الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الذي قاله قائل هذا التأويل، وإن كان جائزًا في كلام العرب، فليس قولُ الله تعالى ذكره:(إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله)، منه. وذلك أنه عطف عليه بقوله:(وهو أعلم بالمهتدين) ، فأبان بدخول"الباء" في"المهتدين" أن"أعلم" ليس بمعنى"يعلم"، لأن ذلك إذ كان بمعنى"يفعل"، لم يوصل بالباء، كما لا يقال:"هو يعلم بزيد"، بمعنى: يعلم زيدًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ
(118) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين به وبآياته:"فكلوا"، أيها المؤمنون، مما ذكّيتم من ذبائحكم وذبحتموه الذبح الذي بينت لكم أنه تحلّ به الذبيحة لكم، وذلك ما ذبحه المؤمنون بي من أهل دينكم دين الحق، أو ذبحه مَنْ دان بتوحيدي من أهل الكتاب، دون ما ذبحه أهل الأوثان ومَنْ لا كتاب له من المجوس = (إن كنتم بآياته مؤمنين)، يقول: إن كنتم بحجج الله التي أتتكم وأعلامه، بإحلال ما أحللت لكم، وتحريم ما حرمت عليكم من المطاعم والمآكل، مصدّقين، ودَعوا عنكم زخرف ما توحيه الشياطين بعضها إلى بعض من زخرف القول لكم، وتلبيس دينكم عليكم غرورًا.
* * *
وكان عطاء يقول في ذلك ما:-
13790-
حدثنا به محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، قلت لعطاء قوله:(فكلوا مما ذكر اسم الله عليه)، قال: يأمر بذكر اسمه على الشراب والطعام والذبح. وكل شيء يدلّ على ذكره يأمر به.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل العلم بكلام العرب في تأويل قوله: (وما لكم أن لا تأكلوا) .
فقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا. قال: وذلك نظير قوله: (وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ)، [سورة البقرة: 246] . يقول: أيّ شيء لنا في ترك القتال؟ قال: ولو كانت"لا"، زائدة لا يقع الفعل. (1) ولو كانت في معنى:"وما لنا وكذا"، لكانت: وما لنا وأن لا نقاتل.
* * *
وقال غيره: إنما دخلت"لا" للمنع، لأن تأويل"ما لك"، و"ما منعك" واحد."ما منعك لا تفعل ذلك"، و"ما لك لا تفعل"، واحد. فلذلك دخلت"لا". قال: وهذا الموضع تكون فيه"لا"، وتكون فيه"أنْ"، مثل قوله:(يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)، [سورة النساء: 176] ، و"أن لا تضلوا"، يمنعكم من الضلال بالبيان. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: معنى قوله: (وما لكم)، في هذا الموضع: وأيُّ شيء يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه؟ وذلك أنّ الله تعالى ذكره تقدّم إلى المؤمنين بتحليل ما ذكر اسم الله عليه، وإباحة أكل ما ذبح بدينه أو دين من كان يدين ببعض شرائع كتبه
(1) قوله: ((لا يقع الفعل)) ، أي لا يتعدى، ((الوقوع)) ، التعدي.
(2)
استوفى أبو جعفر بحث هذا فيما سلف 5: 300 - 305، والفراء في معاني القرآن 1: 163 - 166، ولم يشر إلى ذلك أبو جعفر كعادته فيما سلف.
المعروفة، وتحريم ما أهلّ به لغيره، من الحيوان= وزجرهم عن الإصغاء لما يوحي الشياطين بعضهم إلى بعض من زخرف القول في الميتة والمنخنقة والمتردية، وسائر ما حرم الله من المطاعم. ثم قال: وما يمنعكم من أكل ما ذبح بديني الذي ارتضيته، وقد فصّلت لكم الحلال من الحرام فيما تطعمون، وبينته لكم بقولي:(1)(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)، إلى قوله:(فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ)، [سورة المائدة: 3] ، فلا لبس عليكم في حرام ذلك من حلاله، فتتمنعوا من أكل حلاله حذرًا من مواقعة حرامه.
