الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في حكم موادة المشركين ومناقشة المعترض في ذلك]
فصل قال المعترض: (ومن خطئه الواضح الفاضح أنه استدلَّ للآية الكريمة، وإنما فيها المودة لمن حاد الله ورسوله، فهو بهذه العبارة أنزل نفسه بمنزلة (1) فوق منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم بحيث من وادّ من حادّه من الأمة فهو كافر بذلك، والصحابة رضي الله عنهم (2) يجعلون من وادَّ (3) من حاد الله ورسوله منافقا معصوم الدم والمال؛ كما نهى الله تبارك وتعالى المؤمنين عن موادتهم في السورة بعدها؛ لأن ذلك من خُلُق المنافقين الذين دخلوا في الإسلام بشهادتي الإخلاص) .
فيقال في جوابه: قف يا من له نور يمشي به في الناس على ما في هذا الكلام من الكذب والبهت (4) وقول الزور، وقد تقدَّم نص كلام الشيخ؛ وأنه قال:(لا يستقيم للإنسان إسلام إلا بالتصريح بعداوة المشركين) ، ولم يقل بعداوة من عاداني، أو عادى أتباعي، أو لم (5)
(1) إلى هنا تنتهي النسخة (س)، وبذلك يكون قولنا:(جميع النسخ)، بعد هذا الهامش إنما نعني بها النسخ الأربع:(ق) و (م) و (ح) والمطبوعة.
(2)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
(3)
في (ق) : " آد ".
(4)
في (ق) و (م) : "البهت والكذب".
(5)
في (ق) : " ولم ".
يطعني، حتى يقال: إنه أنزل نفسه بمنزلة فوق الرسول. وسائر علماء الأمة من عهد أبي بكر إلى وقتنا هذا يلزمون الناس بما في كتاب الله تعالى وما في سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم من أصول الدين وفروعه؛ ويثبتون من الأحكام ما أثبت الكتاب والسنَّة، وينفون ما نفاه الكتاب والسنَّة، لا يختلفون في ذلك؛ وحكمهم وإلزامهم إنما هو بطاعة الله ورسوله، وليس إلزاما بطاعتهم ورأيهم واجتهادهم، ومن نسب أحدا منهم إلى أنه يدعو بذلك (1) إلى نفسه، وينزِّل نفسه منزلة الرسول فقد خاب وافترى، وبهت أهل العلم وخلاصة الورى.
ومن المعلوم أن طاعة العلماء فيما أمروا به من دين الله وشرعه [45] طاعة لله (2) ورسوله؛ لأنها المقصودة بالأصالة، وطاعة أولي العلم تقع تبعا وضمنا لا استقلالا، فلا يترك الحق والدين والتزام ذلك لما فيه من طاعة الآمر والناهي، ومن تركه لذلك (3) فقد استكبر على الله ورد الحق استصغارا واحتقارا لقائله والداعي إليه، وهذه العلة هي التي أوجبت لكثير من الناس تكذيب الرسل ورد ما جاءوا به.
قال تعالى عن آل فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14][النمل / 14] .
وقال تعالى عمن كذَّب عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من أشراف قومه ورؤسائهم: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31][الزخرف / 31] .
(1) في (ق) : "في ذلك ".
(2)
في (ق) و (م) والمطبوعة: " الله".
(3)
في (ق) : " ترك ذلك ".
والآيات في [هذا](1) المعنى كثيرة، وليس قولهم: إن من حادَّ الرسول من الأمة يكون (منافقا، بل قد يكون بذلك كافرا)(2) أو منافقا أو فاسقا، فالكلام والحكم فيه تفصيل يطلب من محله.
وبهذا يستبين كذب المعترض على الصحابة، وعدم معرفته لأقوالهم وجهله بأحوالهم، والثابت المحفوظ عنهم- بنقل العدول الثقات- يوافق كلام الشيخ، ولا يجعلونه منافقا معصوم الدم والمال؛ بل يفصلون كما تقدم. والنفاق إذا ظهر يجري على (3) صاحبه ما اقتضاه الدليل من كفر وقتل، ولا عصمة للمال والدم مع الظهور (4) .
