الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخاصة على فلول الأزارقة بعد موت قطرى بن الفجاءة. ولكن الخوارج عادوا فرفعوا رءوسهم مرة أخرى عندما تصدعت الحكومة المركزية تصدعًا لا يرجى رأبه في عهد أواخر خلفاء بني أمية، وتابعوا غاراتهم، ولم يكونوا في هذه المرة فرقا صغيرة، وإنما كانوا كتائب كبيرة. وأشد فتن هذا العهد هما الفتنتان اللتان قام بإحداهما الضحاك ابن قيس الشيبانيّ في الجزيرة والعراق، وقام بالأخرى عبد الله بن يحيى الملقب بطالب الحق، وأبو حمزة، في جزيرة العرب (وفي خلالها احتلت المدينة ذاتها) وانتهت كلتاهما بالهزيمة، بيد أنه من الحق أن نقول إن ما نشرتاه من الفوضى قوض أركان الجانب الشرقى من الدولة الأموية، وأعان فتنة العباسيين على التسلل في يسر إلى قلب الدولة.
ويمكن أن يقال إن حركة الخوارج أيام الخلافة العباسية كانت قد انقرضت فعلًا من العراق وما جاوره، اللهم إلا فتنًا محلية قليلة سرعان ما أخمدت، وعاد مذهب الخوارج غير ذي خطر جدى، فقد غدا مجرد فرقة من الفرق الدينية ليس لها نشاط حيوى ملحوظ أو انتشار واسع. ولكننا نجد في الجانب الشرقى من جزيرة العرب وفي شمالي إفريقية، ثم في الساحل الشرقي لإفريقية من بعد فرعا من الفروع الأساسية للخوارج، ألا وهو الإباضية (أباضية). وكان للإباضية شأن هام في السياسة، بيد أن مكانتهم الدينية بقيت حتى بعد انتهاء شأنهم السياسى، وهم يعيشون إلى يومنا بعقائدهم وشعائرهم وشرائعهم الخاصة بهم.
3 - مذاهب الخوارج السياسية والدينية
لم تكن للخوارج قط -كما رأينا- أية وحدة حقيقية في أعمالهم السياسية أو العسكرية، ولم تكن لهم كذلك مجموعة متسقة من المبادئ. وتظهر لنا مذاهبهم وكأنها آراء خاصة تقول بها فروع من الخوارج قائمة برأسها (وتذكر كتب الملل عشرين شعبة على
الأقل من الخوارج بينها فرق وفروع) يمثل بعضها مذاهب دينية وحركات سياسية ذات طابع جماعى في آن واحد، ويعبر بعضها الآخر عن خلاف نفر من علمائهم في الرأى فحسب. ولكنهم يجمعون على مبدأ واحد: هو الذي يعالج مسألة الخلافة، وهي المسألة التي يبدأ عندها تشعب جميع الفرق في الإِسلام. وفي هذه المسألة يعارض الخوارج الشيعة في قصر الإمامة على أبناء على، كما يعارضون المرجئة في توقفهم عن الحكم فيها. وهم يقولون من ناحية بما أسماه فلهاوزن بحق "الخروج على السلطان nonconformity" أو بعبارة أخرى إن على المؤمنين أن يخرجوا على الإِمام إذا غير السيرة وعدل عن الحق ويخلعوه (بهذا يبررون تركهم عليا بعد قبوله التحكيم) ويصرحون من ناحية أخرى بأن كل مؤمن غير متهم في دينه أو خلقه يستطيع ببيعة الجماعة أن يبلغ الإمامة الكبرى "ولو كان عبدًا" ونتج عن ذلك أن نادوا بكل زعيم من زعمائهم "أميرًا للمؤمنين"، وإن افتقروا جميعًا إلى النسب القرشي افتقارهم إلى غيره من شروط الإمامة. ولم يقروا بالخلافة لغير أمرائهم، إلا لأبي بكر وعمر وعثمان، في السنوات الست الأولى من خلافته، وعلى حتى وقعة صفين.
