7) : الآيات 145 الى 147]

- ‌الآيات: (148- 150) [سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 150]

- ‌الآيات: (151- 152) [سورة الأعراف (7) : الآيات 151 الى 153]

- ‌الآيات: (154- 155) [سورة الأعراف (7) : الآيات 154 الى 155]

- ‌الآيات: (156- 159) [سورة الأعراف (7) : الآيات 156 الى 159]

- ‌رسالة الإسلام ونسخها للرسالات السابقة

- ‌الآيات: (160- 162) [سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌الآيات: (163- 167) [سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 167]

- ‌الآيات: (168- 171) [سورة الأعراف (7) : الآيات 168 الى 171]

- ‌الآيات: (172- 174) [سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌الآيات: (175- 179) [سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 179]

- ‌الآيات: (180- 185) [سورة الأعراف (7) : الآيات 180 الى 185]

- ‌الآيات: (186- 188) [سورة الأعراف (7) : الآيات 186 الى 188]

- ‌الآيات: (189- 198) [سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 198]

- ‌الآيات: (199- 206) [سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌8- سورة الأنفال

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 8) [سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 11) [سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 19) [سورة الأنفال (8) : الآيات 12 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 26) [سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 31) [سورة الأنفال (8) : الآيات 27 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 35) [سورة الأنفال (8) : الآيات 32 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 40) [سورة الأنفال (8) : الآيات 36 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 44) [سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 48) [سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 48]

- ‌الآيات: (49- 54) [سورة الأنفال (8) : الآيات 49 الى 54]

- ‌الآيات: (55- 60) [سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[الحرب والسلام.. فى الإسلام]

- ‌الآيات: (64- 66) [سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌المسلم.. وكم حسابه فى ميدان القتال

- ‌الآيات: (67- 71) [سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 71]

- ‌الآيات: (72- 75) [سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌9- سورة التّوبة

- ‌نزولها:

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 15) [سورة التوبة (9) : الآيات 6 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 18) [سورة التوبة (9) : الآيات 16 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 22) [سورة التوبة (9) : الآيات 19 الى 22]

- ‌الآيتان: (23- 24) [سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 27) [سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌الآيتان: (28- 29) [سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 33) [سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 35) [سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 37) [سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 41) [سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 45) [سورة التوبة (9) : الآيات 42 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 52) [سورة التوبة (9) : الآيات 46 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 57) [سورة التوبة (9) : الآيات 53 الى 57]

- ‌الآيات: (58- 60) [سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌الزكاة والتكافل الاجتماعى

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 63]

- ‌الآيات: (64- 70) [سورة التوبة (9) : الآيات 64 الى 70]

- ‌الآيتان: (71- 72) [سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌الآيتان: (73- 74) [سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 80) [سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 80]

- ‌الآيات: (81- 85) [سورة التوبة (9) : الآيات 81 الى 85]

- ‌الآيات: (86- 89) [سورة التوبة (9) : الآيات 86 الى 89]

- ‌الآيات: (90- 92) [سورة التوبة (9) : الآيات 90 الى 92]

الفصل: ‌الآيات: (20- 26) [سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 26]

‌الآيات: (20- 26)[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 26]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)

وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)

التفسير: قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ» ..

هو إلفات منه سبحانه إلى المؤمنين، ودعوة لهم إلى طاعته وطاعة رسوله، بعد أن أراهم نصره وتأييده، وأطلعهم على ما لقى المشركون وما سيلقون من خزى وخزلان..

وقوله تعالى: «وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ» تحذير للمؤمنين من أن يخرجوا عن طاعة الله، وأن يخالفوا الرسول فيما يسمعون من آيات الله، التي يتلوها عليهم.. وأن يكونوا كالمشركين أو المنافقين الذين يقولون سمعنا «وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ»

ص: 584

أي لا يستجيبون للرسول، ولا يمتثلون لما يسمعون منه، من أمر أو نهى..

وفى قرن الإيمان بالطاعة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ..

