المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌خالد بن يزيد

- ‌الخالديان

- ‌خباب بن الأرت

- ‌خبر

- ‌ الخبر:

- ‌ الخبر

- ‌خبر الواحد

- ‌خبيب بن عدى الأنصاري

- ‌خَتْم

- ‌خديجة

- ‌خديو

- ‌1 - تاريخ مصر السياسي

- ‌2 - نظام الحكم والإدارة

- ‌3 - التطور الاقتصادى

- ‌4 - السكان

- ‌5 - التربية والعلوم والآداب

- ‌الخراج

- ‌خراسان، بنو

- ‌الخرطوم

- ‌الخِرْقة

- ‌خرقة شريف

- ‌خُزَاعة بن عمرو

- ‌الخزرج

- ‌الخزرجى

- ‌الخزف

- ‌خسرو بك

- ‌خسرو ملا

- ‌الخشبية

- ‌خشقدم

- ‌الخضر

- ‌الخطابية

- ‌الخطبة

- ‌خط همايون

- ‌خطيب

- ‌الخطيب البغدادى

- ‌خفاجة

- ‌الخفاجي

- ‌خلعة

- ‌خليفة

- ‌الخليل

- ‌الخليل بن أحمد

- ‌خليل بن إسحاق

- ‌خليل أفندي زاده

- ‌خمارويه

- ‌الخندق

- ‌الخنساء

- ‌الخوارج

- ‌1 - أصول حركة الخوارج:

- ‌2 - حروب الخوارج في العصر الأموي

- ‌3 - مذاهب الخوارج السياسية والدينية

- ‌تعليق على مادة الخوارج

- ‌الخوارزمي

- ‌الخوارزمي

- ‌خواندمير

- ‌خوجه أفندي

- ‌خولان

- ‌خويلد

- ‌الخياط

- ‌خيال ظل

- ‌خيبر

- ‌خير الله أفندي

- ‌خير الدين

- ‌ خير الدين

- ‌د

- ‌دابق

- ‌دابة

- ‌الدار البيضاء

- ‌دار الحرب

- ‌دار السلام

- ‌دار الصلح

- ‌دار الصناعة

- ‌الدارقطني

- ‌الدارمي

- ‌دار الندوة

- ‌الداعى

- ‌الداني

- ‌دانيال

- ‌داود

- ‌تعليق

- ‌داود باشا

- ‌داود بن خلف

- ‌الدجال

الفصل: ‌4 - السكان

بهذه الطريقة قد قسمت فيها تقسيما هو أبعد ما يكون عن المساواة. فالفلاحون لا يزالون فقراء مثقلين بالدين. أما الطبقات فأولها طبقة الملاك (وبخاصة طبقة الباشوات الأتراك - المصريين؛ انظر القسم رقم 4 من هذا المقال) ويليها طبقة الأجانب الأوربيين، وهم أحسن حالا من أهل البلاد، لأن الامتيازات تعفيهم من جميع الضرائب (1) وكانت فضلا عن ذلك لا تسمح بزيادة الضريبة الجمركية على الواردات إلى أكثر من 8 % (2).

وكانت التجارة الداخلية هي الأخرى معقدة في أيام محمد على. فقد كان يلزم الفلاحين بأن يشتروا منه بأثمان مرتفعة المحصولات التي كان يبتاعها منهم بأثمان تقل عن الأثمان التي يشترونها بها. وقد وصفها في عصر سعيد باشا فون كريمر وصفا مسهبا (جـ 2، ص 212 وما بعدها). وكانت لا تزال هذه التجارة محتفظة بكثير من مظاهرها القديمة بالرغم مما تأثرت به من أساليب التجارة الأوربية. ونخص بالذكر من هذه المظاهر القديمة نظام الأسواق التي لا تزال الحركة التجارية فيها منتعشة نشيطة (ومن أمثلة هذه الأسواق سوق خان الخليلى في القاهرة) وإن كانت مظاهر الحياة فيها لم يبق لها ما كان لها في الماضى من روعة وجمال كما أن السلع التي فيها كانت قد انحطت عما كانت عليه من قبل.

