الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعلام من تاريخنا الشيخ محمد الخضر حسين
عمر بُوشيبة (1)
في الجنوب التونسي، وفي زوايا العلم؛ حيث الإشعاع الفكري والروحي، وفي واحات النخيل الباسقة، ولد شيخنا الخضر حسين في بلده "نفطة" سنة 1873 هـ من أسرة علم وتقوى يتصل نسبها بالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولما بلغ من العمر الثانية عشرة، انتقل مع والده إلى العاصمة؛ حباً لطلب العلم، وانتسب إلى جامع الزيتونة الذي نهل من معينه العلم الكثير، وفي هذا الصرح الحضاري درس، ودرّس العلم، وتولى بعدها القضاء في مدينة "بنزرت"، فكان وقافاً عند كتاب الله، ولم يكتف بهذا، بل راح يخوض غمار الصحافة، فأسس مجلته الخالدة "السعادة العظمى" التي أوقفتها السلطات الفرنسية.
لقد كان صوتاً إسلامياً مدوياً في أنحاء المعمورة، يخشع لسامعه العدو والصديق. رحم الله شيخنا، لم يدع درباً ولا طريقاً إلا سلكه في سبيل تحرير تونس الحبيبة من براثن الاستعمار، لقد كان خطيباً مفوهاً يلهب حماسة الجماهير
(1) كاتب تونسي - مجلة "الفجر" - العدد العاشر الصادر يوم السبت 10 ربيع الأول 1411 هـ - 29 سبتمبر 1990 م - تونس.
من فوق المنابر، فلما شعرت فرنسا بالخطر المحدق عليها، لاحقته، وضيقت عليه السبل، فخرج فراراً بدينه إلى الشرق حاملاً قلماً بليغاً معطاءً لا ينفد خيره، وعقلاً مؤمناً ثاقباً، يتابعه حكم الإعدام الذي أصدرته محكمة العدو.
وحط به الترحال في دمشق الفيحاء، فأقام فيها مدة طويلة تولى في مطلعها التدريس، ثم اعتقله جمال باشا فترة من الزمان؛ لاشتغاله بالسياسة، وتحريض الناس للجهاد المقدس، وعلى أثرها سافر إلى الآستانة وألمانيا داعياً؛ لأنه يدرك أنه يمثل خلية من خلايا جسم الدعوة الإسلامية، وأن قوة هذه الخلية وفاعليتها في مدى انسجامها وتفاعلها مع خلايا الجسم الأخرى. هكذا كان ينظر إلى عبء الدعوة الإسلامية.
وفي سنة 1920 م وصل إلى مصر بعد أن لاحقته فرنسا طويلاً، فبدأ النضال السياسي إلى جانب الدعوة والإصلاح، كانت داره عبارة عن سفارة تونسية، بل مغاربية، يؤمها الأمراء والمناضلون من أبناء المغرب العربي الكبير، فكان الشيخ يبعث فيهم روح النضال الموحد والمشترك؛ لأن عدوهم واحد، وهدفهم واحد، فأسس (رابطة تعاون جاليات أفريقيا الشمالية)، فعقدت المؤتمرات، وشرحت قضايا المغرب للعالمين العربي والإسلامي، ثم أنشأ (جبهة الدفاع عن أفريقيا الشمالية) التي قامت بدور فعال، وكانت إحدى الطعنات التي مزقت صدر الاستعمار، وهو في كل هذا بقي يحن إلى تونس مسقط رأسه، ومنبِت فكره، ونجد ذلك في شعره تحت عنوان:(أنباء تونس). قال عندما زاره أحد الأدباء قادماً من تونس إلى القاهرة:
أمحدّثي رُبِّيتَ في الوطن الذي
…
رُبِّيتُ تحت سمائه وبلغت رشدا
وجنيتَ زهر ثقافة من روضة (1)
…
كنتُ اجتنيت بنفسجاً منها ووردا
هاتِ الحديث فإنني أصبو إلى
…
أنباء تونس من صميم القلب جِدّا
وبعد رحلة طويلة من الكدح والجهاد، ناداه ربه إليه، فاستجاب لنداء خالقه، وكان ذلك في رجب سنة 1958 م حيث دفن في المقبرة التيمورية بالقاهرة إلى جانب صديقه أحمد تيمور باشا.
استلم رئاسة تحرير مجلة "نور الإسلام" التي يصدرها الأزهر، المعروفة اليوم بمجلة الأزهر، وانضم إلى علماء الأزهر، وعيّن مدرساً للفقه في كلية أصول الدين، ثم أستاذاً في التخصص، وعين أيضاً في المجمع العربي العلمي بدمشق، واختير عضواً في جامعة كبار العلماء بعد أن قدم رسالته العلمية "القياس في اللغة العربية". استلم رئاسة تحرير مجلة "لواء الإسلام"، وقام بتأسيس جمعية (الهداية الإسلامية)، وجمعية (الشبان المسلمين)، ثم تولى سنة 1952 م إماماً لمشيخة الأزهر.
* بعض أقواله في فكرة فصل الدين عن الدولة:
فصل الدين عن السياسة هدم لمعظم حقائق الدين، ولا يقدم عليه المسلمون إلا بعد أن يكونوا غير مسلمين.
* مؤلفاته:
كثيرة منها: ديوانه في الشعر - خواطر الحياة - أسرار التنزيل - الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان - القاديانية والبهائية.
رحم الله شيخنا، ما ترك فناً إلا وكتب فيه.
(1) يقصد به: (جامع الزيتونة) المعمور بتونس.