المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الزكاة والتكافل الاجتماعى - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٥

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (88- 93) [سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 93]

- ‌الآيات: (94- 99) [سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 102) [سورة الأعراف (7) : الآيات 100 الى 102]

- ‌الآيات: (103- 116) [سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 116]

- ‌الآيات: (117- 122) [سورة الأعراف (7) : الآيات 117 الى 122]

- ‌الآيات: (123- 126) [سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 126]

- ‌الآيات: (127- 129) [سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 133) [سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 133]

- ‌الآيات: (134- 137) [سورة الأعراف (7) : الآيات 134 الى 137]

- ‌الآيات: (138- 141) [سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

- ‌الآيات: (142- 144) [سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 144]

- ‌الآيات: (145- 147) [سورة الأعراف (7) : الآيات 145 الى 147]

- ‌الآيات: (148- 150) [سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 150]

- ‌الآيات: (151- 152) [سورة الأعراف (7) : الآيات 151 الى 153]

- ‌الآيات: (154- 155) [سورة الأعراف (7) : الآيات 154 الى 155]

- ‌الآيات: (156- 159) [سورة الأعراف (7) : الآيات 156 الى 159]

- ‌رسالة الإسلام ونسخها للرسالات السابقة

- ‌الآيات: (160- 162) [سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌الآيات: (163- 167) [سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 167]

- ‌الآيات: (168- 171) [سورة الأعراف (7) : الآيات 168 الى 171]

- ‌الآيات: (172- 174) [سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌الآيات: (175- 179) [سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 179]

- ‌الآيات: (180- 185) [سورة الأعراف (7) : الآيات 180 الى 185]

- ‌الآيات: (186- 188) [سورة الأعراف (7) : الآيات 186 الى 188]

- ‌الآيات: (189- 198) [سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 198]

- ‌الآيات: (199- 206) [سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌8- سورة الأنفال

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 8) [سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 11) [سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 19) [سورة الأنفال (8) : الآيات 12 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 26) [سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 31) [سورة الأنفال (8) : الآيات 27 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 35) [سورة الأنفال (8) : الآيات 32 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 40) [سورة الأنفال (8) : الآيات 36 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 44) [سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 48) [سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 48]

- ‌الآيات: (49- 54) [سورة الأنفال (8) : الآيات 49 الى 54]

- ‌الآيات: (55- 60) [سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[الحرب والسلام.. فى الإسلام]

- ‌الآيات: (64- 66) [سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌المسلم.. وكم حسابه فى ميدان القتال

- ‌الآيات: (67- 71) [سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 71]

- ‌الآيات: (72- 75) [سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌9- سورة التّوبة

- ‌نزولها:

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 15) [سورة التوبة (9) : الآيات 6 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 18) [سورة التوبة (9) : الآيات 16 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 22) [سورة التوبة (9) : الآيات 19 الى 22]

- ‌الآيتان: (23- 24) [سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 27) [سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌الآيتان: (28- 29) [سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 33) [سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 35) [سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 37) [سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 41) [سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 45) [سورة التوبة (9) : الآيات 42 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 52) [سورة التوبة (9) : الآيات 46 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 57) [سورة التوبة (9) : الآيات 53 الى 57]

- ‌الآيات: (58- 60) [سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌الزكاة والتكافل الاجتماعى

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 63]

- ‌الآيات: (64- 70) [سورة التوبة (9) : الآيات 64 الى 70]

- ‌الآيتان: (71- 72) [سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌الآيتان: (73- 74) [سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 80) [سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 80]

- ‌الآيات: (81- 85) [سورة التوبة (9) : الآيات 81 الى 85]

- ‌الآيات: (86- 89) [سورة التوبة (9) : الآيات 86 الى 89]

- ‌الآيات: (90- 92) [سورة التوبة (9) : الآيات 90 الى 92]

الفصل: ‌الزكاة والتكافل الاجتماعى

الهوى، ولا يحكم إلا بما أراه الله.. فمن آمن بالله، فلن يكون مؤمنا حتى يؤمن مما يقضى به رسول الله! وفى ذكر الرسول الكريم مرّتين فى هذا الموضع، مع ذكر الله سبحانه وتعالى ما يكشف عن مقام الرسول الكريم عند ربّه، ويؤكد منزلته الرفيعة عنده.. «ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.. وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ.. سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ..

