الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويعرف المصنفون المتأخرون، في الملَل والنحل، عن الخطابية أكثر مما عَرف السابقون لهم، فالبزيغية عند المطهر فرقة قائمة برأسها، في حين يجعلهم الشهرستانى فرعا من الخطابية، كما أن هذا المصنف يجعل لهم فرعا آخر هو العُمَيْرية الذين يعدهم عبد القاهر في مصنفه فرعا من الجناحية؛ ويرى الشهرستانى أيضًا أن المعمرية فرع من الخطابية، أما ابن حزم فيقطع بأنهم مستقلون عنهم. وقد بلغت فروع الخطابية أيام المقريزى خمسين فرعا. وذكرت كنية أبي الخطاب بصيغ شتى مثل أبي ثور وأبى يزيد، ولعل ذلك يرجع إلى تصحيف اسم زينب. ويتهم الخطابية بأنهم ينكرون عدة قواعد أخلاقية وكذلك إنكارهم لعدة شعائر إسلامية.
ويذكر الحلول من بين المعتقدات المنسوبة لهم، ومن العسير أن نتحقق من صحة هذه الأقوال، لأن الفرقة لم تخلف فيما يظهر مؤلفات خاصة بها.
المصادر:
(1)
أبو محمَّد الحسن بن موسى النوبختى: كتاب فيه مذاهب فرق أهل الإمامة (مخطوطة في حيازة A. G. Ellis Esq).
(2)
The Hetero-: I. Friedlander doxies J.A.O.S. of the Shiites جـ 28 ، 29 (ترجمة في هامش ابن حزم: الفصل جـ 5 ص 187 وما بعدها).
(3)
الشهرستانى: ترجمته Haarbrucker جـ 1 ص 206.
(4)
عبد القاهر البغدادى: الفرق بين الفرق ص 242.
(5)
الكشى: معرفة أخبار الرجال، طبعة بمباى 1317 ، ص 187) وهو كتاب لا يوثق فيه).
(6)
المقريزى: الخطط جـ 2، ص 352.
(7)
عضد الدين الأيجى: المواقف طبعة Sarensen ص 345.
يونس [مارجوليوث D.S. Margoliouth]
الخطبة
الخُطْبة (كلمة عربية) وهي الخطاب يجاهر به الخطيب ولها مكانها المحدد من شعائر الإِسلام، ونعني بذلك
الخطب التي تلقى في صلاة الجمعة وفي العيدين وعند الكسوف وانقطاع المطر. والخطبة في الجمعة تسبق الصلاة، ولكن الصلاة تسبقها في غيرها. ونحن نورد في هذا المقام خلاصة الشروط التي يجب توافرها في خطبة الجمعة كما أوردها الشيرازى (انظر: التنبيه، طبعة جوينبل ص 40) وهو من علماء الشافعية المتقدمين:
(أ) مما يجب أن يتوافر في صلاة الجمعة لكي تصح أن تسبقها خطبتان يشترط لصحتهما الطهارة، والستارة، والقيام والقعود بينهما، والعدد الذي تنعقد به الجمعة.
ويجب فيها: أن يحمد [أي الخطيب] الله تعالى ويصلى على النبي [صلى الله عليه وسلم] ويوصى بتقوى الله في الخطبتين والدعاء للمؤمنين الكريم، ويقرأ في الأولى شيئًا من القرآن، وقيل تجب القراءة فيهما، وسنتهما أن يكون على منبر أو موضع عال، وأن يسلم على الناس إذا أقبل عليهم، وأن يجلس إلى أن يؤذن المؤذن، ويعتمد على قوس أو سيف أو عصا، وأن يقصد قصد وجهه، وأن يدعو للمسلمين، وأن يقر الخطبة.
(ب) ويقول المؤلف نفسه (ص 42) عن الخطبة في العيدين، إنهما خطبتان كخطبتى الجمعة، إلا أنهما تختلفان عنهما في النقاط الآتية: أن الخطيب يستفتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع تكبيرات ويعلمهم [أي الناس] في الفطر زكاة الفطر، وفي الأضحى الأضحية، ويجوز أن يخطب من قعود.
