الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في بيان كفر من عرف التوحيد ولم يتبعه مع عدم بغض للدين وأهله ولم يمدح الشرك]
فصل قال المعترض: (ثم قال في جوابه المذكور: فنقول: أعداؤنا معنا على أنواع.
النوع الأول: من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي أظهرناه للناس، وأقر أيضا أن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر الذي هو دين غالب الناس أنه الشرك بالله الذي بعث الله رسوله ينهى عنه، ويقاتل أهله ليكون الدين كله لله، ومع ذلك (1) لم يلتفت إلى التوحيد ولا تعلمه ولا دخل فيه، فهذا كافر نقاتله بكفره، لأنه عرف التوحيد فلم يتبعه، مع أنه لا يبغض دين الرسول ولا من دخل فيه، ولا يمدح الشرك ولا يزينه للناس) .
ثم قال المعترض: (فنقول: يا غوثاه إلى الله تعالى، كيف يقول: إنه عرف التوحيد والشرك ومع ذلك إنه لا يبغض دين الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من دخل فيه، " ولا يمدح الشرك ولا يزينه للناس، ثم يقول: ولا تعلمه ولا دخل فيه)(2) ما هذا التناقض الباهر؛ الذي يعرفه البليد دون الماهر؟)
(1) في (ق) و (م) : "هذا".
(2)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
والجواب أن يقال: آفتك الفهم السقيم؟ والمعتقد الذميم، الخارج عن الصراط المستقيم.
قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110][الأنعام / 110]
لو عرفت حدود ما أنزل الله علي رسوله، وعرفت الإيمان بحده الشرعي، والتوحيد بحده، لظهر لك أن المعرفة لا تقتضي الإيمان والتوحيد، وأكثر أعداء الرسل عرفوا الحق والصدق، ولكنهم لم يلتفتوا إليه ولم يعبأوا به ولا تعلموه، كحال هذا الذي ذكره الشيخ.
قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17][فصلت / 17]
وقال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33][الأنعام / 33] .
وقال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14][النمل / 14] .
قال شيخ الإسلام في كتاب "الإيمان "(1) في بيان (2) غلط المرجئة:
(الثاني: ظنهم أن كل من حكم الشارع بأنه كافر مخلد في النار؛ فإنما ذلك لأنه لم يكن في قلبه شيء من العلم والتصديق، وهذا أمر خالفوا به الحس والعقل والشرع وما أجمع عليه طوائف بني آدم السليمي
(1) انظر: "مجموع الفتاوى" الشيخ الإسلام (7 / 191) .
(2)
في (ق) : " وبيان ".
الفطرة وجماهير النظار، فإن الإنسان قد يعرف أن (1) الحق مع غيره، ومع هذا (2) يجحد ذلك لحسده إياه، أو لطلب علوه (عليه، أو لهوى النفوس، ويحمله ذلك الهوى على أن يتعدى)(3) عليه ويرد ما يقول بكل طريق، وهو في قلبه يعلم أن الحق معه، وعامة من كذب الرسل علموا أن الحق معهم، وأنهم صادقون لكن إما لحسدهم، وإما لإرادتهم العلو والرياسة، وإما لحبهم (4) دينهم الذي كانوا عليه، وما يحصل لهم به من الأغراض، كالأموال والرياسة وصداقة أقوام وغير ذلك، فيرون في اتباع الرسل ترك الأهواء المحبوبة إليهم، وحصول أمور مكروهة إليهم فيكذبونهم ويعادونهم، فيكونون من أكفر الناس، كإبليس وفرعون مع علمهم بأنهم على الباطل، والرسل على الحق، ولهذا لا يذكر الكفار حجة صحيحة تقدح في صدق الرسل وإنما يعتمدون على مخالفة أهوائهم، كقولهم لنوح:{أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111][الشعراء / 111] .
ومعلوم أن اتباع الأرذلين لا يقدح في صدقه في (5)) . انتهى المقصود (6) .
وفي قصة أبي طالب وأمره لابنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأن يلزم ما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وعدم بغض دينه ومن دخل فيه ونصرته ومدحه، ومع ذلك لم يرغب عن ملة
(1) ساقطة من (ق) .
(2)
في (ق) و (م) : "ذلك".
(3)
ما بين القوسين ساقط من (ق)، وفي (م) :"أو لطلب هوى " مكان "أو لهوى ".
(4)
في (ق) و (م) : "لمحبتهم".
(5)
(ق) : "صدق نوح".
(6)
ساقطة من (ق) .
