الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإن أولئك خارجون عن طاعة إمام معين، أو خارجون عليه لإزالة ولايته، وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام بمنزلة مانعي الزكاة، وبمنزلة الخوارج الذين قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ ولهذا افترقت سيرة علي (1) في قتاله لأهل البصرة (2) والشام، وفي قتاله لأهل النهروان، فكانت سيرته مع أهل البصرة والشاميين سيرة الأخ مع أخيه، ومع الخوارج بخلاف ذلك) . انتهى المقصود منه.
[مسألة التلقين في القبر وهل هي شرك]
وأما مسألة "التلقين في القبر ": فلمن منعه، سلف صالح يقتدي بهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان وأئمة الهدى من أهل المذاهب وغيرهم، وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن قيم الجوزية وأمثالهما لا يرون ذلك؛ وإن قال به جمع كثير، وهذه مسألة (3) فرعية خلافية، فالتشنيع بها خروج (4) عن محل النزاع.
وأما قوله: (وعد ذلك من الشرك) .
فهذا بهت ظاهر، أين التلقين من الشرك؟ فالتلقين تذكير وتعليم، والشرك إعطاء المخلوق ما يستحقه الخالق وحده، من دعاء وتوكل ومحبة (5) ونحو ذلك من العبادات والطاعات، هذا هو الشرك، والشيخ
(1) في بقية النسخ: " رضي الله عنه ".
(2)
في (ح) و (المطبوعة) زيادة: "وأهل".
(3)
في (ق) : "المسألة".
(4)
في (ق) : "خروجا"، وهو خطأ.
(5)
في (ق) : "أو توكل أو محبة".
أجل وأعلم من أن يجعل التلقين من الشرك، وتآليفه وبحثه يدل على أنه من الراسخين، وتهور (1) هذا ومجازفته فيما يدعيه دليل على أنه من المفترين الظالمين، ويكفي المنع والرد في الجواب عما يدعيه والدعوى إذا تجردت عن دليل اكتفى بردها والدفع في صدها (2) .
وقول المعترض: (أنه يقول كيف يدعى الميت وينادى في قبره؟ وهو لا يسمع ولا يبصر.
ويقول تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80](3)[النمل / 80] ، حتى منعوا الناس عن ذلك، وعن الدعاء بعد الصلاة بالأدب المبرح وعن القراءة على القبر) . هذا لفظه.
والرجل أدخل الآية في جملة (4) ما حكى، ولم يتعقب حكايته بتفصيل، بل أطلق المنع والتشنيع والرد فلا أدري ماذا يرى في الآية؟ وبماذا يتخلص، أهو على صراط مستقيم في السمع المنفي في مثل هذه الآية والمثبت فيما صح من (5) السنة؛ أو هو كما هو (6) ظاهر عبارته [63] ، غبي مرتبك مرتاب لا يدري ما نفى مما أثبت؟ وشيخنا (7) رحمه الله لم
(1) في (م) : " وتهوره ".
(2)
في (ق) : " صدودها ".
(3)
في (ق) زيادة: "ولا تسمع الصم الدعاء. . . . " الآية.
(4)
في (ق) و (م) : "جوف ".
(5)
في (المطبوعة) : " عن".
(6)
ساقطة من (ق) .
(7)
في (م) : "شيخنا ".
يصدر (1) منه هذا ولا قاله؛ ولا جعل هذا من الدعاء الممنوع منه، لكنه يدري ما يراد بالنفي في مثل هذه الآية، وما يراد بالإثبات في مثل قوله صلى الله عليه وسلم في أهل قليب بدر:" «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» "(2) وقوله صلى الله عليه وسلم: " «إن الميت ليسمع» (3) قرع نعال أهله "(4) ونحو ذلك من الأحاديث الواردة في السماع، فمن عرف هذا تبين له ما في عبارة المعترض من الكذب والجهل والخلل.
وكذلك قوله: (إنهم منعوا الناس عن الدعاء بعد الصلاة بالأدب المبرح) .
كذب بحت من جنس ما قبله، غاية ما قيل: إن الدعاء لم يشرع من حين التسليم، وإنما شرع التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد (5) ومحل الدعاء قبل السلام وبعد الفراغ من الأذكار المشروعة بعد السلام، وذهب إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وقرره أحسن تقرير (6) وأما الأدب على الدعاء: فليس بصحيح، بل هو جرى على العادة في أكاذيبه وأوضاعه.
(1) في (ق) : "يصد".
(2)
أخرجه البخاري (1370، 3980، 4026) ، وأحمد (2 / 38، 131) ، (6 / 276) ، والحاكم في المستدرك (3 / 249) .
(3)
في (ح) : "حين الميت يسمع ".
(4)
أخرجه البخاري (1338، 1374) ، ومسلم (2870) ، وأبو داود (2269، 3231، 4752) ، والنسائي (4 / 96) .
