الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خليفة
لقب رأس الجماعة الإِسلامية، وهو الإِمام بوصفه (خليفة رسول الله [صلى الله عليه وسلم]).
1 -
ترد هذه الكلمة كثيرًا في القرآن بصيغتى المفرد والجمع (خلائف وخلفاء) وهي في صيغة الجمع تشير إلى الذين يخلفون آباءهم في نعيم الله ورضوانه (سورة الأنعام؛ الآية 165؛ سورة النور. الآية 54 (1)؛ سورة النمل، الآية 63 (2)؛ وهي في هذه الآيات بمعنى عباد الله الصالحين، وهي تشير في سورة الأعراف الآيتين 67، 72 (3) إلى قبائل عاد وثمود الوثنية) وتشير كلمة خليفة في صيغة المفرد إلى آدم (سورة البقرة، الآية 28 (4)(سواء أكان خليفة للملائكة الذين كانوا يعيشون في الأرض من قبله أم خليفة لله؛ وداود (سورة ص الآية 25)(5)(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب).
وليس في هذه الآيات كلها دليل واضح على أن المقصود بهذه الكلمة أن تكون لقبًا لمن يخلف محمدًا [صلى الله عليه وسلم]. ويقرر المؤرخون المسلمون بصفة عامة أن أبا بكر هو أول من استعمل هذه الكلمة في هذا المعنى، ومع ذلك يشك في أن أبا بكر قد اتخذها في أي وقت من الأوقات لقبًا له (Annali: Caetani dell' Islam حوادث عام 11 من الهجرة، فقرة 263 ، تعليق رقم 1) ولكنها أصبحت منذ عهد عمر اللقب الشائع لأمير المؤمنين. وفي اللقب "خليفة رسول الله" ما ينبئ بإدعاء القيام بما كان يقوم به النبي [صلى الله عليه وسلم]، وممارسة حقوقه فيما عدا النبوة التي انتهت
(1) رقم الآية في المصحف العثماني هو 55 ولم ترد فيها الكلمة بصيغة الجمع، بل لم ترد فيها بصيغة الاسم، وإنما وردت بصيغة الفعل:"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم. .".
(2)
رقم الآية في المصحف العثماني هو 62.
(3)
رقم الآيتين في المصحف العثماني هو 69 ، 74.
(4)
رقم الآية في المصحف العثماني هو 30.
(5)
رقم الآية في المصحف العثماني هو 26.
بموته. أما التسمية "خليفة الله" ففيها ادعاء أكثر جرأة، ويقال إنها أثارت غضب أبي بكر، ولكنها استعملت منذ عام 35 للهجرة في رثاء حسان بن ثابت للخليفة عثمان (طبعة Hirschfeld 20، 1، 9) وأصبحت شائعة جدًا في عهد العباسيين ومن جاء بعدهم من الأمراء (Muhammedanische -Gnldziher Studien جـ 2، ص 61).
على أن هذا اللقب لم يقتصر مدلوله خلال التاريخ الإسلامي على هذا المركز الجليل، فقد استعمل منذ القرن الأول للهجرة في أوراق البردى المعروفة باسم أفروديتو Aphrodito Papyri للدلالة على الـ أي الوكيل المقيم في العاصمة والذي يقدم إليه عامل بيت المال فيها ما يجمع من ضرائب (انظر - Greek Papyri of the Brit ish Museum جـ 4، ص 35؛ C.H. Becker Islamstudien جـ 1، ص 257) وقد استعمل هذا اللفظ كثيرًا اسما لأشخاص (انظر فهرس الطبرى وغيره).
والخليفة في الطرق الدينية، وخاصة بين القادرية، هو نائب شيخ الطريقة وله بعض سلطان الشيخ ويمثله في البلاد التي تبعد عن الزاوية الكبرى للطريقة. والخليفة عند التجانية هو الذي تحل فيه بركة مؤسس الطريقة، وهو وحده الذي يلقب بالشيخ (D.Depont et Les confreris religieuses: X Coppolani musulmame ص 194 - 195، الجزائر سنة 1897؛ marabouts et: L.Rinn Khouon ص 78 سنة 1884).
والخليفة في الحركة المهدية هو خليفة المهدي، ومن ثم كان مير دلاور خليفة للسيد محمَّد المهدي (المتوفى عام 910 هـ) مؤسس الطريقة المهدوية وكان عبد الله خليفة محمَّد أحمد المهدي بالسودان؛ ثم إن ولد غلام أحمد قاديانى وخلفه يعرف اليوم بين أتباعه بالخليفة. وقد أطلق هذا اللقب أيضًا على أشخاص أقل شأنا، فمن ذلك أنه كان يطلق على المرأة التي تشرف على الجوارى في بلاط الإمبراطور بابر (كل بدن بيكم همايوننامه ترجمة A.S.Beveridge ص 136). أما في الأزمنة الأحدث عهدا من ذلك فإن هذا
اللقب يطلق بصفة عامة في تركيا على أي كاتب صغير في مكتب عام (Tableau general de I'Empire othman لمؤلفه C.M.d.Ohsson جـ 7، ص 271) وهو لا يزال لقبا من ألقاب التشريف يطلق على المدرس المساعد في مدرسة من المدارس. والخليفة في مراكش هو نائب والي المدينة (The Moorish: B.Meakin Empire ص 224) ويطلق في بلاد الهند الحديثة حتى على أشخاص قليلى الخطر كالحائك والحلاق ورب اللعب بالسيف والطاهي (Glossary: H.A.Rose of the Tribe and Castes of the Punjab جـ 2، ص 490، لاهور سنة 1911) وتدل كلمة ألفا (وهي مساوية لكلمة خليفة) في توكو وما جاورها من بلاد إفريقية الغربية على المعلم المسلم، بل على المسلمين بوجه عام (Die Welt des Islams جـ 2، ص 200).
