الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل في بيان كفر من عرف التوحيد ثم تبين في السب والعداوة وفضل أهل الشرك]
فصل قال المعترض: (ثم قال في جوابه: "النوع الثاني من عرف ذلك ولكنه تبين في سب دين الرسول مع ادعائه أنه عامل به، وتبين في مدح دين أهل الكويت وفضلهم (1) على من وحد الله. فهذا أعظم من الأول كفرا".
وفيه قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89][البقرة / 89] .
وهو ممن قال الله فيهم: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12][التوبة / 12] .
قال المعترض: (انتهى كلامه بحروفه، فاستيقظ أرشدك الله لسبيله المستقيم، وانظر إلى هذا الكلام السقيم، بقلب واع فهيم، كيف هذا، الذي هو (2) وصف بما يذكر يسب دينا قد عرفه (3) وهو عامل به، ثم ينزل عليه هذا الرجل هذه الآية التي نزلت في أهل الكتاب من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وصفته، فأنزل هذا الرجل نفسه بمنزلته، وكابر بذلك على الغوغاء وسفك
(1) في (م) : "وفضل لهم ".
(2)
ساقطة من (المطبوعة) .
(3)
في (ح) : "عرف ".
الدماء (1) ونهب بذلك الأموال على ذلك، والآية الأخرى نزلت في صناديد قريش على الصحيح من قول المفسرين كابن عباس رضي الله عنهما؛ وهم الذين هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم باجتماعهم على ذلك في دار الندوة. ثم قال تعالى:{وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [التوبة: 13][التوبة / 13]، بقتالهم يوم بدر. وقيل: قضية خزاعة.
فهؤلاء هموا بإخراج الرسول بنطق القرآن المجيد، والذين وصفهم هذا الرجل، وعظم كفرهم لو رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم لوقوه بأنفسهم، ولم يرفعوا إليه أبصارهم (2) تعظيما له بأبي هو وأمي ونفسي، ولبذلوا له ما بأيديهم، ثم إن هذا الرجل جعل أهل الكويت الذين شيدوا المساجد والمنار لداعي الفلاح، وأظهروا شعائر (3) الإسلام، وبذلوا أموالهم على ذلك، واجتهدوا في المحافظة على أعمال الخير، طلبا لما عند الله تعالى، كالذين نزلت فيهم هذه الآيات بل كفر من ودهم (4) وأثنى عليهم، فضلا عن تكفيرهم، فأي تكفير للأمة المحمدية أبلغ من هذا؟ إذ أهل الكويت من عرض هذه الأمة أهل القبلة المحمدية الإبراهيمية، ويا سبحان الله، فأين الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس؟ أيراها هذا الرجل هو وأتباعه الذين حجروا الواسع، وأين دين الله الظاهر المستقيم قبل هذا الرجل، الذي يزعم أنه
(1) في (المطبوعة) : " فنهب ".
(2)
في بقية النسخ: (أبصارهم إليه) .
(3)
في (ق) و (م) : "شرائع".
(4)
في (ق) : " والاهم ".
أظهره للناس؟ أفلا يستحي القابل لهذا الكلام دون القائل؟) . انتهى كلام المعترض بحروفه.
والجواب أن يقال: هذا النقل اعتراه من التحريف والكذب ما اعترى غيره، والمحفوظ عن الشيخ- رحمه الله أنه قال (1)(وتبين في مدح من عبد يوسف والأشقر، ومن عبد أبا علي والخضر من أهل الكويت، وفضلهم على من وحد الله تعالى؟ وترك الشرك)، والمعترض غير هذا وقال:(وتبين في مدح دين أهل الكويت) وفرق بين العبارتين فإن من، عبد يوسف، ومن (2) عبد أبا علي والخضر من أهل الكويت أو غيرهم مع معرفته لدين الرسول (3) ومسبته له لا يستريب مسلم في كفره وردته، بخلاف ما (4) لو قال ما زعمه المعترض. وهذا الحذف والتحريف موروث عن اليهود، كما فعل ابن صوريا (5) لما أخفى آية الرجم وكتمها (6) وقد ذكر (7) تعالى أنه جعلهم كذلك محرفين، ولعنهم وجعل قلوبهم قاسية بنقضهم الميثاق والعهد، الذي أخذه (8) عليهم على أيدي رسله وأنبيائه.
