المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (163- 167) [سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 167] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٥

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (88- 93) [سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 93]

- ‌الآيات: (94- 99) [سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 102) [سورة الأعراف (7) : الآيات 100 الى 102]

- ‌الآيات: (103- 116) [سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 116]

- ‌الآيات: (117- 122) [سورة الأعراف (7) : الآيات 117 الى 122]

- ‌الآيات: (123- 126) [سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 126]

- ‌الآيات: (127- 129) [سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 133) [سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 133]

- ‌الآيات: (134- 137) [سورة الأعراف (7) : الآيات 134 الى 137]

- ‌الآيات: (138- 141) [سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

- ‌الآيات: (142- 144) [سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 144]

- ‌الآيات: (145- 147) [سورة الأعراف (7) : الآيات 145 الى 147]

- ‌الآيات: (148- 150) [سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 150]

- ‌الآيات: (151- 152) [سورة الأعراف (7) : الآيات 151 الى 153]

- ‌الآيات: (154- 155) [سورة الأعراف (7) : الآيات 154 الى 155]

- ‌الآيات: (156- 159) [سورة الأعراف (7) : الآيات 156 الى 159]

- ‌رسالة الإسلام ونسخها للرسالات السابقة

- ‌الآيات: (160- 162) [سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 162]

- ‌الآيات: (163- 167) [سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 167]

- ‌الآيات: (168- 171) [سورة الأعراف (7) : الآيات 168 الى 171]

- ‌الآيات: (172- 174) [سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌الآيات: (175- 179) [سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 179]

- ‌الآيات: (180- 185) [سورة الأعراف (7) : الآيات 180 الى 185]

- ‌الآيات: (186- 188) [سورة الأعراف (7) : الآيات 186 الى 188]

- ‌الآيات: (189- 198) [سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 198]

- ‌الآيات: (199- 206) [سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌8- سورة الأنفال

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 8) [سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 11) [سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 19) [سورة الأنفال (8) : الآيات 12 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 26) [سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 31) [سورة الأنفال (8) : الآيات 27 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 35) [سورة الأنفال (8) : الآيات 32 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 40) [سورة الأنفال (8) : الآيات 36 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 44) [سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 48) [سورة الأنفال (8) : الآيات 45 الى 48]

- ‌الآيات: (49- 54) [سورة الأنفال (8) : الآيات 49 الى 54]

- ‌الآيات: (55- 60) [سورة الأنفال (8) : الآيات 55 الى 60]

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة الأنفال (8) : الآيات 61 الى 63]

- ‌[الحرب والسلام.. فى الإسلام]

- ‌الآيات: (64- 66) [سورة الأنفال (8) : الآيات 64 الى 66]

- ‌المسلم.. وكم حسابه فى ميدان القتال

- ‌الآيات: (67- 71) [سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 71]

- ‌الآيات: (72- 75) [سورة الأنفال (8) : الآيات 72 الى 75]

- ‌9- سورة التّوبة

- ‌نزولها:

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 15) [سورة التوبة (9) : الآيات 6 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 18) [سورة التوبة (9) : الآيات 16 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 22) [سورة التوبة (9) : الآيات 19 الى 22]

- ‌الآيتان: (23- 24) [سورة التوبة (9) : الآيات 23 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 27) [سورة التوبة (9) : الآيات 25 الى 27]

- ‌الآيتان: (28- 29) [سورة التوبة (9) : الآيات 28 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 33) [سورة التوبة (9) : الآيات 30 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 35) [سورة التوبة (9) : الآيات 34 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 37) [سورة التوبة (9) : الآيات 36 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 41) [سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 45) [سورة التوبة (9) : الآيات 42 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 52) [سورة التوبة (9) : الآيات 46 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 57) [سورة التوبة (9) : الآيات 53 الى 57]

- ‌الآيات: (58- 60) [سورة التوبة (9) : الآيات 58 الى 60]

- ‌الزكاة والتكافل الاجتماعى

- ‌الآيات: (61- 63) [سورة التوبة (9) : الآيات 61 الى 63]

- ‌الآيات: (64- 70) [سورة التوبة (9) : الآيات 64 الى 70]

- ‌الآيتان: (71- 72) [سورة التوبة (9) : الآيات 71 الى 72]

