الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبيب بن عدى الأنصاري
من أوائل الشهداء في الإسلام، وتتفق جميع الروايات في ذكر أهم ما تميزت به قصته على الوجه الآتى: كشف المشركون أمر سرية بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقعة أحد (انظر التواريخ الخاصة بذلك فيما يلى) تتألف من عشرة رهط من صحابته، فأحاط بها مائة (أو مائتا) لحيانى من قبيلة هذيل فيما بين مكة وعُسفان، وكان على رأس هذه السرية، التي ضيق عليها الخناق، عاصم بن ثابت الأنصارى (ويقول البعض بل كان على رأسها المرَثْدَ) فرفض التسليم بشمم وإباء. وقتل هو وستة من جماعته، فاستسلم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل ثالث، وقد لقى هذا الرجل حتفه من جراء عناده. أما خبيب وزيد فاقتيدا إلى مكة وبيعا فيها. ووقع خبيب في أيدى بنى الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وما إن انقضت الأشهر الحرم حتى خرجوا بخبيب من الحرم إلى التنعيم فرفعوه على خشبة وقتلوه (صبرًا) بالحراب ليثأروا للحارث الذي قتله خبيب في وقعة بدر. وقد طلب خبيب قبل أن يوثق على خشبته أن يذروه يصلى ركعتين، وهي سنة من قتل صبرًا، ويروى أنه أنشد وهو مشدود بيتين من الشعر في أن المسلم الشهيد لا يبالى ما يُصنع بجسده، فإن الله إن يشأ يبارك أوصال شلوه الممزع (1). ولقد وصل إلينا قنوته علاوة على ما تلاه من آى القرآن، وفيه يدعو الله أن يثأر له من أعدائه (2) ويقال إن الذين شهدوا قتله أخذتهم الرجفة من دعائه على عدوه. ويروي أن أبا سفيان ألقى بابنه الصغير معاوية إلى الأرض ليقيه شر دعوة خبيب. وكان سعيد بن عامر تصيبه غشية طويلة كلما خطر ذلك المشهد على قلبه.
(1) عن ابن هشام ص 643 و 644:
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزع
ووالله ما أرجو إذا مت مسلمًا
…
على أي جنب كان لله مضجعى
وتختلف الروايات في ترتيب البيتين ولكنها تكاد تجمع على صورة البيت الأول. أما البيت الثاني فتختلف عباراته باختلاف الرواة والمعنى واحد. من ذلك عن الإصابة جـ 2 ص 103:
ولست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أي جنب كان في الله مصرعى
والشطر الأخير عند الطبرى جـ 2، ص 1436:
على أي شق كان لله مصرعى
(2)
وهذه هي عبارة الدعاء عن ابن هشام ص 641 "اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا".
وهناك تباين واختلاف يبدوان عند موازنة الروايات بعضها ببعض؛ كما أن هذه الروايات فيها مسحة من التمجيد. فقد دعا عاصم ربه عند مقتله أن يخبر نبيه [صلى الله عليه وسلم] في مكة نبأ هذا الحادث فاستجاب الله له. وأحاطت الدَّبْر (1) بجسده ومنعته عن عدوه ثم جاء الوادي فذهب به. ويذكر الواقدى (ص 155) أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أخبر بهذا الحادث مع قصة بئر معونة. ويقول ابن هشام (ص 641) إن خبيبًا لا عاصمًا هو الذي دعا الله أن يخبر النبي [صلى الله عليه وسلم] بخبر هذا الحادث. ويذهب الزهري وعروة (انظر رواية عروة المقتضبة في الواقدى، ص 156) إلى أن الرجال العشرة إنما خرجوا في سرية عينًا على أهل مكة، ويذهب ابن هشام (ص 638) والواقدى (ص 157) وابن سعد (جـ 2، القسم الأول، ص 39 وما بعدها؛ جـ 3، القسم الثاني، ص 33 وما بعدها) إلى أنهم عشرة فقهاء كانوا متوجهين إلى إحدى القبائل يبصرون أفرادها بأمور الدين فغدر بهم أدلاؤهم وتركوهم لعدوهم. وهذه القصة عظيمة الشبه بالقصة التي حيكت حول مأساة بئر معونة التي وقعت في هذا الوقت نفسه. ويذكر الواقدى في أخبار العام السادس الهجري أن خبيبًا لم يكن وقتذاك أسيرًا في يد أهل مكة (ص 227). والرواية التاريخية الوحيدة المعول عليها هي التي تذهب إلى أن الحادث وقع بعد غزوة أحد، وذلك لأن عاصما كان ممن شهدوها. وقد ذكر هذا الحادث في سيرة ابن هشام تحت عنوان قصة يوم الرجيع في سنة ثلاث للهجرة. أما الواقدى فقد أورده في حوادث السنة الرابعة.
وكانت شخصية هذا المثال الأول من أمثلة الشهداء مدعاة للعجب، ذلك أن ابنة الحارث (وفي رواية أخرى ماوية مولاة حُجَير ابن أبي إهاب) وهي التي حبس خبيب في بيتها، طلعت عليه يومًا وفي يده قطف من عنب يأكله، مع أن هذه الفاكهة لم يكن لها وجود في مكة. وطلب حين حضره القتل موسى يتطهر بها (وهي العادة المرعية في مثل هذه
(1) الدبور (والباء غير مشددة)، والدبر: الزنابير من النحل، ويسمى عاصم رضى الله عنه لذلك (حمى الدبر).