‌4 - السكان

يدل الازدياد السريع في عدد سكان مصر منذ بداية القرن التاسع عشر دلالة واضحة على أن أحوال المعيشة فيها قد تحسنت كثيرًا عما كانت عليه من قبل. فقد تضاعف عددهم تقريبًا في الفترة المحصورة بين الاحتلال الفرنسى وحكم سعيد (زاد هذا العدد

(1) عدا ضريبة الأطيان والعقارات والضرائب الجمركية وقد انقضى عهد الامتيازات بعد عام 1937.

(2)

لم يكن سبب هذا التحديد هو الامتيازات الأجنبية بل كان سببه المعاهدات التي ارتبطت بها مصر مع الدول وقد انتهت كلها في عام 1930 وأطلقت يد مصر في فرض الضرائب الجمركية بما يتفق ومصالحها.

ص: 4609

من 2.460.000 إلى 4.476.440 نسمة) وبلغ مقدارهم في عام 1897: 9.734.405 ، ثم نقص هذا العدد قليلًا بعد هذا العام. ثم عاد فارتفع إلى 11.287، 359 في عام 1907 وإلى 12.750.918 في عام 1917 (1). وبما أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في مصر قليلة بالنسبة لعدد السكان فإن كثافة السكان في مصر تعد عظيمة، ويتألف العنصر الوطنى الأصيل المتجانس الذي يتكلم اللسان العربي وقتئذ من 92 % من هذا العدد. وهو يشمل طبقة الزراع (الفلاحين) والوطنيين من سكان المدن. ومن السكان 93 % مسلمون والباقون هم الأقباط المسيحيون (وقد كان عددهم 854.778 في تعداد 1917) أما العناصر غير الأصيلة فتتألف من الأتراك والمسيحيين واليهود من أبناء الشرق ومن الأوربيين. ويقابل اختلاف الدين والجنس في مصر كما يقابلهما في غيرها من البلاد الإسلامية اختلاف مثله في الوظائف الاجتماعية.

ويسكن الفلاحون، وهم العنصر الوطنى من أهل البلاد، في قرى قائمة على ضفتى النيل وعلى ضفاف قنوات الرى، وكانوا لا يزالون يعيشون بطريقة لا تختلف إلا قليلًا عن الطريقة التي كانوا يعيشون بها في القرون الماضية. وقد أفقرتهم أشد الفقر الوسائل الاقتصادية التي اتبعها محمد على. وكثيرًا ما كانوا من عهد إسماعيل موضع الأسى من الكتاب الأوربيين لما يرزحون تحته من الضرائب الباهظة ولما يعانونه من الوسائل الوحشية الفاسدة التي كان يتبعها جامعو الضرائب. إلا أن الزيادة المطردة في عدد السكان في هذه الفترة لا تترك مجالًا للشك في أن ظروف الحياة مهما يكن فيها من بؤس وشقاء هي الآن خير مما كانت عليه في العصور السابقة. وجدير بالذكر أن الفلاح المصرى كان في كل العصور يظهر كراهية تقليدية لأداء الضرائب المفروضة عليه، إلا إذا أرغم على ذلك. أضف إلى هذا أن عجز الفلاحين عن إدخار رءوس الأموال قد جعل مستوى حياتهم بوجه عام أقل من غيرهم. ولما أراد محمد على أن يؤلف

(1) وقد بلغ 16 مليونا في عام 1927 بينما بلغ أواخر عام 1995 نحو الستين مليونا.

ص: 4610

منهم فرقًا في جيشه كان كرههم للخدمة العسكرية يدفعهم في كثير من الأحيان إلى أن يحاولوا الفرار منها بتشويه أجسامهم. ومع هذا فإن الفلاحين قد برهنوا على أنهم جنود صالحون إذا تولى قيادتهم ضباط قادرون كما حدث في حروب السودان في عام 1897.

وكان السكان الطاعنون في أجزاء من مصر لا يزالون في أثناء القرن التاسع عشر يعدون أنفسهم من سلالات القبائل العربية. وليس لأفقر الطبقات من الزراع أملاك مطلقًا، وأفراد هذه الطبقة يعملون أجراء في الضياع الكبرى. وتلى هذه الطبقة طبقة صغار الملاك (وهم الذين يملك الواحد منهم أقل من 50 فدانا) وأرقى هذه الطبقات كلها طبقة مشايخ القرى وهم الذين يسميهم لورد كرومر (طبقة السادة الملاك Squirearchy) .