- ‌الآيتان: (73- 74) [سورة التوبة (9) : الآيات 73 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 80) [سورة التوبة (9) : الآيات 75 الى 80]

- ‌الآيات: (81- 85) [سورة التوبة (9) : الآيات 81 الى 85]

- ‌الآيات: (86- 89) [سورة التوبة (9) : الآيات 86 الى 89]

- ‌الآيات: (90- 92) [سورة التوبة (9) : الآيات 90 الى 92]

الفصل: ‌الآيات: (163- 167) [سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 167]

تحديد مكان القرية- لا اسمها- هو أنها فى الأرض المقدسة من فلسطين، حيث أشار الله سبحانه إلى هذا بقوله تعالى فى سورة المائدة على لسان موسى:«يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» (الآية: 21) .

‌الآيات: (163- 167)[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 167]

وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)

التفسير: لم تكن قصة موسى وبني إسرائيل هنا حديثا مباشرا لليهود الذين عاصروا البعثة النبوية، إذ كانت الدعوة لا تزال فى مواجهة قريش، لم تحدد مكانها من اليهود بعد، ولم تنتقل إلى مطلعها الجديد فى المدينة التي سيهاجر إليها الرسول، ويواجه فيها اليهود مواجهة مباشرة.

ومع هذا، فإن الدّعوة الإسلامية- وهى فى مكة- كانت تشير إلى أهل الكتاب، وإلى اليهود خاصة، إشارات تنبىء عن أن للرسالة الإسلامية شأنا

ص: 503

معهم، وأن عليهم أن يهيئوا أنفسهم لها منذ اليوم، وأن ينظروا فيها، ويحدّدوا موقفهم منها.. وهذا من أنباء الغيب التي حملها القرآن، وأخبر بها قبل أن تقع.

وإذ انتهت قصة موسى وقومه، وإذ تكشف الآيات القرآنية عن القوم وعما فى قلوبهم من مرض، وما فى طباعهم من لؤم ومكر- فقد ناسب ذلك أن تأتى آيات أخرى تكشف عن طبيعة القوم، وتعرض صورا من كفرهم بنعم الله، ومكرهم بآياته، وفى هذا نذير لمشركى مكة إن هم جروا على سنّة هؤلاء القوم مع رسل الله، وإن هم أخذوا عنهم ما يلقون به إليهم من زيف القول، يكيدون به للرسول الكريم.

وقوله تعالى: «وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ» .. هو سؤال إلى اليهود لم يلقهم به النبي لقاء مباشرا، وإنما نقل إليهم من كفار قريش الذين كانوا يتعاملون مع اليهود فى التّصدّي للنبىّ، وفى نصب المزالق والعثرات له.. إذ كان اليهود يلتقطون أخبار النبىّ وما ينزل عليه من قرآن، أولا بأول، فيجدون القرآن يحدّث عنهم، ويفضح تاريخهم الأسود مع أنبيائهم دون أن يلتفت إليهم النبىّ الكريم، وأن يلقاهم بوجهه.. وهذا مما يثير القلق والاضطراب فى نفوسهم، ويجعلهم والقرآن وجها لوجه، من غير أن يكون للرسول موقف معهم، يمكنهم من أن ينالوا منه منالا..!!

والقرية التي كانت حاضرة البحر، هى إحدى القرى التي كانت لبنى إسرائيل، على شاطىء بحيرة طبرية، أو شاطىء البحر المتوسط.. وكونها حاضرة البحر، أي قائمة عليه، وبمحضر منه، أي ليست بعيدة عنه، بل هى مشرفة عليه.

«إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ» ..

ص: 504

وذلك أنهم كانوا قد ابتلوا بيوم السبت، فلا يعملون فيه عملا، وإلا وقعوا تحت لعنة الله..

وفى هذا تقول التوراة: «اذكر يوم السبت لتقدّسه، ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك، وأما اليوم السابع ففيه سبت للربّ إلهك، لا تصنع عملا ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك لأن فى ستة أيام صنع الربّ السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح فى اليوم السابع لذلك بارك الربّ يوم السبت وقدّسه» [سفر الخروج..

الإصحاح العشرون] .

وقد مكر أصحاب هذه القرية بهذا اليوم، فكانوا يحتالون على العمل فيه، وخاصة فيما يتصل بصيد السمك الذي كان العمل الغالب عليهم..

