الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خديجة
أولى زوجات النبي، [صلى الله عليه وسلم] وهي ابنة خويلد بن عبد العزى القرشى. وقد أجمع الثقات على أنها كانت -في الوقت الذي عرفت فيه محمدًا [صلى الله عليه وسلم] وعمل في تجارتها- أرملة تاجر ميسور الحال تقوم بنفسها على شئون تجارتها. وقد تزوجت قبل النبي [صلى الله عليه وسلم] مرتين، وأعقبت فيهما ذرية؛ فأما زوجها الأول فهو رجل من مخزوم، وأما الآخر فهو أبو هالة التميمى الذي اختلف الرواة في اسمه الحقيقى، وذكره بعضهم بين صحابة النبي [صلى الله عليه وسلم] إذا صحت هاتان الروايتان فإن خديجة تكون امرأة مطلقة (1). وقد كشفت خديجة في وكيل
(1) أبو هالة زوج خديجة قبل رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، لم يذكره أحد من الذين ألفوا في تراجم الصحابة، ممن وصلت إلينا كتبهم، إلا الحافظ ابن حجر، فإنه ذكره في الإصابة (جـ 6، ص 270) باسم (نباش بن زرارة التميمى) في القسم الرابع من باب النون، وهو القسم الذي خصه في كل حرف من الحروف بتراجم من ذكره مترجمو الصحابة "على سبيل الوهم والغلط" كما صرح بذلك في مقدمة الإصابة (جـ 1، ص 4) بل صرح بأنه لا يذكر في هذا القسم "إلا ما كان الوهم فيه بينا، وأما مع عدم احتمال الوهم فلا". ولذلك قال في الترجمة التي ذكرها لأبى هالة ما نصه: "زوج خديجة قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ووالد هند، وخال الحسن بن على ذكره المستغفرى، وتبعه أبو موسى في الذيل، وهو غلط"، فمن عجب بعد هذا كله أن يذكره كاتب المادة بطريقة تدل على أن له أصلا أو صحة، ويبنى عليه احتمالا. وما هذا شأن المحقق المنصف. وإنما يريد الكاتب وأمثاله الغمز فقط، شأنهم ودينهم! ثم ماذا في ذلك إذا صح؟ فيه في نظره أن تكون خديجة امرأة مطلقة! وماذا يكون؟ العرب يرون جواز الطلاق، ولا يرون فيه شيئا يعيب الرجل أو المرأة، وجاء الإسلام فنظم الطلاق في التشريع، وجعل له حدودًا وقواعد دقيقة، ولم يجعل عيبًا في الرجل أن يطلق ولا أن يتزوج امرأة مطلقة، ولم يجعل عيبا في المرأة أن تكون مطلقة ولا أن تتزوج رجلا آخر بعد الطلاق. ورسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج زينب بنت جحش أم المؤمنين، وهي بنت عمته، بعد أن طلقها مولاه وعتيقه زيد بن حارثة، ثابت ذلك بنص القرآن الكريم والسنة الصحيحة المتواترة، بل الطلاق مباح في كل الأديان، وإنما حرمه البابوات وشددوا في تحريمه، ثم صار في نظر أولئك القوم عارًا عندهم، وغلوا في ذلك غلوًا شديدًا، ولكن أيكون غلوهم هذا حكما يمضونه على غيرهم من الأمم، وعلى دين وشريعة لا يؤمنون بهما. ثم الذي لا شك فيه بعد هذا كله، أن أبا هالة مات في الجاهلية قبل زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة، وأن خديجة لم تكن -حين تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مطلقة.