فهذا (5) الرجل جاهل بالأحكام والأقوال، وقد سلك واديا مُهلكا، وطريقا ضالة عن طرق (6) أهل الهدى، فاضطره الحال إلى ما ترى، وقد قاتل أبو بكر مانعي الزكاة، واستباح دماءهم وأموالهم لما عصوا ما رآه، وثبت عنده من أدلة الشرع وأحكامه، أفتراه داعيا إلى نفسه، مقاتلا على طاعته من دون الله ورسوله؟ .
والشيخ لم يتعد (7) أمر الله ورسوله فيما دعا (8) إليه، فلأيّ شيء.
(1) ما بين المعكوفتين إضافة يقتضيها السياق.
(2)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
(3)
في (ح) : " لي "، ولعل العين سقطت من الناسخ.
(4)
في (ق) : (ظهوره) .
(5)
في (المطبوعة) : " هذا ".
(6)
في (ق) و (م) : "طريق".
(7)
في (ق) : "يتدع "، وهو سبق قلم.
(8)
في (ق) : "دى".
خُصَّ بهذا البهت؟ وأنه يدعو إلى نفسه؛ وأنه أنزلها بمنزلة (1) فوق الرسول؟ سبحانك هذا بهتان عظيم و " «تكفير المسلم كقتله» " بنص الحديث (2) وهذا القول الذي نسبه إلى الشيخ كفر لا شك فيه، فإن من أنزل نفسه منزلة الرسول، وكفَّر المسلمين بموادة أعدائه يكفر بذلك. [46] وهذا الرجل لا يتحاشى من نسبه الشيخ إلى الكفر والضلال والفساد.
فالحمد لله على ما منَ به من خزي أعداء دينه ورد كيدهم، وظهور عباده المؤمنين عليهم.
قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51] الآية [غافر / 51] .
وفي الحديث: " «من دعا إلى هدى كان له أجره وأجر من اتبعه إلى يوم القيامة من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً» "(3) .
والمعترض لضلاله (وخبث طويته)(4) يلمز الداعي إلى الهدى بأنه يدعو إلى نفسه.
قال تعالى:
(1) في (ق) : "منزلة ".
(2)
أخرجه البخاري (6047، 6105)، ومسلم (110) بلفظ:" لعن المسلم كقتله "، والدارمي (2 / 252، ح 2361) ، وأحمد (4 / 33، 34) .
(3)
أخرجه مسلم (2674) ، وأبو داود (4609) ، والترمذي (2674) ، وابن ماجه (205، 206، 207، 208) ، ومالك في الموطأ (1 / 218، ح 509) ، والدارمي (1 / 141، ح 513) .
(4)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
{الَّذِينَ (1) يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ (2) وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79][التوبة / 79] .
فإذا كان هذا فيمن سَخِر بالمتصدقين، فكيف بمن يلمز ويسخر بأئمة الدين، الدعاة إلى توحيد رب العالمين؟
وقال تعالى لنبيه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ - إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 94 - 95][الحجر / 95 ،94] .
وقول المعترض: (إنَ ذلك من خُلق المنافقين الذين دخلوا في الإسلام بشهادتي (3) الإخلاص) يطلعك على جهله، وعدم ممارسته لصناعة العلم.
ويقال له: إن جنس الموادة للمشركين قد تقع (4) من مسلم قد برئ من النفاق الأكبر، وآية سورة الممتحنة نزلت في (5) حاطب بن أبي بلتعة وهو بريء من النفاق بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لما اعتذر إليه، وقال:" «إني لم أفعل هذا رغبةً عن الإسلام ولا شكا فيه، وإنَما أردت أن تكون لي عند القوم يد تحمي أقاربي ومن لي بمكة " أو نحو هذا الكلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صدق» "(6) فكيف يجعله هذا المعترض منافقا وقد شهد
(1) ساقطة من (ق) .
(2)
في (ق) : " بالصدقات "، وقد كثرت أخطاء النسخة (ق) في هذه اللوحات عما قبلها.
(3)
في (ق) : "الشهادة".
(4)
في (ح) و (المطبوعة) : " يقع ".
(5)
في (ح) و (المطبوعة) : " في حال ".
(6)
في (ق) : "وصدق ".