عبد المطلب، وحكم الله بكفره ونهى رسوله عن الاستغفار له، وهذا في أول السيرة يفهمه صغار الطلبة، وقد خفي على ضخم العمامة واسع الأردان. قال [أبو طالب]، (1) في منظومته المشهورة:
لقد علموا أن ابننا لا مكذب
…
لدينا ، ولا يعني بقول الأباطل
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عصمة للأرامل (2)
وقال: (3)
وعرضت" دينا قد عرفت بأنه
…
من خير أديان البرية دينا (4)
ولقد علمت بأن دين محمد
…
من خير أديان البرية دينا (5)
لولا الملامة أوحذار مسبة
…
لوجدتني سمحا بذاك مبينا
ومع ذلك كله لا تعلم الدين (ولا دخل)(6) فيه، فهو من النوع الذي مثل به الشيخ.
وأصل الأشكال على هذا المعترض الجاهل: أنه لم يفرق بين المعرفة وبين التعلم والدخول في الدين، فلذلك استغرب وصاح وناح، وبجهله أعلن وباح، وزعم أن العبارة فيها تناقض باهر ظاهر، يعرفه البليد
(1) ما بينهما إضافة من (المطبوعة) .
(2)
هذان البيتان ليسا متتاليين في القصيدة وإنما الثاني قبل الأول بواحد وخمسين بيتا. انظر: المنظومة في سيرة ابن هشام (1 / 291- 299) .
(3)
في (المطبوعة) زيادة بيت شعر لم تذكره بقية النسخ وهو قوله:
ودعوتني وعلمت أنك ناصحي
…
فلقد صدقت وكنت قبل أمينا.
(4)
ساقط من (ق) و (م)، وفي (ح) :"وعوضت " مكان " وعرضت ".
(5)
في هامش (الأصل) قال: وفي نسخة بدل هذا:
وعرضت دينا قد عرفت بأنه
…
من خير أديان البرية دينا.
(6)
ما بين القوسين ساقط من (ح) .
دون الماهر؟ وأهل العلم عرفوا التوحيد والإيمان بأنه: قبول ما جاء به الرسول من الهدى ودين الحق باطنا وظاهرا، وإيثاره على غيره، وهذا يدخل فيه علم القلب (1) وعمله، وقول (2) اللسان وعمل (3) الأركان، فأين هذا من مجرد المعرفة وعدم البغض؟ وقد قيل فيمن لم يأخذ بالحق ويلتزمه مع معرفته له:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
…
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وقد تقدم عن هذا أنه قال فيمن قال: "لا إله إلا الله إنه من أهل التوحيد والإيمان، ومن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا (4) يضره عنده عبادة الصالحين والأوثان، ولا يحول بينه وبين ذلك، وهنا زعم أن المعرفة هي الإيمان والدخول فيه، هذا هو التناقض والتدافع والاضطراب، الذي لا يرتضيه أولو الأحلام والألباب.
وفي قول هذا من المؤاخذة اللفظية: أن "البليد" لا يختص بمعرفة دون الماهر، فكيف يقول:(يعرفه البليد دون الماهر) ؟ وأظنه يريد: فكيف الماهر، ولكنه ارتبك على عادته في العجمة، ولسنا بصدد هذا! وإنما المقصود بيان كذب هذا في دعوى التناقض، وأن هذا وصفه، وقد شنع سلف الأمة وأئمتها على من قال:(إن الإيمان هو التصديق) . وبدعوه وضللوه وذكروا لقوله من اللوازم المكفرة ما لا يتسع له هذا الجواب.
فسبحان من صد عن معرفة الهدى والرشاد كل من صدف عن دينه وتوحيده، وسعى في الأرض بالفساد.
(1) في (المطبوعة) : "اللب"، ولعله خطأ مطبعي.
(2)
في (ق) : "وقوله ".
(3)
في (ق) : "وعمله ".
(4)
في (ق) : "ولم ".
تنبيه: حرف المعترض كلام الشيخ، فحذف منه ما يبين مراد الشيخ.
وأول كلامه رحمه الله (1)(سألني الشريف عما نقاتل عليه، وعما نكفر الرجل به؟ فأخبرته بالصدق، وبينت له أيضا الكذب الذي يبهت (2) به الأعداء، فسألني أن أكتب له فأقول:
أركان (3) الإسلام الخمسة أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة، فالأربعة إذا أقر بها وتركها تهاونا فنحن وإن قاتلناه على فعلها فلا نكفره، بتركها، والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلا من غير جحود. ولا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو: الشهادتان) . انتهى.
(1) انظر: "الدرر السنية "(1 / 102) .
(2)
في (المطبوعة) : " يبهتنا"، وفي (ق) و (م) و (ح) :(بهت) .
(3)
في (ق) : " إن أركان ".