الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل بيان كفر من كره من يدخل في التوحيد ومحبة أن يبقى على الشرك]
فصل قال المعترض: (ثم قال: النوع الثالث من عرف التوحيد وأحبه واتبعه، وعرف الشرك وتركه، ولكنه يكره من دخل في التوحيد، فهذا كافر، فيه قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9][محمد / 9] .
ثم قال المعترض: (فنقول حينئذ: فيالله العجب! كيف يقول: من عرف التوحيد وأحبه واتبعه، وعرف دين المشركين وتركه، ثم يقول: ولكنه يكره من دخل في التوحيد، فهل هنا (1) توحيد من غير دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى يكره هذا؟ .
فهذا من كلامه من الهذيان، وهو من الجمع بين الأضداد الممتنع عقلا وشرعا، أفلا يستحي قابل هذا الكلام دون القائل له، وهو يرى تناقضه وهذيانه؟ ولكن لو قال: إن هذا النوع الذي يحب التوحيد ويعمل به، ويكره الشرك وينكره قد كره قول هذا الرجل بتكفيره الأمة المحمدية (2) لصدق، إذ هذا هو الحقيقة، وهو الواقع؛ لأن هذا الرجل جعل طاعته ركنا سادسا لأركان الإسلام) .
(1) في (م) و (ح) و (المطبوعة) : " هذا".
(2)
ساقطة من (ق) .
والجواب أن يقال: في هذا من التحريف والبهت قسطه، فإن الذي في النسخ المتداولة المحفوظة (1)"ويحب من بقي على الشرك ".
ومعلوم أن معرفة التوحيد ومحبته واتباعه قد يعتريه ناقض ينقضه ومبطل يبطله، أو محبط يحبطه، وذلك يحصل بأمور:
منها: كراهة من يدخل في التوحيد (ويلتزمه، ومحبة من يبقى على الشرك ولا يدخل في التوحيد)(2) لغرض له في ذلك كرياسة (3) وتحصيل مال، ونحو ذلك من الأغراض الفاسدة.
وقد ذكر الفقهاء كثيرا من هذا النوع في باب حكم المرتد، تجري ممن يظهر محبة التوحيد، وجهل المعترض أوجب له الحيرة والشك.
وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ (4) وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ (5) بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا - أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء: 150 - 151](6)[النساء / 150] .
فهؤلاء آمنوا ببعض (7) وأحبوه وتابعوه، ولم يلتزموا الإيمان بجميع
(1) انظر: "الدرر السنية "(1 / 103) .
(2)
ما بين القوسين ساقط من (ق) .
(3)
في (ح) و (المطبوعة) : " رياسة ".
(4)
ما بين القوسين ساقط من (ح) .
(5)
في (ق) : " ويكفرون ".
(6)
في (ق) زيادة: وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا.
(7)
في (ق) : "ببعضه".
الرسل، وما جاء به الرسل (1) ولم يحبوه كله، بل فرقوا بين شعب الإيمان وأصوله، وأرادوا أن يتخذوا سبيلا بين الإيمان بالكل ورد الكل.
فهذا عين ما قرره شيخنا (2) فإن كراهة إيمان بعض الخلق كراهة لما أنزل الله فافهمه.
قال في "الإقناع " في باب حكم المرتد (3)(أو كان مبغضا لما جاء به الرسول)(4) يعني فيكفر.
وإذا أبغض دخول الناس في دين الله والتزامه، فهو مبغض لما جاء به الرسول بلا ريب، ويكفي المؤمن في تكفير من كره بعض ما أنزل الله هذه الآية التي ذكر المصنف.
ومعلوم أن المتابعة لم تحصل من هذا الصنف على وجه الكمال، وكذا الحب، لكن معه من الحب والمتابعة ما لا يحصل به نجاته وإسلامه.
يوضح هذا: أن من أحب الإسلام والتزمه (5) واتبعه (6) ولكن، جوز نبوة مسيلمة أو غيره ممن يدعي النبوة، يكفر بذلك؟ ولا ينجيه ما معه من الإسلام والمتابعة، وهكذا غلاة القدرية ونحوهم، ممن له تعبد ومتابعة في كثير من الأركان والشعب.
(1) في (م) : "بجميع ما جاءت به الرسل "، وفي (ح) :"بجميع الرسل وحب الرسل ".
(2)
في (ق) زيادة: "رحمه الله تعالى".
(3)
انظر: " الإقناع "(4 / 297) .
(4)
في (ق) زيا د ة: "صلى الله عليه وسلم ".
(5)
في (ح) : "والتزامه ".
(6)
في (ح) و (ق) و (م) : " وتبعه ".
فإن قيل: إنما كفر من جوز نبوة مسيلمة أو غيره لرده (1) الكتاب السنة والإجماع.
قيل: وكذلك من كره دخول الناس في التوحيد، وأحب بقاءهم (2) ". على الشرك (3) فقد خالف الكتاب السنة والإجماع.
وبهذا تعلم: أن المحبة ذات مراتب، لا يلزم من وجود بعضها وجود غيره، وكذلك المتابعة، ومن لم يستكمل الإيمان الواجب في الحب والمتابعة قد يقع منه ما ينافيهما فيجتمع الضدان، ولا يستحيل ذلك لا عقلا ولا شرعا، أما العقل: فقد جوز اجتماع الأضداد كافة النظار والمتكلمين، ومثلوا ذلك (4) .
وأما الشرع: فإجماع السلف والأئمة على أن الشخص يجتمع فيه مادتان متضادتان: كفر وإسلام، توحيد وشرك، طاعة وفسق؟ إيمان ونفاق، وهو لأيتهما (5) غلب، ولو عقل المعترض لعرف المراد، لكنه جهل فاعترض، وجعل جهله وعقله الضال ميزانا يزن به، فلا أحكم ممن قضى له بالخذلان وعدم العلم بحقائق الإسلام والإيمان.
ثم لا يمكن أن يقع تصويره الذي صور، ورأيه الذي ارتضى وقرر، من أن الذي يحب التوحيد ويكره الشرك قد كره قول الشيخ، وما قرره
(1) في (ح) : "لرد".
(2)
في (ح) : "إبقاءهم.
(3)
في (ح) : "شرك ".
(4)
في (م) و (المطبوعة) : " لذ لك".
(5)
في (ق) : "ولأيهما "، وفي (ح) و (م) و (المطبوعة) :" لأيهما ".
وأبداه من معرفة دين الله وتوحيده وتكفير من رده وصد عنه وأباه، وتكفير الأمة لم يقع من الشيخ بحمد الله.
وتقدم الجواب عنه، وتقدم أن الأمة في رأي هذا الرجل ودعواه هم عباد القبور، ومن عبد عليا والحسين وأمثالهما، أو (1) جعل لهم تدبيرا وتصريفا مع الله، هؤلاء هم الأمة عند هذا الضال، وشبهته أنهم يقولون لا اله إلا الله، ولم يدر أيضا نصوص الفقهاء على أن من أتى بمكفر من فعل أو قول أو اعتقاد لا يدخل في الإسلام إلا بتركه والتوبة منه، وإن قال: لا إله إلا الله (2) والحمد لله حمدا كثيرا لا نحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما أثنى به عباده الذين اصطفى.
(1) في (ق) : "و".
(2)
في (ق) زيادة: "ولم يدر أن المنافقين وجمهور المرتدين يقولون: لا إله إلا الله".