ويذكر الشيرازى (ص 43) في خطبة صلاة الكسوف أن الإِمام يخوف الناس بالله. وفي خطبتى الاستسقاء يستغفر الإمام الله في افتتاح الأولى تسعًا وفي الثانية سبعا، ويكثر فيهما من الصلاة على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ومن الاستغفار ويقرأ الآية التاسعة من سورة الملك ويرفع يديه ويدعو بدعاء النبي [صلى الله عليه وسلم](ويورده الشيرازى كاملا) ويستقبل القبلة أثناء الخطبة الثانية، ويحول رداءه من يمينه إلى شماله، ومن شماله إلى يمينه ويجعل أعلاه أسفله ويتركه.
وتثير هذه الشعائر الملاحظات الآتية: كان بِكَر C.H. Becker أول من أشار إلى العلاقة بين المنبر الإِسلامي ومقعد القاضى في الجاهلية (1)، وهذا يفسر السبب في توكئه على عصا أو سيف أو قوس، ذلك لأن هذه الأدوات كانت من لوازم القاضى العربي في الجاهلية. وليس من اليسير أن ندرك لماذا تسبق الخطبة صلاة الجمعة في حين تسبق الصلاة في العيدين وغيرهما الخطبة (2). وينبئنا الحديث بأن مروان بن الحكم كان أول من غيَّر هذا النظام بأن خطب الناس قبل الصلاة في العيدين (انظر البخارى، كتاب العيدين، باب 6؛ وانظر خاصة الصورة المحركة للنفس الواردة في صحيح مسلم، كتاب العيدين، حديث 9).
وقد روى أيضا أن مروان كان أول من خطب الناس في العيدين على منبر، وأن السنة القديمة كانت تقضى بالصلاة بلا منبر ولا أذان. وتذهب مصادر أخرى (مسلم: كتاب الإيمان، الحديثان 78 ، 79؛ وشرح النووى عليهما) إلى أن الخطبة قبل الصلاة تعود إلى عثمان بل إلى عمر (3). ورأى جمهور المحدثين أن ذلك بدعة، سببها نزوع الأمويين إلى العمل لصالح دولتهم أكثر من العمل على صالح الدين. وإذا صح هذا الرأى، فإن هذه
(1) هذا غير صحيح. فإن الثابت في الأحاديث التي لا شك في صحتها أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان يخطب قائما بين الناس، ثم أشار عليه بعض أصحابه باتخاذ المنبر، فصنع له من ثلاث درجات، وكان يخطب عليه إلى آخر حياته. وليس هناك ما يشير إلى تقليد هذا لمقعد القاضى في الجاهلية. ثم لو كان لم يكن به بأس، وما ندرى ما علاقة هذا بأحكام الخطبة؟ وانظر بعض ما ورد ذلك في مسند الإِمام أحمد بن حنبل (بتحقيق أحمد محمَّد شاكر) في الحديث رقم 2236، وفي البخاري وشرحه فتح الباري (ج 2، ص 329 - 332 طبعة بولاق) وتاريخ ابن كثير: البداية والنهاية، ج 6 ص 125 - 132).
(2)
ليس لهذا سبب يدركه كاتب المادة أو غيره، ، لأن هذه عبادة أمر الله بها رسوله [صلى الله عليه وسلم]، وأمره أن يبلغها للناس ويعلمهم إياها، وعليهم القبول والطاعة.
(3)
سوق الكلام على هذا النحو يوهم أن الرواية التي تذكر أن عثمان فعل ذلك وأن عمر فعله أيضا -رواها مسلم في صحيحه! وهو غير صحيح، فإن مسلما لم يرو هذا قط في صحيحه، بل ذكره النووى في شرحه، وعقب عليه بأنه "ليس بصحيح". انظر شرح مسلم للنووى (ج 6 ص 171 - 172 طبعة محمود توفيق بمصر) وهو الموضع الذي يشير إليه كاتب المادة. وقد فصل القول في ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (ج 2 ص 376 طبعة بولاق).
البدعة والاستماع إلى الخطبة من قعود، يمكن أن ينظر إليهما على إنهما محاولة للعودة إلى مراسم القضاء في الجاهلية المتصلة بالمنبر والخطبة (1).
