الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في بيان كفر من عرف أن التوحيد دين الله وأن الاعتقاد في الشجر والحجر شرك وأعرض عنه ولم يقبله]
فصل قال المعترض: (ثم كيف يفر هذا، ويقتل ويؤخذ ماله، وييتم أولاده (1) بهذا الهذيان البارد؟ ويجعل هذا الصنيع المارج دين الله ورسوله، المرتب للمجاهد (2) فيه جنة المأوى والرضوان من الرحمن، وأنه الذي أرسل الله (3) به رسوله وأنزل به كتابه؟ سبحانك هذا بهتان عظيم، وافتراء على الله في عباده (4) وبلاده، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) .
ثم قال: (والاعتقاد في الشجر والحجر ليس هو دين غالب الناس) .
وزعم أن هذا افتراء واجتراء، وأن الغالب قول الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته التي هي خير أمة أخرجت للناس:" «لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة» "(5) وحديث: " «لن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله» "(6)
(1) في (ق) و (م) : "وتيتم عياله "، وفي هامش (م) :(أولاده) .
(2)
في (المطبوعة) : " للمجاهدين ".
(3)
في (المطبوعة) : " أرسل به".
(4)
في (ق) : "عبادته ".
(5)
أخرجه مسلم (1822) ، وأبو داود (4279) .
(6)
أخرجه البخاري (71، 3116) ، ومسلم (156) ، وأبو داود (4252) ، والترمذي (2192، 2229) ، وأحمد (4 / 101) .
ثم قال: (وأهل البدع طريقتهم (1) الجهل والافتراء، فإن وجد في الأمة من يريد التبرك بشجر أو حجر فلا أو سمع من طريقة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم يوم حنين، وكذا طريقة كليم الرحمن موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام مع أصحابه، فيقال لمن أراد (2) ذلك ما قالوا، ويقف حيث وقف رسل الله تعالى، وهذا الرجل يطلب طريقا غير طريقهم، ولازم قوله هذا تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث لم يجعل دينه قائما مستقيما ظاهرا، وأنه الذي أظهره للناس، فأي ذلك يصدق: هذا الرجل؟ أم الرسول-صلى الله عليه وسلم والعيان بالبيان ما أغوى صاحب الهوى) . انتهى.
والجواب أن يقال:
هذا القول الذي قاله شيخنا وقرره في تكفير من عرف أن التوحيد دين الله، وأن الاعتقاد في الشجر والحجر هو الشرك الذي قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذه المعرفة أعرض عنه ولم يقبله تعلما وعملا، هو الذي دل عليه الكتاب العزيز والسنة النبوية.
قال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13][فصلت / 13] .
ولم يقل فإن لم يعرفوا؛ بل رتب ذلك على نفس الإعراض.
وقال تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى - وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 123 - 124][طه / 123، 124]
(1) في (المطبوعة) : "طريقهم ".
(2)
في (ق) : " أدرك ".
وقال تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [النجم: 29](1)[النجم / 29] .
وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65][النساء / 65]
وقال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 177](2)[البقرة / 177] .
وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5][البينة / 5]
فدلت هذه الآية (3) على أن المعرض عما جاء به الرسول من الهدى ودين الحق يكفر إن (4) عرف ولم ينكر، وأن الإيمان بالله ورسوله لا بد فيه من الانقياد والاعتقاد والعمل باطنا وظاهرا، وذكر السلف في ردهم على المرجئة والجهمية أن الإيمان قول وعمل ونية، ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك في غير ما حديث، كحديث: " «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا
(1) في (ق) و (م) إلى قوله: "عن ذكرنا ".
(2)
في (ح) و (المطبوعة) زيادة قوله تعالى: واليوم الآخر والملائكة.
(3)
في (المطبوعة) : "الآية ".
(4)
في (ق) و (م) : "وإن ".
لا إله إلا الله» " (1) وحديث: "«من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله» " (2) وحديث عمرو بن عبسة وقد تقدم قريبا (3) وغير ذلك مما لو أفرد لاحتمل مجلدات.
فمن قال فيمن ذهب إلى مدلول هذا وقرره (4)(أنه هذيان بارد) فهو كفور جاحد (5) ومكابر معاند، ولئيم حاسد، والجهاد لم يشرع إلا لإلزام المكلفين بما جاء من توحيد الله، والتزام دين المرسلين، لا لمجرد المعرفة فقط، وقد جاهد (6) صلى الله عليه وسلم هذا الضرب من الناس، واستباح دماءهم وأموالهم؟ واليهود يعرفون الرسول كما يعرفون أبناءهم.
وقد قال تعالى في شأنهم: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146][البقرة / 146]
فمن جعل مجرد المعرفة هي الإيمان والقتال لأهلها الذين لم يلتزموا ما جاءت به الرسل، بل أعرضوا عنه قتال مفتر ظالم وصنيع مارج، فهو من أعظم الخلق صدا (7) عن سبيل الله، وهدما لقواعد دينه، وكذبا على شريعته، وتلبيسا على عباده، وردا لما جاءت به رسله، وجهلا بالإيمان وحقائقه.
(1) متفق عليه. تقدم تخريجه. انظر ص (117) ، هامش 3.
(2)
أخرجه مسلم (23) ، وأحمد (3 / 472) من حديث طارق بن أشيم وتقدم، انظر: ص (163) ، هامش 3.
(3)
انظر: ص (201) ، هامش 5.
(4)
في (المطبوعة) : " وقرر".
(5)
في (ح) : "جا"، وسقط باقي الكلمة.
(6)
في (ق) و (م) : "رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
(7)
في (م) : "صدد".
ولازم قوله (1) هذا: الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتاله (2) من عرف أنه على الحق، وأنه رسول الله، وكذلك فيه: طعن (3) على من قاتل على الشهادتين أو على ركن من أركان الإسلام، كقتال الصديق على الزكاة، وجهاد من منعها، وفيه: طعن على جميع أهل العلم الذين أباحوا القتال على الامتناع عن فعل بعض شرائع الإسلام الظاهرة.
وكذلك من نفى ورد ما قاله الشيخ وقرره من أن الاعتقاد في الحجر والشجر هو دين غالب الناس في هذه الأوقات، فمن أنكر هذا وجادل فيه فهو مكابر معاند، لأن هذا قد اشتهر، وعرفه جمهور البشر، فليس في أرض فارس وما وراء النهر إلا عبادة قبور (4) الأئمة وأهل البيت وغيرهم، والاعتقاد فيهم النفع والضر، والعطاء والمنع، والنصر والقهر، وغير ذلك من أفعال الربوبية، وكذلك العراق باديته وحاضرته، إلا أفرادا قليلا (5) والأكثر لهم فيمن يعتقدونه من الأولياء أو غيرهم (6) كعبد القادر (7) والكاظم وغيرهما ما لا يجهله أبلد الناس وأشدهم تغفيلا، وهكذا كل بلد وكل مصر وكل بادية، لهم من الولائج والمعبودات والاعتقادات في القبور والأشجار التي يرجون منها البركة ما لا يخفى على أحد.
(1) ساقطة من (ق) ، ومدرجة بالهامش وفوقها علامة خطأ.
(2)
في (ق) : "بقتال".
(3)
ساقطة من (ح) .
(4)
ساقطة من (ح) و (المطبوعة) .
(5)
في (ق) و (م) : "أفراد قليلة) .
(6)
في (م) و (ق) و (المطبوعة) : (وغيرهم) .
(7)
في (ق) : "كعبد القادر الجيلي وموسى الكاظم"،.