الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النشرة الأدبية الأولى لجمعية شَباب الخضرِ بن الحُسينِ النفطِيّ
أرض الجريد دنيا من السحر والجمال، والإبداع في الطبيعة، وواحة من واحات الخلد، تاريخها مجد عريق بالأنفة والكبرياء، وعرفت باسم:(الكوفة الصغرى)؛ لما اشتهرت به من ثقافة، وما عرف في أبنائها من عقول نيرة، وقلوب مؤمنة. وقد جمعت بين الجمالين: جمال الطبيعة، وجمال مكارم الأخلاق العربية الأصيلة؛ من كرم، وصدق، وبطولات.
ومدينة "نفطة" من أرض الجريد في الجنوب التونسي، مولد الإمام محمد الخضر حسين، وفيها نشأته الأولى، وقد أحبه أهلها، وفاخروا وتباهوا فيه، ولم يتركوا مناسبة إلا عبّروا بها عن اعتزازهم بابن مدينتهم الذي انتقل منها عالماً مجاهداً حتى وصل إلى إمامة مشيخة الجامع الأزهر.
من مظاهر التكريم والاعتزاز: قيام جمعية أدبية راقية في مدينة تونس تحمل اسم (جمعية شباب الخضر بن الحسين النفطي)، وإصدار نشرة باسمها (النشرة الأدبية لجمعية شباب الخضر بن الحسين النفطي). وبثت لها الدعايات في الصحافة التونسية (1). ونشرت صحيفة "الأسبوع" التونسية في عددها الصادر
(1) نجد مثلاً في صحيفة "لسان العرب" العدد (80) من السنة الثانية الصادر (يوم الأربعاء 11 جمادى الثانية 1367 هـ - 21 إبريل نيسان 1948 م) إعلاناً ضمن إطار بالخط الكبير (انتظروا
…
نشرية
…
جمعية شباب الخضر بن الحسين النفطي).
يوم الأحد 25 أفريل نيسان 1948 صورة للإمام في صدر صفحتها الأولى قائلة: "زينا صدر جريدتنا بصورة العلامة العبقري، والمصلح الكبير الشيخ محمد الخضر حسين؛ تنويهاً بالمجهود الذي يقوم به لفائدة قضية المغرب العربي ببلاد الكنانة، مع إفادة القراء بأن جمعية شباب الخضر حسين التي مقرها الحاضرة، وتعمل لفائدة المزاولين للتعليم بالكلية الزيتونية، قد عزمت على إصدار نشرة باسمها تحتوي على مباحثات علمية وأدبية نظماً وشعراً، هي الآن تحت الطبع، فنلفت إليها الأنظار".
وصدرت النشرة الأولى، وطبعت بمطبعة الشريف - تونس 15 نهج المبزع، في 16 صفحة. وقد أثبتناها في الكتاب كاملة، وعلى الشكل الذي صدرت فيه، دون أي تعديل؛ خدمة للتراث.
ولعل تأسيس الجمعية باسم الإمام، ثم صدور نشرة أدبية عنه باسمه، قد أثار حفيظة من لا يريد الخير لتونس، وهو في مركز المسؤول في الدولة، ويكره أن يعتز التونسيون بالعظماء من رجالهم؛ لأنه يريد تاريخ تونس خالياً فارغاً من العباقرة الأفذاذ، فعمد إلى تعطيلها وإلغائها.
وقد اطلعت على مقال في صحيفة "أفريقيا الشمالية" الصادرة بتونس - العدد رقم 24 (يوم الثلاثاء 5 رمضان 1369 هـ - 20 جوان حزيران 1950 م) بقلم (ابن "نفطة" المطلع) تحت عنوان: (كيف وقع طعن "نفطة" من بعض أناس يدعون الوطنية)، وهو بحث طويل نقتطف منه ما يلي:
"قبل كل شيء نلفت أنظار المعتدين على كرامة مدينة "نفطة" وعظمائها وأهاليها بصفة عامة، بأن هذه المدينة مدينة عريقة في المجد، وكانت في القديم تسمى:(الكوفة الصغرى)؛ كناية عن انتشار العلم بها، كثرة علمائها ومفكريها.
ولقد أنجبت عدة عظماء في عدة ميادين، أنجبت ذلك البطل الخطير طارق بن زياد فاتح الأندلس، كما أنجبت ذلك المصلح الجريء أبا علي السني، والعالم الإمام ابن خلف، والعالم الأصولي محمد بن إبراهيم، والعالم العظيم محمد المكي، والفيلسوف الديني الزعيم الشافعي الشريف، كما أنجبت غيرهم ممن لهم مقام ممتاز، وهم كثيرون.
هذا من حيث الماضي، أما في عصرنا الحاضر، فقد أنجبت مدينة "نفطة" العالم العلامة الشيخ الخضر بن الحسين نزيل الديار المصرية، وشهرته تغني عن التعريف، وأنجبت أخاه العالم اللغوي المعروف الشيخ زين العابدين ابن الحسين نزيل الديار الشامية. والأستاذ محمد الصالح المهيدي، والشاعر العبقري الأستاذ مصطفى خريف، وغيرهم من العظماء المعاصرين. هذا والشيء الذي يعنينا في هذه العجالة، هو بيان الاعتداءات التي وقعت على "نفطة"، واهتزلها سكانها، والتي مصدرها بعض من ينتسبون للوطنية، ويدعون أنهم يخدمون بلادهم، والحال أنهم على العكس من ذلك يخدمون ضدها، وبا ليتهم يشعرون.
وإلى القارئ الكريم جانباً من الاعتداءات التي طعنت "نفطة" في الصميمم.