فما أعظم هذا الفضل العظيم، وما أسمى هذا المقام الكريم.. لهذا النبي الذي يحفّه ربّه بهذا الفضل، ويرفعه إلى هذا المقام، الذي يشرف منه مع ربّه على الناس، ويعطيهم من فضل الله ما يرضيهم ويغنيهم.

وما أشقى أولئك الذين يحادّون هذا الرسول، أو يخالفون عن أمره، أو يقع فى نفوسهم ريب فى قول يقوله أو فعل يفعله..

«وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ، سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ.. إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ» .

وجواب لو هنا محذوف، لدلالة الحال والمقام عليه، وهو أنه لو فعلوا ذلك لكان لهم فى هذا، الخير كله، والفلاح كله.

‌الزكاة والتكافل الاجتماعى

قوله سبحانه: «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» هو بيان مصاحب لما وقع فى نفوس المسلمين من قسمة غنائم هوازن،

ص: 806

والتي كان النبي- صلوات الله وسلامه عليه- قد تألف بها بعض النفوس التي كانت تعادى الإسلام، وتحقد على رسول الله أن كان هو المبعوث المتخيّر لدين الله..!

وقد اشتمل- هذا البيان فيما اشتمل عليه ممن لهم نصيب فى الصدقات- المؤلفة قلوبهم، الذين كان منهم من تألفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم هوازن..

وفى هذا ما يكشف عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيما فعله فى غنائم هوازن، وفى اقتطاع قدر منها لمن أراد أن يتألف قلوبهم- كان منفذا لأمر الله، ولم يكن فيما قضى به فى ذلك منقادا لهوى أو مؤثرا لقرابة أو صداقة..

وحاشاه، صلوات الله وسلامه عليه.

والآية الكريمة وإن كانت فى بيان مصارف «الصدقات» التي خصصها الفقهاء هنا «بالزكاة» حيث استبان لهم من قوله تعالى، «وَالْعامِلِينَ عَلَيْها» أن ذلك يشير إشارة صريحة إلى أن المراد بالصدقات هو الزكاة، التي لها وحدها من دون الصدقات، عاملون يعملون لتقديرها وأخذها ممن وجبت عليهم هذه الفريضة..

نقول: إن الآية الكريمة وإن كانت فى بيان مصارف الزكاة، فإن ذلك لا يمنع من أن تكون الصدقات كلها، سواء ما كان منها فريضة كالزكاة، أو تطوعا كالإنفاق فى سبيل الله، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، وفى كل وجه من وجوه البر- لا يمنع ذلك من أن تكون جميعها محكومة بهذا البيان، موجهة فى هذه الوجوه التي أشارت إليها الآية الكريمة، ودلّت بها على وجوه المصارف التي يصرف إليها المحسنون إحسانهم، وما تجود به أنفسهم، وتقدمه أيديهم من برّ وصدقة.

ص: 807

فالفقراء.. هم أحق جماعة فى المجتمع الإنسانى، بالرّعاية والحماية، من آفة الفقر التي تفتك بهم، وتغتال المعاني الإنسانية فيهم..

ومحاربة هذه الآفة- فوق أنه واجب إنسانىّ تفرضه الأخوة الإنسانية، وتقتضيه لحمة النسب بين الإنسان والإنسان- هى حماية للأغنياء أنفسهم، وضمانة لأمنهم وسلامتهم هم، فى أموالهم وأنفسهم، من عادية الفقراء عليهم، والتذرع بكل وسيلة ممكنة، يجد فيها الفقراء منفذا ينفذون منه إلى ما عند الأغنياء، ليشبعوا جوعتهم، وليدفعوا عن أنفسهم خطر الموت جوعا..

