الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعلام الإعلام في تونس محمد الخضر بن الحسين
الدكتور محمد حمدان (1)
إذا كان تاريخ الصحافة بتونس زاخراً بالدوريات التي صدرت في شكل جرائد، فإن الدوريات التي صدرت في شكل مجلات تعد ضئيلة نسبياً. وإذا كانت الجرائد متصلة بالأحداث الآنية، وبالأخبار السياسية العامة، فإن المجلات تأخذ عادة بعدها الكافي عن الأحداث، لتكون وسائل تفكير نظري، وخلق أدبي، وتعبير عن الرأي. وتواجه المجلات بالتالي أكثر من الجرائد مشاكل في الصدور والاستمرارية؛ نظراً لجمهورها المحدود، ولتكاليف إخراجها المرتفعة.
وقد كان لمحمد الخضر بن الحسين الفضل في إصدار أول مجلة تونسية عنوانها "السعادة العظمى"، تبعتها بعد ذلك مجلات أخرى ذات طابع ديني أو أدبي إلى جانب المجلات الرسمية والمختصة.
ومحمّد الخضر بن الحسين من مواليد "نفطة" بالجنوب التونسي
(1) كاتب تونسي معروف، وأستاذ محاضر في معهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس، له كتاب قيم في الإعلام في تونس تحت عنوان "أعلام الإعلام في تونس 1860 - 1956" ط 1991 م، صدر عن مركز التوثيق القومي بتونس. ومن الكتاب المذكور أخذنا هذا البحث.
حوالي 1873 م، ودرس بالمكتب القرآني في مسقط رأسه قبل أن يلتحق بالزيتونة، حيث تحصل على (التطويع)، وبدأ حياته العامة بإصدار مجلة "السعادة العظمى" منذ شهر محرم 1322 هـ (الموافق لشهر أفريل 1904 م)، وهي مجلة علمية أدبية إسلامية ونصف شهرية.
وأبرز الخضر بن الحسين من خلال مجلته نزعته الإسلامية الإصلاحية، ودعوته للتمسك بالدين، وبالتضامن الإسلامي لضمان النهضة. وقد انتهجت مجلة "السعادة العظمى" في شكلها ومنهجها ما سلكته مجلة "المنار" المصرية الشهيرة من خيارات.
وأحدثت المجلة هزة للفكر الديني التقليدي؛ إذ فتحت ودعت إلى فتح أبواب الاجتهاد، كما فتحت أبواباً للمقالات العلمية العصرية، لم يتعود عليها القارئ، وفتحت أيضاً أبواباً للجدل حول مواضيع دينية ودنيوية حساسة. وفتحت المجلة أعمدتها لبريد القراء. وقد واجهت المجلة معارضة واحتجاج علماء الدين التقليديين الذين حاولوا إخماد صوتها. ولم تتمكن مجلة "السعادة العظمى" من الصدور أكثر من واحد وعشرين مرة؛ إذ توقفت عن الصدور في شهر جانفي 1905 م. بعد أن قامت هيئة النظارة العلمية لجامع الزيتونة بمطالبة الحكومة بتعطيلها.
وكان لهذه المجلة تأثير كبير على المسار المهني للخضر بن الحسين في المؤسسة الزيتونية، وعلى الشهرة التي سيتمتع بها لدى جانب معين من الزيتونيين، وعلى الاضطهاد الذي سيمارسه عليه جانب آخر منهم، مما سيدفع به في النهاية إلى ديار الغربة.
ومن الناحية الصحفية، يمكن اعتبار "السعادة العظمى" أول مجلة تصدر
في تونس باللغة العربية، وإن سبقتها في الظهور مجلات أخرى باللغة الفرنسية؛ مثل:"المجلة التونسية" منذ سنة 1885، وإن سبقتها كذلك التقاويم السنوية التي صدرت في تونس مطبوعة باللغة العربية منذ 1881. وتعتبر مجلة "السعادة العظمى" امتداداً للكتاب؛ إذ أن صفحات مختلف أعداد المجلة متتابعة يمكن جمعها في كتاب، ولم تصل بعد في شكلها إلى مرحلة متطورة من الإخراج، إذ أنها لا تحتوي على رسوم أو صور، ولا تبرز بإخراج يميزها عن الكتب.
وبعد هذه التجربة الإعلامية الرائدة، انصرف محمد الخضر بن الحسين عن المهنة الصحفية، وإن واصل بعد ذلك مساهماته الصحفية، فإنه لم يتفرغ لهذا الميدان؛ فقد دعي الخضر بن الحسين إلى مباشرة القضاء في "بنزرت" سنتي 1905 و 1906، ثم إلى التدريس في الزيتونة، وشقّ طريقه بصعوبة في هذه المؤسسة التعليمية، كما زاول التدريس في (الصادقية).