فإذ كان ذلك معناه، فلا وجه لقول متأوِّلي ذلك:"وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا"، لأن ذلك إنما يقال كذلك، لمن كان كفَّ عن أكله رجاء ثواب بالكفّ عن أكله، وذلك يكون ممن آمن بالكفّ فكف اتّباعًا لأمر الله وتسليمًا لحكمه. ولا نعلم أحدًا من سلف هذه الأمة كفَّ عن أكل ما أحل الله من الذبائح رجاء ثواب الله على تركه ذلك، واعتقادًا منه أن الله حرَّمه عليه. فبيّنٌ بذلك، إذ كان الأمر كما وصفنا، أن أولى التأويلين في ذلك بالصواب ما قلنا.
* * *
وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى قوله:"فصَّل"، و"فصلنا" و"فُصِّل" بيَّن، أو بُيِّن، بما يغني عن إعادته في هذا الموضع (2) كما:-
13791-
حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(وقد فصل لكم ما حرم عليكم)، يقول: قد بين لكم ما حرم عليكم.
13792-
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد، مثله.
* * *
(1) في المطبوعة: ((بقوله)) ، وفي المخطوطة:((بقول)) ، وصواب قراءتها ما أثبت.
(2)
انظر تفسير ((التفصيل)) فيما سلف ص: 60، تعليق: 2، والمراجع هناك، وانظر فهارس اللغة (فصل) .
واختلفت القرأة في قول الله جل ثناؤه: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) .
فقرأه بعضهم بفتح أول الحرفين من"فَصَّلَ" و"حَرَّم"، أي: فصّل ما حرّمه من مطاعمكم، فبيَّنه لكم.
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (وَقَدْ فَصَّلَ) بفتح فاء"فصل" وتشديد صاده،"مَا حُرِّمَ"، بضم حائه وتشديد رائه، بمعنى: وقد فصل الله لكم المحرَّم عليكم من مطاعمكم.
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين:"وَقَدْ فُصِّلَ لَكَمْ"، بضم فائه وتشديد صاده،"مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ"، بضم حائه وتشديد رائه، على وجه ما لم يسمَّ فاعله في الحرفين كليهما.
* * *
وروي عن عطية العوفي أنه كان يقرأ ذلك:"وَقَدْ فَصَلَ"، بتخفيف الصاد وفتح الفاء، بمعنى: وقد أتاكم حكم الله فيما حَرَّم عليكم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن كل هذه القراءات الثلاث التي ذكرناها، سوى القراءة التي ذكرنا عن عطية، قراءات معروفات مستفيضةٌ القراءةُ بها في قرأة الأمصار، وهن متّفقات المعاني غير مختلفات، فبأيِّ ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ فيه الصوابَ.
* * *
وأما قوله: (إلا ما اضطررتم إليه)، فإنه يعني تعالى ذكره: أن ما أضطررنا إليه من المطاعم المحرّمة التي بيَّن تحريمها لنا في غير حال الضرورة، لنا حلال ما كنا إليه مضطرين، حتى تزول الضرورة. (1) كما:-
(1) انظر تفسير ((اضطر)) فيما سلف 3: 56، 322 / 9:532.
13793-
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:(إلا ما اضطررتم إليه) ، من الميتة.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن كثيرًا من الناس [الذين](1) يجادلونكم في أكل ما حرم الله عليكم، أيها المؤمنون بالله، من الميتة، ليُضلون أتباعهم بأهوائهم من غير علم منهم بصحة ما يقولون، ولا برهان عندهم بما فيه يجادلون، إلا ركوبًا منهم لأهوائهم، واتباعًا منهم لدواعي نفوسهم، اعتداءً وخلافًا لأمر الله ونهيه، وطاعة للشياطين (2) = (إن ربك هو أعلم بالمعتدين)، يقول: إن ربك، يا محمد، الذي أحلَّ لك ما أحلَّ وحرَّم عليك ما حرم، هو أعلم بمن اعتدى حدوده فتجاوزها إلى خلافها، وهو لهم بالمرصاد. (3)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (ليضلون) .
فقرأته عامة أهل الكوفة: (لَيُضِلُّونَ)، بمعنى: أنهم يضلون غيرهم.
* * *
وقرأ ذلك بعض البصريين والحجازيين:"لَيَضِلُّونَ"، بمعنى: أنهم هم الذين يضلون عن الحق فيجورون عنه.
* * *
(1) الزيادة بين القوسين، يقتضيها السياق.
(2)
انظر تفسير ((الأهواء)) فيما سلف من فهارس اللغة (هوى)
= = وتفسير ((الضلال)) في فهارس اللغة (ضلل) .
(3)
انظر تفسير ((الاعتداء)) فيما سلف من فهارس اللغة (عدا) .