تجارتها الشاب ما يتصف به من محامد فعرضت عليه الزواج كما تذهب إلى ذلك الرواية السائدة، ولم يكن أبوها على قيد الحياة في حين تقول روايات أخرى إنه كان حيا وقد عارض في ذلك الزواج ولم تستطع حمله على قبوله إلا بعد أن أسكرته، وهذا من الدوافع المقبولة في الروايات الخيالية (1) وتذهب أكثر المصادر إلى أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان وقتذاك في الخامسة والعشرين، أما خديجة فكانت في الأربعين. على أن ما نعرفه من أن نساء العرب يهرمن بسرعة وأن خديجة قد أنجبت له خمسة أطفال على الأقل يجعل هذا القول بعيد الاحتمال (2) على الرغم مما نسب إلى نساء قريش بعد ذلك من صفات في هذا الشأن لا قبل بها لغيرهن من نساء العرب (انظر الجاحظ
(1) هذا افتراء عجيب على المسلمين، فما كان المسلمون قط ليروا الإسكار من الدوافع المقبولة، ولا في الروايات الخيالية، والرواية القائلة بأن والد خديجة كان حيا إذ ذاك، وأنه لم يوافق على الزواج إلا حين سكره، رواية باطلة، بطلانها ثابت في النصوص التي أشار إليها كاتب المقال نفسه. فإنه أشار إلى ما ذكره ابن سعد في الطبقات (جـ 1، ص 84 وما بعدها)، (ج 8، ص 7 - 11) وابن سعد نفسه قال في الموضع الأول، بعد حكاية شئ من هذا، ما نصه:"قال محمد بن عمر: فهذا كله عندنا غلط ووهم، والثبت عندنا المحفوظ عن أهل العلم أن أباها خويلد بن أسد مات قبل الفجار، وأن عمرو بن أسد (يعنى عمها)، زوجها رسول الله [صلى الله عليه وسلم]. وقال في الموضع الثاني ما نصه: "فإن أباها مات يوم الفجار. قال محمد بن عمر: وهذا هو المجمع عليه عند أصحابنا، ليس بينهم فيه اختلاف". فماذا بعد ذلك من دلالة لرجل منصف إذا أراد أن يقول الحق وحده؟ بل نزيد كاتب المقال مصدرًا آخر لهذه الرواية الضعيفة، لم يره ولم يشر إليه، وهو حديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بإسنادين، برقم 2851 ، 2852 من طبعتنا للمسند، وقد بينت في شرحى للمسند ضعف هذين الاسنادين وما كان ذلك بضار أحدا إلا من أراد أن يمسك بالشبهات ويدع الحقائق.
أحمد محمد شاكر
(2)
وهذا لون آخر من ألوان المغالطة والتهافت في الغمز والتشكيك. بل هو جرأة على تغيير الواقع المشاهد. فإن الواقع المشاهد لنا ولغيرنا، في عصرنا هذا وقبل عصرنا، أن نساء العرب لا يهرمن بسرعة. بل النساء اللائى يهرمن بسرعة هن نساء الأجناس الأخرى المتهالكة، يظهر ذلك لمن يرى بعينى رأسه، لا بعين هواه. وليس فيما قاله كاتب المقال من بأس إذا كان صحيحا، ولكنه باطل يخالف المشاهد الواضح.
أحمد محمد شاكر
Tria opuscula طبعة فان فلوتن ص 78). أما فيما عدا ذلك فليس ثمة ما يدعونا إلى الشك في دقة هذه الرواية لأن تغير ظروف محمد [صلى الله عليه وسلم] لها سند من القرآن (سورة الضحى، الآية 6 وما بعدها) ولم يتزوج [صلى الله عليه وسلم] سوى خديجة، طوال حياتها، التي عُرف عنها علو المكانة في المجتمع، وقد استعان النبي [صلى الله عليه وسلم] بمال خديجة في جهاده، (وكانت وفاتها قبل الهجرة بثلاث سنين) على أن شخصية خديجة كانت فيما يظهر ذات أثر عميق في حياة زوجها.
ومهما يكن من شئ فإن الرواية ترسم صورة جذابة جدًا للمعونة الأدبية التي أسدتها للنبى [صلى الله عليه وسلم] عندما اعتراه القلق والحيرة أول نزول الوحى. ولامشاحة في أن ابن عمها ورقة بن نوفل كانت له يد في استمالتها إلى الدعوة التي يهدف إليها النبي [صلى الله عليه وسلم].
المصادر:
(1)
ابن سعد، طبعة Sachau جـ 8 ص 7 - 11، جـ 1، ص 84 وما بعدها، 130، 141.
(2)
ابن هشام، طبعة فستنفلد ص 119 - 122، 153 - 156 - 232 - 277، 1001.
(3)
الطبرى: طبعة ده غوى جـ 1 ص 1127 - 1130، 1151 - 1156 - وما بعدها، 1159، 1166، 1199، 1766.
(4)
ابن حجر: الإصابة، طبعة شبرنجر جـ 3، ص 1130.
(5)
الأزرقى، طبعة فستنفلد، ص 463.
(6)
Das Leben des: Sprenger Mohammed جـ 1، ص 194 وما بعدها.
(7)
Annali dell، Islam: Caetani جـ 1 ص 138 - 144، 166 - 172، 221؛ 225، 227.
(8)
Kinship and: Robertson Smith marriage in early Arabia ص 273 وما بعدها.
(9)
Lammens Fatima: ص 13 وما بعدها.
يونس [بول Fr. Buhl]