ويجب أن يلاحظ في دعاء المؤمنين أن العادة جرت بأن يذكر السلطان فيه قبل صلاة الجمعة. وتاريخ الإِسلام زاخر بالشواهد الدالة على الأهمية التي أسبغت على هذه العادة، وبخاصة أيام الفتن السياسية، فإن الاسم الذي يذكر في هذا الدعاء يكشف عن رأى الإِمام السياسى أو مكانته. وإذا كانت الشريعة لم تفرض على الخطيب أن يذكر اسم الإِمام، فإن إغفال الخطيب اسمه يعرضه لمظنة السوء عنده. أما في البلاد التي يعيش المسلمون فيها تحت إمرة غير المسلمين، فإن الدعاء بتوفيق السلطان غير المسلم في الدنيا، يعرض الخطيب لمظنة السوء عند إخوانه المسلمين (2) (انظر Is-: Snouck Hurgronje lam and Phonograph ص 13 وما بعدها؛ Verspr، Geschr = جـ 2 ص 430 وما
بعدها، المؤلف نفسه: Mr.L.W.C Van den beoefening van het Mo-: Berg hammedaansche recht في Ind. Gids جـ 16 ص 809 وما بعدها = Verspr Ges - chriten جـ 2 ص 214 وما بعدها) وقد وردت سنة ذكر اسم السلطان في الصلاة في عصر متقدم يرجع إلى القرن الخامس ق. م في البردى الآرامى الذي عشر عليه في فيلة (3)(ورقة 1، سطر 26؛ انظر أيضا Mission: Harnack und Ausbreitung des Christentums جـ 1، ص 286).
(1) لا أزال في عجيب من محاولة كاتب المادة إرجاع ما يتعلق بالخطبة إلى مراسم القضاه في الجاهلية، دون أن يأتي بدليل أو شبه دليل! ويكفي في هذا العجب أن يجعل الاستماع إلى الخطبة من قعود مؤيدا لما يقول! أفكان الناس في أمة من الأمم مطلقا يسمعون الخطباء واقفين وانفرد العرب بسماعها وهم جلوس؟
أحمد محمَّد شاكر
(2)
أما الدعاء في الخطبة باسم خليفة معين بشخصه فإنه بدعة، لا تجوز شرعًا، وإن فعلها أكثر المسلمين في أكثر البلاد من عهود قديمة. وأما الدعاء بالتوفيق للسلطان غير المسلم فإنه خروج عن الإِسلام، بل أن الإِسلام لا يعترف بصحة ولاية غير المسلم على المسلمين أصلا. وهذا كله من بديهيات الإِسلام.
(3)
هذا الشئ الذي يذكره كاتب المادة عن القرن الخامس ق. م لا علاقة له بالإسلام، ولا يكون له أثر علمى أو تاريخى في مثل هذا الموضوع الإسلامي الصرف.
أحمد محمَّد شاكر
ويرد في الحديث كثير من خصائص الخطبة التي اشترطها علماء الفقه. وكانت خطبة النبي [صلى الله عليه وسلم] تبدأ عادة بقوله "أما بعد"(البخاري: كتاب الجمعة، باب 29). وتقترن "الحمدلة"(مسلم: كتاب الجمعة، حديث 44، 45) بالشهادة (أحمد بن حنبل جـ 2، ص 302 ، 343: "الخطبة التي ليس فيها شهادة كاليد الجذماء") وروى في كثير من الأحاديث أن النبي [صلى الله عليه وسلم] اعتاد أن يقرأ آيات من القرآن (مثال ذلك: مسلم، كتاب الجمعة، حديث 49 - 52؛ أحمد بن حنبل جـ 5، ص 86 وما بعدها، ص 88 وما بعدها، 93 الخ .. ) ويشترط في الخطبة أن تكون قصيرة متفقة مع قول النبي [صلى الله عليه وسلم]: "أطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة"(مسلم: كتاب الجمعة. حديث 47) كما يشترط فيها أن تكون كالصلاة قصدًا (1)(مسلم: كتاب الجمعة، حديث 41) والإنصات في الجمعة واجب "وإذا قال [أحدهم] لصاحبه أنصت فقد لغا"(البخاري: كتاب الجمعة، باب 36). ووقوف الإِمام في الخطبتين وقعوده بينهما سنة عن النبي [صلى الله عليه وسلم](البخاري: كتاب الجمعة، باب 27؛ مسلم: كتاب الجمعة، حديث 33 - 35؛ أحمد بن حنبل جـ 2، ص 35، 91، 98). وكان النبي [صلى الله عليه وسلم] يجلس على المنبر أثناء الأذان، ثم تقام الصلاة عند نزوله عنه (وذلك لكي يخطب قائما) وقد سار على هذه السنة أبو بكر وعمر (أحمد بن حنبل، جـ 3، ص 449 أسفل الصحيفة).
