الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هيئة السور والأبواب في هذا الوقت
ولنتكلم الآن على هيئة السور والأبواب في سنة 1341 هـ فنقول: الباب الأول من جهة الجنوب هو باب قنسرين وهو أعظم الأبواب ومحله قديم قبل الإسلام يتألف من أربعة أبواب: باب يلي المدينة وباب يلي البرية وبابان بينهما. وهو لصيق قلعة الشريف. ولم يظهر لي من آثار أي ملك هو، وقرأت على أحد جدران باشورته الموجه جنوبا سطرا
صورته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها
إلى آخر الآية. وفي وسط هذا السطر دائرة كتب فيها (أبو النصر مولانا السلطان الملك المؤيد) . قلت: وهذا الجدار لا تشابه عمارته الباب المذكور فلذا لم أجزم بأن الباب من آثار الملك المؤيد شيخ وكان مكتوبا على جدار الباشورة شرقا قبالة الباب الخارجي ما صورته:
(أمر بعمارته مولانا السلطان الملك المؤيد المنصور أبو النصر شيخ في شهور سنة 818 هـ) . وقد هدم هذا الجدار سنة 1303 هـ ونقلت حجارته إلى الرباط العسكري المعروف بالشيخ براق «1» ومكتوب على جدار الباشورة الموجه غربا لكن أول الكتابة من قفاه الموجه جنوبا: (أمر بعمارته مولانا السلطان الملك الأشرف قانصوه عز نصره ودام اقتداره بمحمد وآله. وذلك بتاريخ شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعمائة) .
ثم يأخذ السور من هناك غربا حتى يكون تجاه مقبرة الكليباني فيكون فيه برج متشعث له شباك مكتوب فوق نجفته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
. وليس بين هذا البرج وبين باب قنسرين سوى برج واحد متداع للخراب. ثم يمر السور من البرج المذكور حتى يكون تجاه أتانين الكلس في محلة الكلاسة التي كانت تعرف بالحاضر السليماني فينعطف شمالا ويمشي قدر غلوة فيكون فيه ثلمة تعرف بالخراق أظن أن في محلها أو فيما قاربه كان باب السعادة. ثم يستمر السور حتى يصل إلى باب أنطاكية شرقي جسر الدباغة بينهما مسافة غلوة وكان داخل هذا الباب مدرسة اسمها الزيدية وعرفت أيضا بالألواحية أنشأها إبراهيم بن إبراهيم المعروف بأخي زيد الكيال الحلبي انتهت عمارتها سنة 655 هـ ودرس فيها شمس الدين أحد بيت محيي الدين محمد ابن العجمي. ولما نزلها الألواحي الصوفي نسبت إليه وهي الآن داثرة لا أثر لها.
وهذا الباب مؤلف من بابين: واحد يلي المدينة والآخر ظاهرها. ومحله قديم قبل الإسلام مكتوب على نجفته ما معناه أن الذي جدده بعد دثوره المقر السيفي دقماق الناصري كافل المملكة الحلبية. مكتوب على جدار باشورته بقلم عريض: (بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بعمارة هذا الباب والأسوار بعد خرابها ودثورها ومحو رسومها مولانا السلطان الأعظم مالك رقاب الأمم سيد سلاطين العرب والعجم سلطان البرين وخاقان البحرين وخادم الحرمين
الشريفين سلطان الإسلام والمسلمين ناظر الغزاة والمجاهدين العالم العادل الملك المؤيد المنصور خلد الله ملكه في كفالة المقر الأشرفي السيفي
…
) .