إشارة إلى أن الإيمان لا تقوم حقيقته إلا على الطاعة لما تحمل دعوة الإيمان من أوامر ونواه.. فالإيمان ليس مجرد إقرار باللسان، فإن الإقرار باللسان إذا لم يصدّقه العمل، كان نفاقا.. والله سبحانه وتعالى يقول فى ذم المنافقين:

«يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ» (167 آل عمران) ويقول سبحانه محذرا المؤمنين من هذا الموقف: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ..» كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ» (3: الصف) والرسول صلوات الله وسلامه عليه، يكشف عن حقيقة الإيمان فيقول: ليس الإيمان بالتّمنّى، ولكن ما وقر فى القلب وصدّقه العمل.. وإن قوما خدعتهم الأمانى وغرهم بالله الغرور.. يقولون: إنا نؤمن بالله!! وكذبوا.. لو صدقوا القول لصدقوا العمل» ..

وقوله سبحانه: «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ» هو عرض لتلك الصورة المنكرة التي عليها هؤلاء المشركون، الذين يسمعون كلمات الله تتلى عليهم ثم لا يزيدهم ذلك إلّا ظلما وبغيا وفسادا..

فهم شرّ ما يدبّ على هذه الأرض من أحياء.. إذ كان شأن كلّ دابّة أن تسمع لصوت داعيها، وتستجيب لنداء من يهتف بها، داعيا أو زاجرا..

أما هؤلاء فهم شرّ من الدوابّ.. إذ هم صمّ: لا يسمعون، بكم:

لا ينطقون، بهائم لا يعقلون.. وفى هذا يقول الله تعالى: َيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ»

(7- 8: الجاثية) ..

ص: 585

ويقول سبحانه: «وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ» (26: الأحقاف) وقوله تعالى: «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ» .. أي أن هؤلاء المشركين ممن ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وجعل على أبصارهم غشاوة.. هكذا خلقهم الله، لا يقبلون خيرا، ولا يهتدون إلى خير.. «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ» أي لو علم سبحانه أنهم يتقبلون الخير وينتفعون به، ويستقيمون عليه، لفتح أسماعهم إلى كلمات الله، ولأمسك آذانهم الشاردة على مورد هذه الكلمات.. ولكنهم لا ينتفعون بشىء مما يسمعون من كلمات الله التي تتلى عليهم، إذ كانت تلك الكلمات لا تعرف طريقها إلى مواطن الوعى والإدراك من قلوبهم وعقولهم، بل ترتدّ عنها كما يرتد مسيل الماء يصطدم بسد منيع.. «وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ» أي لو سمعوا كلمات الله، ونفذت إلى آذانهم، لما استقبلوها إلّا بالجد فى مجانبتها، والتولي عنها والفرار من بين يديها.. فهم لا يلتقون بها إلا وهم معرضون عنها، فإذا صافحت آذانهم نفروا وتولوا معرضين.. وفى هذا يقول الله تعالى:«فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ» «1» (49- 51: المدثر) .

وقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» - هو نداء بعد نداء للمؤمنين، أن يقبلوا على الله، ويستجيبوا لله ولرسوله، وقد رأوا

(1) الحمر المستنفرة: المذعورة، الفزعة. والقسورة، الأسد..

ص: 586

إعراض المشركين عن الله، ونفورهم من دعوته، فكانوا عند الله شر الدواب وأنكدها حظّا.

فالمطلوب من المؤمنين أن يستجيبوا لأمر الله وأمر رسوله، فيما يدعوهم إليه الرسول من أمر ربه. وهذا يعنى التسليم للرسول بالطاعة والولاء، فى كل ما يجيئهم به، ويدعوهم إليه.

وفى قوله تعالى: «إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ» إشارة إلى أن ما يدعو به الرسول هو حياة للناس، واستنقاذ لهم من الهلاك والضياع..

والسؤال هنا هو:

ما معنى «إذا» وهل هى شرطية، بمعنى أن المؤمنين لا يستجيبون للنبي إلا على هذا الشرط، وهو أن يدعوهم للذى فيه حياة لهم؟ وهل يدعو الرسول بغير ما يحمل الحياة إلى الناس من أمر الله؟ وهل للمؤمن أن يتوقّف عند أي أمر يدعوه الرسول إليه حتى يختبره ويصدر حكمه عليه، بعد أن يرى: إن كان فيه حياة له، أو لم يكن؟ وكيف والله سبحانه وتعالى يقول:«وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ؟» (36: الأحزاب) .. فما تأويل هذا؟.