ولقد كان عهد الخديويين من أهم العهود بالنسبة للعنصر المصرى الأصيل، فقد استطاع هذا العنصر في ذلك العهد أن يكون له نصيب موفور في حياة البلاد العامة وفي إدارتها. لقد كان علماء الأزهر في القرون السابقة لحكم محمد على يخرجون من هذه الطبقة وحدها إلا فيما ندر. ومنذ زمن محمد على -الذي لم يكن يسمح لغير "الأتراك" بأن يتولوا المناصب الكبرى- أخذت طبقة وسطى تظهر في البلاد. وكان سعيد الذي اشتهر بأنه صديق الفلاح -يشجع هذه الطبقة على الوصول إلى المناصب الكبيرة في الجيش وفي الإدارة المدنية، وبهذه الطريقة نشأ في عصر إسماعيل ما يمكن أن نسميه بالرأى العام (وكان في الغالب معاديًا للأتراك- (انظر القسم رقم 1 من هذا المقال) ومن أبرز الممثلين لهذه الطبقة المصرية الأصيلة المتعلمة على باشا مبارك والعالم الرياضى محمود باشا الفلكى. ومن التغييرات التي حدثت لاسترضاء هذا العنصر المصرى الأصيل استبدال اللغة العربية باللغة التركية في دواوين الحكومة في عهد سعيد باشا. على أن العامل الأكبر في وجود هذه البداية الأولية للنزعة القومية هو تأثير الأوربيين وقتئذ. ولم تكن هذه النزعة متأصلة في وعى الجماهير من المصريين، ويلوح أن

ص: 4611

الشعور القومى الذي بعث في القرن العشرين هو وحده الذي كانت تفهمه جماهير المصريين. على أن الفلاحين قد ظلوا بمنأى عن هذه الدعاية الوطنية، فلم تصل قط إلى نفوسهم اللهم إلا من كان يعيش منهم قريبًا من المدن الكبيرة.

والمذاهب الأربعة السنية معترف بها في مصر رسميًا. ولكن أوسعها انتشارًا هو المذهب الشافعى. ويتبع بعض أهل الصعيد مذهب الإمام مالك. ولما كان القضاء في مصر منذ الفتح العثماني يسير على الدوام حسب أصول المذهب الحنفي فقد أصبح هذا المذهب الآن هو المتبع في الشئون الدينية ما عدا العبادات الخالصة. وكان متوسط عدد من أدوا فريضة الحج من المصريين في ذلك الوقت حواليِ 16.000 حاج. ويحتفل في مصر بالأعياد السنية الرسمية فضلا عن الاحتفال بطائفة من الأعياد المصرية الخالصة المعينة في التقويم القبطى القديم، وهو إلى الآن التقويم الذي يسير عليه الفلاحون. وكانت أيام هذه الأعياد تتفق منذ أقدم الأزمنة مع وقوع حوادث طبيعية معينة أجدرها بالذكر ارتفاع مياه النيل. ولهذا كان عيد "جبر الخليج" من أشهر الأعياد المصرية منذ أقدم العصور، وهو يقع في شهر أغسطس من كل عام. وهناك أعياد أخرى تتصل بموالد الأولياء المسلمين يحتفل بها في كل عام (منها مولد سيدى أحمد البدوى (1) في طنطا ومولد البيومى في القاهرة) وعدد هذه الموالد لا حصر لها. وكثير من الأولياء الذين تقام لهم لا تعرف أسماؤهم. وما من شك في أن بعض الأماكن التي يزارون فيها من المواضع التي كانت مقدسة قبل الإسلام.

ويجد القارئ وصفًا كاملا مفصلا للعقائد والعادات المصرية الشعبية في الخطط الجديدة لعلى باشا مبارك (وبخاصة في الأجزاء من 8 إلى 27، انظر أيضًا جولدسهير Goldziher في W.Z.K.M. جـ 4، ص 351) وقد ذكر هذا المرجع أوسع الطرق الصوفية انتشارًا (جـ 3، ص 129 وكذلك في R.M.M. جـ 53، ص 123) وشيخ مشايخ الطرق الصوفية من عام 1550

(1) يسميه الكاتب الشيخ حسن البدوى.

