الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرك وضلال (1) يبيح الأموال والدماء بعد قيام الحجة، فلذلك اعترض بأخذ الأموال وجعلها فيئًا؛ بل (2) ولا يرى ما كانت عليه البوادي من ترك دين الله والإعراض عما جاءت به الرسل، وإنكار البعث والرجوع في الدماء والأموال إلى ما حكمت به أسلافهم وعشائرهم، مع الاستهزاء الصريح بدين الله ورسله، مكفرًا مبيحًا للقتال والمال، وشبهة هذا الضال وإخوانه من قبل أنهم يقولون: لا إِله إلا الله.
والعلماء يُكَفِّرون بدون هذا من المكفرات، ويرون أن أموال هؤلاء المرتدين فيئًا، لا يختلفون في ذلك.
[الكلام في تكفير أهل الأحداث]
وأما قول المعترض: لما رأى في هذه الأمة من الأحداث التي لا تزال موجودة فيها تقل وتكثر، ولا تزال علماؤها تجدد لها دينها من الباب الواسع، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتتحاشى عن الدخول عليها من الباب الضيق وهو تكفيرها الذي حذَّر عنه نبيها. . .) إلى آخر عبارته.
فالجواب أن يقال: قضية هذا الكلام أن الشيخ إنَّما كفر وقاتل وأخذ الأموال بأحداث لا تزال موجودة في الأمة تقلّ وتكثر، وأنها لا يكفر بها أحد، وأن تكفير الصحابة (3) لمن كفَّروه من أهل الردة على اختلافهم، وتكفير علي للغلاة، وتكفيره (4) للسحرة وقتلهم، وتكفير من بعدهم
(1) في الأصل و (س) و (م) و (ق) : " شركًا وضلالاً "، والمثبت كما في باقي النسخ، وهو الصواب لكونه خبر " إن ".
(2)
(بل) سقطت من (س) .
(3)
في (ق) : " الصاحبة "، وهو سبق قلم.
(4)
في الأصل و (م) : " وتكفيرهم "، والمثبت كما في بقية النسخ، وهو الأقرب.
للقدرية ونحوهم، وتكفير من بعد أولئك للجهمية، وقتلهم للجعد بن درهم وجهم بن صفوان ومن على رأيهم، وقتلهم للزنادقة، وهكذا في كل قرن وعصر من أهل العلم والفقه والحديث طائفة قائمة تكفر من كفَّره الله ورسوله، وقام الدليل على كفره لا يتحاشون عن ذلك؛ بل يرونه من واجبات الدين وقواعد الإسلام وفي الحديث:" «من بدل دينه فاقتلوه» "(1) .
، [11] وبعض العلماء يرى أنَّ هذا والجهاد (2) عليه ركن لا يتم الإسلام بدونه. وقد سلك سبيلهم الأئمة الأربعة المقلَّدون، وأتباعهم في كل عصر ومصر، وكفروا طوائف من أهل الأحداث، كالقرامطة والباطنيه، وكفَّروا العبيديين ملوك مصر وقاتلوهم، وهم يبنون المساجد، ويصلون ويؤذون، ويدَّعون نصرة أهل البيت، وصنَّف ابن الجوزي كتابًا سمَّاه: النصر على مصر) (3) ذكر فيه وجوبَ قتالِهم، وردَّتِهم.
وقد عقد الفقهاء في كل كتاب من كتب الفقه المصنفة على مذاهبهم، أبوابًا مستقلة (4) في حكم أهل الأحداث التي توجب الردَّة، وسماه: باب (5) الردَّة، وأكثرهم عرَّفوا المرتد: بأنه الذي يكفر بعد إسلامه، وذكروا أشياء دون ما نحن فيه من المكفرات حكموا بكفر فاعلها، وإن صَلَّى وصام، وزعم أنه مسلم.
(1) أخرجه البخاري (6922) ، وأبو داود (4351) ، والترمذي (1458) ، والنسائي (7 / 104) ، وابن ماجه (2535) .
(2)
في (م) و (ق) : " هذا الجهاد ".
(3)
في (م) و (ق) : " النصر على فتح مصر ".
(4)
في (م) و (ق) و (ح) و (المطبوعة) : (بابًا مستقلاً) .
(5)
في (المطبوعة) : " وسماه أكثرهم باب ".
وقال الشيخ عثمان الحنبلي صاحب " حاشية المنتهى " في عقيدته:
(تتمة: الإسلام: الإتيان بالشهادتين مع اعتقادهما والتزام الأركان الخمسة إذا تعينت وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما (1) جاء به: (ومن جحد ما لا يتم الإسلام بدونه، أو جحد حكمًا ظاهرًا، أجمع (2) على تحريمه أو حله) (3) إجماعًا قطعيًّا، أو ثبت جزمًا كتحريم لحم الخنزير، أو حل خبز (4) ونحوهما كَفرَ، أو فعل كبيرة، وهي ما فيها حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، أو داوم على صغيرة، - وهي ما عدا ذلك - فَسَقَ) . انتهى.