والجواب- والله أعلم-: أن هذا القيد الوارد على دعوة الرسول، والأمر بالاستجابة لتلك الدعوة على هذا الوصف، وهى أن تكون دعوة فيها حياة وخير، يصيب الإنسان فى جانبيه الروحي والمادي معا- نقول إن هذا القيد يحقق أمرين:

أولهما: الدعوة إلى إيقاظ العقل، وحمله على النظر فى كل أمر يواجهه، أو

ص: 587

يدعى إليه، ليزنه بميزان الحق والخير، حتى ولو كان هذا الأمر واردا من جهة لا يرد منها إلا الحق المشرق، والخير الخالص.

فذلك لا يحول بين العقل وبين أن يتفحص الأمر، ويقلّبه على وجوهه، ليعرف مدى الخير الذي يحصله، إذا هو أخذ بهذا الأمر، وجعله معتقدا، له، يعمل فى ظله، ويسير على هواه.. فهذا من شأنه أن يجعل لهذا الأمر سلطانا متمكنا فى كيان الإنسان إذ أقامه بيده، ومكّن له بإرادته، ونزل على حكمه طائعا مختارا، يرجو منه الخير، ويتوقع السلامة والعافية.

ومن أجل هذا كان الإيمان الذي آمن عليه المسلمون الأولون، إيمانا راسخا متمكنا، جعل منهم أوتاد هذا الدين، وعمده، التي قام عليها صرحه، وامتدّت عليها ظلال دوحته.

وهذا يعنى احترام العقل الإنسانى، وإعطاءه الحق فى البحث والنظر حتى فيما يصدر إليه من أحكم الحاكمين، رب العالمين.. وليس بعد هذا عذر لإنسان يمتهن إنسانيته، ويبيع عقله، ويسلم مقوده لكل داع يدعوه، من غير أن يعمل فيه نظره، ويوجه إليه عقله، كما هو حال أولئك المشركين الذين لا يبصرون إلى ما يدعوهم إليه شياطينهم، أو تمليه عليهم أهواؤهم، وإن كان فيه هلاكهم.

وثانى هذين الأمرين: أن ما تحمله أوامر الشريعة وأحكامها هو الخير المطلق الذي لا يزداد على البحث والنظر إلا وضوحا وألقا.

فمن المطلوب إذن أن تتعلق الأنظار بهذه الأوامر وتلك الأحكام، وأن تتحكك بها العقول، وتتردد عليها الأفهام، حتى تتعرف إلى أسرارها، وتنشق العبير الطيب من أريجها، وبهذا تعرف قدرها، فيشتدّ حرصها عليها، وتمسكها

ص: 588

بها.. وهكذا كل شىء طيب كريم، تتغذّى الأنظار من ترداد النظر فيه، وتنتعش النفوس من كثرة لقاء العقل له..

يزيدك وجهه عجبا

إذا ما زدته نظرا

وفى قوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» ..

إشارة إلى ما لله سبحانه وتعالى من قدرة وعلم، وأنه بقدرته قادر على كل شىء، وبعلمه محيط بكل شىء..

فالإنسان لا يملك من أمر نفسه شيئا مع ما لله عليه من سلطان، حتى إن قلبه الذي هو بين جنبيه، والذي هو الجهاز الممسك بزمام الحياة فيه، واقع تحت سلطان الله، يصرفه كيف يشاء، ويحوّله إلى حيث يريد.. وإذا الإنسان فى واد، وقلبه فى واد آخر..

وإذ كان ذلك كذلك، فإن من السّفه أن يتحدى الإنسان أمر الله، ولا يستجيب له إذا دعاه إليه، ولا يطيع رسول الله إذا بلغه رسالة ربه، فإنه بهذا يهلك نفسه، إذ يحول بينها وبين الخير الذي يدعوها الله ورسوله إليه، ويقطع عنها شريان الحياة، كما يقطع الله سبحانه وتعالى عنه أسباب الحياة، حين يمسك قلبه فلا يخفق أبدا..