ص: 4612

ينتسب إلى البكري، وقد أصبح فوق ذلك نقيبًا للأشراف منذ عام 1811.

أما العنصر التركى من أهل مصر فقد ظل طوال عهد الأسرة المحمدية العلوية صاحب المكان الأول في البلاد، وإن كان عدد أفراده أقل كثيرًا من أفراد العنصر الأصيل، وكانت هذه الأسرة نفسها أكبر من يمثل هذا العنصر، كما كان يمثله أيضًا كبار الموظفين في الجيش وفي الإدارة المدنية. وكان أفراده هم الحاملين للواء التقاليد التركية السياسية والثقافية. أما من حيث أصولهم فقد كانوا يتألفون من جميع العناصر غير العربية في الدولة العثمانية. وكان المنحدرون من أصل جركسى منهم كثيرى العدد في البلاد من أيام المماليك وما بعدها. وكان عدد الأسر "التركية" إلى عهد الاحتلال الإنكليزى يشمل أحيانًا أسرًا نزحت من أجزاء أخرى من بلاد الترك. وكان الباشوات الأتراك هم الطبقة الحاكمة في البلاد، وكانوا فضلا عن ذلك يكونون طبقة كبار الملاك بفضل الرعاية التي كان يحوطهم بها الولاة (انظر القسم رقم 2) على أن معظم هؤلاء "الأتراك" قد تمصروا فيما بعد (ويسميهم لورد كرومر الأتراك المصريين) وأظهروا عطفهم على الحركة القومية، ومن الممثلين لهذه الطبقة ناظر النظار شريف باشا ورياض باشا اللذان توليا رياسة الوزارة في أيام الحركة العرابية والأيام التالية لها مباشرة. وقد ظل كبار "الأتراك" نحو جيلين أو ثلاثة أجيال أكثر المصريين اصطباغا بالصبغة الأوربية، ويلوح أن معظمهم ممن لا يتقيدون بقواعد الدين.

أما البدو من أهل مصر فقد بلغ عددهم في الربع الأول من القرن العشرين بلغ حوالي 600.000، وهم من العرب الخُلص ويعيشون في شبه جزيرة سيناء وفي الوجهين البحرى والقبلى. وقد استعربت قبائل البربر التي تسكن الصحراء الغربية إذا استثنينا منها سكان واحة سيوة. ومن أقدم القبائل التي عاشت في مصر "العبابدة""والبجة".

ص: 4613

وقد كان الاسترقاق من الأنظمة الاجتماعية المعترف بها في مصر حتى عام 1877. وفي هذه السنة حُرمت تجارة الرقيق في البلاد المصرية بمقتضى اتفاق بين إنكلترة ومصر. وفي عام 1895 وقع اتفاق آخر في هذا الشأن نص فيه على أن التدخل في الحرية الشخصية جريمة. وتنص المادة الثالثة من دستور عام 1923 على أن الحرية الشخصية مكفولة لجميع الرعايا المصريين. أما من الناحية العملية فقد بقى الاسترقاق إلى ما بعد عقد الاتفاق الإنكليزى المصرى، على أن الإجراءات الصارمة التي اتخذت ضد تجارة الرقيق قد جعلت استيراد العبيد الجدد مستحيلا أو في حكم المستحيل. وكان معظم الرقيق من النساء، وكان الباقون من الخصيان. وكان للدم الزنجى أثر في خواص بعض المصريين الجسمية في خلال القرن التاسع عشر. وقد كان الرقيق الأبيض لا يزال يستورد من بلاد القوقاز والحبشة (1) في النصف الأول من القرن التاسع عشر.

ومن أهم العناصر المسلمة غير المصرية في مصر مجاورو الأزهر، وأكثرهم عددا مسلمو شمال إفريقية وبلاد الشام. وقد يندمج بعضهم أحيانًا في طائفة العلماء المصريين. ولا يوجد من الشيعة إلا جالية إيرانية صغيرة تقيم في المدن.

