الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذ كذبوا بها قبل أن ينظروا فيها ويعرفوا وجهها.. «ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ» .
وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ» تهديد بعد تهديد، لمن كذّب بآيات الله، ولم يرج لقاء الله.. فمن كان هذا شأنه، فقد حبط عمله، وساء مصيره، وذلك جزاء الظالمين:«هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ» ؟ وإنهم لم يعملوا إلا شرّا، ولم يقدموا إلّا سوءا، فلم يكن جزاؤهم إلا ما يسوؤهم ويفسد عليهم وجودهم.
الآيات: (148- 150)[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 150]
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)
التفسير: لم يكد بنو إسرائيل يفلتون من يد فرعون، بتلك المعجزة القاهرة التي رأوها وعاشوها، حتى غلبت عليهم طبيعتهم.. من كفر النعم، ومحاربة
المنعم، وإذا هم يأتمرون فيما بينهم، فيما كانوا قد طلبوه من موسى من قبل فردّهم عنه، ونصح لهم.. فقد سألوا موسى حين رأوا قوما يعكفون على أصنام لهم، أن يجعل لهم إلها كما لهؤلاء القوم آلهة.. فأجابهم موسى:«إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.» ثم قال لهم: «أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ؟» .
فلما ذهب موسى لميقات ربّه، انتهزوها فرصة، فأخرجوا هذه الضلالات التي كانت تدور فى رءوسهم، إلى واقع الحياة.. فصنعوا عجلا من ذهب على يد رجل منهم، قد أعدّ نفسه لهذه الفعلة، وأخذ لها وسائلها، وقد ذكر القرآن الكريم اسمه فى موقف آخر فى قوله تعالى:«قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً» (85- 86:
طه) .. فهذا الرجل هو «السامري» ، وقد فعل ما سنرى بعد.
وقوله تعالى: «وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ» هو خبر عن تلك الفعلة النكراء التي كانت من هؤلاء القوم..
وقد أضافهم الله إلى موسى هكذا: «قَوْمُ مُوسى» تذكيرا لهم بتلك الآيات التي أجراها الله على يديه، تلك الآيات التي لم يكن لهم منها عبرة أو عظة.. وفى هذا توبيخ لهم، واسترذال لعقولهم، وأنه ما كان لقوم ينتسبون إلى موسى الذي جاءهم بهذا الخير الكثير، وبتلك الآيات المشرقة، أن يفعلوا هذا الفعل المنكر الذي فعلوه..
وفى قوله تعالى: «مِنْ حُلِيِّهِمْ» إشارة إلى المادة التي صنع منها العجل، وهى مما يتحلى به القوم ويتزينون، وهو الذهب، والفضة ونحوها.
وكان بنو إسرائيل عند خروجهم من مصر قد عملوا على أن يخفوا أمرهم على المصريين، فتخيّروا يوم عيد من أعيادهم كانوا قد رصدوه لخروجهم من
مصر خفية.. ثم إنهم لكى يضلوا المصريين عنهم، طلبوا إلى نسائهم أن يستعيروا من جاراتهن المصريات ما يقدرن على استعارته من الحلىّ، على ما جرت به العادة من التزين فى الأعياد..
ثم حين خرج بهم موسى، وجاوز بهم البحر، ونجاهم من فرعون، ذكر لهم ما كان منهم من سلب ما سلبوا من حلىّ، وأراهم أن ذلك خيانة للأمانة، وعدوان على غيرهم، وأنه لا يجوز لهم وقد خلصهم الله من البغي، أن يكونوا من الباغين..
وقد تحرّج كثير منهم من هذا الحلىّ المسلوب، ولكنهم ظلّوا ممسكين به، لا تطاوعهم أنفسهم على أن يفلت من أيديهم.. إنّه الذهب والفضة، يبيع اليهودىّ عمره من أجل قبضة منهما! ثم إنه لمّا أخلى موسى مكانه فيهم إلى مناجاة ربّه، تناجوا هم مع شياطينهم، وانتهى الرأى بينهم إلى أن يقيموا لهم معبودا، وجعلوا هذا المعبود عجلا مصنوعا من ذهب، وهان فى أعينهم هذا الذهب الذي سلبوه وأمسكوه، حين جعلوه مادة لهذا الإله الذي تصوروه.. فصوروه وجسّدوه! وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى سورة طه:«قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ» (86- 88) ..
ففى قولهم «حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ» إشارة إلى أن هذا الذي كانوا يحملونه من زينة المصريين هو أوزار تثقلهم، وأنهم انتهزوا هذه الفرصة
فتخلصوا منها على هذا الوجه الغبي.. إنّها- كما علموا- أوزار، وسيئات، ومع هذا فقد صاغوا منها إلها يعبدونه!! فما أغبى غباءهم، وما أضلّ ضلالهم.