المصادر:
نذكر علاوة على المصادر التي ذكرت من قبل
(1)
Du sens propre des: Goldziher -expressions Ombre de Dieu Pour de signer les chefs daps l'Islam (R.H. R ، (1897 XXXV .
(2)
D.S.Morgoliouth The sense of the -title Khalifah (A volume of Oriental Studies Presented to Edward G. Rrnwne ص 322 - 328).
2 -
يمكن التفريق بين تاريخ الخلافة أي النظام السياسى الذي يقوم الخليفة على رأسه وبين النظريات الخاصة بالخلافة؛ ولما كان النظام السياسى سابقا في الزمن على قيام النظريات، فإنا نفضل أن نبدأ في هذا المقام بتاريخ الخلافة:
(1)
تاريخها: لقد كان من شأن الثروة الطائلة والسلطان العظيم اللذين اكتسبهما خلفاء النبي [صلى الله عليه وسلم] الأولين بفتحهم أقاليم من الإمبراطورية الرومانية مثل الشام ومصر علاوة على ما فتحوه من بلاد فارس، أن بلغ الخلفاء مركزا وجاها أكسبا ذلك اللقب المتواضع الذي لقبوا به مدلولا جديدًا. فقد غدا الخليفة، حتى قبل أن تصل الفتوحات الإِسلامية إلى غايتها، من أقوى ملوك العالم وأغناهم. فكان بوصفه أميرا
للمؤمنين قائدًا لهذه الجيوش الغازية، وقد وصف نفسه بهذا الوصف على السكة التي ضربها. وكان بصفته إماما على رأس الناس في الصلاة العامة، وهو الذي كان يلقى الخطبة في المسجد، وكان بوصفه خليفة ينتظر من رعاياه المسلمين أن يؤدوا له آيات التبجيل والاحترام التي كانوا يؤدونها لصاحب الرسالة المحمدية (1). وقد أفضت الفتن التي نشبت بين المسلمين أنفسهم في عهد علي بن أبي طالب إلى وضع أسس تلك النظريات عن الصفات الواجب توفرها في الخليفة، تلك النظريات التي تحددت في المذاهب السياسية ومذاهب أهل الفرق. ففي عهد بني أمية لم تكن الواجبات الدينية المقترنة بمنصب الخلافة مرعية تماما (ولو أن كثيرًا من الخلفاء الأمويين كانوا يؤمون المسلمين في الصلاة) ذلك أنهم لم يكونوا فيما يظهر يتشددون كثيرًا في أمر دينهم اللهم إلا إذا استثنينا الخليفة عمر بن عبد العزيز (ثم إن أسس العقيدة الإِسلامية وتنظيم الشريعة المحمدية قد تم معظمه في المدينة) ولم يشجع
(1) ليس ثمة ما يؤيد هذا الرأى، وهذه خطب أبي بكر وعمر عقب البيعة لهما، وفي أثناء خلافتهما، إن نطقت بشيء فإنما تنطق بتواضعهما، وبتأكيد مساواتهما مع الناس. ففي خطبة البيعة يقول أبو بكر:"أيها الناس، إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتمونى على حق فأعينونى، وإن رأيتمونى على باطل فسددونى. أطيعونى ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم، إلا إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له، وأضعفكم عندي القوى حتى آخذ الحق منه -أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم-"(عيون الأخبار للدينورى، المجلد الثاني ص 234) وفي خطبة أخرى يقول: "أيها الناس إنما أنا مثلكم .. وإنما أنا متبع، ولست بمبتدع. فإن استقمت فتابعونى، وإن زغت فقومونى"(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 167). وإذا كان عمر لم ير نفسه أهلا لمكانة أبي بكر فهل يعقل أن يرى نفسه أهلا لآيات التبجيل والاحترام التي كان يؤديها المسلمون لصاحب الرسالة المحمدية؟ فقد روى ابن قتيبة (عيون الأخبار ج 1 ص 234) أي لما ولى عمر صعد المنبر فقال: "ما كان الله ليرانى أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر. ثم نزل عن مجلسه مرقاة. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال. . . ألا وإنى أنزلت نفسى من مال الله بمنزلة والي اليتيم، إن استغنيت عففت. وإن افتقرت أكلت بالمعروف، تقرم البهمة الأعرابية .. القضم لا الخضم" وفي خطبة أخرى له يقول: "فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده .. وإني امرؤٌ مسلم وعبد ضعيف، إلا ما أعان الله عز وجل ولن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقى شيئًا إن شاء الله، إنما العظمة لله عز وجل، وليس للعباد منها شيء، فلا يقولن أحد منكم: إن عمر تغير منذ ولى، أعقل الحق من نفسى، وأتقدم وأبين لكم أمرى، فأيما رجل كانت له حاجة. أو ظلم مظلمة. أو عتب علينا في خلق فليؤذنى، فإنما أنا رجل منكم. ."(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 124).