(1) انظر: "الدرر السنية"(1 / 103) .
(2)
ساقطة من (ق) و (م) .
(3)
في (ق) : "الرسل".
(4)
ساقطة من (ق) و (م) .
(5)
في (ق) : "صويا "، وهو خطأ ناسخ.
(6)
أخرجه البخاري (6841) .
(7)
في (المطبوعة) زيادة: "الله ".
(8)
في (المطبوعة) : " أخذ".
قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا} [المائدة: 13](1) الآية [المائدة / 13] .
إذا عرفت ذلك: فكلام شيخنا في غاية الوضوح والظهور، ودليله دال على هذا.
فإن قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89][البقرة / 89] نص على تكفير هذا النوع الذي ذكره الشيخ، وهو من عرف ثم تبين في السب والعداوة وتفضيل أهل الشرك، فهذا بعينه هو الذي دلت عليه الآيتان (2) .
وأما قول المعترض: (كيف هذا الذي وصف يسب دينا قد عرفه وهو عامل به) .
فيقال له: أما معرفته له مع مسبته فلا يستغرب ذلك؟ ولا يمتنع وجوده، وهو نص الآية في اليهود ونحوهم، ممن عرف ولم يلتزم، بل أصر وعاند، وقد (3) قال صلى الله عليه وسلم:" «لتتبعن سنن من كان قبلكم» "(4) فلا يستغرب ذلك ويرده على الشيخ إلا من هو (5) أجهل الناس بكتاب الله ودينه وشرعه؟ ومن أجهلهم بحال أعدائه في كل زمان ومكان، ولكن هذا الرجل خرف وزاد قوله:" وهو عامل به " ومعلوم أن العامل به لا يسبه
(1) في (ق) زيادة: "فاعف عنهم ".
(2)
في (ق) : (الآيات) .
(3)
في (ق) : "قد".
(4)
سبق تخريجه، انظر: ص (222) .
(5)
في (م) زيادة: "من ".
ولا يعاديه إذا عمل به حقيقة العمل؟ ولكن هذه من كيسه، زادها (1) لسبك التلبيس. والشيخ- رحمه الله مثل بمن عرف ثم سب، ومدح دين المشركين ولم يقل: وهو عامل به.
وأما قوله: (ثم ينزل عليه هذا الرجل هذه الآية التي نزلت في أهل الكتاب من بعثة النبي-صلى الله عليه وسلم وصفته) .
فيقال لهذا المغرور: إن من منع تنزيل القرآن، وما دل عليه من الأحكام على الأشخاص والحوادث التي تدخل تحت العموم اللفظي، فهو من أضل الخلق وأجهلهم بما عليه أهل الإسلام وعلماؤهم، قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل، ومن أعظم الناس تعطيلا للقرآن وهجرا له، وعزلا عن الاستدلال به في موارد النزاع.
وقد قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59][النساء / 59] .
والرد إلى الله: هو الرد إلى كتابه، وإلى الرسول رد (2) إلى سنته.
وقد قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10][الشورى / 10] .
وقال تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19][الأنعام / 19] .
فنصوصه وأحكامه عامة، لا خاصة بخصوص السبب.
وما المانع من تكفير من فعل ما فعلت اليهود من تكفيرهم
(1) في (ق) : "زاد هذا".
(2)
في (المطبوعة) : "الرد ".
بالصد (1) عن سبيل الله والكفر به، مع معرفته؟ .
وهذا الرجل لا يبدي قولة في اعتراضه وتلبيسه إلا هي أكبر من أختها في الجهالة والضلالة، ولو كنت تعرف الكتاب العزيز، وما دل (2) عليه من الحدود (3) والأحكام والاعتبار؟ لأحجمت عن هذه العبارات التي لا يقولها إلا أفلس الخلق من العلم والإيمان.
يا خاسرا هانت عليه نفسه
…
إذ باعها بالغبن من أعدائه
لو كنت تعلم قدر ما قد بعته
…
لفسخت ذاك البيع قبل وفائه (4)
أو كنت كفؤا للرشاد وللهدى
…
أبصرت ، لكن لست من أكفائه
وأما قوله: (فأنزل هذا الرجل نفسه بمنزلته (5) وكابر بذلك على الغوغاء وسفك الدماء. . .) إلخ.