قلت: فالمفهوم من هذه الكتابة أن عمارة هذا الباب كانت في أيام الملك المؤيد شيخ لكن داخل الباب ليس من آثاره لعدم وجود الشبه بين البنائين الداخلي والخارجي. ثم يمشي السور من هناك شمالا قليلا ويكون فيه برج بأعلاه رسم أسدين متقابلين وفيه كتابة تدل على أنه من بناء الملك المؤيد شيخ، ثم يستمر حتى يصل إلى باب الجنان وهو باب واحد ليس له دركاه «1» ، ورأيت في جدار جامع مجاور له عن جنوبه حجرة كتب فيها (جدد هذا البرج المبارك مولانا السلطان المالك الملك قانصوه الغوري عز نصره بتولي المقر السيفي برسباي الأشرفي نائب القلعة بحلب المحروسة سنة 920) وأظن أن هذا الجامع كان في الأصل داخل برج للسور. وفي هذا الباب مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه رؤي هناك في المنام كما قال الهروي في كتابه الإشارات في الزيارات. وهذا الباب قد هدمته الحكومة سنة 1310 هـ ووسعت به الطريق ولم يبق له أثر. ثم إن السور يمشي من هناك ويمر من تجاه خان دار كوره «2» يتحدّب تارة ويتقعّر أخرى ويكون تحدبه إلى جهة المدينة وفي طرف هذا التقعير يكون باب الفرج وهو باب واحد ليس له دركاه مكتوب عليه:
(جدد هذا الباب المبارك في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف المنصور الملك العزيز بولاية المقر السيفي الأشرفي نائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة)، ومكتوب في جدار البرج المتصل بظاهره الموجه غربا ما صورته:(بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بعمارته وعمارة ما تهدم في تاريخه من سور حلب مولانا السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي عز نصره بتاريخ 873 هـ) .
ثم يأخذ السور من هناك مستمرا حتى يصل إلى تجاه مزار السهروردي المقتول في فم بوابة القصب فيكون فيه برج الثعابين. وقد هدمته الحكومة سنة 1303 هـ وهدمت غيره من الأبرجة ونقلت حجارتها إلى الرباط العسكري وقد ظهر فيه مسجد انهدم معه ولم يبق لهما أثر. وذكر مؤرخو حلب أن برج الثعابين هذا كان يوجد فيه طلسم يمنع من
تأثير لذع الحيات ثم يمشي السور شرقا مستقيما حتى يصل إلى باب النصر وهو باب قديم مشتمل على ثلاثة أبواب كل باب منها له دركاه أولها مما يلي البلد وآخرها مما يلي ظاهرها وثالثها داخل البابين وقرب عضادة الباب الداخلي يوجد قطعة من الحجر كبيرة مبنية بالجدار على علو قامة فيها ثقوب يدخل الناس فيها أصابعهم لزوال ما فيها من عروق الملح على زعمهم، ويقولون إن تحت هذه الحجرة قبر نبي مع أن الكتابة التي كتبت عليها تدل على أن هذه الحجرة كانت موضوعة على قبر دفن فيه عروسان اسم الرجل أرتميس واسم المرأة كاليكتي والظاهر أنها مأخوذة من مقبرة ومبنية في محلها. وهذا الحجر ذكره الهروي في إشاراته وقال: إن الملل الثلاث يعتقدونه ويصبون عليه ماء الورد والطيب. وفي سنة 1303 هـ هدمت الحكومة الباب الأول ووسعت به الجادة فبقي فيه الباب المتوسط والذي يلي ظاهر البلد مكتوب على نجفته ما يفهم منه أنه من بناء الملك الظاهر غازي.
ثم يمشي السور من هناك منعطفا قليلا. ثم يستقيم ويسير حتى يصل إلى باب القناة المعروف بباب الحديد وعرف بباب بانقوسا أيضا غربي الجامع الكبير ببانقوسا على مرمى حجر منه وهو مؤلف من بابين بينهما دركاه وفوقهما حصن منيع مكتوب على يسرة الداخل إلى الباب ما صورته (أمر بعمارة هذا الحصن المنيع الباب مولانا السلطان الملك قانصوه الغوري عز نصره بولاية مملوكه أبرك مقدم الألوف بالديار المصرية وشادّ الشرابات والخانات الشريفة ونائب القلعة المنصورة بحلب المحروسة أعز الله أنصاره سنة 915 هـ) .