ولهذا فقد ابتلاهم الله فى هذا اليوم بابتلاء آخر، وهو أن الحيتان كانت لا تظهر فى شاطىء البحر طوال أيام الأسبوع إلا يوم يسبتون، أي يوم السبت.

فإذا كان يوم السبت جاءت الحيتان من كل صوب، تتراقص أمام أعينهم، حتى لتكاد تلقى بنفسها إلى اليابسة.. وفى ذلك ابتلاء لهم أىّ ابتلاء.. فإما أن يصبروا على حكم الله فيهم، فلا يمدّوا أيديهم إليها، وإما أن يأخذوا منها ما يشاءون، وفى هذا هلاكهم، فلا تبقى منهم باقية..

وقد وقف القوم موقفا وسطا، خيّل إليهم فيه أنهم يخدعون الله، وأن الله سينخدع لهم، فجعلوا ينصبون شباكهم يوم الجمعة بالليل ليقع فيها السمك نهار السبت، حتى إذا كان آخر النهار، ومضى يوم السبت، أخرجوا شباكهم وقد امتلأت صيدا! ولهذا فقد صيّر الله- سبحانه- السبت لعنة عليهم، فحرّم عليهم فيه أي عمل،

ص: 505

ومن خرج منهم عن هذا الأمر فقد حلّ قتله، كما تقول التوراة، فى الإصحاح الخامس والثلاثين من سفر الخروج.

«ستة أيام يعمل عمل، وأما اليوم السابع ففيه يكون لكم سبت عطلة مقدس للربّ، كل من يعمل فيه عملا يقتل، لا تشعلوا نارا فى جميع مساكنكم يوم السبت» .

وهكذا كان الأمر إليهم أولا أن يقدسوا يوم السبت، وألا يباشروا فيه عملا من أعمال الدنيا.. فلما خرجوا عن هذا الأمر أوجب الله عليهم القتل إذا عملوا أي عمل فى هذا اليوم.. وهكذا انقلبت تلك النعمة شرّا ووبالا عليهم. فوقعوا منها تحت هذا الإصر الذي لا يحتمل!! وقوله تعالى:«يَوْمَ سَبْتِهِمْ» أي يوم يدخلون فى السبت، وقوله:

«وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ» أي يوم لا يكون السّبت، وذلك بقية أيام الأسبوع.

وأصل «السبت» السكون، وعدم الحركة.

وقوله تعالى: «شُرَّعاً» أي شارعة ظاهرة، ومنه شراع السفينة..

سمّى بذلك لظهوره، ومنه الشّرع، والشريعة، لظهورهما، ووضوح أمرهما..

وقوله تعالى: «كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ» الإشارة هنا إلى ما ابتلاهم الله به من يوم السبت، ثم ما ابتلاهم به فى يوم السبت نفسه، بما يتعرض لهم فيه من حيتان، لا تظهر لهم إلا فى هذا اليوم.. وذلك الابتلاء إنما هو بسبب فسقهم، وخروجهم على أحكام الله، واحتيالهم على التفلّت منها.

قوله تعالى: «وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» .

لم يكن أهل القرية كلّهم على سواء فى الخروج على يوم السبت،

ص: 506

والاحتيال على التخلص من هذه البلوى التي ابتلاهم الله بها.. فهناك أمّة منهم، أي جماعة أرادت أن تنصح للقوم وتدعوهم إلى الصبر على حكم الله فيهم، فقامت جماعة أخرى تحاجّ تلك الجماعة، وتدعوها إلى أن تترك القوم وشأنهم، ليلقوا المصير الذي أعدّه الله لهم، وقالوا:«لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ» فى الدنيا «أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً» في الآخرة؟ وقد ردّت عليهم الجماعة التي أرادت أن تنصح وترشد بقولها: «مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» أي إنما ننصح لهم لئلا يكون لهم على الله حجة، ولعلّ فى هذا النصح ما يذكرهم بالله، وبانتقامه من المعتدين، فيفيئوا إلى الرشد والهدى..

وانظر كيف يمكر القوم بعضهم ببعض؟ وكيف يضنّ بعضهم على بعض حتى بالكلمة التي تنبّه إلى الخطر، وتوجّه إلى السلامة؟

إن هذا الجدل الذي ذكره القرآن هنا، إنما هو بين أهل العلم والرأى فيهم، فقد انقسم هؤلاء إلى فريقين: فريق يريد أن ينصح ويرشد، وفريق يعترض هذا العمل، ويقول بعدم جدواه، وأن يترك القوم لمصيرهم المشئوم! «فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ» .

