الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل رد إلزام المعترض للشيخ بتكفير النجاشي ومؤمن آل فرعون ومهاجري الحبشة]
فصل قال المعترض: (فظاهر / كلامه هذا (1) أن النجاشي ملك الحبشة [28] ، الذي صلَّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم (2) حين أخبره جبريل عليه الصلاة (3) والسلام بموته أنه بكلامه هذا كافر ليس بمسلم، حيث لم يصرِّح بعداوة قومه الذين يجعلون الله ثالث ثلاثة، وكذلك امرأة فرعون التي قالت:{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11][التحريم / 11] .
ومؤمن آل فرعون الذي يكتم إيمانه فهو والنجاشي والصحابة - جعفر وأصحابه الذين (4) هاجروا إلى الحبشة رضي الله عنهم كفار بهذه العبارة، كما ترى عند هذا الرجل، إذا لم يصح إسلامهم على قوله، حيث لم يصرَّح بعداوة الحبشة) .
فيقال: الله أكبر، ما أكثر ما في هذه الكلمات اليسيرة من الكذب والظلم والتحريف والجهل.
(1) ساقطة من (ح) و (المطبوعة) .
(2)
في (س) زيادة: " أجمعين ".
(3)
في (ح) و (المطبوعة) : عليه السلام .
(4)
في (ح) و (المطبوعة) : " الذي ".
وجوابها من وجوه:
الأول: أن يقال: ليس ظاهر كلامه أن النجاشي ومن ذكر بعده لم يصح إسلامهم. هذا كذب بحت، وافتراء ظاهر؛ لأنه قد ثبت أن النجاشي قد (1) صرح بعداوتهم والبراءة من مذهبهم وراغمهم، زيادة على التصريح بالعداوة، وقد قال:"وإن نخرتم" لما (2) صرَّح بعبودية عيسى عليه السلام حين قرأ جعفر صدر سورة مريم وما فيها من ذكر عيسى، فقال النجاشي:"والله ما زاد عيسى على هذا؛ فنخرت بطارقته فقال: وإن نخرتم"، فأي جهاد وتصريح وعداوة أبلغ من هذا؟ ومع ذلك نصر المهاجرين ومكنهم من بلاده؛ وقال:"أنتم سيوم بأرضي" أي آمنون "من سبكم ندم، ومن ظلمكم غرم"(3) . فقد صرح بأنه يعاقب من سب دينهم وسفه رأيهم فيه. وهذا قدر زائد على التصريح بعداوتهم.
ولا يقول إن جعفرا وأصحابه يكتمون دينهم ببلاد الحبشة، ولا يصرحون بعداوة الكفار والمشركين إلا جهل الورى، وأعظمهم (4) كذباً وافتراءً، وهل ترك جعفر وأصحابه بلادهم، وأرض قومهم، واختاروا بلاد الحبشة، ومجاورة الأباعد والأجانب، وغير الشكل في المذهب والنسب واللسان، إلا لأجل التصريح بعداوة المشركين، والبراءة منهم جهاراً في المذهب والدين؟ ولولا ذلك لما احتاجوا إلى هجرة، ولا اختاروا
(1) ساقطة من (ق) .
(2)
في (ق) : "كما".
(3)
أخرجه أحمد في المسند (1 / 201) ، (5 / 290) ، والطبراني في الكبير (2 / 111، ح 1479) ، وفي الأحاديث الطوال له أيضا رقم (16) .
(4)
في (المطبوعة) : " وأعظم ".
الغربة (1) ولكن / ذلك في ذات الإله، والمعاداة لأجله، وهذا ظاهر [29] ، لا يحتاج لتقرير لولا غلبة الجهل.
وامرأة فرعون قصتها، وما جرى عليها من المحنة مشهورة في كتب التفسير، لا يجهلها (2) من له أدنى ممارسة، وقد حكى الله [في سورة التحريم](3) قولها المشتمل على التصريح والبراءة من فرعون وعمله ومن القوم الظالمين، والظلم هنا هو الكفر الجلي.
ومؤمن آَل فرعون قام خطيباَ في قومه، عائباَ لدينهم، مفنِّداَ لقيلهم ماقتاً لهم؛ داعياً إلى الحق وإلى صراط مستقيم. كما ذكر الله قصته وقررها في سورة (حم) المؤمن (غافر) .
ومن طبع الله على قلبه، وحقت عليه كلمة العذاب، لم تفد فيه الواضحات، ولم ينتفع بالآيات والبينات (4) .
الوجه الثاني: أنه قد تقدَّم عن الشيخ أنه قرَّر في أول كلامه وآخره أن هذه العداوة (5) لا يستقيم الإسلام بدونها: هي التصريح بأن آلهتهم لا تضر ولا تنفع (6) وأن عبادتها من أبطل الباطل وأضل الضلال، وهذا هو (7) سب
(1) في الأصل و (م) و (س) : " واختيار للغربة "، والمثبت كما في المطبوعة.