وقد قامت الدعوة لتحرير المرأة المسلمة في مصر في أواخر القرن التاسع عشر ونادى بها في ذلك الوقت قاسم أمين (توفي في عام 1908) وهو مصرى من أصل كردى نشر في عام 1899 كتابه "تحرير المرأة" ثم نشر بعد بضع سنين كتابه الآخر "المرأة الجديدة"(وقد أهداه إلى سعد زغلول). وأثار هذان الكتابان معارضة قوية في بعض الأوساط، وعطفًا لا يقل عنها قوة في البعض الآخر. وعضدت النساء أنفسهن هذه الحركة، وكان من

(1) قد لا يكون من الخطأ أن يعد الأحباش من الجنس الأبيض فهم مزيج من البيض والسود.

ص: 4614

زعيماتها السيدة ملك حفنى ناصف (ولدت في عام 1866 وكتبت عددا من النسائيات وقعتها باسم مستعار هو باحثة البادية). وانضمت إليها كذلك بعض النساء المسيحيات السوريات ذوات الكفاية الممتازة (انظر مجلة Oriente Moderno جـ 5، رقم 11) وكان من نتائج هذه الحركة انتشار تعليم البنات (انظر القسم رقم 5 من هذا المقال، وكذلك ما كتبه مارتن هارتمان Martin Hartmann في Dte Frau im islam هال، سنة 1909).

ويؤلف الأقباط في مصر عدا الذين يعيشون منهم في الوجه القبلى طبقة وسطى دنيا، ويشتغل معظمهم بالحرف والصناعات اليدوية في المدن، وتأخذ منهم الحكومة صغار الموظفين الإداريين (1) وقد قدرهم "لين" بمائة وخمسين ألفًا، ويدل هذا التقدير على أنهم يزيدون بنسبة أكثر من نسبة ازدياد المسلمين. ويشترك المسلمون مع الأقباط -المسيحيين- في بعض السنن والتقاليد كعادة الختان وتحجب النساء. ولم يبق للعادة القديمة، عادة إلزام الأقباط بلبس العمامة والملابس السوداء أثر إلا عند رجال الدين الأقباط. وكان يؤخذ منهم صغار الموظفين الفنيين في الإدارة الإقليمية أيام محمد على (انظر القسم رقم 2) وكان لأعيان الأقباط في أيامه نفوذ كبير في البلاد لا يقل عما كان لهم في عصر المماليك. ومن رجالاتهم في ذلك العهد المعلم جرجس الجوهري (المتوفى في عام 1811) والمعلم غالى (المتوفي في عام 1821) وكان كلاهما رئيسًا للكتاب في أيامه، إلا أنهما تعرضا أحيانًا للأذى على يد الوالى. وقد ترجم لهما جرجى زيدان نقلا عن كتاب تاريخ الأمة القبطية تأليف يعقوب بك نخلة رومانيل؟ وكان بطرس باشا غالى أول وزير قبطى (ولد في عام 1847 وتوفي في عام 1910). فلما قتل قضى مقتله على أسباب التعاون بين الأقباط والمسلمين في الحركة الوطنية (2) (انظر

(1) إن صغار الموظفين الإداريين لا يؤخذون الآن من الأقباط وحدهم بل يؤخذون منهم ومن المسلمين على السواء.

(2)

لقد انضم الأقباط إلى الحركة الوطنية منذ نشأتها وضحوا فيها كما ضحى المسلمون سواء بسواء.

ص: 4615

القسم رقم 1) وكان مركز الحركة الثقافية القبطية في تلك الأيام مدينة أسيوط.

ويؤلف الأرمن في مصر جالية قليلة العدد معظم أفرادها من أصحاب الحوانيت. وقد شغل بعض كبار رجالها مراكز سامية في الحكومة في القرن التاسع عشر. ومن أشهر هؤلاء بوغوص بك، وكان في أول الأمر من ملتزمى الضرائب، ثم أصبح بعدئذ من مستشارى محمد على (انظر كتاب مشاهير الشرق جـ 1، ص 226) ومنهم أيضًا نوبار باشا الذي تولى رياسة الوزارة عدة مرات قبل الاحتلال البريطانى وبعده. وكان هؤلاء الأرمن المثقفون عاملا قويًا في نشر الثقافة الفرنسية في مصر.