وقد مضى الناصحون فى طريقهم ينصحون ويدعون إلى التزام أمر الله فى حرمة السبت، ولكن القوم ظلّوا على ما هم فيه من بغى وعدوان.

أما الذين نصحوا، وكانوا ينهون عن السوء فقد نجاهم الله، وأما الذين ظلموا واعتدوا فأخذهم الله بعذاب بئيس، أي قاهر مذلّ.. بما كانوا يفسقون..

«فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» .

العتوّ: مجاوزة الحدّ فى البغي والعدوان، والخروج عن حدود الله فى غير تحرّج.

فقد بغى القوم أولا، فاعتدوا على حرمات الله، فى خوف وحذر.. فأخذهم

ص: 507

الله بالعذاب البئيس، أي المذلّ، المهين.. فى الدنيا، ورصد لهم هذا العذاب ليوم القيامة..

ثم لما استمرأ القوم هذا البغي، وصاروا يأتونه فى غير تحرّج أو تأثم- أخذهم الله بعذاب عاجل فى هذه الدنيا، مع هذا العذاب الذي أعدّه لهم فى الآخرة:«قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» .. فقد ردهم الله إلى عالم الحيوان، ومسخهم فى طبائع القردة، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«خاسِئِينَ» أي مطرودين إلى الوراء، مزجورين من هذا الموقف الإنسانى الذي كانوا فيه، إلى حيث ينزلون إلى عالم القردة.. تقول: خسأت الكلب، أي زجرته، فرجع إلى الوراء..

وفى قوله تعالى: «قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً» أمر بخلق جديد لهؤلاء القوم، «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» .

فالقوم لم يلبسوا خلقة القردة، وإنما لبسوا أخلاقها وطباعها..

وفى ردّة القوم إلى طبائع القردة إشارة إلى النسب الذي بين الإنسان وبين القردة فى سلسلة التطور، وأن القردة درجة نازله فى الخلق المتطور للإنسان..

وهكذا يعود القوم إلى الوراء ملايين السنين، ويكون بينهم وبين عالم الناس هذا الحاجز الزمنى الطويل.. فهم خلق فى طبائع القردة، وفى أجسام الآدميين.. وهكذا يعيشون فى الناس، يمثلون حركات القردة وإشاراتها، حتى ليخيّل لمن يراهم أنهم كائنات مدركة عاقلة، وما هم فى الواقع إلا قرود تمثل أفعال الآدميين.

قوله تعالى: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ» .

ص: 508

«تَأَذَّنَ رَبُّكَ» أي قضى وحكم.. والواو واو القسم، تأكيدا لهذا الحكم الذي أوقعه الله عليهم..

«لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ» جواب القسم، أي أن الله حكم حكما قاطعا بأن يبعث عليهم من عباده، ويسلط عليهم من خلقه، من يأخذهم بالعذاب الأليم، والهوان والذلة، وذلك فى أجيالهم المتعاقبة.. إلى يوم القيامة!! وهنا سؤال:

هذا عقاب استحقه القوم بأفعالهم.. فما بال أبنائهم من بعدهم، جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة؟.

والجواب: أن الله سبحانه قد ردّ هؤلاء القوم إلى عالم القردة، ونكسّهم فى الخلق، فهم- بهذا- خلق آخر غير خلق الإنسان السّوىّ- فما تناسل منهم لا يكون إلا على هذا الخلق إلى يوم القيامة..

فإذا ذهبت تسأل: ما ذنب هذه الذّرية التي نتجت من هؤلاء القوم؟

فاسأل: ما ذنب القردة أن تكون قردة؟ وما ذنب ذريتها أن تجىء على صورتها؟.

إن هذا من ذاك.. سواء بسوء..!!

فالله- سبحانه- يخلق ما يشاء: «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ» .

وانظر إلى «اليهود» فى مسرح الحياة.. إنهم لم ينزع عنهم أبدا هذ الثوب الذي ألبسهم الله إياه، ثوب القردة.. إنهم بين الناس عالم آخر، فى طباعه، وفى تدبير شئون حياته.. إنهم لعبة فى يد الناس، يحركونهم

ص: 509