فالسّرقة، والنهب، والاغتصاب، والقتل الفردى أو الجماعى.. كل هذا وكثير غيره مما يتولّد عنه- هو مما يراه الجياع المحرمون- إن كان للجائع المحروم أن يرى- حقّا مشروعا لهم، فى الدفاع عن النفس، واتقاء خطر الموت الذي يتهددهم.. إذ ليس عند الفقير المحروم المشرف على الموت جوعا- ما يحرص عليه، غير نفسه تلك، التي يكاد يفقدها، إن هو لم يعمل على إنقاذها، ولو كان ذلك ما يحمله على ركوب كل مهلكة.. فإنه هالك لا محالة، إن هو لم يعمل عملا فى وجه هذا الخطر الذي يتهدده.. وإنه لا بد له أن يعمل بدافع غريزة حبّ البقاء. ولن يكفّ عن العمل مادام فى صدره نفس يتردد..

إن الغريق الذي ابتلعه اليمّ لا يكفّ عن الضرب بكيانه كلّه فى وجه الماء، ضربات محمومة، مجنونة، يائسة، وكأنه بهذا ينتقم لنفسه من اليمّ الذي أوقعه فى شباكه! يقول الإمام الشافعي- رضى الله عنه-:«لا تشاور من ليس فى بيته دقيق، فإنه مولّه العقل» . أي شارد العقل، مضطرب التفكير.

فالفقراء خطر يهدد المجتمع من أكثر من وجه..

يهددونه بالخروج على شرائعه السماوية والوضعية، وبالتحلل من كل

ص: 808

نظام يحكم الجماعة، ويدفع عدوان بعضها على بعض.. وذلك بمدّ أيديهم إلى ما ليس لهم.. وفى هذا إزعاج للمجتمع، وإثارة للفتن والاضطرابات فى كيانه..

ويهددونه بإشاعة البطالة، وسوء استغلال الموارد المتاحة له.. حيث لا يجد الفقير القدرة على العمل، وهو تحت وطأة الجوع والحرمان.. وإذا وجد القدرة فلن يجد بين يديه الوسائل التي تمكنه من العمل.. وفى هذا خسارة يعود ضررها على المجتمع كله، وبخاصة أغنياء المجتمع، الذين يفقدون اليد العاملة القوية التي تعمل لهم، كما يفقدون اليد القادرة على تبادل المنافع معهم..

ومن هنا كان من تدبير الإسلام لمحاربة الفقر، وحماية الفقراء من قسوة هذه الآفة المهلكة- أن فرض على المسلمين الزكاة، وجعلها ركنا من أركان الدين، لمن ملك نصابا معيّنا من المال، وكان من تدبير الإسلام أيضا أن بدأ بالفقراء، وجعل داءهم هو الداء الأول، الذي يتهدد المجتمع، بالضّياع، ويؤذنه بالهلاك.. إن لم تعمل الجماعة جاهدة على محاربة هذه الآفة، ورصد كل قواها للقضاء عليها، وشفاء المجتمع منها..

ثم كان من تدبير الإسلام أيضا فى هذه السبيل، أن دعا إلى البرّ والإحسان، وحض عليه، ووعد المنفقين بالجزاء الجزل، والثواب العظيم.. «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» .

والتكافل بين المسلمين هو ملاك الشريعة الإسلامية.. إذ المسلمون فى حقيقتهم كيان واحد.. كل فرد منهم هو عضو فى الجسد الاجتماعى الكبير..

ص: 809

ولن تقوم سلامة هذا الجسد، إلا بسلامة جميع أعضائه..

(وَالْمَساكِينِ) هم الصنف الثاني من الأصناف الثمانية التي جعل الإسلام لكل صنف منها نصيبه فى الزكاة..

وقد اختلف المفسّرون فى التفرقة بين الفقير والمسكين، فقال بعضهم إنهم صنف واحد، والعطف الواقع بينهما هو من عطف البيان.. وقال آخرون: الفقير من يجد قوت يومه، والمسكين من لا يجده، وقال غيرهم عكس هذا.. وقال الأكثرون: الفقير الذي مع فقره لا يسأل، والمسكين هو من يسأل.. إلى كثير من الآراء التي لم تفرق تفرقة واضحة محددة، بين الفقير والمسكين.

والرأى الذي نراه ونستريح إليه، هو أن المساكين، هم صنف قائم بذاته، معروف بصفة مميزة له عن الفقراء.. وهم- أي المساكين- الفقراء من أهل الذّمة الذين فرضت عليهم الجزية.. فهم- والحال كذلك- أشبه بالأرقاء، المكاتبين، الذين فرض لهم فى الزكاة نصيب.. حيث يقول تعالى:«وَفِي الرِّقابِ» .