(2)
في (س) و (ق) و (ح) : "يجهله".
(3)
ما بين المعقوفتين إضافة من (ح) .
(4)
في (ح) : (والبينات) .
(5)
في (م) و (س) و (ق) : " العداوة التي ".
(6)
في (ق) و (م) : " لا تنفع ولا تضر ".
(7)
ساقطة من (ق) و (م) .
آلهتهم الذي أنكروه (1) وعابوا الرسول به.
فالكلام في نوع خاص، قد حصل من النجاشي وامرأة فرعون ومؤمن آل فرعون ما هو أبلغ منه وأصرح.
الوجه الثالث: أنه لو فرض العموم في كلام الشيخ فأصل العداوة: البغضاء والكراهة، وأصل الموالاة: المحبة والمودة. ومعلوم أن الذين ذكرهم (2) هذا الرجل قد صرَّحوا بمحبة الحق وكراهة الباطل، كيف وقد امتحن عليه من امتحن، وهاجر فيه من هاجر؟ .
الوجه الرابع: أن الشيخ قال: (إذا عرفت هذا عرفت أن الإنسان لا يستقيم له إسلام [ولو وحَّد الله] (3) إلا بعداوة المشركين) .
فإن أريد أصل العداوة فقد تقدَّم جوابه، وإن أريد عموم العداوة من كل وجه فالكلام في استقامته، لا في حصول أصله، فالذي يفهم تكفير من لم يصرَّح بالعداوة من كلام الشيخ فهمه باطل، ورأيه ضال، لأنه محتمل، وقد دلَّت الآيات والأحاديث على أنه لا استقامة للدين (4) بل ولا يطلق الإيمان إلا على من عادى المشركين في الله، وتبرأ منهم، ومقتهم لأجله. قال تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الآية (5)[المجادلة / 22] .
(1) في (ق) : " أنكره ".
(2)
في جميع النسخ: "من ذكر".
(3)
ما بين المعقوفتين إضافة من (ح) .
(4)
في (ق) : " لدين ".
(5)
في (المطبوعة) أورد الآية كاملة إلى (المفلحون) .
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51][المائدة / 51] .
قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة: 78](1) إلى قوله: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 81][المائدة / 78 و 81] .
قرَر شيخ الإسلام في هذه الآيات أنها دالَّة على انتفاء الإيمان الواجب (2) بموادة من حاد الله (3) وأن معاداتهم من واجبات الدين، والإيمان (والإسلام لا يستقيم إلا بها، ذكره في كتاب الإيمان)(4) وقرره في مواضع منه.
وليس مراد الشيخ بقوله: (لا يستقيم له إسلام) ، أنه يكفر كما فهمه هذا الضال وكما فهمته الخوارج من نفي الإيمان عمن ترك واجباَ، وهذا بين بحمد الله.
الوجه الخامس: أنا لو تنزلنا مع هذا الضال وجاريناه في فهمه الفاسد لما لزم دخولُ مؤمن آل فرعون وامرأة فرعون.
قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48][المائدة / 48] .
ولا يلزم أن يكون شرعنا شرعاً لمن قبلنا.
الوجه السادس: أن مهاجرة الحبشة والنجاشي وقصته مع جعفر
(1) في (المطبوعة) وردت الآية كاملة إلى "خَلَدُونَ".
(2)
سقطت "الواجب" من (المطبوعة) .
(3)
في (ق) و (م) زيادة: "ورسوله ".
(4)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
كانت في أول (1) الإسلام قبل أكمال الواجبات، والآية التي استدلَّ بها الشيخ مدنية، وكل عالم يعرف (2) أن القرآن نزل منجماً، والأحكامُ لا تلزم إلا بعد البلوغ.
هذا لو تنزلنا مع هذا (3) المعترض.
الوجه السابع: أن عموم الآية مخصوص بما أبيح للمفتون في نفسه أن يتوقَّى إظهار الموافقة وقلبه مطمئن بالإيمان، فلا يلزم عمومها لمثل امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون لو سلمنا عدم التصريح.
الوجه الثامن: أن "الإنسان " يطلق ويراد به خاص ومعين؛ كما في قوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} [الفجر: 15][الفجر / 15] .
وقوله: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الإسراء: 83][الإسراء / 83] و [فصلت / 51] .
وقوله: {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} [مريم: 66][مريم / 66] .
فهذا ونحوه عام أريد به الخصوص، وهذا معروف في اللغة والاصطلاح الشرعي، مشهور عند أهل العلم مقرر في كتب أصول الفقه. فما الذي أخرج كلام الشيخ عن هذا وأوجب إدخال من ذكر في كلامه لو فرض عدم تصريحهم؟ فالله المستعان.
(1) ساقطة من (ق) و (م) .
(2)
في (ق) : " يعلم ".
(3)
سقطت " هذا " من (المطبوعة) .