الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات: (42- 45)[سورة التوبة (9) : الآيات 42 الى 45]
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (43) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)
التفسير: العرض: المتاع، وما يحصّله الإنسان فى سعيه لطلب الرزق..
والمراد بالعرض القريب: المتاع الذي ينال من قريب، بلا كبير عناء، ولا عظيم مجهود..
والسفر القاصد: هو السفر القريب، السّهل، المستقيم على وجه واحد لقرب غايته..
والشّقة: المسافة المكانية. مثل الأمد فى المسافة الزمانية.
وقوله تعالى: «لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ» هو تعريض بأولئك الذين إذا دعوا إلى القتال، لم يخفوا له، بل تلبّثوا، وأخذوا يديرون أعينهم هنا وهناك، ليتعرفوا إلى وجوه الربح والخسارة فى الدعوة التي دعوا إليها.. فإن كان المغنم فيها دانيا، والسفر إليها قريبا، استجابوا، وخرجوا مع المجاهدين.. وإن كان المغنم عسير
الوقوع، بعيد المسافة تثاقلوا، وتباطئوا، وانتحلوا شتى العلل ومختلف المعاذير.
ثم إنهم لا يكتفون بهذا، بل يزكّون هذه العلل، ويؤكدون تلك المعاذير بالحلف المؤكد أنهم لو استطاعوا الخروج لخرجوا.. وهذا الحلف نفسه هو دليل فاضح لكذبهم، إذ لم يطلب أحد إليهم أن يحلفوا.. ولكن هكذا الكاذب دائما.. يجد الكذب الذي يعرضه على أعين الناس، لا يقف على قدميه لضعفه وهزاله، فيعمد إلى تقويته بالحلف، ودعمه بتوكيد هذا الحلف.
وقوله تعالى: «يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» إشارة إلى أن هذا الموقف الذي يقفه أولئك المتثاقلون على الجهاد، المتعللون لذلك بالعلل الكاذبة، إنما قد جنوا على أنفسهم، وأوردوها موارد الهلاك، بتخلفهم عن الجهاد، وعصيانهم لأمر الله، وهم قادرون على القتال.. فإنهم إن خفى أمرهم على الناس، فلن يخفى على الله «وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» .
وقوله سبحانه: «عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ» فى هذه الآية عتاب رقيق للنبى الكريم من ربّ كريم.. وهو عتاب يحمل فى أطوائه نفحات الرضا والرضوان، بحيث يبدو هذا العتاب، وكأنه جزاء حسن عن عمل حسن! فقد قدّم العفو عن الأمر الذي يطلب العفو له، وجاء العفو من أجله..
وهذا على غير المألوف.. حيث يذكر الذنب.. أولا، ثم يكون اللوم، أو العفو.. ثانيا.
ولكنّ لطف الله سبحانه بنبيّه الكريم، وتكريمه له قد جاءه بالعفو
مقدّما، حتى لا يقع تحت مشاعر الألم لحظة واحدة، إذا هو تلقّى اللّوم، ثم جاءه العفو: على هذا النحو: «لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ؟ .. عفا الله عنك!!» .
وفى قوله تعالى: «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ» إشارة إلى أن أمر الكذب مفضوح، وأن الزّمن لا بد أن يكشف عن وجهه يوما ما.. فلو انتظر النبىّ بهؤلاء الذين جاءوا بأعذارهم إليه، ولم يقبل هذه الأعذار فى حينها، لانكشف له أمر ذوى الأعذار الكاذبة منهم، إمّا بما يظهر من حالهم، أو بما يكشف له أصحابه من أمرهم، أو بما ينزل عليه من قرآن يفضحهم.
وقوله تعالى: «لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ» - هو بيان يفرّق به بين الصّادقين والكاذبين من ذوى الأعذار..
فالذين يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانا صادقا لا يطلبون الإذن لأنفسهم بالتخلف عن القتال.. ذلك أنهم- مع الأعذار القائمة معهم- لا يجعلون من تلك الأعذار حاجزا يحجزهم عن أخذ حظّهم من الجهاد فى سبيل الله، فإذا دعا الداعي إلى الجهاد كانوا فى مقدمة المستجيبين له. حتى إذا نطقت حالهم عن أنّهم- بهذه الأعذار التي معهم، من مرض، أو صغر، أو شيخوخة، أو نحو هذا- لن يمكّنوا من الانتظام فى صفوف المجاهدين، رحمة بهم، وتخفيفا من مئونتهم على المسلمين، كان ذلك مما يحزنهم، ويبعث الحسرة والأسى فى نفوسهم. وهذا