وفى يقيننا أنه ليس فى المسلمين مسكين، وإن كان فيهم الفقير.. لأن المسكين: من المسكنة والذلة والضراعة، ولا يلبس المسلم- مع الإسلام- ثوب المسكنة والذلة والضراعة أبدا، وإن عضّه الفقر، وأضرّ به الضرّ.

وقد ذكر الله تعالى فقراء المسلمين، فقال سبحانه:«لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً»

ص: 810

كما ذكر القرآن الكريم المسكين فى معرض الذلّة والمهانة: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً» فهذه الأصناف الثلاثة يحتويها الضعف وتشتمل عليها الذلّة.

ويقول سبحانه وتعالى: «وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ» ..

فقد جمعت الآية بين العبد الرقيق، واليتيم الفقير، والمسكين المترب.

وفقير المسلمين- كما قلنا- لا يكون أبدا على هذا المستوي الإنسانى من الاستكانة، والذلة، والضعف.. بل هو من إيمانه بالله فى عزّة، وقوّة وإن صفرت يداه من الأصفرين «1» ! والذّميون- وهم الذين فى يد المسلمين وذمتهم- من أهل الكتاب، فيهم- كما فى كل جماعة- من هم فى حاجة إلى الصّدقة التي تسدّ مفاقرهم، وتدفع غائلة الحاجة عنهم.. والله سبحانه وتعالى يقول:«لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» .. فإذا جعل الإسلام نصيبا مفروضا فى الزكاة لفقراء أهل الكتاب، فذلك من البر الذي دعانا الله إليه نحوهم.. ثم هو من جهة أخرى حماية للمجتمع الإسلامى الذي يعيشون فيه، من آثار هذا الداء- داء الحاجة والعوز- الذي إن سرى فى جماعة أفسدها، وأشاع الفوضى والقلق والوهن فى كيانها.

«وَالْعامِلِينَ عَلَيْها» وهم الذين يوكل إليهم تحصيل الزكاة من أهل الزكاة..

فهم- والحال كذلك- مشتغلون يجمعها، عاملون فى تحصيلها، ومن تمّ وجب أن ينالوا نصيبا منها، يكفل لهم الحياة المناسبة لهم.. حياة تأخذ مكانا وسطا

(1) الأصفران: الذهب والفضة. [.....]

ص: 811

بين الفقراء والأغنياء.. إنهم عاملون، ولا بدّ لكل عامل من أجر فى مقابل ما يعمل..

«وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ» وهم الذين دخلوا فى الإسلام من زعماء العرب، ولم تخلص نياتهم له، ولم تطب نفوسهم به، إذ نزع الإسلام عنهم ما كان لهم من سلطان فى قومهم، وسوّى بينهم وبين عامة الناس.. فهم- والحال كذلك- فى حاجة إلى علاج نفسىّ يزيل ما بينهم وبين الدين الجديد من جفوة.. وفيما كان من تدبير الإسلام فى تألفهم إليه بالمال الذي يخصّهم به دون الناس- فى هذا ما يرضى نوازع السلطان والرياسة عندهم، وذلك من شأنه أن يقيم نظرهم على الدين الجديد، وأن يتيح لهم الفرصة لمراجعة حسابهم معه، فإذا كان ذلك استبانت لهم حقيقة الإسلام، وعرفوا أي دعوة يدعوهم النبىّ إليها، وأي خير يقدمه إليهم فى ثنايا الدعوة، التي تحمل إليهم سعادة الدنيا والآخرة جميعا..

فهذا المال الذي يتألّف به الإسلام تلك الجماعة التي أعماها حبّها للجاه والسلطان عن أن تنظر فى الدعوة الإسلامية، وأن تستمع إلى كلمة الحق التي يؤذّن بها الرسول الكريم فى الناس- هذا المال ليس رشوة يقدّمها الإسلام لتلك الجماعة المتأبية عليه، المزورّة عنه، حتى تسكت عنه، ولا تقف فى سبيله- وإنما الذي قصد إليه الإسلام من هذا، هو أن يروض جماح هذه الجماعة، ويهدىء من ثائرتها، ويطفىء من نار حنقها، وضغنها على الإسلام، حتى تستطيع أن تنظر إليه، وتعرض دعوته على العقل، بعيدا عن دخان الحقد، وضبابه.. وبهذا يكون حكم هذه الجماعة على الدين الذي يدعون إليه، حكما صحيحا، قائما على النظر، والتعقل، والتدبر..

