الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعلام العلماء الشيخ الخضر حسين
محمد عبد الله السمان (1)
* العلم والجهاد:
قليلون (2) الذين يعرفون فضيلة الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق، الذي ولي مشيخة الأزهر عام 1952، واستقال عام 1954 م، ولزم داره حتى وافته منيته في فبراير عام 1958 م.
وربما كان لهؤلاء عذر أو بعض العذر؛ فالشيخ مصري الإقامة، تونسي الأصل، ولد رحمه الله في بلدة "نفطة" في تونس سنة 1293 هـ، وقد انتقلت أسرته إلى تونس العاصمة، والتحق الشيخ بجامع الزيتونة، وحصل على شهادة العالمية، ولم تشغله الوظيفة عن طلب العلم. وقد تولى قضاء "بنزرت"، وولي التدريس أيضاً بجامع الزيتونة، على أن يسهم بقلمه ولسانه وشبابه في الحركة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي، ويسهم في النهضة العلمية
(1) كاتب إسلامي معروف - مجلة "أكتوبر" المصرية، العدد 349 الصادر يوم الأحد 3 يوليو تموز 1983 م - القاهرة.
(2)
استعمل الكاتب هذه الكلمة: (القليلون) بلاغة من قلمه؛ لأنه يريد الحث على المزيد من الاهتمام والعناية بمؤلفات الإمام محمد الخضر حسين، ودراسة أفكاره الإصلاحية والعلمية، وبثها في العالم الإسلامي.
والأدبية هناك باعتبار أن النهضة العلمية والأدبية تقف إلى جانب الحركة الوطنية في تحرير الوطن من الاستعمار الأجنبي الدخيل.
أصدر في تونس مجلة "السعادة العظمى"، وهي إسلامية سياسية أدبية ..
كانت عصا الترحال تلازم الشيخ، رحل إلى تركيا، ثم إلى تونس، ولما اشتدت وطأة الاستعمار الفرنسي، واشتدت في مواجهتها الحركة الوطنية ضد الاستعمار، وأحس الشيخ الشاب أن عيون الاستعمار ترصده، قرر الهجرة إلى دمشق أولاً؛ ليواصل جهاده بقلمه ولسانه، وفي دمشق عين مدرساً في المدرسة (السلطانية) التي درس بها الإمام محمد عبده، ثم رحل من دمشق إلى الآستانة، وسافر إلى ألمانيا مرتين، وله هناك ذكريات سجلها في ديوان. ولم يطب له المقام في دمشق، فقرر الاستقرار بالقاهرة؛ حيث توثقت صلته بأبرز مفكريها؛ أمثال: الشيخ محمد رشيد رضا، والعلامة أحمد تيمور باشا ..
الحق أن مصر فيما مضى كانت كعبة القاصدين من المجاهدين السياسيين، والمفكرين الإسلاميين الذين ضاقت عليهم الأرض بوجود الاستعمار، كانوا يجدون في مصر أهلاً، وينزلون سهلاً، قصدها الحكيم الثائر جمال الدين الأفغاني، والحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، وعبد الكريم الخطابي بطل الريف بالمغرب، والشيخ البشير الإبراهيمي شيخ علماء الجزائر، وغيرهم.
وحين حل الشيخ محمد الخضر حسين بالقاهرة التحق بالأزهر، وحصل على العالمية، ورأس تحرير مجلة نور الإسلام "الأزهر" فيما بعد منذ إنشائها عام 1929 م، وكانت في عهده مجلة ذات قيمة علمية وفكرية، يجد فيها الخاصة والعامة بغيتهم، وعين الشيخ أستاذاً متفرغاً في جامعة الأزهر، وأسهم في
تأسيس "جمعية الشبان المسلمين"، ثم أسس "جمعية الهداية الإسلامية"، ومجلتها التي تحمل نفس الاسم، وكان مقرها بميدان لاظوغلي. ومن خلال هذه الجمعية تعرفتُ على الشيخ، وتوثقت صلتي به، وكانت الجمعية تضم خلاصة العلماء والمفكرين، كما كانت مقصد الطلاب المغاربة من ذوي الحاجات المادية والعلمية، وكان الشيخ رحمه الله ينفق على هذه الجمعية ومجلتها من ماله الخاص ..
واختير الشيخ عضواً في هيئة كبار العلماء لدراسته القيمة عن القياس كمصدر من مصادر التشريع، ثم اختير عضواً في المجمع اللغوي.
وعندما أصدر الأستاذ أحمد حمزة رحمه الله مجلة "لواء الإسلام" اختار الشيخ الخضر حسين أول رئيس تحرير لها، ولا شك أن هذه المجلة سدت فراغاً في دنيا الفكر الإسلامي. وكان من كتابها المشايخ: أبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف، والأستاذ عبد الوهاب حمودة، وغيرهم رحمهم الله. ولم يكن الشيخ بمعزل عن التيارات الفكرية المناهضة للإسلام، فكان أول من تصدى للرد على كتاب "الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين، وكتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق ..
* الشيخ ومواقف لا تنسى:
عين الشيخ شيخاً للأزهر عام 1952 م وعمره يناهز الثمانين، لذلك أشفق عليه من هذا المنصب تلامذته وعارفو قدره على ماضيه المشرق الحافل بأنصع الصفحات، ولكن الشيخ الذي كان يتمثل ببيت الشاعر:
إنّ الثمانين وبُلِّغْتها
…
قد أحوجَتْ سمعي إلى ترجمانِ
كان بين جنبيه نفس أبية: وقلب فتى، وإيمان شجاع، واطمأننتُ حين
علمت من مصادر موثوق بها أن الشيخ لا يعتبر هذا المنصب غاية يصبو إليها. لذلك فمنذ توليه المنصب وهو يحتفظ في جيبه باستقالة محررة، ونسخة منها يحتفظ بها مدير مكتبه، وقد قال له -أي: لمدير مكتبه-: إذا أحسست بضعفي في موقف من المواقف، فقدم استقالتي نيابة عني ..
وفي عام 1953 م عزلت فرنسا السلطان محمد الخامس الولي الشرعي للمغرب مستعينة بعملائها الخونة من المواطنين، فجمع الشيخ هيئة كبار العلماء، وأصدرت بياناً اعتبرت فيه هؤلاء المارقين العملاء خارجين على الإسلام، وأرسل البيان إلى الصحف، فلم تنشره، وفي الصباح أرسل البيان مرفقاً به استقالته إلى رئيس الجمهورية، وكان أن نشر البيان، وكان له أثره في الحركة الوطنية في المغرب ..
وبعد:
فهذا هو الشيخ محمد الخضر حسين، العالم، الزاهد، الجريء، الذي قدم إلى المكتبة العربية والإسلامية ثروة أدبية ولغوية وفقهية.