مهدي علام
الخليفة في دمشق ذلك إلا قليلًا. وتجلت مطالبة سلالة على بأحقيتهم في زعامة المسلمين في قيام فرقة الشيعة ولكن جهودهم لم تصب نجاحا سياسيًا بضعة قرون. ويرجع معظم الفضل في غلبة العباسيين إلى إدعائهم مؤازرة العلويين في مطالبهم وإلى دعوتهم الدينية النشيطة. فقد اتخذ الخليفة لنفسه في بغداد صفة جديدة، إذ أصبح راعيًا كريمًا للعلماء، كما أظهر غيرة على القيام بواجبه في الذود عن حياض الدين الإسلامي. وقد حلت بغداد بفضل رعايته وعنايته محل المدينة بصفتها مركز النشاط الديني، واستقرت المذاهب الفقهية الكبرى في صورتها الواضحة، وأصبح الخليفة ليس مجرد ملك دنيوى كما كان كثير من خلفاء الأمويين في نظر أهل التقى والورع. وزاد من هيبة الخليفة في نظر الناس تلك المراسم المعتدة التي اتخذت في بلاطه وفي المحافل التي كان يقيمها. لقد كان خلفاء الأمويين في أوائل عهدهم قريبين إلى رعاياهم، فمعاوية قد احتفظ بقدر كبير من صراحة زعماء العرب في الجاهلية وخلالهم المألوفة، فكان ينتقل بين غيره من زعماء العرب تنقل الزعيم بين أتباعه Primus inter Pares أما في العاصمة الجديدة فقد برزت تقاليد الملك الفارسية، فكان الخليفة العباسى يجلس على العرش في أبهة وجلال يحيط به حرسه وإلى جانبه السياف شاهرًا سيفه. وكان إلى ذلك يبرز في الوقت نفسه الصفة الدينية لمنصبه بارتدائه بردة النبي [صلى الله عليه وسلم]، كما كانت صلة القرابة بينه وبين النبي [صلى الله عليه وسلم] تتردد في الوثائق الرسمية وفي مدائح المادحين والمتزلفين من رجال البلاط.
وضعفت رقابة الخليفة المباشرة على إدارة ملكه منذ القرن التاسع [الميلادى] بسبب ازدياد السلطة الممنوحة للوزير وتقدم دواوين الحكومة في الكفاية والدقة. وأخذت سلطة الخليفة الزمنية تضمحل حوالي ذلك الوقت بسبب تفكك الإمبراطورية الإِسلامية وقيام إمارات في شتى الولايات حتى كاد سلطان الخليفة لا يتجاوز أرباض مدينة بغداد. واقترن هذا الاضمحلال الذي أصاب سلطة الخليفة الزمنية بازدياد في الشعور بخطر منصبه الديني بوصفه الإِمام وحامى الإِسلام. كما ازداد في
الوقت نفسه اضطهاد الزنادقة ومن يدينون بغير الإِسلام، وما وافى عام 946 حتى تسربت كل سلطة فعلية من بين يدي الخليفة، ورأينا في بغداد ثلاثة أشخاص ولوا من قبل هذا المنصب الجليل، ثم خلعوا آنئذ من مناصبهم وسملت أعينهم واعتمدوا في معاشهم على الصدقة. وأصبح الخليفة من ذلك الوقت إلى عام 1055 ألعوبة إلى حين في أيدى البويهيين ثم السلاجقة. ولم يستطع الناس أن يتناسوا المكانة العظيمة التي كان يشغلها الخلفاء الأولون على الرغم من أن الخليفة كان قد فقد آنئذ سلطانه الإدارى كله. وظل الفقهاء يعدون الخليفة الضعيف مصدر السلطات والنفوذ في العالم الإسلامي، ومن ثم كان هناك حكام مستقلون ينشدون منه الألقاب وبراءات التعيين، نذكر منهم على سبيل المثال محمودا الغزنوى الذي تلقى من الخليفة اعترافًا باستقلاله وبلقبيه "يمين الدولة" و"أمين الملة" بعد أن خرج عن ولائه للأمير السامانى عام 997. وخلع الخليفة المقتدى على يوسف بن تاشفين رأس المرابطين في الأندلس لقب أمير المسلمين بعد ذلك بقرن من الزمان تقريبًا. وفي عام 1175 ادعى صلاح الدين ملك مصر والشام، فثبته الخليفة المستضئ في ملكه وبعث إليه ببراءة التولية وكساوى التشريف.
وكذلك سأل نور الدين عمر رأس الأسرة الرسولية باليمن الخليفة أن يمنحه لقب سلطان وبراءة التولية نائبا عنه، فأرسل المستنصر في عام 1235 رسولًا خاصًا يحمل إليه هذه البراءة، كما استجاب المستنصر في عام 1229 لسؤل ألتتمش الوالى التركى على شمال الهند، فمنحه لقب سلطان وثبته في ولايته. وظل ملوك دلهى المتعاقبون يكتبون اسم المستعصم، آخر خلفاء بغداد على سكتهم أكثر من ثلاثين عامًا بعد مقتل هذا الخليفة التعس على يد المغل.