والإسلام لا يريد من الذين يدعوهم إليه أكثر من هذا.. إنهم يريدهم

ص: 812

على أن ينظروا إليه، ويتعقلوه، ويتدبروا آياته.. «فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ» (137: البقرة) .. ذلك أنه ليس من الخير للإنسان فى نفسه أن يدين بدين لا يعرضه على عقله، وينظر فيه بنفسه، ويجد فيه داعيا مسمعا يدعوه إليه، وعاطفة قوية تعطفه عليه.. فإنّ دينا يدخل على الإنسان من غير هذا الطريق- طريق النظر والاقتناع-، لا يكون له سلطان مؤثّر فى سلوك الإنسان، وفى انتفاعه بما يحمل هذا الدين من عقيدة أو شريعة..

هذا، ويرى كثير من الفقهاء أن نظرة الإسلام إلى هذا الصنف من ضعاف الإيمان الذين تألفهم الإسلام بالعطاء- إنما كان ذلك فى أول الإسلام، حيث حاجة المسلمين إلى من يكثّر جمعهم، ويسند ظهرهم من الرجال.. ولكن لمّا قويت شوكة الإسلام، وكثرت أعداد المسلمين لم يكن ثمة داع يدعو إلى عملية التأليف هذه، فقد تبيّن الرشد من الغى.. فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وإن الله لغنىّ عن العالمين..

وعلى هذا، فقد أسقط القائلون بهذا الرأى فريضة المؤلّفة قلوبهم، من الزكاة، بعد أن قوى الإسلام، كما أسقطوا فريضة من فى الرقاب، وهم الأرقاء المكاتبون، بعد أن انتهى الرقّ.

والذي نراه، أن تأليف القلوب، وشدها إلى الإسلام، والعمل على تعاطفها معه، أمر لازم للدعوة الإسلامية فى حال ضعف المسلمين وقوتهم على السواء.

فتأليف القلوب على الإسلام، وقتل ضغنها عليه، وشنآنها له- هو تدبير حكيم، وسياسة رشيدة، لا تستغنى عنها دعوة جاءت لهداية الناس، وخيرهم، وإسعادهم..

ص: 813

فهذا التدبير الحكيم من شأنه «أولا» أن يشفى هؤلاء المرضى- مرضى القلوب- من دائهم الذي عزلهم عن الإسلام، وحجزهم عن الانتفاع به، والاهتداء بهديه..

وهو «ثانيا» إذ يجلب للمسلمين قوّة جديدة بإضافة هؤلاء المؤلفة قلوبهم إليه، يدفع عن الإسلام والمسلمين شرّا كان يتربص به، وعداوة كانت تتحين الفرص للنيل منهم.

وإذن، فتأليف القلوب على الإسلام، وسلّ السخائم والأضغان عليه منها، أمر ينبغى أن يكون من سياسة الإسلام دائما، ومن عمل المسلمين، فى كل حال ممكنة لهم، سواء أكان ذلك بالمال أم بغيره مما يتألف الناس، ويسلك بهم مسالك الخير، ويقيمهم على طريق الهدى.. وإن دعوة الإسلام فى صميمها لتقوم على هذا الأساس المتين.. وقوله تعالى لنبيه الكريم:«ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» هو المفتاح الذي وضعته السماء فى يد النبىّ ليفتح به مغالق القلوب، وليتألفها به، ويستولى على مواطن الاطمئنان منها.

وبهذا المفتاح نفسه يستطيع دعاة المسلمين أن ينفذوا بدعوة الإسلام إلى الصميم من القلوب، وإنه لا بأس من أن يرفدوا ذلك بما يرون من بر وإحسان لمن يدخلون فى الإسلام، ليطعموا من ثمر الأخوة الإسلامية، وليفيئوا منها إلى ظل ظليل.