بدراً، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:" «ما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم» "(1) قال الشاعر:
فليصنع القوم (2) ما شاؤوا لأنفسهم
…
هم أهل بدر فلا يخشون من حرج
وأول السورة يدل على إيمانه، وأن المشركين من أعدائه.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1][الممتحنة / 1] .
فهذا المعترض يسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرميهم بالنفاق لكثافة [47] جهله، وعدم فهمه، وقد قال في هذه الآية بما لا يعلم. وفي الحديث:" «من قال في القرآن بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار» "، وفي رواية " «برأيه» "(3) .
ثم احتج المعترض بحديث عِتْبان وما قيل في مالك بن الدُخْشُم، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:" «ألا تراه، قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» "، وقول الرجل:"أما نحن والله لا نرى وده ولا حديثه (4) إلا إلى المنافقين " الحديث (5) وقد ساقه المعترض مستدلا به على أن موادة المنافقين لا تضر، وأن التصريح بعداوتهم لا يجب (6) .
(1) أخرجه البخاري (4890) ، ومسلم (2494) ، وأبو داود (2650) ، والترمذي (3305) .
(2)
في (ق) و (ح) : " الركب ".
(3)
أخرجه أبو داود (3652) ، والترمذي (2950، 2951) ، وضغَفه الألباني في ضعيف الجامع (5737) .
(4)
في (ق) : "حديث".
(5)
أخرجه البخاري (1186) ، والطيالسي (1241) .
(6)
(ق) و (م) : " تجب ".
وهذا القول في الحقيقة وهذا الفهم الضال فيه الرد والاعتراض على قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22][المجادلة / 22] .
وشيخنا رحمه الله تعالى لم يأتِ بشيء من كيسه، إنما هو القرآن والسنَة.
قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29] الآية [الكهف / 29] .
وهذا الحديث لا يدل على ما قاله المعترض أصلا، ولا يفهم منه أن المودة غير محرمة إلا أضل وأبلد الحيوان (1) فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أقرَّ القائل:" إنه منافق لا يحب الله ورسوله "، وما أقره على قوله:" أما نحن والله لا نرى ودّه ولا حديثه إلا إلى المنافقين "، بل أنكر ذلك ورده صلى الله عليه وسلم منبها على أن قوله:"لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله " براءة له مما نسب إليه، ومانع يمنع (2) مما قيل فيه.
ومن عرف الإخلاص واليقين ومنزلتهما من الإيمان، عرف أن من أعطيهما ووفق لهما لا يقع منه موادة للمنافقين والمشركين، ومن ذاق طعم الإيمان فالله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما. وإنَّما تقع الموادة لأعداء الله من خلل في الإخلاص واليقين، ونقص في التوحيد، والتزام التوحيد الواجب يمنع (3) من ترك واجب أو فعل محرم، وإنما يقع الغلط (4) من
(1) في (ق) : " الحيوانات ".
(2)
في (المطبوعة) : "يمنعه".
(3)
في (المطبوعة) : " بمنع" بالموحدة.
(4)
في (المطبوعة) : " الخلط ".
عدم العلم بحدود ما أنزل الله على رسوله.
فمن عرف الإيمان والتوحيد، وعرف حدودهما (1) الجامعة المانعة انفتح له باب عظيم في الفهم عن الله ورسوله لا يفهمه إلا خواص العارفين، فتأمَّله يطلعك (2) على أسرار غفل عنها الأكثرون
ولما حُجب هذا المعترض عن معرفة حدود ما أنزل الله، وصار معه من (3) الهوى والإعجاب ما اقتضى جهله بنفسه؛ وخوضه في أمر يقصر عنه فهمه وإدراكه، فلا جرم حيل بينه وبين رشده، وخُلي بينه وبين نفسه، فنعوذ. بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء.
(1) في (المطبوعة) : " حدودها ".
(2)
في (ق) : "يطلعك الله".
(3)
في (ح) زيادة: "جميع العلوم، قال: ولو اجتمعت شروط الاجتهاد"، وهو خطأ، فقد نقل الناسخ هذا السطر مما بعده وليس هذا موضعه وأسقطه من موضعه الأصلي، ويأتي بعد قليل.