وللخوارج في الاعتقاد أصل آخر، هو الإنكار المطلق للإيمان بلا عمل، وهم يغالون في تشددهم في الدين إلى حد تكفير صاحب الكبيرة، ويعدونه مرتدًا. ويقول غلاتهم -ويمثلهم الأزارقة- إن كل مرتد على هذا النحو لا يقبل إسلامه من بعد قط، ويجب قتله هو وأزواجه وأولاده. وكان من الطبيعى أن يحكم الخوارج على غيرهم من المسلمين بالارتداد عن الدين، وهو مذهب الاستعراض الذي طبق منذ ظهر الخوارج وقبل أن يتخذ صيغته الفقهية، وكان أبلغ تطبيق له في حرب الأزارقة. وهذا المذهب الوحشى يناقضه إلى حد عجيب، وإن لم يخرج عن حدود المنطق، ما أظهره الخوارج نحو غير المسلمين من تسامح بالغت بعض فرقهم فيه إلى حد التسوية في كل شيء بين المسلمين واليهود والنصارى إذا عدلوا الشهادة وقالوا: ". . إن محمدًا رسول الله إلى
العرب لا إلينا" وتوسع فقيه من فقهاء الخوارج هو يزيد بن أبي أنيسة (مؤسس اليزيدية) في التسوية بين العرب والموالى (وهذا المذهب كان بالفعل ثمرة موقفهم من مسألة الإمامة).
وتمتد الطهرية المأثورة عن الخوارج في تصورهم للدولة وفي فكرتهم عن الإيمان، إلى مبادئ الأخلاق، فلا تصح العبادات عندهم إلا بطهارة القلب التي تستتبع بالضرورة طهارة البدن.
وإذا تركنا المبادئ العامة وبعض الملابسات الخاصة فإننا لا نعرف فقه الخوارج وعقائدهم في مجموعها إلا عند الإباضية، فقد حافظ بقاؤهم إلى يومنا هذا على عرفهم الديني صحيحا سليما، فهم من ناحية والصفرية من ناحية أخرى أصحاب مذهب معتدل بالقياس إلى مذاهب غيرهم من الخوارج، وتأثرت آراؤهم الحالية بعض الشيء في الإيمان والفقه على السواء، المذاهب الإِسلامية الأخرى. وقد لاحظ الدارسون حديثا (نللينو C. A. Nallino: R. S. O. جـ 7، ص 455 - 461) العلاقة الوثيقة بين عقائد الإباضية وعقائد المعتزلة. ويمكن أن نقول أيضًا إن المعتزلة استوحوا الخوارج في بعض المسائل. ولا شك في صحة ما قاله فلهاوزن من أن مذهب الخوارج كان له شأن خطير في تطور علم الكلام بطريق مباشر، أو بتشجيعه على إمعان النظر في مسائل الاعتقاد.
ومذهب الخوارج فيما يبدو لنا حركة شعبية في أصولها، ولكننا يجب أن نلزم جانب الحرص فلا يذهب بنا الظن إلى أنه يفتقر إلى النظر العقلى. بل إن الأمر على عكس ذلك، إذ لا شك في أن تحرر هذا المذهب الذي يبلغ مبلغ التطرف قد اجتذب كثيرين من ذوى العقول النيرة، مثله في ذلك مثل غيره من المذاهب في عصور أخرى وبلاد أخرى. فقد قيل إن بعض العلماء والأدباء، في أيام العباسيين الأولين بخاصة، قد اعتنقوا آراء الخوارج متأثرين بثقافة هذا العهد المتشككة ومعارضين لها في آن واحد، ولم
يمنعهم ذلك من مخالطة علية القوم أو يحرمهم من عطف الخليفة. وأشهر هؤلاء المستسرين لمذهب الخوارج هو الفيلسوف المعروف أبو عبيدة معمر بن المثنى. فقد روى ابن خلكان حكاية لاذعة تدل على تعصبه في القول على الأقل (جـ 1، ص 107، طبعة 1310، ويجب أن يصحح الشاهد الشعرى الذي أورده على أمالى المرتضى جـ 3، ص 88 - 89)(1) وللخوارج شعر وفصاحة، لأن أكثر قوادهم -وخصوصا في عهدهم الأول- كانوا ينتسبون إلى البدو من جند الكوفة والبصرة. وقد جمعت الخطب التي قالها زعماؤهم. يزودنا ما بقى منها بصورة بارعة عن أقوالهم كما يزودنا بفكرة طيبة عن ملكتهم في الخطابة. وبين أيدينا عدة شواهد من شعرهم بعامة (وقد جمعت أيضا في دواوين خاصة) وشعر عمران بن حطان بخاصة (وهو الذي يعد في الوقت نفسه من مؤسسى فقه الخوارج) وقد أورد الجاحظ (البيان والتبيين، 1313 هـ، جـ 1 ص 131 - 133؛ جـ 2، ص 126 - 127) ثبتا طويلا بخطباء الخوارج وشعرائهم وفقهائهم.