ونحن نجد ما يناقض هذا الاعتراف بخليفة بغداد مصدر السلطة الشرعية في قيام خلافتين متنافستين. ففي عام 928 اتخذ عبد الرحمن الثالث بالأندلس لنفسه لقب خليفة، وظلت سلالته تحمل هذا اللقب من بعده، وكان هؤلاء الأمويون بالأندلس على المذهب السنى
شأنهم شأن أسلافهم في دمشق، أما الفاطميون في مصر، الذين نادى زعيمهم بنفسه خليفة أول الأمر في المهدية عام 909، فكانوا من الشيعة. وظل الفاطميون ينافسون العباسيين في بغداد منافسة مرة إلى أن قضى صلاح الدين على دولتهم عام 1171.
واستولى هولاكو على بغداد عام 1258 وقتل الخليفة المعتصم الذي لم يعقب ولدًا. وكانت هذه النكبة فريدة في تاريخ الإِسلام، ذلك أن المسلمين ألفوا أنفسهم لأول مرة ولا زعيم لهم من الوجهة النظرية يذكرون اسمه في خطبة الجمعة. وقد نجا اثنان من البيت العباسى من مذبحة بغداد، واحتمى كل منهما بعد الآخر بسلطان المماليك في مصر. فقد دعا بيبرس أولهما، وكان عم الخليفة المستعصم، إلى مصر ونادى به خليفة عام 1261 في حفل تجلت فيه مظاهر العظمة والأبهة. ويقال إن بيبرس طافت برأسه فكرة إعادة البيت العباسى إلى بغداد، ومن ثم غادر القاهرة على رأس جيش كبير، فلما بلغ دمشق زود الخليفة بفرقة صغيرة من الجيش هزمها المغل وهي تجتاز الصحراء، وعدنا لا نسمع شيئًا قط عن هذا الخليفة.
وبلغ الثاني القاهرة عام 1262 وفيها نصب هو أيضًا خليفة، على أنه لم تبذل في هذه المرة تلك المحاولة الطائشة ألا وهي استعادة بغداد، وظل هذا الخليفة في واقع الأمر بمثابة سجين في القاهرة وإن أحيط بمظاهر الاحترام. وظل سلالته يتعاقبون على هذا المنصب الوهمى في القاهرة أكثر من قرنين ونصف قرن من الزمان معتمدين على كرم سلاطين المماليك الذين كانوا يرون أن وجود الخليفة في مصر يسبغ على حكمهم مظهرًا شرعيًا. فقد كان الخليفة ينصب كل سلطان جديد باحتفال وأبهة ويقدم السلطان بدوره ولاءه للخليفة. على أنه لم يكن لأحد من هؤلاء الخلفاء أية مشاركة في الحكم أو أي نفوذ سياسى، اللهم إلا إذا استثنينا الخليفة المستعين الذي اتخذته الأحزاب السياسية المتنافسة ألعوبة في أيديهم عام 1412 ونودى به سلطانًا مدة ستة أشهر. وقد وصف المقريزي الخليفة فقال إنه كان ينفق وقته بين
الأشراف وعمال الحكومة ويزورهم شاكرًا لهم دعوتهم له إلى المآدب والولائم (انظر Histoire d' Egypte طبعة Blocher ص 76) وأنكر سائر العالم الإسلامي خارج مصر وجود هذا الخليفة العباسى في القاهرة، فقد كان ثمة خليفة سنى في المغرب منذ القرن الثالث عشر، وكان عدة أمراء في البلاد الشرقية من العالم الإسلامي يتخذون لقب خليفة كالسلاجقة والتيمورية والتركمان والأزابكة والعثمانيين.
على أن عددًا قليلًا من الأمراء المستقلين كانوا يلتمسون من الخليفة الاعتراف بهم ومنحهم الألقاب، رغبة منهم في أن يكتسبوا الصفة الشرعية التي تلزم رعاياهم بطاعتهم، ونذكر من هؤلاء أول أميرين من أمراء البيت المظفرى في جنوب فارس (1313 - 1384) ومحمد بن تغلق (1325 - 1351) وخليفته على عرش دلهى فيروز شاه (1351 - 1388)؛ بل يقال إن بايزيد الأول طلب من الخليفة العباسى في القاهرة عام 1394 أن يمنحه رسميا لقب سلطان (انظر - Ham . Gesch. d. Osmon Reiches: mer جـ 1، ص 195) ولكن الشك يحيط بهذه الرواية، ذلك أن مراد الأول، والد بايزيد الأول كان يلقب بخليفة الله المختار (انظر فريدون، جـ 1، ص 93 القسم 22) منذ منتصف القرن الرابع عشر أي بعد فتح أدرنة وفيليبوبولس Philipopolis وغيرهما من البلاد، ومن ثم درج سلاطين آل عثمان وغيرهم من أمراء المسلمين المعاصرين على اتخاذ لقب الخلافة، واعترف بذلك رعاياهم ومبعوثوهم في البلاد الأخرى. وتجاهل أهل ذلك الزمان القول بأن الخليفة يختار من قريش، والتمسوا ما يؤيد دعواهم في آيات من القرآن الكريم مثل الآية 25 (1) من سورة ص "ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض. ." وكثيرا ما استشهد بهذه الآية وغيرها من الآيات في الرسائل السياسية لذلك العصر مثل الآية 165 من سورة الأنعام. ومن ثم فإن السلطان سليما عندما دخل مدينة القاهرة دخول الظافر في شهر يناير
(1) رقم الآية في المصحف العثماني هو 26 (م. ع).