ولم يرد لفظ خطبة ولا فعل خَطَبَ بمعناهما الاصطلاحى في القرآن [الكريم] بل إن الآية التي تحض على عدم ترك الجمعة من أجل البيع لم تذكر إلا الصلاة فقط (2)(سورة الجمعة، آية 9 - 11) ومن الخطأ أن نستخلص من هذا الإغفال أن الخطبة لم تكن قد أصبحت جزءا أساسيا في العبادات أيام
(1) هذا ليس بشرط، بل هو الأفضل فقط.
أحمد محمَّد شاكر
(2)
هذا غير صحيح، فإن الآية (11) من سورة الجمعة:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} إنما نزلت في شأن خطبة الجمعة حين قدمت تجارة إلى المدينة والنبي [صلى الله عليه وسلم] يخطب فخرج أناس كثيرون من المسجد. كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرهما. انظر تفسير ابن كثير (ج 8 ص 360 طبعة المنار) وفتح الباري (ج 2 ص 352 - 354 طبعة بولاق.
أحمد محمَّد شاكر
النبي [صلى الله عليه وسلم]، وليس من المحتمل كذلك أن الصلوات على اختلافها كانت قد تحددت تحديًدا دقيقا منذ البداية (1)، ذلك أن الحديث قد احتفظ بأوصاف تبين أن خطبة النبي [صلى الله عليه وسلم] لم تكن لها علاقة كبيرة بالخطبة المنظمة في العصور التالية، فقد أورد أبو داود (كتاب الديات، باب 13)"أن النبي [صلى الله عليه وسلم] بعث أبا جهم بن حذيفة [إلى بني الليث] مصدِّقا (2) فلاجه (3) رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي [صلى الله عليه وسلم] فقالوا القود يا رسول الله فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] لكم كذا وكذا فلم يرضوا، فقال لكم كذا وكذا فلم يرضوا، فقال لكم كذا وكذا فرضوا، فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم، فقالوا نعم، فخطب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال إن هؤلاء الليثيين أتونى يريدون القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا، أرضيتم، قالوا لا، فهم المهاجرون بهم فأمرهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يكفوا عنهم فكفوا، ثم دعاهم فزادهم فقال أرضيتم فقالوا نعم فقال إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم، فقالوا نعم. فخطب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال أرضيتم، قالوا نعم". ومن الواضح أن مثل هذه الخطبة يعد نموذجا لخطب أمراء العرب الأولين في رعاياهم، ويتعذر القول بأن لها صلة بالخطبة الدينية، أضف إلى ذلك أنه ليس من اليسير التفريق بين أنواع الخطب كما قد يتضح ذلك من الأحاديث الآتية (4)، ففي حديث عن أبي سعيد الخدري "أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان يبدأ يوم
(1) قد حددت الصلاة تحديدا واضحًا منذ الإسراء والمعراج، لم يزد عليها شيء ولم ينقص. والمثال الذي سيذكره مستدلا به على ما يريد، ليس في خطبة الصلاة، بل كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يخطب الناس في الأحداث والمسائل العامة، وعند المناسبات دائما، ولم يكن لهذا علاقة بالصلوات، بل هي خطب للفصل بين الناس ولتعليمهم وإبلاغهم الوحي، بوصفه رسولا وبوصفه حاكما وقاضيا ورئيس دولة، كما هو بديهي عند كل خبير بشئون المجتمع الإسلامي حينئذ.
(2)
المصدق، بضم الميم وفتح الصاد وكسر الدال المشددة: هو عامل الزكاة الذي يستوفيها من الناس، أي جابى الصدقة.
(3)
لاجه. بتشديد الجيم، أي نازعه وخاصمه من اللجاج.