يسرقون، ويتصدقون.. كالزانية تزنى وتتصدق!! ولكن التوراة تحكى قصة هذا الحلىّ الذي أخذه بنو إسرائيل من المصريين ليلة خروجهم من مصر- تحكى هذه القصة على وجه غريب، فتنسب هذا الفعل إلى الله، وتجعله أمرا من عنده إلى بنى إسرائيل، لينتقموا من المصريين بهذا الفعل الدنيء، الذي تأباه النفس الكريمة، فكيف يجوز أن يكون هذا أمرا من أمر الله، ووصاة من وصاياه؟
تقول التوراة على لسان الرب:
وهكذا تبلغ الجرأة بالقوم على الله، فيحرفوا كلمه عن مواضعه، ويغيروا ويبدلوا فى كلماته، حتى تستقيم مع أهوائهم المريضة، وتجرى مع نزعاتهم الفاسدة، وحتى ليضيفوا إلى الله كل إثم لهم، ويجعلوا شريعته مغرسا لكل فسق منهم.. فهم إذا سرقوا غيرهم أو نهبوه كان ذلك عن أمر الله، إذ أباح لهم دماء الناس وأموالهم.. حسب ما أدخلوه على التوراة من تحريف.
وفى قوله تعالى: «لَهُ خُوارٌ» أي صوت كصوت البقر.. وذلك أن «السامري» .. كان قبض قبضة من أثر الملك الذي كان يخاطب موسى، ثم قذف بهذه القبضة على هذا العجل الذي صوره من الحلىّ الذي قذفه القوم فى النّار، فإذا هو عجل له حياة، وله خوار!!
وسنعرض لهذه القصة فى موضعها من سورة «طه» إن شاء الله..
وقوله تعالى: «أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا» إشارة إلى غفلة القوم، وإلى إغراقهم فى الجهل والضلال.. ذلك أنه إذا كان قد أخذ «السامري» على عقولهم بهذا الذي فعله، فإنه لم يزد على أن جاء بعجل كسائر العجول التي تملأ السّهل والوعر.. فكيف يصح أن يكون هذا العجل بالذات إلها لهم يعبدونه من دون الله؟ إنه لا أكثر من حيوان، فكيف يعبد الإنسان ما هو أقل منه شأنا؟ «أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا؟» .
وقوله تعالى: «اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ» هو جواب لسؤال مقدر هو:
«وهل اتخذ القوم هذا العجل إلها مع أنه لم يكلمهم، ولم يكشف لهم طريقا إلى الحق؟» فكان الجواب: نعم، اتخذوه، وهم فى اتخاذهم إياه ظالمون، معتدون على الله، ملقون بأنفسهم فى البوار والهلاك..
قوله تعالى: «وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» أي حين وقعت الواقعة، وظهر العجل بينهم، ووقفوا منه موقف العابدين، بان لهم ضلالهم، وانكشف لهم سوء فعلتهم، ولكنهم لم يدروا ماذا يصنعون بهذا الإله القائم بينهم..!
كان موسى قد علم- وهو فى مناجاة ربّه- أن قومه قد فتنوا من بعده، وضلوا، وذلك كما أعلمه الله تعالى بقوله: «وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى
قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ»
(83- 85: طه) .
وقوله تعالى: «بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي» زجر لهم، وتشنيع لفعلهم، وما أحدثوه من بعده، وقد كانوا خلفاءه على شريعة الله التي تركها فى أيديهم.
وقوله: «وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى» إشارة إلى أنهم لم ينتظروا حتى يجيئهم موسى من الميقات، حاملا لهم شريعة الله إليهم، كما وعدهم من قبل.
وقوله: «وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ» إشارة لمظاهر الغضب والأسف التي نفّس بها موسى عن نفسه، لما رأى ما عليه قومه من كفر وضلال.. فلم يجد إلا هرون، الذي أقامه على القوم، وقال له:«اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ» فأمسك به من رأسه يجرّه إليه فى عنف، ويؤنبه فى غضب.
وقوله: «قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» هو استعطاف من هرون لأخيه الذي ثار عليه ثورته تلك، وأخذه من ناصيته يجرّه إليه..
وفى نسبته إليه بأمّه زيادة فى الاستعطاف، إذ يذكر موسى بهذا النسب، فترة الطفولة التي كانت تضمه هو وهرون تحت جناح أمهما، فيرقّ له وتأخذه الشفقة به.
ومن عجب أن التوراة تنسب إلى هرون عليه السلام، أنه هو الذي صنع العجل لبنى إسرائيل ودعاهم إلى عبادته!! ولا تعجب لهذا، فإن فى التوراة أمورا منكرة، أدخلها اليهود عليها لحاجات فى أنفسهم.. ولا أدعك لتذهب بك الظنون كل مذهب.. وها ذا هو بين يديك ما تقول التوراة هنا: