الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل بيان أن الأحكام تبنى على قواعد وأصول الشريعة لا على ظواهر الأحوال]
فصل [39] قال المعترض: (وهذا الرجل (1) خرج في بلد قد (2) غلب عليها أحكام الإسلام، وشيدوا منارهم لداعي الفلاح؛ وعمروا مساجدهم ومدارسهم بالأوقاف، مظهرين لشعائر الإسلام بعلمائهم؛ فكفَّرهم وحكم على من لم يصرِّح بعداوتهم بالكفر، كما تراه من كلامه صريحا، فلو قدَّر أنهم فعلوا منكرا من الشرك فما دونه كيف يكفر من لم يصرح بعداوتهم؟ إذ لا يكون التصريح إلا باليد واللسان؛ ولم يفعل ذلك جعفر وأصحابه رضي الله عنهم (3) مع الذين جعلوا الله ثالث ثلاثة، وكذلك النجاشي. وهذا ظاهر بحمد الله من الكتاب والسنَّة ظهورا لا خفاء به؛ ضد ما كفَّر به هذا الرجل الأمة لو كان تأصيله صحيحا. كيف وهو (4) أفسد الفاسد وأبطل الباطل؟) .
والجواب أن يقال: تقدَّم مضمون هذا الكلام مكررا، فما وجه إيراده وتكريره؟ وقد مرَّ جوابه بحمد الله مفصلا، ومن أفلس من الحجج
(1) في (ق) زيادة: "قد".
(2)
ساقطة من (س) و (ح) .
(3)
في (س) و (ح) و (المطبوعة) : " عنه "، وفي (ك) زيادة:" أجمعين ".
(4)
ساقطة من (س) .
والبينات، أكثرَ من الترداد والهذيان، ولم يذكر هنا من أدلة إسلامهم إلا تشييد المنار، وعمارة المساجد والمدارس بالأوقاف، وقد تقدَّم الجواب عن هذا، وأن بني حنيفة وبني عبيد القداح والمختار بن أبي (1) عبيد؛ بل والتتار عندهم مساجد ومدارس، ولهم صدقات وأوقاف، والإيمان بالله ورسوله، والكفر بالطاغوت، أمر وراء ذلك كله، لا يدركه إلا من سبقت له السعادة، وعقل عن الله خطابه ومراده، مع أن هذا الشيخ لم يُكفِّر من أهل نجد إلا من قام وجدَّ في إطفاء نور الله، وإنكاره توحيده، ومن جحد البعث من بواديهم وأعرابهم، ولم يُكفّر (2) إلا بعد قيام الحجة وظهور الدليل على الإيمان بالله ورسله، ووجوب الكفر بما عبد من دونه، فالخصومة في الأصل الأصيل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وأما قوله: (مظهرين لشعائر الإسلام بعلمائهم) .
فهي عبارة جاهل (3) فإن العلماء لا يلزم من وجودهم وجود الإسلام في الناس، ولا يلزم من عدمهم عدمه، والأنبياء وجدوا في الأمم السابقة الذين لم يستجيبوا لهم ولم يؤمنوا، ووجد من العلماء (4) المؤمنين كثير بين أظهر المشركين وهم معدودون (5) من المستضعفين المعذورين.
وإن أراد أن الباء سببية، وأن المراد (6) أظهروه بسبب العلماء، [40] ،
(1)"أبي " ساقطة من (ق) و (م) .
(2)
ساقطة من (س) .
(3)
في (ح) و (المطبوعة) : "الجاهل".
(4)
في (ق) : "علماء".
(5)
في (ق) و (م) : " معدودين ".
(6)
في (ح) : "مراد".
فأي مزية في هذا لو فرضت صحته؟ مع أن الخصم يمنعه؟ وأحكام الإسلام إنما تؤخذ عن العلماء.
وأما قوله: (وحكم على من لم يصرّح بعداوتهم بالكفر) .
فهو كذب لم يقل هذا في أهل نجد كافة، ولا في أهل بلد خاصة، بل هو مستمسك (1) بأصل عظيم، وسلطان مبين، وكلامه وتقريره في وجوب عداوة المشركين الذين يحادون الله ورسوله، وليس في كلامه تعرض لأهل البلد التي ظهر فيها، لا تصريحا ولا إشارة، بل كلامه عام، كما أن دليله الذي استدلَّ به (2) عام، فهو بحمد الله من الراسخين، لا من المتهوكين الجاهلين.
وقوله (3)(فلو قدر أنهم فعلوا منكرا من الشرك فما دونه كيف (4) يكفر من لم يصرح بعداوتهم؟) .
يقال: قد تقدم مرارا أن الشيخ رحمه الله لم يُكفر، وإنما قال:(لا يستقيم إسلام إلا بالتصريح بعداوة المشركين) ، فأين في هذا تكفيرهم لولا حجاب الجهل والهوى (5) الذي أورد المعترض موارد الخسار والردى.
وقوله: (ولم يفعل ذلك جعفر وأصحابه) .
(1) في (ق) : (متمسك) .
(2)
ساقطة من (س) .
(3)
في (ق) : (وأما قوله) .
(4)
ساقطة من (س) .
(5)
ساقطة من (ق) و (م) .
تقدم ما فيه، وأنه كذب على المهاجرين الأولين، ونسبهم إلى مداهنة المشركين {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] [الشعراء / 227] .
وقوله: (لو كان تأصيله صحيحا، كيف وهو أفسد الفاسد (1) وأبطل الباطل؟) .
جوابه أن يقال: إن معرفة الفاسد، وإدراك بطلان الباطل يتوقف على أمرين:
أحدهما: حياة القلب. والثاني: معرفته وعلمه بالحق والباطل، والصحيح والفاسد، والصواب والخطأ.
ومن (2) نظر في كلام هذا الرجل من أهل العلم والإيمان تيقن موت قلبه، وأنه لا يدرك الحسيَّات والضروريات من أمر دينه.
قال الله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22][فاطر / 22] .
وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19][الرعد / 19] .
، والآيات في المعنى كثيرة، وإذا عدم العلم والنور، وأضيف إلى ذلك العداوة والبهت ونحوهما من الشرور، فمن أي باب يأتي العلم والتوفيق والتمييز بين الطيب والخبيث، والصالح والفاسد، والباطل [41] ، والحق، والخطأ والصواب؟ .
(1) في (ق) : " الفاسدين ".
(2)
ساقطة من (ق) .