وهذا يعرفه صغار الطلبة فضلًا عن العلماء الممارسين.
وهذا الأحمق يَعُدُّ هذا بابًا ضيقًا، ويسفه رأي الأئمة وعلماء الأمة ويجهلهم، وهو يزعم أنه ينصرهم. وما أحسن ما قيل:
لأن يعادي المرء عاقلاً خير له
…
من أن يكون له صديق (5) أحمق
والباب الذي يسع كل أحد هو الباب الشرعي، الذي عليه الداعي النبوي.
(1) في (ح) و (المطبوعة) : " فيما ".
(2)
في بقية النسخ: " أو أجمع ".
(3)
ما بين القوسين ساقط من (م) و (ق) .
(4)
في الأصل و (المطبوعة) : " خمر "، وهو خطأ، والمثبت كما في:(م) و (س) و (ق) .
(5)
في جميع النسخ: (عاقل) ، والمثبت كما في (المطبوعة) ، وهو الصواب.
وأما إهمال الجهاد، وعدم تكفير المرتدين، ومن عدل بربه، واتخذ معه الأنداد والآلهة، فهذا إنما يسلكه من لم يؤمن بالله ورسوله، ولم يُعْنهم أمره، ولم يسلك صراطه، ولم يقدر الله ورسوله (1) .
حق قدره، بل ولا قدَّر علماء الأمة وأئمتها حق قدرهم، وهذا هو الحرج والضيق.
[12]
، قال تعالى:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الأنعام: 125][الأنعام -125] .
والجهاد للمارقين والمرتدين وتكفيرهم داخل في مسمى الإسلام، بل هو من أركانه العشرة، كما نصَّ عليه بعض المحقِّقين، وفي الحديث:" «وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله» "(2) فلا ينشرح له ويراه حقُّا وواسعًا إلا صدر من أراد الله هدايته وتوفيقه، ويراه ضيقًا حرجًا من أراد الله أن يضله ويخزيه بين عباده المؤمنين.
هكذا يقرِّر الكلام هنا والقول في هذا الموضع، لا ما زعمه من خسف الله قلبه، فعكس القضية، وراغم الأدلة الشرعية، والقوانين المحمَّدية، فبعدًا لقوم لا يؤمنون.
وأما قوله: (أن تكفيرها حذر منه نبيها صلى الله عليه وسلم غاية التحذير) .
فيقال: إن زعمت أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر عن تكفير من أتى ما يوجب الكفر ويقتضيه ممن بدَّل (3) دينه، فهذا مكابرة وجحد للضروريات
(1) سقطت " ورسوله " من (س)، وفي (المطبوعة) :" ولا رسوله ".
(2)
وهو جزء من حديث معاذ بن جبل الطويل حين كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه الترمذي (2616) ، وابن ماجه (3973) ، وأحمد في المسند (5 / 231) .
(3)
في (ح) : (وتقتضيه ممن غير بدَّل)، في (م) و (ق) :(غيَّر) مكان: " بدَّل ".
والحسيَّات، وقائله إلى أن يعالج عقله أحوج منه إلى تلاوة الآيات والأحاديث، وحكاية الإجماع، وفعل الأمة طبقة طبقة وقرنًا قرنًا.
وإن أراد أن النهي (1) عن تكفير عموم الأمة وجميعها: فهذا لم يقله أحد، ولم نسمع به عن (2) مارق ولا مبتدع، وهل يقول هذا من له عقل يدرك به ويعرف ما في الأمة من العلم والإيمان والدين؛ وأما بعض الأمة فلا مانع من تكفير من قام الدليل على كفره كبني حنيفة، وسائر أهل الردَّة في زمن أبي بكر، وغلاة القدرية والمارقين الذين مرقوا في زمن علي رضي الله عنه وغلوا فيه، وهكذا الحال في كل وقت وزمان، ولولا ذلك لبطل الجهاد وترك الكلام في أهل الردة وأحكامهم، وفي ضمن هذا القول ما تقدم من تسفيه جميع الأمة، وتجهيل علمائها الذين كفَّروا بكثير من الأحداث والمكفِّرات، وفيه:(أنهم لم يسلكوا الطريق الواسع، ولم يفهموا الحديث عن نبيهم) .
وبالجملة: فهذا المعترض مموَّه بلفظ الأمة مُلَبِّس.
قال تعالى في ذم هذا الصنف من الناس: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42][البقرة -42] .
وهذا من أعظم اللبس والخلط والتمويه، والأمة تطلق ويُراد بها عموم أهل الدعوة، ويدخل فيها من لم يستجب لله ورسوله، وتطلق أيضًا [13] ، ويُراد بها أهل الاستجابة المنقادين لما جاءت به الرسل، ومن لم يُفَصّل ويضع النصوص مواضعها فهو من الجاهلين الملبسين، بل هو ممن صدَّ
(1) في (المطبوعة) : " أراد النهي ".
(2)
في (م) و (ق) : (هذا عن) .