(5)
في (ق) و (م) : "والتمجيد".
(6)
انظر: "مجموع الفتاوى"(22 / 492) .
ثم قال المعترض: (ولسنا بصدد (1) هذا، وإنما صددنا هنا لتكفيراته، فإذا كان أمر الأمة كذلك فماذا يقاتل عليه من إنكار شهادتي الإخلاص اللتين يدخل بهما الإسلام، ويعصم بهما دمه وماله، وأنت لو قلت لأفجر الأمة: أريد منك إنكار (2) شهادتي الإخلاص أو إحداهما (3) وإلا قتلتك، لاختار القتل ولا إنكارهما أو إحداهما (4) إلا أن يعمل برخصة الله وقلبه مطمئن بالإيمان) .
والجواب أن يقال: يسأل هذا الجاهل عمن أتى بالشهادتين ثم صدر منه ما يوجب الردة من عبادة صنم أو وثن، أو إنكار ركن من الأركان، أو أصل من أصول الأيمان الستة؛ أو أنكر حرفا من القرآن أو أنكر تحريم الخنزير، أو تحريم امرأة من محارمه المذكورة في سورة النساء أو فرعا مجمعا عليه أو سحر (5) أو شك في البعث، أو في كذب مسيلمة ونحو ذلك، فإن قال: شهادتي الإخلاص عصمت دمه وماله، وإن فعل ذلك، فقد جهل الأمة، وفسق الصحابة والأئمة، وأضحك العقلاء من جهله، وخرق الإجماع، وشاق الله ورسوله، واتبع غير سبيل المؤمنين، وإن اعترف بإباحة الدم والمال لصدور شيء من ذلك بطل (6) كلامه، وفسد تأصيله، واستبان أنه من أكابر الضالين، ورؤساء الملحدين مذ جرى قلمه، وتفوه فمه، بالخوض
(1) في (ق) و (م) : "بصد".
(2)
ساقطة من (ح) .
(3)
في جميع النسخ: (أحدها) ، ولعل ما أثبت هو الأقرب.
(4)
في جميع النسخ: (أحدها) ، ولعل ما أثبت هو الأقرب.
(5)
في (ح) : "يتجر".
(6)
في (ق) و (م) : "أبطل".
في هذه (1) المسائل التي لا يعرفها إلا رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
فنعوذ بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وأكثر سعي العالمين ضلال.
أين هذا من قول الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18][الجن / 18] .
وقوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106][يونس / 106] .
وأين هو (2) من قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117] الآية (3)[المؤمنون / 117] .
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ (4) إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65][الزمر / 65] ، ونحو ذلك من الآيات، وفي السنة (5) من ذلك ما لا يمكن حصره.
ويكفي المؤمن قوله صلى الله عليه وسلم: " «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» (6) .
(1) ساقطة من (ح) .
(2)
في (م) و (ق) و (المطبوعة) : "هذا ".
(3)
في (ق) زيادة: "فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الظالمون.
(4)
في (ق) : "أوحينا"، وهو خطأ.
(5)
في (ق) : "السنن ".
(6)
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، وسبق تخريجه. انظر: ص (117) ، هامش 3.
وقد استدل (1) الصديق بهذا الحديث على قتال مانعي الزكاة، فكيف لا يستدل به على مناقضة " لا إله إلا الله "، وقتال من نقضها وهدمها، وأبطلها بعبادة الأنبياء والصالحين، والجن، والشياطين، واتخذ آلهة مع الله يحبهم ويدعوهم، ويسألهم ويتوكل عليهم، ويزعم أنهم باب حاجته إلى الله والواسطة بينه وبين ربه في قضاء حاجاته، وتفريج مهماته؛ ومغفرة ذنبه، وتكفير سيئاته.
وقد اتسع الخرق بذلك حتى وصلوا إلى دعوى الربوبية في آلهتهم، وأنهم يدبرون ويتصرفون، ويعطون (2) ويمنعون، وأن ذلك على سبيل الكرامة، فألهوهم وعبدوهم عبادة ما صدرت من كفار قريش، ولا ادعاها أحد منهم لوثنه ومعبوده. هذا، وهم يقولون: "لا إله إلا الله وفيهم من يصلي ويزكي ويأتي بشيء من العبادات البدنية والمالية، ومع ذلك هم من أكابر المشركين ورؤساء الضالين، وقد قيد (3) سبحانه الانتفاع بالشهادة بقيد ليس عندهم منه خبر، ولم يقفوا منه على عين ولا أثر.
قال تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86][الزخرف / 86] .
وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19][محمد / 19] .
وفي حديث أبي هريرة: " «أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه» "(4) .
(1) في (ق) زيادة: "أبو بكر".
(2)
في (ق) : " ويمقلون ".
(3)
في (م) و (المطبوعة) : "قيد الله ".
(4)
أخرجه البخاري (ح / 99) ، وأحمد (2 / 307) .