سنة 1517، وقضى على الخلافة العباسية بنقل الخليفة المتوكل إلى الآستانة، كان قد ألف هذا اللقب الذي لقب هو به كما لقب به أجداده قرنا ونصف قرن من الزمان. وكان قنسطنطين مورادجيا دوسون - Con stantine Mouradgea d'ohsson هو أول من نشر عام 1788 تلك الأسطورة التي تذهب إلى أن المتوكل قد خلع لقبه على السلطان سليم (Tableau general de I'Empire othmon جـ 1، ص 269 - 270، باريس 1788 - 1824) ولم يذكر أحد من المعاصرين الذين أرخوا الفتح التركى لمصر شيئًا من هذا القبيل، زد على ذلك أن المتوكل سمح له بالعودة إلى مصر بعد وفاة السلطان سليم، وظل مقيما بها حاملًا لهذا اللقب إلى أن اخترمته المنية عام 1543.
أما في القرنين التاليين فلم يظهر فيهما من حكام المسلمين إلا حاكمان اتسعت أملاكهما وسلطانهما اتساعًا جعلهما أهلا للتلقب بلقب الخليفة (على خلاف أولئك الأمراء القليلى الشأن الذين اتخذوا لأنفسهم هذا اللقب من غير تفرقة) وهما سلطان آل عثمان وعاهل المغل في الهند. ولما دالت دولة المغل في القرن الثامن عشر أصبح العاهل العثماني أكبر شخصية في العالم الإسلامى. على أن سلطان هذا العاهل نفسه كان يتهدده عدوان جارته من الشمال، ذلك أنه اضطر عقب الحرب التي نشبت بين تركيا وروسيا بين عامى (1768 - 1774) إلى النزول عن أملاك له على الشاطئ الشمالى للبحر الأسود والاعتراف باستقلال تتر القريم. وقد ادعت كاترين الثانية الحق في حماية المسيحيين التابعين للكنيسة الأرثوذكسية القاطنين في البلاد العثمانية، فاستغل المبعوثون العثمانيون الذين أبرموا معاهدة كوجوك قينارجه عام 1774 لقب خليفة، وادعوا للخليفة مثل هذا الحق، فعملوا على أن تتضمن هذه المعاهدة نصًا يقرر سلطانه الديني على التتر الذين كان ولاؤهم لسلطته الزمنية قد بطل من قبل.
وقد فشت في أوربا المسيحية من ذلك الوقت فكرة خاطئة جعلت أهلها يعدون الخليفة الزعيم الروحى للمسلمين كافة، شأنه في ذلك شأن
البابا بالنسبة للكاثوليك أجمعين، وأن سلطانه الروحى يمتد إلى إخوانه في الدين وإن كانوا لا يدينون له بالسيادة المدنية بصفته سلطان تركيا. ولدينا ما يحملنا على الاعتقاد بأن هذا الخطأ الذي شاع في أوربا المسيحية كان له أثر في آراء الناس في تركيا نفسها. ففي عهد السلطان عبد الحميد بوجه خاص (1876 - 1909) برز مركز السلطان، بوصفه خليفة، فقد نص في الدستور الذي صدر في بداية حكمه على "أن عظمة السلطان بصفته خليفة، هو حامى الدين الإسلامي". والظاهر أن السلطان أرسل بعوثا إلى شتى بلاد العالم الإسلامي ليحملوا الناس على تبجيل ذاته خليفة المسلمين. وصادفت جهوده في هذا السبيل استجابة لدى فريق من الناس، لأن مفكرى المسلمين، وخاصة أولئك الذين أقلق بالهم ازدياد هيمنة الدول الأوربية على شئون العالم الإسلامي، أدركوا أنه لم تبق ثمة دولة إسلامية مستقلة لها بعض الشأن في العالم المتمدين إلا تركيا على أن الطابع الذي اتسم به حكم عبد الحميد وقسوته في القضاء على كافة الحركات الحرة وكافة المجهودات التي بذلت للإصلاح الدستورى، قد حول عنه قلوب الطبقات المستنيرة من رعاياه. فلما خلع هذا السلطان عن العرش عام 1909 انتقلت مقاليد الأمور في تركيا إلى طائفة من الناس لم يحفلوا إلا قليلًا بالروح الإِسلامية ثم إنهم فطنوا إلى استحالة التوفيق بين حكومة استبدادية تدعى أنها تستند إلى وحى إلهي وبين طرائق الحكم الدستورى الحديثة. وقد أصبحت تركيا جمهورية في نوفمبر سنة 1922، وألغيت السلطنة، وجردت الخلافة من كل سلطة زمنية. ولكن مهام هذا الخليفة الجديد لم تكن قد اتضحت بعد حتى ألغى منصب الخلافة إلغاء تامًا في مارس سنة 1924.