وسجلت حروب الخوارج منذ بداية التأريخ العربي في مصنفات عدة لم تصل إلينا بنصها الكامل، ولكننا نعرف مادة أهمها -ومن بينها مصنفات لأبي مخنف وأبي عبيدة والمدائني- من الفقرات التي ذكرت في المصادر التاريخية التي نوردها بعد.
(1) يشير الكاتب إلى ما رواه السيد المرتضى في أماليه ". . أخبرنا أبو حاتم قال: كان أبو عبيدة معمر بن المثنى صفريا، وكان يكتم ذلك .. وقال الثورى: كنت إذا أردت أن أبسط أبا عبيدة ذكرته بأخبار الخوارج فأبعج منه ثبج بحر فجئته يوما وهو مطرق ينكث في الأرض في صحن المسجد وقد قربت منه الشمس فسلمت عليه فلم يرد، فتمثلت:
وما للمرء خير في حياة
…
إذا ما عد من سقط المتاع
والبيت لقطرى بن الفجاءة. فنظر إلى ثم قال: ويحك أتدرى من يقوله؟ قلت: قطرى. قال: اسكت فض الله فاك. فإلا قلت أمير المؤمنين أبو نعامة. ثم انتبه فقال اكتمها على ياثورى. فقلت: هي ابنة الأرض .. )
(مهدي علام)
المصادر:
القسمان 1 ، 2:(1) المبرد: الكامل، طبعة رايت في مواضع متفرقة (والمادة مبعثرة في هذا المصدر دون سياق أو نظام، وهي تضيف مراجع أدبية وتاريخية كثيرة إلى الموضوع؛ وقد ترجم هذه المادة Die Kha-: O. Rescher ridschitenkapitel aus dem Kamil، شتوتجارت 1922).
(2)
الطبرى، طبعة ده غوى، جـ 1، ص 3341 وما بعدها؛ جـ 2، في مواضع متفرقة.
(3)
البلاذرى: أنساب الأشراف، R. S. O. جـ 6، ص 488 - 497 (خلاصة ومقتطفات من النصوص الخاصة بخلافة على، انظر التصويبات في المصدر السابق ص 5، 9).
(4)
المصدر السابق، طبعة أهلوارت ص 78 - 96، 125 - 151 فيما يتعلق بخلافة عبد الملك).
(5)
المسعودي: مروج الذهب، طبعة باربييه ده مينار، جـ 4 - 6 في مواضع متفرقة.
(6)
Annali dell' Islam: L. Caetani جـ 9، ص 541 - 556، جـ 10 ص 76 - 151 ، 168 - 195 وفي مواضع متفرقة أخرى (ترجمة كاتب هذه المقالة للنصوص التاريخية الخاصة بخلافة على وغير ذلك من المواد الخاصة بالخوارج عن كتب الحديث وغيرها.
(7)
المؤلف نفسه: Chronographia Islamica جـ 1.
(8)
Die Charids-: R. E. Brunnow chiten unter den ersten Omayyaden، ليدن 1884.
(9)
Die religios-: I. Wellhausen politischen Oppositionspartein im alten Abh. G. W. Gott) Islam. L. Die Ghavariag المجموعة الجديدة 1901، جـ 5 ص 2).
(10)
Le caliphat de: H. Lammens Moawia Ire (أعيد طبعها نقلا عن M. F. O. B . ص 125 - 140.
(11)
R. S. O.: G. Levi Della Vida، 1913، جـ 6، ص 474 - 488.
القسم 2 بوجه خاص:
(1)
الشهرستانى: الملل والنحل، طبعة كيرتن ص 85 - 103 (ترجمة Religionsparteien und Phi-: Haarbriicker losophenschulen ص 128 - 156).