الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حارة الشيخ أبي بكر وجبل الغزالات (خ)
عدد بيوتها 15 وعدد سكانها 105 الذكور منهم 48 والإناث 57 نسمة كلهم مسلمون. هذه المحلة عبارة عن تكية الشيخ أبي بكر الوفائي وما في ضمنها من البيوت وعن ثلاث دور في جبل الغزالات. أما التكية فقد كان تأسيسها في القرن العاشر عن يد (أحمد بن عمر القاري على التل الوسطاني المعروف عند الأتراك باسم (أورته تبه) لوقوعه بين جبل الغزالات وجبل العظام والتكية عامرة آهلة يسكن في دور منها دراويش الطريقة الوفائية «1» وهم يملكون هذه الدور ويتناولون ريع وقف التكية رواتب لأن كل واحد منهم له وظيفة في التكية وقد تكلمنا على باقي شؤونها في ترجمة الشيخ أحمد القاري فراجعه. كان ولاة حلب من الدولة العثمانية يقيمون في هذه التكية منذ نشأتها الأولى إلى أواسط القرن الثالث عشر تحصنا من هجمات اليكيجرية «2» وعاديات أرباب الصيال في تلك الأيام وكان كثير من الولاة يعتنون بشأن التكية ويحيرص كل واحد منهم على أن يبقى له فيها أثرا ولهذا ترى فيها بعض أبنية جميلة تستحق الذكر على أن أحسن ما فيها قاعة كانت ظهارتها من الخزف القاشاني قد لعبت بها أيدي الناهبين والمحراب القائم في حجرة الضريح الذي لم يزل باقيا حتى الآن. ولها على بابها منارة كانت للمدرسة الرمضانية فنقلت منها بعد خرابها إلى التكية.
وفي حدود سنة 1315 بنى أحد التجار في ظاهر التكية من جنوبها دارا وقصرا ثم تبعه تاجرا آخر فبنى دارا أخرى وهرع الناس إلى احتكار عرصات خارج التكية جارية في أوقافها غير إنهم لم يبنوا فوقها حتى الآن مع أن موضعها عال جميل المناظر جيد المناخ.
وفي حدود سنة 1330 قررت مصلحة الصحية في حلب منع دفن الأموات في مقابر المسيحيين المتصلة بمحلة العزيزية فاعتاضوا عنها ببقعة من أرض بعيدة عن البلدة تعرف بحوش
البدوية جارية في وقف التكية المذكورة ثم في أثناء الحرب العامة اتخذ الألمان منها أيضا قطعة جعلوها مقبرة لأمواتهم ثم حذا حذوهم الإنكليز ثم الفرنسيين منهم من دفع قيمتها المقدرة إلى متولي التكية ومنهم من لم يدفع شيئا حتى الآن. أما الدور الثلاث في جبل الغزالات فقد كان بناؤها في سنة 1279 كما نوهنا بذكرها في حوادث هذه السنة من باب الحوادث.
وقد أشرفت الآن على الدثور وخلت من السكان. وفي حدود سنة 1325 احتكر محمد أسعد باشا ابن (محمد علي) الجابري على سفح هذا الجبل من غربيه عرصة واسعة من وقف التكية المذكورة تبلغ مساحتها نحو ثلاثين ألف ذراع معماري دفع بدل حكرها المعجل نحو 200 ذهب عثماني فبنى عليها حائطا وحفر فيها دولابا عمل في جانبه حوضا وعمر دارا لسكنى الفلاحين وقصرا شامخا لسكناه كثير الغرف واسع الخلوات صرف عليه زهاء عشرة آلاف ذهب عثماني.
ولما كانت الحرب العامة تسلط على هذا القصر وباقي المباني الداخلة في هذه العرصة الشطار والدعار فاستلوا كثيرا من أخشابه ودفوفه وأصبح غير صالح للسكنى. وفي سنة 1340 آجرها الورثة من مهاجرة الأرمن فأجروا عليها بعض الإصلاح واتخذوها محلا لسكناهم. الغزالات يلفظها الناس بتشديد الزاي والصواب تخفيفها فقد أضيف إليها الجبل لأنه كان يوجد فيه عدة كنس «1» تقتنص منه الغزلان. مما يضاف إلى هذه المحلة مستودعان لحفظ الأعتاد الحربية النارية في شرقي تكية الشيخ أبي بكر إلى الجنوب يبعدان عنها مسافة ميل أو أكثر أحدها أنشئ من قبل العسكرية العثمانية في حدود سنة 1310 والآخر أنشئ من قبل العسكرية الألمانية في حدود سنة 1325 وكلاهما مما انهدم بانفجار ما فهي من الأعتاد على إثر انسحاب الأتراك والألمان من حلب. يلحق بهذه المحلة أيضا الميدان الأخضر في شمالي حلب ويعرف عند الأتراك باسم (كوك ميداني) أي ميدان المرجة لانبساط المروج الطبيعية عليه وكان ميدانا واسعا فسيحا تخيم فيه جنود الدول حين شخوصهم إلى الحروب ويسرحون فيه أنعامهم وخيولهم للرعي وكان المرحوم السلطان نور الدين بن زنكي يلعب بالكرة والصولجان صحبة أتابكه صلاح الدين حتى إنه كان له قيم خاص به يسمى قيم الميدان ثم بعد دخول العثمانيين إلى حلب احتكرت المسافات الواسعة من أطرافه وغرست حدائق وبساتين حتى لم يبق منه الآن سوى مسافة لا تزيد
مساحتها على ميل مربع قد اشتملت في أواسطها على عين جارية. وفي سنة 1280 خطر لوالي حلب ثريا باشا أن يجعل هذا الميدان منتزها عاما فبنى في جنوبيه على ربوة منه بيت قهوة وعمل في وسطه شبه برج من الأخشاب ليقف عليه أصحاب الموسيقى والمطربون فأقبل الناس عليه للإنشراح والانبساط مدة ثم أهملوه لبعده وعلى تمادي الأيام خرب بيت القهوة وسرقت أخشاب البرج وعاد قفرا كما كان غير أنه لم يزل معدودا من جملة منتزهات حلب يقصده بعض الناس أحيانا للإنشراح بمروجه وعين الماء التي فيه.