وبدأ الخضر بن الحسين أسفاره للخارج بداية من سنة 1911 بعد تعرضه للمضايقات، واستقال من الزيتونة عام 1912 م؛ ليتجول بين بلدان المشرق والغرب، وليدافع عن القضية التونسية والجزائرية في "برلين" خلال الحرب العالمية الأولى إلى جانب صالح الشريف، ومحمد باش حانبة.
واستقر بالشيخ الخضر بن الحسين المطاف بمصر، حيث قرر الإقامة، فتحصل على الجنسية المصرية، وزاول التدريس في جامع الأزهر إلى أن تولى رئاسة مشيخة الجامعات الأزهرية الشهيرة سنة 1952. وفي مصر أيضاً كان للشيخ الخضر بن الحسين نشاط إعلامي؛ إذ تولى رئاسة تحرير المجلة الإسلامية التي تصدرها مشيخة الأزهر بعنوان "نور الإسلام"، كما تولى رئاسة (جمعية الهداية الإسلامية)، وأشرف على إصدار مجلة هذه الجمعية التي تحمل عنوان
"الهداية الإسلامية". واستلم أيضاً رئاسة تحرير مجلة أخرى بعنوان "لواء الإسلام". وهكذا حافظ الشيخ الخضر بن الحسين على وفائه لتوجهاته الإسلامية في الإعلام. كما حافظ على قالب المجلة في إصداراته الإعلامية نظراً لتماشيها مع المواضيع الجدية التي يتطرق إليها.
وبالرغم من بعده عن تونس، وحجز أملاكه بها، والحكم عليه بالإعدام غيابياً، فإن علاقات الشيخ الخضر بن الحسين لم تنقطع مع الصحافة التونسية، فقد نشر في جريدة "الزهرة" اليومية في سنة 1913 خلاصة رحلته الشرقية. كما راسل مجلة "الفجر" التي أصدرها الحزب الحر الدستوري التونسي سنة 1920، وقدم في أعمدتها مساهمة حول النظرية السياسية في الإسلام، وراسل الشيخ الخضر بن الحسين كذلك مجلة "البدر" الزيتونية، فتطرق لموضوع الخلافة في الإسلام، ولمسؤوليات العلماء، وساهم أيضاً بمراسلات إلى "مجلة العرب" عام 1923. ويذلك تواصل حضوره على أعمدة الصحافة التونسية من خلال مقالاته.
كما تواصل هذا الحضور الإعلامي من خلال ما كان يكتبه عنه بعض الصحفيين الذين تتلمذوا على يديه. وقد كان الطيب بن عيسى صاحب جريدة "الوزير" ضمن التلامذة الأوفياء للشيخ، يتابع أخباره، ويفتخر بارتفاع شأنه في المشرق. أما طلبة "الجريد"، فقد بقي الشيخ الخضر بالنسبة إليهم رمزاً للكفاح والعلم، وأسسوا سنة 1947 جمعية (شباب الخضر بن الحسين النفطي)، وأسسوا نشرة أدبية سنوية لهذه الجمعية عام 1948، ساهم في تحريرها محمد صالح المهيدي، ومصطفى خريف، ومحمد العربي صمادح، وغيرهم. وبقي الشيخ الخضر بن الحسين متواجداً في الصحافة التونسية حتى
توفي في 12 فيفري 1958 بالقاهرة، فخصه الطيب بن عيسى في جريدته "المشير" بسلسلة من المقالات تمجد ذكراه.
وإذا برز الشيخ الخضر بن الحسين على الصعيد العلمي والتعليمي والسياسي غير من بروزه على الصعيد الصحفي، وإذا لم ينل من مهنة المتاعب إلا المتاعب، فيكفيه فخراً أنه كان صاحب أول مجلة عربية في تاريخ الصحافة التونسية. وقد قامت الشركة التونسية للتثقيف والترفيه بجمع كامل أعداد مجلته "السعادة العظمى" في مجلد واحد، ونشرها سنة 1987؛ حتى تكون في متناول جميع القراء.
* المراجع:
- محمد مواعدة: "محمد الخضر حسين: حياته: آثاره 1873 - 1858 م "، الدار التونسية للنشر، تونس 1974 م، 342 ص.
- جعفر ماجد: "الصحافة الأدبية في تونس"(بالفرنسية)، الجامعة التونسية 1979 م، (ص 30).
- مركز التوثيق القومي: ملف ب - 2 - 81 (الحركة الوطنية).
- محمد الفاضل بن عاشور: "أركان النهضة الأدبية بتونس".
- الطيب بن عيسى: مقالات عن محمد الخضر بن الحسين في "جريدة الأسبوع"(في 3 و 10 نوفمبر 1952، وفي 8 ديسمبر 1952 م)، وفي مجلة "المشير"(في 17 فيفري و 3 مارس و 14 أفريل و 19 ماي 1958 م).