«وَفِي الرِّقابِ» .

وهم الأرقاء الّذين كاتبهم مالكو رقابهم على قدر من المال، فى مقابل تخليصهم من الرّق.

فهؤلاء الأرقاء أعضاء ضعيفة، فى جسم المجتمع.. وإنه لكى لا يشيع

ص: 814

الضعف فى هذا الجسم، ولكى يكون على أحسن ما يمكن من الصحة والسلامة، يجب أن يعمل على تخليصه من دواعى الضعف التي ألمت به، لا باستئصال هذه الأعضاء الضعيفة، كما تدعو إلى ذلك بعض المذاهب المادية، ولكن بالطبّ لها من دائها، وتصحيح آدميتها، ونظمها فى سلك الآدميين.

وسنعرض بعد شرح هذه الآية لموقف الإسلام من الرق، وسياسته فى تخليص الأرقاء.. إن شاء الله..

«وَالْغارِمِينَ» وهم المدينون، الذي رهقهم الدين، ولم تكن لهم موارد يؤدون منها الدين.. فهذه الجماعة التي ركبها الدين، هى فى معرض الضّياع، أو الانحلال، أو الفساد، إن لم تجديدا رحيمة تمسك بها، وترفع عن كاهلها هذا العبء الثقيل.. الذي هو همّ بالليل ومذلة بالنّهار.

وفى تسمية المدينين بالغارمين، إشارة إلى أن الدّين أيّا كان هو غرم واقع على صاحبه.. لأنه يحمّل المدين عبثا إلى العبء الذي كان يحمله، من ضيق ذات اليد قبل أن يستدين، فهو حين استدان، قد وضع فى يده غلّا جديدا، وأضاف على كاهله حملا فوق حمل. وأن هذا اليسر الذي وجده بعد أن استدان لم يكن إلا أمرا عارضا لا يلبث أن يزول، ويعود الحال به إلى ما كان عليه، بل وأسوأ مما كان عليه.

فالدّين غرم.. هكذا يجب أن تكون نظرة المدين إليه، فلا يقدم عليه إلا عند الاضطرار، وإن أقدم عليه فلا يستدين إلا بقدر ما يدفع الحاجة الملحّة التي تبرّر له مدّ يده للاستدانة! ومن جهة أخرى.. فإن الإسلام إذ وصف الدين بتلك الصفة، وجعله غرما على المدين لا غنما له- فإنه من جهة أخرى حبّب إلى أصحاب الغنى واليسار أن يقرضوا المعسرين من إخوانهم، حتى يحموهم من التعامل بالرّبا.. كما دعا

ص: 815

المدينين إلى قضاء دينهم عند أول فرصة تمكنهم من قضائه.. وفى هذا يقول الرسول الكريم: «مطل الغنىّ ظلم» ..

وقد عرضنا لذلك عند تفسير آية الدّين فى سورة البقرة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ.. الآية» .

وفى نظرة الإسلام إلى «الْغارِمِينَ» وفرض نصيب لهم فى الصّدقات، سياسة حكيمة، وتدبير محكم، يريد به الإسلام أن يصحح أوضاع المجتمع الإسلامى، ويقضى على العلل التي تنجم فيه، قبل أن تعظم وتستشرى..

فالمدين الغارم- وهو أشبه بالمفلس- إذا ترك وشأنه، وتلك حاله- لم يستطع الوفاء بقضاء دينه.. وينشأ عن هذا أمور:

منها ضياع مال الدائن، الذي خفّ متطوّعا لإنقاذ المدين، والأخذ بيده فى ساعة العسرة..

والدائن إنما عمل خيرا، ومن حقّه أن ينتظر خيرا لما فعل.. فإذا جاءت عاقبة أمره مع المدين على تلك الصورة، ضاقت نفسه بفعل الخير بعد هذا، وكره أن يدخل فى تجربة جديدة كتلك التجربة..

والإسلام حريص على إشاعة المعروف بين النّاس، وتبادل الإحسان بين أفرادهم وجماعاتهم.. وموقف كهذا الموقف يقبض بد الناس عن الإحسان، ويزهدهم فيه.

