الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من حياة الشيخ الخضر بن الحسين
ولد الشيخ الخضر في "نفطة الجريد" يوم 26 رجب سنة 1293، ونشأ فيها، وترعرع في وسط علمي إلى أن انتقل والده إلى العاصمة التونسية سنة 1306؛ حيث أتم تعليمه الابتدائي، والتحق بالزيتونة، وتخرج منها بشهادة التطويع سنة 1316، ومن أكابر أساتذته: الشيخ عمر بن الشيخ، والأستاذ محمد النجار، والشيخ سالم بوحاجب.
وفي سنة 1317 عزم على الرحلة إلى المشرق، ليدرس حالته العلمية والاجتماعية، إلا أنه لم يتم رحلته، إذ اضطر للرجوع من طرابلس الغرب، وبقي بالزيتونة يفيد ويسفيد. وفي سنة 1321 أنشأ مجلة "السعادة العظمى"، فكانت من أحسن المجلات في ذلك العصر، تتبارى فيها أقلام الكتاب الزيتونيين في مختلف المسائل الدينية والأدبية، وقد لاقى في سبيلها ما يلاقيه كل مصلح من (المحافظين).
وفي سنة 1323 تقلد منصب القضاء ببنزرت، كما عهد له بالخطابة والتدريس في جامعها الكبير، ولم يكن التوظف بالمقيد له عن القيام بواجباته الاجتماعية، من ذلك محاضرته (الحرية في الإسلام) التي ألقاها بنادي (جمعية قدماء الصادقية)، وكان لها تأثير كبير، ونشرت، فنقلتها الصحف، ولما أحس أن الحكومة تحاول أن تطفئ منه ذلك النور المشع، وتقتل روحه المتأججة؛
ليكون على ما عودت به سائر موظفيها من السكون والاستسلام في ظل مرتب، أبى عليه حزمه أن يكون ذلك المستضعف المغبون، فقدم تسليمه من وظيفته، ورحل للعاصمة متطوعاً بالقاء دروس بالكلية الزيتونية، وعندها عينته نظارة الجامع لتنظيم خزائن الكتب.
وفي سنة 1325 تولى وظيفة التدريس بالجامع بصفة رسمية، وفي سنة 1326 عين مدرساً بالصادقية، وانتخبته الخلدونية لإلقاء محاضرات في الإنشاء، فقام بهاته الوظائف أحسن قيام، وكان لا يفتر عن إتحاف الشعب ببنات أفكاره؛ كمحاضراته:(حياة اللغة العربية).
ولما قامت الحرب الطرابلسية، كان من أعظم الدعاة لإعانة المجاهدين في سبيل استقلالهم، وقام برحلة إلى الجزائر، زار فيها كر مدنها، وكان يلقي المحاضرات أينما حل، ويلاقي التعظيم والتبجيل.
وفي سنة 1330 انتقلت عائلته إلى الشام، ونزلت دمشق، فالتحق بها ماراً بمصر، ثم سافر إلى الَاستانة، ودرس حالتها العلمية والاجتماعية، ورجع إلى تونس 1330 في ذي الحجة، ونشر رحلته على بعض الجرائد التونسية، ورجع لما كان عليه، وأول محاضرة ألقاها بعد رجوعه:(مدارك الشريعة الإسلامية)، وعينته الحكومة التونسية في لجنة تبحث عن التاريخ التونسي، إلا أنه في شعبان من هذه السنة، عزم على مفارقة مسقط رأسه بتاتاً، والهجرة إلى الشرق.
سافر إلى الشرق بعد أن ودع أصدقاءه في الجزائر، حيث ركب من "عنابة"، فلما نزل بمصر، تعرف بكثير من دعاة الرابطة العربية، مثل: رفيق بك العظيم صاحب "أشهر مشاهير الإسلام"، والشيخ رشيد رضا صاحب
"المنار"، ثم سافر إلى الشام، فقوبل من طرف عظمائه بالترحاب، ونوّهت الجرائد هناك بمسامراته.
وعزم على زيارة الإمبراطورية العثمانية، فنزل جنوباً حتى المدينة المنورة، وصعد شمالاً حتى الآستانة، ومن هناك تعين مدرساً للغة العربية والفلسفة بالمدرسة (السلطانية) بدمشق، وكان مثابراً على إلقاء المسامرات، ونشر المقالات الإصلاحية في الجرائد، واهتم بوجه خاص بالمشكلة العربية التركية، محاولاً تجديد روابط الألفة بين السلطنة العظمى، والأغلبية من رعاياها.
ولما أعلنت الحرب العالمية الأولى، وتولى جمال باشا حكم المقاطعة السورية، كاد أن يكون أحد ضحايا الصرامة التي استعملها القائد مع كل من ينتمي إلى النهضة العربية؛ حيث ألقى عليه القبض بدعوى اطلاعه على حركة المتآمرين دون أن يحاول تنبيه السلطة من الأخطار، فاعتقله ستة أشهر وأربعة عشر يوماً، وظهرت براءته لما قدم للمحاكمة، فأطلق سبيله في ربيع الثاني سنة 1335، ورجع إلى التدريس بالمدرسة العثمانية، ثم نظم مسامرات علمية ودينية عالية لبعض طلبته المنتهين.
واستمر على ذلك إلى أن استدعاه المركز سنة 1336 منشئاً حربياً بالوزارة، كما عينته المشيخة الإسلامية واعظاً بجامع (الفاتح)، فبقي في وظائفه إلى سنة 1337 التي فيها ارتباكات الآستانة، فرجع إلى دمشق، وما كاد يصلها، حتى عين عضواً بالمجمع العلمي العربي، ومدرساً بالمدرسة العثمانية، والمدرسة السلطانية، إلا أنه عزم على الذهاب إلى مصر محورِ النهضة العربية، فلم يباشر وظائفه تلك، فقصدها، وهناك في بلاد النيل ولي التصحيح بدار الكتب
العربية، ثم صرح له جلالة ملك مصر في دخول الشهادة العالمية التي ما كاد يحرز عليها، حتى انتدب للتدريس بقسم التخصيص. وفي سنة 1347 أضيف لدرس البلاغة الذي كان يلقيه لطالبي التخصص درسان آخران، أحدهما: في الوعظ والإرشاد، والثاني: في التاريخ. ومع ذلك لا ينقطع عن إلقاء المسامرات العلمية، والاجتماعات المؤيدة بروح الدين.
وعمل في كثير من الجمعيات مثل: جمعية (الشبان المسلمين)، وأسس (الهداية الإسلامية)، كما تولى رئاسة تحرير كثير من المجلات والصحف؛ مثل: مجلة "الهداية الإسلامي"، والمجلة الكبرى "لواء الإسلام"، و"نور الإسلام". ونشر عدة كتب قيمة في العلم والأدب مثل: كتاب "نقض الشعر الجاهلي"، و"حياة اللغة العربية"، وديوانه الشعري.
وهو الآن رئيس (جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا)، وركن من أركان النهضة العربية الحديثة في الشرق العربي الذين تفتخر بهم العروبة والإسلام.
هكذا كانت حياة الشيخ جهاداً وكفاحاً مستمراً في سبيل إعلاء كلمة الإسلام والوطن العربي، -أطالها الله-.