أولاً: لما ظهر لتلامذة ("نفطة" الزيتونيين) بأن يؤسسوا جمعية تجمع شملهم، وتساعد فقيرهم، اتفقوا على تسميتها (بجمعية شباب الخضر بن الحسين النفطي) وبعد أن شكلوا هيئتها، ونشروها على ألسنة الجرائد، وقع إعلام مسيّريها من بعض الأنانيين السياسيين، بأن يتراجعوا في هذه التسمية، ويسموها باسم آخر؛ لأن الخضر بن الحسين -على زعمهم- لا يستحق هذا
الالتفات، وما إن سمع التلاميذ بهذا الاقتراح الخبيث، حتى قاموا بضجة ضد هذا التدخل الذي لا حق لهؤلاء المتطفلين فيه، وتبين لتلامذة "نفطة" الأباة من ذلك الوقت، كيف أن الوطنية أصبحت ألعوبة عند هذا البعض الذي صار لا يفكر في الاستعمار وكيف يقاومه، وإنما يفكر في الانتقام من عظمائنا، ويسعى في محو أسمائهم من عالم الوجود، فيا لها من أنانية لا تشرف صاحبها، بل وتبعده عن الوطنية الحقة، وتجعله في الحضيض".
أحببت "نفطة" من الوجدان، وشددت إليها الرحال في كل عام زرت فيه تونس، وبواحتها الرائعة، وتحت ظلال نخيلها اليانع قلت الشعر الذي يمثل صفاء المحبة لها. ومنه (1):
ضممتِ بصدرِكِ كلَّ الجمال
…
وغيرُكِ ضمَّ الأسى والحجر
ربيعُك كلُّ فصول السنين
…
ويسكن فوق سماك القمر
و (دِقْلةُ نورٍ) غذاء الحياة
…
ونخلك أحلى صنوف الثمر
ومما قلته فيها أيضاً (2):
قالت: أراك بذكر "نفطة" هائماً
…
ماذا بها؟ حتى رماك هواها
إن كان واحتها سبتك بنظرة
…
فهناك واحات الجمال سواها
فأجبتها: لو تعرفين محبتي
…
لترابها وهوائها وسماها
(1) ديواني "قلب شاعر"، وقدمت الأبيات بقولي:"نفطة: واحة النخيل في جنوب تونس - إني أراها قطعة من الجنة".
(2)
ديواني "بثينة"، وذكرت في المقدمة:"أحببت نفطة مدينة النخيل في الجنوب التونسي، مثوى الجد مصطفى بن عزوز، ومولد العم الإمام محمد الخضر حسين".
يكفي جمالاً مع جلالٍ أنّها
…
ضمّت ولياً صالحاً بثراها
من طيب ساكنها المطهّر (مصطفى)
…
من آل عزوزٍ تطيب رباها
يا روضةً ولد (الإمام) برَحْبها
…
فسما بها التاريخ نحو علاها
أضحت مزار القاصدين تبركاً
…
والباحثين بعلمها وسناها
شُهرَت بفضل (الخضر) حتى أصبحت
…
أم المدائن لا يُزار سواها
وقلت فيها (1):
إيه يا "نفطة" الحبيبة مهلاً
…
أنا من جاب في الهوى الآفاقا
لا عُجاباً أني عشقتك أرضاً
…
وسماء وواحة ورواقا
لا أبالي ما قال زيدٌ وعَمْرٌ
…
لم يكنّا إليك مثلي اشتياقا
أيها المدّعون حبَّ الثريا
…
لم تكونوا فيما أرى عشّاقا
إنما الحب حبّ "نفطة" يروي
…
للشفاه العطاش كاساً دهاقا
وفي الجدّ لأم الوالد سيدي مصطفى بن عزّوز قلت (2):
مرقد الطهرفي أجلّ الرموس
…
ضاء كالشمس من علاء الشموس
هو وجه الخيرات وهو منارٌ
…
وملاذ من هول ليل عبوس
أقبلت نحوه المكارم تسعى
…
بابتهال وحانيات الرؤوس
(1) ديواني "تونسيات"، وقلت في المقدمه:"بلدة نفطة في الجريد بالجنوب التونسي، واحة جميلة، بل أجمل الواحات، وإليها يعود أصل العائلة في تونس".
(2)
ديواني "تونسيات" - أبيات قيلت بعد زيارتي للزاوية العزوزية في مدينة "نفطة" بالجنوب التونسي.
يتناهى إليه كل فخارٍ
…
ولذاك المقام شوق النفوس
سائلوا "نفطه"الحبيبة عنه
…
هو بالفضل مثل غيث نفيس
يا (ابن عزوز) هل قبلت سلاماً
…
عن حفيد أتى بقلب أنيس
وفي "نفطة" قلت (1):
وما كلّ الحسان كحسن ليلى
…
ولا جنّات "نفطة" كالجنان
بلادٌ رصَّع الخلّاق فيها
…
مناظر من زبرجد في جمان
ولا تهوى العيان سوى رؤاها
…
ومرآها ببالي كلَّ آنِ
فراديس يحيط بها نخيلٌ
…
مباهج في الزمان وفي المكان
و (دقلتها) هو العسل المصفى
…
ونخلتها عروس في المغاني
سلوا عنها ليالي باسمات
…
سلوا عنها عبير الأقحوان
إذا مرَّ النسيم على رباها
…
يقبّل خدَّها قبلات عاني
إليها حجَّ عشاق الأماني
…
ونادوا: يا لساحرة الزمان
وبعد: هل أوفيت "نفطة" حقها في شعري؟؟.
علي الرّضا الحسيني
(1) ديواني "تونسيات".
النشرة الأدبية الأولى لجمعية شَباب الخضرِ بن الحُسينِ النفطِيّ