فيقال: إن كلام الشيخ رحمه الله فيمن كفر بدين الرسول، وسنته مع معرفته له، كائنا من كان، عرف الشيخ أو لم يعرفه، وليس في الكلام تصريح على ذكر الشيخ وطاعته، بل هو حكم شرعي عام، فنسبة من قاله ورميه بأنه نزل (6) نفسه منزلة الرسول من أعظم البهت والفرية على أهل العلم والدين، والعلماء في قديم الزمان وحديثه هم الموقعون (7) عن الله
(1) في (ح) و (المطبوعة) : "من الصد".
(2)
في (ق) : "دلت".
(3)
ساقطة من (ح) .
(4)
في (المطبوعة) : " هذا ".
(5)
في (ح) و (ق) : "بمنزلة".
(6)
في (ق) و (م) : " أنزل".
(7)
في (ق) : " المدافعون"، وفي (م) :"الموقعون ".
ورسوله، المترجمون لوحيه وتنزيله، فمن رد عليهم ولم يقبل منهم - زعما منه أنهم يدعون إلى أنفسهم (1) ففيه مشابهة بمن رمى الرسل بذلك من قوم نوح وقوم فرعون، وقد تقدم ما قالوه لأنبيائهم.
وقال تعالى فيمن استكبر عن متابعة الرسل، ولم يرضهم في التبليغ عن الله، واتهمهم في ذلك:{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا (2) لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21][الفرقان / 21]
فوصفهم بالكبر والعتو الكبير؛ لما اقترحوا هذه الاقتراحات، ولم يسلموا لما جاء به (3) من الوحي والآيات، وهكذا كل مستكبر وعات، عما جاءت (4) به الرسل، وما قرره أهل العلم، يرده ولا يقبله قدحا فيهم وزعما منه أنهم يدعون إلى أنفسهم، وأنه لا يصلح أن يكون تابعا، فما أقرب المشابهة بين هؤلاء الضلال وإخوانهم الأولين، أتواصوا به؟ بل هم قوم طاغون.
وأما قوله: (والآية الأخرى نزلت في صناديد قريش على الصحيح من قول المفسرين، كابن عباس رضي الله عنهما (5) وهم الذين هموا، بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم (6) باجتماعهم على ذلك في دار الندوة) .
(1) في (ق) : "لأنفسهم".
(2)
في النسخ الأربع: "وقالوا لا لو"، وهو خطأ.
(3)
في (المطبوعة) : "جاءت به الرسل ".
(4)
في (ق) : "جاء".
(5)
ساقطة من (المطبوعة) .
(6)
ساقطة من (المطبوعة) .
فالجواب أن يقال: اللسان لسان جاهل، والقول غير مستقيم ولا عادل، والآية نزلت (1) فيمن عاهد الرسول على مدة معينة من المشركين يوم صلح الحديبية، وقد شهده (2) وعاهده على الصلح كثير ممن لم يحضر دار الندوة، ولم يشهد رأيهم فيها، والآية عامة الحكم عند أهل العلم، وإن كان سببها خاصا، ولهذا استدل بها من قال: لا تقبل توبة من يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو من طعن في دين الإسلام، أو ذكره بتنقص كما ذكره ابن كثير، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهما من أهل العلم، وهو الذي قاله شيخنا رحمه الله واستدل بالآية عليه.
وأي مانع يمنع من تكفير هذا النوع، وإن كان سبب نزول الآية قوما مضوا وانقرضوا؟ فالحكم بحمد الله باقي، والدليل واضح، والمنار يلوح، وقد أنزل الله القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ولم يخص به قوما دون قوم.
وإن مضى أمس بأهل عرفانه فنحن من أبناء هذا اليوم.
وقوله تعالى في وصف هؤلاء في الآية التي بعدها يراد به التحريض والإغراء بهم (3) وكل وصف على حدته مبيح لقتالهم ودمائهم، ولذلك قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) كافة، ولم يخص أهل دار الندوة كما ظنه هذا الغبي، فعلى عقله العفاء، والسلام على (عباد الله)(5) الذين اصطفى.
(1) في (ق) و (م) : "قد نزلت".
(2)
في (ح) : "شهد".
(3)
في (ح) : "بينهم".
(4)
ساقطة من (المطبوعة) .
(5)
ما بين القوسين ساقط من (ق)، وفي (م) :"عباده ".