وقد اقتصر اهتمامنا فيما ذكرنا من تاريخ الخلافة على الخلافة السنية التي كان لها الشأن الأكبر في التاريخ الإسلامى. أما الخلافتان السنيتان الأخريان، وهما خلافة الأندلس وخلافة المغرب، فلم يكن لهما شأن إلا في هذين القطرين فحسب، ولم يستثيرا الولاء لهما في أي قطر آخر من أقطار العالم
الإسلامي. وكذلك اتخذ بعض أمراء جاوة لأنفسهم لقب خليفة، ولكن لم يعترف بهذه الخلافة إلا رعاياهم. وقام الشيعة في الحين بعد الحين بمحاولات ترمى إلى إقامة حكومة قوية مستقلة للعلويين، بيد أن هذه المحاولات لم تصادف نجاحا يذكر. وكان الفاطميون في مصر يمثلون الخلافة الشيعية الوحيدة التي كان لها بعض الشأن. أما في فارس فلم يفلح قيام البيت الصفوى عام 1502 في جعل المذهب الشيعي مذهب الدولة الرسمي إلا بعد أن أصبح الاعتقاد في الإِمام المستتر ركنا أساسيًا في المذهب الشيعي في تلك البلاد بزمن طويل.
المصادر:
إذا عددنا مصادر تاريخ الخلافة فإن ذلك يشمل الجزء الأكبر من كتب التاريخ الخاصة بالعهد الإسلامي: ويمكن الرجوع فيما يختص بالمصادر العربية إلى:
(1)
Die Ges-: F. Wiistenfeld chichtschreiber der A raber and ihre Werke .
(2)
Geschichte der: C. Brockelmann Arabischen litt .
ونذكر من أهم المصادر ما يلي:
(1)
تاريخ الطبرى.
(2)
تاريخ ابن الأثير.
(3)
السيوطي: تاريخ الخلفاء وكتاب حسن المحاضرة.
(4)
المقريزى: السلوك لمعرفة دول الملوك (وقد ترجم كاترمير Quatremere جزءًا منه في Histoire des Sultans Mam loulks)
(5)
المقرى نفح الطيب.
(6)
Chroniken der stadt Mekka طبعة فستنفلد.
(7)
رشيد الدين: جامع التواريخ.
(8)
أحمد فريدون بك: منشآت السلاطين.
(9)
مصطفي صبرى التوقارى: النكير على منكر النعمة من الدين والخلافة والأمة، بيروت عام 1924
ونذكر من الكتاب الأوربيين:
(1)
Annali dell' Islam: Caetani ميلانو 1905 وما بعدها.
(2)
Geschichte der chalifen: G.Weil خمسة مجلدات (1846 - 1862).
(3)
Der Islam im Morgen: A.Muler und Abendland (1885 و 1887).
(4)
The Caliphate: W.Muir .
(5)
Geschichte des: J.Von Hammer Osmanischen Reiches .
(6)
Hist de l'em-: A. de la Jonquiere pire ottoman طبعة باريس سنة 1914.
(7)
Oriente Moderno رومة سنة 1921 وما بعدها.
(8)
La fine del cosi det-: C.A.Nallino Oriente Moderno) to Califfato ottomano جـ 4 ص 137 وما بعدها).
(9)
Wesen. u. Ende des: R.Hartmann Osm. Chalifates ليبسك 1924.
(10)
Die Abschaffung des: H.Ritter Arch. f. Politik und Gesch.) Kalifats جـ 2، ص 343 وما بعدها، برلين 1924).
2 -
النظرية السياسية:
لقد كانت نظرية الخلافة كما أسلفنا البيان ثمرة نبتت إلى حد كبير بفضل الأحوال السياسية في صدر الإِسلام. على أن النظر العقلى بسط بسطا محكما وجوها كثيرة لهذه النظرية عجزت عن أن تجد لها تعبيرا في الوقائع التاريخية التي حدثت فعلا. ويقول الشهرستانى (طبعة كيورتن، ص 12) أن ليس ثمة مسألة من مسائل الدين وأثارت من النزاع في كل عهود التاريخ الإسلامي ما أثارت الخلافة.
(1)
فقد وجد أهل السنة في الحديث أول معبر عن آرائهم، فهو يبرز في جلاء صفتين أساسيتين من صفات الخليفة أولاهما أنه يجب أن يكون من قريش (كنز العمال، جـ 3، رقم 2983، ص 26 رقم 3452 ، 3469) وثانيتهما أن يطيعه الناس حق الطاعة لأن من يعصيه يعصى الله تعالى (المصدر السابق، جـ 23، رقم 2580 ، 2999، 3008) ومما أكد التزام المؤمنين بطاعة سلطان الخليفة المطلق بوصفه من الواجبات الدينية اللقبان اللذان كانا يطلقان على الخليفة منذ عهد متقدم
وهما خليفة الله، وظل الله على الأرض، ونجد في كتاب الماوردى (الأحكام السلطانية؛ طبعة Enger. بون عام 1853 القاهرة سنة 1298 وسنة 1327، وترجمة فانيان لهذا الكتاب، الجزائر سنة 1915) أول عرض منهجى لنظرية الخلافة التي سلم بها الناس بصفة عامة. فالماوردى قد نص على الشروط الواجب توافرها في الخليفة، وهي أن يكون من قريش وأن يكون ذكرا، بالغًا، عالمًا متصفا بسلامة الحواس والأعضاء وبالرأى المفضى إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح، وبالشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو.