ثم يمشي السور من هناك منعطفا جنوبا ويسير حتى يصل إلى باب بالوج، وبالوج معمار رومي عمل فيه، ويعرف أيضا بباب الأحمر تحريف الحمر قرية في صحراء حلب من شرقيها. وهذا الباب لم يبق له أثر بل انهدم إلى الأرض وأخذت حجارته إلى الرباط العسكري سنة 1303 هـ وكان مكتوبا عليه (أمر بعمارته مولانا السلطان الملك أبو النصر قانصوه الغوري عز نصره بتولي المقر السيفي أبرك وشادّ الشرابات والخانات الشريفة الحلبية عز نصره سنة 920 هـ) ، ثم يمشي السور إلى أن يكون وراء جامع ألتون بغا المعروف بجامع ساحة الملح فيكون فيه حجر مكتوب فيها (بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارة هذا السور مولانا السلطان الملك الناصر أبو السعادات محمد بن الملك
الأشرف قايتباي عز نصره المقر الكريم جان بلاط «1» كافل حلب المحروسة بتولي مصر باي «2» السيفي نائب القلعة الحلبية بتاريخ جمادى الآخرة سنة 903 هـ) .
وقبل أن يصل السور إلى وراء الجامع المذكور بقليل يكون فيه برج مكتوب على حجر منه ما يفهم منه أنه مرمم في أيام السلطان قانصوه الغوري، ثم يسير السور من هناك حتى يصل إلى باب النيرب وهو باب واحد يلي ظاهر البلدة مكتوب في دائرة بأعلاه على الخارج منه «خلد الله ملكه عز لمولانا السلطان الملك الأشرف برسباي عز قانصوه» ، ومكتوب على جدار الباشورة الموجه شرقا «عز لمولانا الملك الأشرف برسباي عز نصره» ، ومكتوب على حجر فوق نجفته «بالسعد باب الملك حصنا شيدا في دولة السلطان محمود الأول 1158 هـ» فالظاهر أن النجف فقط جدد في أيام السلطان محمود خان العثماني. ثم يمشي السور قليلا وينعطف إلى الغرب ويكون فيه باب المقام. مكتوب في دائرة بجانبه «عز لمولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر برسباي عز نصره» وكان ابتداء عمارة هذا الباب في أيام بر سباي المذكور وكملت عمارته في أيام الملك الأشرف أبي النصر قايتباي.
ومكتوب على سور هذا الباب الموجه جنوبا «أمر بتجديد هذا السور المبارك السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي عز نصره سنة 870 هـ» ومكتوب في دائرة بجانبه «عز لمولانا السلطان الملك الأشرف أبي النصر قايتباي عز نصره» وهذا الباب وأسواره متوهنة جدا. ثم يمشي السور منه غربا حتى يتصل بقلعة الشريف من شرقيها فينعطف عليها من نصف جهتها الشرقية ويأخذ إلى شماليها حتى يتصل ببرج باب قنسرين فلا يحيط السور بهذه القلعة إلا بنصف جهتها الغربية ونصف جهتها الشرقية مما يلي المدينة وليس على النصف الباقي من الجهتين المذكورتين. ولا على جميع الجهة الجنوبية منها سور مطلقا لاستغناء الجهات المذكورة عنه بسبب ارتفاعها عن الخندق واستقامة جبلها.
إن جميع السور الدائر على مدينة حلب مبني فوقه دور يملكها الناس دثر منها جهات كثيرة وأعاد عمارتها أصحاب الدور بحجارة أصغر من الأولى وأكثر ما بقي فيه من الأبراج داخل في الدور المذكورة على أن معظمها قد تهدم ونقلت الحكومة حجارته إلى الرباط العسكري سنة 1303.