ومنها: أن المدين نفسه، إذا ما وصلت به الحال إلى اليأس من قضاء دينه، صغرت نفسه بين الناس، وخفّ ميزانه فيهم.. ثم لا يلبث حتى ينعكس ذلك على نظرته هو إلى نفسه.. ثم يصبح وإذا هو إنسان ساقط المروءة، متعثر الخطا، مضطرب الحياة، ضائع الوجود.

ص: 816

وإذ فرض الإسلام نصيبا من الزكاة، أو بمعنى آخر من بيت المال، ورصده لقضاء دين المدينين المفلسين، فإنّه حمى بذلك الدائن والمدين جميعا.. وأبقى على مشاعر البرّ والإحسان بين النّاس، وقطع دواعى الشحناء والعداوة بينهم.

هذا، وقد رأى بعض الفقهاء أن يقيّد الدّين هنا بحيث لا يكون قد استدين للإنفاق منه فى حرام، أو فى سرف وتبذير..

ولا نرى حكمة لهذا القيد الذي يرد على الآية فى إطلاقها، فيضيق دائرة نفعها، ويحجز خيرها المطلق، ورحمتها الواسعة عن أن تنال كل غارم مشرف على الهلاك والضياع..

إن الحكم القرآنى- هنا- يواجه حالا واقعة، ويداوى علّة قائمة، ويستنفذ غريقا مشرفا على الغرق..

وإذ كان الأمر على تلك الصفة، فإنه ليس من الحكمة، ولا من المنطق أن يقلّب الإسلام صفحات هذا الإنسان، ويستعرض تاريخه.. ثم ليحكم أهو أهل لأن يمدّ إليه يده فينقذه، أم يدعه حيث هو ليلقى مصيره المحتوم..

وكلا.. فإن المطلوب، أولا، هو إنقاذ هذا الإنسان، دون نظر إلى أي اعتبار آخر..

فإذا أنقذ، كان من الممكن أن ينصح له، وكان من المرجوّ له أيضا أن ينتصح، وأن يتقبل هذا الإحسان الذي يجىء إليه فى صورة هداية وتبصرة له، بعد أن تلقّى هذا الإحسان الذي أمسك عليه حياته، وأنقذه من وطأة الدين الذي أنقض ظهره! وأكثر من هذا، فإن الإسلام، تكفّل- من بيت المال- بقضاء دين المدينين، ممن يتوفّون، وليس فى تركتهم ما يقضى دينهم..

ص: 817

يقول الرسول الكريم: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم.. من مات وعليه دين فأنا وليّه.. ومن مات وله مال فماله لورثته!» هذا شىء رائع معجز.. لا يمكن أن يقع فى حساب تشريع وضعىّ، مهما بلغ من المثاليّة والإحكام.. وإنما هو ممّا تجىء به السّماء من رحماتها وبركاتها.

وإنه بحسب الإسلام أن يقدّم للإنسانية هذه اللفتة الرائعة من لفتاته فى بناء المجتمع، وحياطة بنيانه من دواعى التصدّع والتشقق.. فتلك نظرة من نظراته النافذة إلى الصميم من حياة المجتمع، لا تستطيع الشرائع الوضعية فى أعمق نظراتها أن تحوم حولها.

«وفى سبيل الله» .

المراد بسبيل الله هنا، ما ينفق من مال الصدقات فى تجهيز المجاهدين فى سبيل الله، وفى إمدادهم بالعتاد والسلاح والمؤن وغيرها، مما يعين المجاهدين على الجهاد، لتأمين المجتمع، وحمايته من عدوان المعتدين..

«وابن السبيل» ..

وهو المسافر، المنقطع عن أهله.. ولا زاد معه..

والمسافر الذي على تلك الصفة، هو إنسان فى معرض الضياع والهلاك، إن لم يجد اليد الرحيمة التي تمتد إليه بالبر والإحسان، فتدفع عنه عادية الجوع التي تهجم عليه، وتريد اغتياله..