ويقرر الماوردى أن الخلافة كانت بالانتخاب على الرغم من أن هذا المنصب أصبح وراثيًا في بني أمية ثم في بني العباس، وأجهد نفسه في التوفيق بين نظرية الانتخاب وبين حقائق التاريخ التي تثبت أن كل خليفة تقريبا منذ عهد معاوية (661 - 680 هـ) كان يعين خلفه. وظلت أسطورة الانتخاب ماثلة في سنة البيعة وكانت تؤخذ بادئ الأمر من الأمراء في بلاط الخليفة ثم من الجماعة التي ينادى بالخليفة الجديد في حضرتها، وقد حدد الماوردى مهام الخليفة كما يلي:"حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة وتنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين وحماية البيضة والذب عن الحريم، وإقامة الحدود لتصان محارم الله وتحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة، وجهاد من عاند الإِسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة، وجباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصًا واجتهادًا، وتقدير العطايا وما يستحق في بيت المال، واستكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال، وأخيرا أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال".
وتناول ابن خلدون بعد ذلك بثلاثة قرون تقريبًا موضوع الخلافة تناولا يغلب عليه النقد وناقش نظامها في مقدمته (الفصول 25 - 28) التي كتبها فيما بين عامى 1375 و 1379 ولقد جابه ابن خلدون الحقائق التاريخية واعترف بأنه لم يبق من الخلافة بعد
زوال سلطان العرب إلا اسمها. وتتفق رواية ابن خلدون عن أصل الخلافة والغرض من هذا النظام مع ما ذكره الماوردى. فالخليفة هو نائب النبي وحامى الشريعة وعليه حفظ الدين وحكومة الدنيا. ويجب أن يكون من قريش وأن يكون متصفا بالشروط الأخرى التي ذكرها الماوردى. على أن ثمة فقهاء آخرين واجهوا الحقيقة بصراحة وهي أن القوة حلت محل النظر العقلى في العالم الإسلامي، ثم خرجت نظرية دستورية تبعًا لذلك. وخير من يمثل هؤلاء بدر الدين بن جماعة المتوفى عام 733 هـ (1333 م) فهو يقرر في كتابه "تحرير الأحكام في تدبير ملة الإِسلام"(. k.K.hofbibl فينا، 183 (أن الإِمام يلي منصبه إما بالانتخاب وإما بالقوة، وفي الحالة الثانية يجب أن تؤدى الطاعة للإمام الذي يصل إلى الإمامة بحد السيف. ويبرر هذا الاغتصاب الصالح العام ووحدة الجماعة الإِسلامية التي تتحقق على هذا النحو (ص 7 - 8). وثمة فئة أخرى من الفقهاء أهملوا كل هذه المحاولات التي قصد بها إلى تبرير ما توالى على التاريخ الإِسلامي من أحداث، وأقاموا مذهبهم على ما جاء في الحديث من أن الخلافة ثلاثون عاما فقط، أي إنها انتهت بوفاة على (انظر كنز العمال، جـ 3، رقم 3152) وتلك هي عقيدة النسفي المتوفى عام 537 هـ الموافق 1142 م (انظر العقائد النسفية، طبعة Cureton لندن 1843. ص 4) وهي العقيدة التي أخذ بها الفقيه التركى العظيم إبراهيم جلبى المتوفي عام 1549 والذي أصبح كتابه "ملتقى الأبحر" المصدر المعتمد للتشريع العثماني.
(ب) ويجعل فقهاء الشيعة الإمامة من أصول العقيدة، فهم يؤكدون شرعيتها ولا يحصرونها في قريش فحسب، بل يحددونها في آل على. والشيعة ما عدا الزيدية لا يقرون مبدأ الاختيار ويعتقدون أن النبي نفسه قد أقام عليًا خليفة له، وأن صفات على قد ورثها عنه ذريته الذين اختصهم الله من قبل بولاية هذا المنصب الجليل. ويقال
إن النبي أفضى لعلي بعلم لدنى أسره علي لولده، وانتقل على هذا النحو من جيل إلى جيل. ولكل إمام صفات تفوق صفات البشر ترفعه فوق مستواهم، وهو يهدى المؤمنين بحكمة معصومة من الخطأ، وأحكامه مطلقة لا مرد لها. ويعزو البعض ارتفاع عليّ على سائر البشر إلى اختلاف جوهره، ذلك أن الله منذ أن خلق آدم انتقل قبس من النور الإلهي وأخذ يحل في شخص مختار يظهر في كل جيل، وهذا القبس حل في على ثم هو يحل في كل إمام يخلفه. وقد تشعب مذهب الشيعة تشعبا كبيرًا انظر الشهرستانى، كتاب الملل والنحل، ص 108 وما بعدها؛ ابن خلدون، المقدمة، جـ 1، ص 400 وما بعدها)
(جـ) أما الخوارج فهم على نقيض الشيعة لا يحصرون الخلافة أو الإمامة في قبيلة أو بيت بعينه، بل يقولون إن كل مسلم أهل للخلافة وإن كان أعجميًا أو عبدًا. وهم إلى ذلك يختلفون عن سائر المسلمين بقولهم إن قيام الإِمام ليس من الفروض الدينية، وإن الجماعة الإِسلامية تستطيع في أي وقت من الأوقات أن تقوم بجميع الفروض الدينية وأن تكون لها حكومة مدنية مستكملة لجميع الصفات الشرعية من غير أن يقوم فيها إمام على الإطلاق. فإذا ما رأت هذه الجماعة في ظروف خاصة أن من المستحب أن يكون لها إمام أو أوجبت الضرورة ذلك فلها أن تختار من يلي هذا المنصب، فإذا تبينت أنه ليس أهلا لهذا المنصب على أي وجه من الوجوه فلها أن تعزله أو تقتله (انظر الشهرستانى، كتابه المذكور، جـ 1، ص 85 وما بعدها).