وفي حدود سنة 1307 بنت مصلحة الزراعة في جنوبه مكانا سمته نموذج الزراعة أحضرت إليه أوائل الزراعة الغربية على الطراز الحديث فلم تنجح لضيق الأرض عن استعمالها فانتقلت منه إلى قرية المسلمية واستعمل محلها مكانا لسياسة الحيوانات اللبنية سمته سودخانه أي دار اللبن وجلبت إليه أحسن أنواع البقر وشرع الموظفون فيه يعملون من ألبانها أنواع الجبن والزبدة وأقبل كبار الموظفين على شرائهما إقبالا زائدا لرخصهما ولذتهما غير أنه لم يمض على ذلك غير قليل حتى أهمل وأقفر المكان. وفي أثناء الحرب العامة صدر أمر القائد جمال باشا بأن يبنى في شمالي الميدان مكان يجعل دارا للمعلمين فاهتمت جهة العسكرية بتنفيذ أمره وجمعت له البنائين والحجارين من الجنود وشرعوا بالعمل ثم أضيف إليهم جماعة من مهاجرة الأرمن وغيرهم وجعلت أجرة العامل يوميا رغيفين من الخبز فهرع إلى العمل بهذه العمارة خلق كثير رغبة بهذه الأجرة الزهيدة التي كانت في ذلك الوقت تخلص العامل من مخالب الموت جوعا فما مضى غير أشهر حتى انتهى جل العمل وجاء المكان على غاية ما يرام من حسن البناء وكثرة الخلوات والأبهاء وحينئذ وقعت الهدنة وانسحبت الجنود التركية والألمانية من حلب وسادت فيها الفوضى فقصده الدعار ونهبوا أخشابه وحدائده وأصبح مأوى للصوص وهو ما زال على هذه الحالة حتى الآن.
ومما يلحق بهذه المحلة العين البيضاء التي يجري ماؤها إلى المستودع الملحق بحارة الهزازة الذي تكلمنا عليه في المحلة المذكورة. هذه العين شمال الميدان تبعد عنه ربع ساعة وعن حلب نصف ساعة. وكان الأغراب الموظفون يشربون من مائها كيلا يوسموا بحبة حلب فكان الماء ينقل إلى الحكومة وكان ملء تنكة غاز البترول «1» من هذا الماء يباع بقرش
ونصف ثم إن بعض السقائين الذين يعانون نقل هذا الماء أخذوا يملأون آنيتهم من مياه آبار في حلب ويبيعونها على إنها من ماء العين البيضاء فشعرت الحكومة بذلك وحينئذ عينت البلدية قيما خصوصيا يقيم نهارا ويأخذ من السقائين عن كل تنكة يملأونها من ماء العين نصف قرش ويسد ثقبها بشمع عليه طابعا خصوصيا منعا للغش. ولما انتبه الناس إلى رداءة قناة حلب وصار الكثير منهم يتحامى ماءها ويرغب أن يكون شربه من ماء العين البيضاء رأت البلدية أن تعتني بهذه العين فوسعت ينابيعها وبنت لها حوضا مسقوفا يؤخذ منه الماء بواسطة مجرى في أسفله دفعا لدخول الدواب إلى غدير العين وتلويث مائها بروثهم، إلى أن كانت الحرب العامة وحدثت قلة المياه سنة 1335 وجفت أكثر آبار البلدة ولقي الناس من قلة الماء شدة وأصبحت العسكرية في حاجة عظيمة إليه فاهتم القائد العام جمال باشا بجر ماء هذه العين إلى البلدة فمد منها إلى الميدان الأخضر كيزانا «1» خزفية وعمل في هذه المسافة حوضين عظيمين يصب الماء لسقاية الجنود والدواب على أن يصرف ما فاض عن الحوض الثاني إلى البلدة فلم ينجح هذا العمل لأن كيزان الخزف قد عجزت عن تحمل ثقل الماء فتشققت وجرى الماء منها هدرا وحينئذ أحضر كيزانا من الحديد في قطر سبعة قراريط ومدها من العين إلى مستودع الماء الذي سلف الكلام عليه في محلة الهزازة وبنى في جانب العين بيتا لوضع محرك يدور بقوة الغاز الفقير وسلط قوته على مضخة لرفع الماء بها من العين ودفعه إلى المستودع المذكور فروى العطاش وأزال تلك الغائلة العظيمة في مدة لا تزيد على شهرين. هذه العين تسمى العين البيضاء والعين الأخرى التي في شماليها على مقربة منها تسمى عين التل عكس المتبادر إلى الذهن فإن التل وراء العين الأولى فهي أولى أن تسمى عين التل. وعين التل هذه قديمة ورد ذكرها في أشعار الصنوبري مشيرا إلى أنه يوجد عليها عمارة فيها مسجد. قلت لم تزل على ما كانت عليه.
في هذه السنة حررت مصلحة النافعة عين الميدان ومدت منها كيزانا حديدية إلى حوض بني في ظاهر محلة الطونبغا يصب فيه الماء بواسطة مضخة تدفعه بقوة محرك وذلك قصد إيصال ماء نظيف إلى جميع محلات حلب التي لم يزل بعضها محروما من هذا الماء لقلته.