واستوطن المسيحيون المارونيون السوريون (الشوام) مصر في عهد المماليك وأصبحوا في أيام إسماعيل من أنفع العناصر في التنظيم الإدارى الجديد لعلمهم باللغات الأجنبية، ولما طبعوا عليه من استعداد لمسايرة طرائق الأوربيين (انظر كتاب لورد كرومر جـ 2، ص 217). لكننا لا نكاد نجد منهم من تولى منصبًا من المناصب الكبرى في البلاد. وهاجر إلى مصر غيرهم من السوريين ليثروا من طريق التجارة، ومنهم من افتقر بعد غناه بسبب المشاكل الإقتصادية التي حدثت في ذلك العهد. ومن أمثلة هؤلاء أمين شميل (1828 - 1897 وتجد ترجمة حياته في جـ 2 من كتاب مشاهير الشرق ص 169) وكان من المهاجرين السوريين وممن جمعوا ثروة طائلة من تجارة القطن ثم خسرها، وختم حياته كاتبًا كثير الإنتاج وناشرا ذا قدرة عجيبة على تكييف نفسه وفق الظروف. والسوريون منتشرون -في ذلك الوقت- في جميع أنحاء القطر المصرى يبثون الحياة العقلية الحديثة في بلاد مصر بتأليف الكتب ونشرها وإصدار الصحف والمجلات، ومنهم من كانوا طلائع الدعاية الوطنية (مثل سليم نقاش انظر مصادر هذا المقال) غير أن لهم من الصفات ما يجعلهم طائفة غير محبوبة من المسلمين.

أما اليونان فطائفة وسط بين المصريين والأوربيين وأثرهم في مصر اقتصادى محض. ويبدى اليونانيون

ص: 4616

المقيمون في الإسكندرية نشاطًا تجاريًا عظيمًا. ويرى الإنسان الطبقات الدنيا منهم منتشرة في كل ناحية من نواحى القطر المصرى يتجرون في البقالة ويعملون في بعض الأحيان مرابين. وهم في مصر كما في غيرها من بلاد الدولة التركية القديمة يحتفظون "بطابعهم الخاص" في المدنية الغربية.

واليهود في مصر طائفة بين الوطنيين والأجانب، وكانت عدتهم في أواخر القرن الماضى حوالي 30.000، وكلهم تقريبًا يعيشون في القاهرة والإسكندرية، ويشتغل معظمهم بالأعمال المصرفية. وقد كان لهم -كما كان للسوريين- أثر في الحركة الوطنية الأولى التي قامت سنة 1877، ومن هؤلاء جيمس سنوا James sanus الذي سمى نفسه "أبو نظارة" وأنشأ أول مسرح عربي في القاهرة. ثم أصدر في عام 1877 صحيفة باللغة العربية الدارجة انتقد فيها أعمال الخديو. ثم خرج بعد ذلك من مصر (انظر كتاب صبرى La Genése etc ص 127) وكانت توجد في القاهرة مدارس لليهود أنشئت أولاها سنة 1840.

ولم تكن الزيادة المطردة في عدد الأوربيين في مصر سببا من أسباب اصطباغها بالصبغة الأوربية بل كانت نتيجة من نتائجها. وفي مصر طائفة من الأوربيين لا يعدون أجانب إلا بجوازات سفرهم وحدها، وهؤلاء من أهالى شرق البحر المتوسط. وقد أثروا بفضل الحصانة التي يتمتعون بها بسبب الامتيازات الأجنبية أما الأوربيون الذين عملوا في الحكومة المصرية لتنفيذ الإصلاحات والأعمال الفنية فينتمون إلى أمم مختلفة، فمنهم الفرنسيون (ده سيف أو سليمان باشا الذي أنشأ جيش محمد على النظامى، وكلوت بك الذي نظم مدرسة الطب، وفردنند ده لسبس وغيرهم) ومنهم أبناء سويسرا (أمثال دوربك Dorbey وميزنجر Munzinger) ومنهم النمساويون (أمثال سلاطين باشا في السودان، وبلوم باشا المستشار المالى في عهد إسماعيل) ومنهم الإنجليز

ص: 4617