وقد تجلت كل هذه النظريات التي عرضنا لها فيما سبق في صور مختلفة من صور النظم السياسية التي قامت فعلا، على أن ثمة مذاهب أخرى عن الخلافة لم تخرج قط عن حيز التفكير النظرى، وخاصة تلك المذاهب التي قال بها أئمة المعتزلة كقولهم إن منصب الخلافة يجب أن يترك شاغرًا إبان الفتن ولا يشغل إلا في عهود السلام، أو كقولهم إن الإِمام لا يكون إلا باتفاق أهل
الملة الإِسلامية جميعًا (انظر الشهرستانى، كتابه المذكور، ص 51؛ Hellenisticher Enfluss auf mu-: Goldziher tazilitische Chalifats Theorien في مجلة Der Islam. جـ 6، ص 73 - 771).
المصادر:
إن أوفق المصادر لدراسة الحديث هو كتاب السيوطي: كنز العمال، طبعة حيدر آباد 1312 - 1314. أما كتب المسلمين في هذا الموضوع فهي:
(1)
الماوردي: انظر ما سبق.
(2)
عضد الدين الأيجى: المواقف في علم الكلام، الآستانة عام 1239.
(3)
ابن حزم: كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل جـ 4، ص 87 وما بعدها، طبعة القاهرة عام 1320.
(4)
الشهرستانى: كتاب الملل والنحل، طبعة Cureton، لندن 1842 و 1846.
(5)
ابن خلدون: المقدمة، طبعة Quar tremere باريس 1858؛ ترجمته ده سلان، باريس 1862 - 1868.
(6)
عبد العزيز جاويش: الخلافة الإِسلامية، برلين سنة 1915.
(7)
ميرزاجواد خان كسى Das Kal Die) ifat nach islamischem Staatsrechl Welt des Islams ، جـ 5، ص 189 وما بعدها سنة 1918).
(8)
أبو الكلام: خلافت وجزيرة عرب، كلكتة سنة 1920.
(9)
محمَّد رشيد رضا: الخلافة، القاهرة سنة 1923.
(10)
على عبد الرازق: الإِسلام وأصول الحكم، القاهرة سنة 1925.
أما كتب الأوروبيين في هذا الموضوع فهي:
(1)
Geschichte der: A. Von Kremer herrschenden Ideen des Islams ليبسك 1868 و Culturgeschichte des Orients unter den Chalif فينا 1875 - 1877.
(2)
Avindication of: J. W.Redhouse the Ottoman 'Sultan's title of "Caliph -showing the antiugity، validity، and uni versal acceptance لندن 1877.
(3)
Die islamische: M. Hartmann Die Kultur) Verfass ung und Verwaltung (der Gegenwart، Teil II. Abteilung II
(4)
Verspreide: C.Snouck Hurgronje Gesehriften جـ 3، 4.
(5)
Islamstudien: H.Becker جـ 1.
(6)
Muhammedanische: I.Goldziher Studien - جـ 2، ص 55 وما بعدها.
(7)
Khalif i Sultan: W.Barthold في Mir Islama جـ 1، ص 203 وما بعدها، سانت بطرسبرغ سنة 1912، وقد ترجم جزء منه في Der Islam جـ 6 ص 350 وما بعدها سنة 1915.
(8)
Kalifat und Imamat: J.Greenfield Blatter fur vergleichende Rechtswiss - enschaft und Volkswirtschaft lehre جـ 11، سنة 1915.
(9)
Handbuch des is-: Th.W.Juynboll lamischen Gestzes ليدن سنة 1910.
(10)
Appunti sulla na-: C.A.Nallion tura del Califfato' in genere e sul Presunto Califfato Ottomano رومة سنة 1917.
(11)
Introduction: L.Massignon a'l'etude des revendications islamiques في R.M.M جـ 39، ص 1 وما بعدها.
(12)
De crisis van het: B.Schrieke De Indische post) chalifaat 15، 25، 29 مارس Maart سنة 1924 بتافيا).
(13)
Il concette di ca-: De Santillana -Liffato e di sovranita nel di musulmano Oriente Moderno) ritto جـ 4، ص 339 وما بعدها سنة 1924).
(14)
Islam and: Snouck Hurgronje Foreign AF-) Turkish Nationalism Fairs جـ 3، رقم 1، ص 61 وما بعدها نيويورك سنة 1924).
(15)
Etudes sur la nation islamique de souverainete في ، R.M.M. جـ 59 سنة 1925.
الشنتناوى [أرنولد T.W.Arnold]