(4)
إن كان كاتب المقال يريد بالخطبة الدينية خطبة الصلاة، فنعم، ليس لهذه الخطبة علاقة بها، وإن كان يريد المعنى الأعم، فلا. ومن الخطأ أن يظن الناس أن الدين الإِسلامي لا علاقة له بالمعاملات ولا بغيرها من شؤون =
الفطر ويوم الأضحى بالصلاة قبل الخطبة ثم يخطب فتكون خطبته بالبعث والسرية" ونجد حديثا مشابها لذلك رواه مسلم وهو (كتاب العيدين، حديث 9): "أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته وسلم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم، فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس، أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول: تصدقوا تصدقوا تصدقوا. . . ثم ينصرف؛ فلم يزل كذلك حتى كان مروان .. ألخ، وهذا وصف بسيط جدًا للصلاة، وفيه تأييد كبير للرأى القائل بأن الصلاة ذات النظام المحدد، إنما نشأت بعد زمن النبي [صلى الله عليه وسلم] بوقت طويل (2). ويجب ألا ننسى أن هذا الوصف يكشف عن الميل إلى المقابلة بين صلاة النبي [صلى الله عليه وسلم] على بساطتها، وبين تلك الصلاة ذات الطابع الرسمي العريق التي أدخلها مروان؛ وهو لم يكتف بها بل أمر ببناء منبر على المصلى (3)، ويشير الشاهد الآتى إلى
= الدولة والحكم، وعن هذا كان خطأ كاتب المقال فيما سيأتى من الاضطراب والتناقض ومن محاولة ادعاء أن الخطبة عند المسلمين مأخوذة من غيرهم. ولكن المعنى الصحيح إجمالا ما أشرنا إليه من قبل في هوامش هذا المقال، والأمثلة التي سيذكرها الكاتب تؤيد ما قلنا وتوضحه. بل إن بعضها -ومثله كثير في السنة الصحيحة- يدل على أن الخطبة مطلقا، سواء أكانت للجمعة أم العيدين أم غيرهما، إنما هي تعليم وتبليغ وإرشاد وتنظيم، في كل شؤون المسلمين من عبادة، ومن خلق، ومن نظم للحكم، ومن فصل القضاء في وقائع فردية، ومن تحريض على الجهاد، وتنظيم للجيوش والسرايا، وتعليم للأفراد، وإجابة سائل مستفيد، فهي تشمل كل هذا وغيره. وما ضعف المسلمون واضطرب أمرهم إلا بعد أن ترك أمراؤهم وحكامهم هذه الخطة السامية الدقيقة التي رسمها لهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، وإنما تركوها لأن أكثرهم فقدوا الشرط الأول والأساسي في الإمام (أي الخليفة) والحاكم والوالي والقاضي، وهو معرفة الدين والعلم به إلى درجة الاجتهاد، فإذا فقدوا هذه فقد فقدوا أكبر مقوم لهذه المناصب الجليلة العظيمة.
أحمد محمَّد شاكر
(2)
لعل الكاتب يقصد بعض التفصيلات التي في الصلاة مما ليس من أركانها، كعبارات التسبيح في الركوع والسجود، وما تختم به "التحيات" وطريقة ضم اليدين إلى الصدر أو إرسالهما في الوقوف ألخ. أما الأركان الأساسية للصلاة فقد نشأت وتمت في عهد النبي [صلى الله عليه وسلم].
مهدي علام.
(3)
كاتب المقال يظلم مروان، فالرجل لم يخترع صلاة (ذات طابع رسمي عريق! ) بل كان يصلى صلاة الوالى الصحيح، أو الإمام الأعظم، وإن أخطأ في شيء مما فعل، كتقديم الخطبتين على الصلاة في العيدين، فإنما خطؤه على نفسه. وأما بناؤه منبرًا في المصلى، فلا شئ فيه، ولا يدل على شيء مما وهم فيه كاتب المقال. فإن الأصل في صلاة العيدين أن تكون في الصحراء لا في المساجد، فإذا بنى مروان منبرا في المصلى (وهو الصحراء) فما كان ذلك بضاره شيئًا.
خطبة الجمعة وهو: "قال أبو رفاعة: انتهيت إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] وهو يخطب قال فقلت يا رسول الله رجل غريب جاء يسأل عن دينه، قال فأقبل على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وترك خطبته حتى انتهى إلي فأتى بكرسي حسبت قوائمه حديدًا، قال فقعد عليه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وجعل يعلمنى مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتم آخرها"(مسلم: كتاب الجمعة، حديث 60) وهذا الحديث على ما له من الأهمية يؤكد عدم وجود المنبر (1) وتعطينا أحاديث أخرى من هذا القبيل صورة بسيطة مماثلة لصلاة الجمعة، كتلك التي أوردها مسلم (كتاب الجمعة، أحاديث 54 - 59) وهي تصف النبي [صلى الله عليه وسلم] عندما يدخل عليه المسجد رجل وهو يخطب فيسأله النبي [صلى الله عليه وسلم]: أركعت الركعتين؟ ومن الجلى أن الغرض هن ذلك إنما هو الإبانة عن أن النبي [صلى الله عليه وسلم] يهتم كثيرا بركعتى السنة [وهما تحية المسجد](2).