وقوله تعالى: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» .

هو دعوة إلى التناصح بين المؤمنين، وإلى التناهى فيما بينهم عن المنكر، وإلا فإن سكوت الساكتين منهم، عن ظلم الظالمين وبغى الباغين، هو اعتراف ضمنى بهذا الظلم، وذلك البغي، وإجازة لهما، ومن هنا لم يكن ما يحل بالظالمين من بلاء الله ونقمته واقعا بهم وحدهم، بل يصيبهم ويصيب من رآهم ولم ينكر

ص: 589

عليهم تلك المنكرات، ولهذا عمّ الله بنى إسرائيل جميعا باللعنة، لأنهم لم ينصحوا الظلمة فيهم، ولم ينكروا ظلمهم، وفى هذا يقول الله تعالى:

«لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ» (78- 79: المائدة) .

وهنا سؤال:

كيف يؤخذ المحسنون بظلم الظالمين، والله سبحانه وتعالى يقول:

«وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى؟» (18: فاطر) ويقول سبحانه:

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ؟» (105: المائدة) .. ويقول فى هذه الآية: «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» .. فكيف يكون مع المتقين ثم يأخذهم بما أخذ به الظالمين؟.

والجواب- والله أعلم-:

أولا: أن سكوت غير الظالمين عن الظالمين هو وزر، له عقابه، فهم وإن لم يظلموا أحدا، فقد ظلموا أنفسهم بحجزها عن هذا المنطلق الذي تنطلق منه إلى رضوان الله، وإلى حماية أنفسهم وحماية المجتمع الذي هم فيه مما يشيعه الظالمون من فساد وضلال، وشر مستطير.

وثانيا: أن قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» هو حماية للمؤمنين من أن يجرفهم تيار المفسدين، وأن يسلموا زمامهم لهم، ويسلكوا معهم الطريق الذين سلكوه حين يستشرى الفساد ويغلب المفسدون.. فهنا يكون واجب المؤمن حيال نفسه أن يحميها أولا من هذا الوباء، وأن يمسك عليه دينه حتى لا يفلت منه فى زحمة هذا الفساد الزاحف بخيله ورجله..

ص: 590

ومع هذا، فإنه لن يعفى المؤمنين استشراء الشرّ من أن يقوموا بما يجب عليهم فى تلك الحال، من النصح، والتوجيه، والدعوة إلى الله، فهم أساة المجتمع لهذا الوباء الذي نزل به..

فإذا قصّروا فى أداء هذا الواجب كانوا بمعرض المؤاخذة والجزاء..

وثالثا: قوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» هو توكيد لما يجب على المؤمنين من التناصح، والتناهى عن المنكر فيما بينهم، وإلا لم يكونوا من المتقين، ولم يحسبوا فيهم.. إذ كيف يكون المؤمن ممن اتقى الله، وهو يرى المنكر ولا ينكره، ويرى الظلم ولا يقف فى وجهه؟

ورابعا: إن المجتمع الإنسانى جسد واحد، وما يصيب بعضه من فساد وانحلال، لا بد أن يتأثر به المجتمع كله، كما يتأثر الجسد بفساد عضو من أعضائه وإنه كما يعمل المجتمع على حماية نفسه من الأمراض المعدية والآفات الجائحة، فيحشد كل قواه لدفع هذا الوباء، بتطبيب المرضى أو عزلهم- كذلك ينبغى أن يعمل على إخماد نار الفتن المشبوبة فيه، والضرب على أيدى مثيريها. وإلا امتد إليهم لهيبها، والتهمتهم نارها..

فحيث كان شر، فإنه لا يصيب من تلبّس به وحده، بل لا بد أن ينضح منه شىء على من حوله.. فكان من الحكمة دفع الشر ومحاربته فى أي مكان يطل بوجهه منه.

قوله تعالى: «وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» .

هو تذكير للمؤمنين بنعم الله، وأفضاله عليهم، إذ ألبسهم لباس الأمن والعافية، بعد أن كانوا قلة مستضعفين، تنالهم يد أعدائهم بالضرّ

ص: 591