وفى جعل بيت المال هو الذي يقوم بهذا الأمر، ويتولّى رعاية أبناء السبيل- فى هذا ضمان موثّق لحماية هذه الطائفة، إذ كان بيت المال بموارده الكثيرة، أقدر على كفالة هذه الجماعة، وتوفير أسباب الحماية لها.. ثم هو- من جهة أخرى- صيانة لكرامة الإنسان، من أن يمدّ يده إلى غيره من الناس، أو أن يستشعر

ص: 818

أنه عالة على أحد.. الأمر الذي عافاه الله منه، إذ جعل إلى «بيت المال» كفالة هذا الإنسان، والبرّ به، والإحسان إليه..

ومن جهة أخرى.. فإن الإسلام قد نظر نظرة أوسع من هذا، فلم يجعل إلى بيت المال وحده، القيام بهذا الواجب حيال أبناء السبيل.. فقد يكون ابن السبيل فى مكان لا تصل إليه يد «بيت المال» .. وقد يكون «بيت المال» ولا مال فيه يتّسع للوفاء بحاجة المحتاجين من أبناء السبيل.

ومن أجل هذا، فقد فرض الإسلام على المسلمين جميعا، القيام بهذا الواجب إذا عرض لهم، وطلع عليهم ابن سبيل أو أبناء سبيل! روى البخاري ومسلم، عن عقبة بن عامر قال: قلنا يا رسول الله، تبعثنا «1» فننزل بقوم فلا قروننا «2» ، فما ترى فى ذلك؟ فقال- صلى الله عليه وسلم:

«إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم ما ينبغى للضيف فاقبلوا منهم، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغى لهم «3» » .

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «أيّما مسلم ضاف قوما فأصبح الضيف محروما، فإن حقّا على كل مسلم نصره، حتى يأخذ بقرى ليلته.. من زرعه أو ماله.»

وعن أبى كريمة، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«ليلة الضيف واجبة على كل مسلم، فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا عليه، فإن شاء اقتضاه «4» ، وإن شاء تركه!» .

فإلى هذا الحدّ تبلغ عناية الشريعة الإسلامية ورعايتها للفقراء، والضعفاء،

(1) أي فى سبيل الله.

(2)

أي فلا يقدمون لنا ما يقدم للضيف.

(3)

أي الذي ينبغى للضيوف.

(4)

اقتضاه: أي أخذه الضيف منه.

ص: 819

فى المجتمع الإسلامى، حتى لتجعل فرضا على كل مسلم نزل به ابن سبيل، أن يجعله ضيفا عليه، وأن يقدّم إليه من البشاشة والرعاية والإكرام ما يقدّم للضيف العزيز، دون منّ أو أذى، ودون ضيق أو تكره.. وفى تسمية ابن السبيل ضيفا، رعاية لهذا الواجب الذي ينبغى للمضيف أن يؤديه له، وصيانة لابن السبيل من أن ينظر إليه، أو ينظر هو إلى نفسه نظرة المتطفل.. وكلا إنه صاحب حق، وهو إذ ينزل بأحد المسلمين، فإنما ليستقضى حقّه عنده! فأين فى دنيا الناس، هذا المجتمع الذي ينزل فيه الفقير والمسكين منزلة الضيف العزيز المكرم؟ إن ذلك لن يكون إلا فى المجتمع الإسلامى، الذي يحفظ شريعة الإسلام، ويقيم سلوكه عليها!! «فريضة من الله» .

أي هذا التشريع الذي شرعه الله فى أموال الأغنياء، ثم ردّ هذه الأموال على تلك الجهات، التي بينها الله سبحانه وتعالى فى الآية الكريمة- هذا التشريع، هو فرض محكم فرضه الله على المسلمين، وأوجب عليهم أداءه، على هذا الوجه الذي شرعه.

«وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» .

أي أن هذا التشريع الذي شرعه الله سبحانه وتعالى، هو مما قضى به علمه وحكمته.. علمه الذي يحيط بكل شىء، وينفذ إلى كل شىء، ويستولى على كل شىء.. وحكمته المقدّرة لكل أمر، المحكمة لكل تدبير..

فليس بعد قضاء الله قضاء، ولا بعد تدبيره تدبير، ولا وراء حكمه حكم..

من أخذ به اهتدى وأمن، وسعد، ومن عدل عنه، ضلّ وخاب وشقى!

ص: 820