ومهما يكن من أمر نعتقد أن النظام المحدد للصلاة يوم الجمعة والعيدين إنما نشأ بعد وفاة النبي [صلى الله عليه وسلم](3).
وحسبنا أن نورد هنا ملاحظ قليلة بدلا من إيراد تاريخ للخطبة الدينية الإِسلامية، فإن خطبتى النبي [صلى الله عليه وسلم]
(1) هذا الحديث لا يدل على شئ مما يرمي إليه كاتب المقال، فلا هو يدل على عدم وجود المنبر، لأن الراوى لم يذكر ذلك، بل اقتصر على المهم من قصته، وهو أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ترك الخطبة وأقبل عليه يعلمه ما أراد أن يعلم من دينه، ثم عاد إلى خطبته. وهذا وذاك من عمل الرسول المعلم المبلغ عن ربه، ومن عمل الإمام الأعظم، ومن عمل الوالى النائب عنه. فلا شيء منه ينافي ما شرعت من أجله الخطبة في الجمعة والعيدين وغيرها. ثم لو كان يؤخذ من هذا الحديث عدم وجود المنبر لم يكن بذلك بأس؛ لأن المنبر لم يصنع للنبى [صلى الله عليه وسلم] من أول دخوله دار الهجرة، بل صنع بعد ذلك بدهر.
(2)
شأن الركعتين عظيم، وهما تحية المسجد ولكن المعنى فيما فعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في سؤاله هذا الرجل وأمره بهما، فهو كما قلنا من قبل، أن الخطبة جعلت للتعليم والتبليغ والوعظ وما إلى ذلك مما بينا.
(3)
هذا غير صحيح، كما أوضحنا من قبل وإنما يدور كاتب المقال حول شيء واحد، يدور حوله معظم المستشرقين، وهو أن شعائر الإِسلام وشرائعه كلها مقتبسة من عادات قديمة ومن ديانات سابقة. وقد رددنا على ذلك في أكثر من تعليق على هذه الدائرة وأما بعد ذلك، فمناقشة كاتب المقال فيما سيذكر من (المثل المستقاة من اليهود والنصارى) فلا جدوى منها لأنها فروض لم يسق عليها أي دليل.
أحمد محمَّد شاكر
الأولى والثانية في المدينة قد وردتا في كتاب ابن إسحاق (طبعة فستنفلد، ص 340) وسنورد أولاهما بعد، لأنها نموذج يقاس عليه:"إن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم. تَعلمُن. والله ليَصْعقَن أحدكم ثم ليَدَعَنَّ غنمنه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ألم يأتك رسولى فبلَّغك، وأتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك، فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئًا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقى وجهه من النار ولو بشقة من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ووردت خطبة الوداع في صحيح البخاري (كتاب الجمعة، باب 29) كما ورد وصف لمشاعر النبي [صلى الله عليه وسلم] وهو يخطب في صحيح مسلم (كتاب الجمعة، حديث 43) وذكر لين وصفا دقيقا لصلاة الجمعة مع ترجمة لخطبتين من الخطب التي قيلت فيها (Manners and Customs: Lane بيسلى ولندن 1895 ، ص 99 وما بعدها).
وتوجد مجموعة من الخطب المنسوبة إلى علي في المكتبة الملكية (سابقا) ببرلين وبينها خطبة ليس فيها حرف "الألف".
وقد أصبح منصب الخطيب عملا منتظما ومن ثم صارت الخطبة للخطيب كالوثيقة الخطية للناسخ، يبرز أحدهما فنه بتزويق الحروف الأولى ويبرزه الآخر بالنثر المسجوع. وترتب الخطب على التقويم الهجري عادة: أربع خطب لكل شهر، وأخرى للعيدين ومولد النبي [صلى الله عليه وسلم] وإسرائه؛ (انظر Ahlwardt: Verzeichnis der arab Hss جـ 3، ص 437).
وجرى العرف بأن تكون الخطبة بالعربية، وكثيرا ما خولفت هذه القاعدة في تركيا.