قال أبو جعفر: وأَولى القراءتين بالصواب في ذلك، قراءةُ من قرأ:(وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ)، بمعنى: أنهم يضلون غيرهم. وذلك أن الله جل ثناؤه أخبرَ نبيه صلى الله عليه وسلم عن إضلالهم من تبعهم، ونهاه عن طاعتهم واتباعهم إلى ما يدعونه إليه، فقال:(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ، ثم أخبر أصحابه عنهم بمثل الذي أخبره عنهم، ونهاهم من قبول قولهم عن مثل الذي نهاه عنه، فقال لهم: وإن كثيرًا منهم ليضلونكم بأهوائهم بغير علم= نظيرَ الذي قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ودعوا، أيها الناس، (1) علانية الإثم، وذلك ظاهره= وسرّه، وذلك باطنه،. كذلك:-
13794-
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:(وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، أي: قليله وكثيره، وسرّه وعلانيته.
13795-
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، قال: سره وعلانيته.
13796-
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس في قوله:(وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، يقول: سره وعلانيته= وقوله: (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)، [سورة الأعراف: 33] ، قال: سره وعلانيته.
13797-
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر،
(1) انظر تفسير ((ذر)) فيما سلف ص: 57، تعليق: 1، والمراجع هناك.
عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله:(وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، قال: نهى الله عن ظاهر الإثم وباطنه، أن يعمل به سرًّا أو علانية، وذلك ظاهره وباطنه.
13798-
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(وذروا ظاهر الإثم وباطنه) ، معصية الله في السر والعلانية.
13799-
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد:(وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، قال: هو ما ينوي مما هو عامل.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بالظاهر من الإثم والباطن منه، في هذا الموضع.
فقال بعضهم:"الظاهر منه"، ما حرم جل ثناؤه بقوله:(وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)، [سورة النساء: 23] ، وقوله:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) الآية، و"الباطن منه"، الزنى.
* ذكر من قال ذلك:
13800-
حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير في قوله:(وذروا ظاهر الإثم وباطنه)، قال: الظاهر منه: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ) والأمهات والبنات والأخوات ="والباطن". الزنى.
* * *
وقال آخرون:"الظاهر"، أولات الرايات من الزواني، (1) والباطن: ذوات الأخدان.
(1)((أولات الرايات)) ، البغايا في الجاهلية، كن ينصبن رايات عند خيامهن أو عند بيوتهن، يعرفن بها.
* ذكر من قال ذلك:
13801-
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(وذروا ظاهر الإثم وباطنه) أما"ظاهره"، فالزواني في الحوانيت، وأما"باطنه"، فالصديقة يتخذها الرجل فيأتيها سرًّا.
13802-
حدثنت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:(وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)، [سورة الأنعام: 151] . كان أهل الجاهلية يستسرُّون بالزنى، ويرون ذلك حلالا ما كان سرًّا، فحرّم الله السر منه والعلانية ="ما ظهر منها"، يعني العلانية="وما بطن"، يعني: السر.
13803-
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي مكين وأبيه، عن خصيف، عن مجاهد:(وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)، قال:"ما ظهر منها"، الجمع بين الأختين، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده ="وما بطن"، الزنى.
* * *
وقال آخرون:"الظاهر"، التعرّي والتجرد من الثياب، وما يستر العورة في الطواف ="والباطن"، الزنى.
* ذكر من قال ذلك:
13804-
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)، قال: ظاهره العُرْيَة التي كانوا يعملون بها حين يطوفون بالبيت، (1) وباطنه: الزنى.
* * *
(1)((العرية)) (بضم العين وسكون الراء) ، مصدر ((عرى من ثوبه يعرى عريًا وعرية)) ، يقال:((جارية حسنة العرية، وحسنة المعرى والمعراة)) ، أي حسنة عند تجريدها من ثيابها.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره تقدم إلى خلقه بترك ظاهر الإثم وباطنه، وذلك سره وعلانيته. و"الإثم" كل ما عُصِي الله به من محارمه، (1) وقد يدخل في ذلك سرُّ الزنى وعلانيته، ومعاهرة أهل الرايات وأولات الأخدان منهن، ونكاحُ حلائل الآباء والأمهات والبنات، والطواف بالبيت عريانًا، وكل معصية لله ظهرت أو بطنت. وإذ كان ذلك كذلك، وكان جميعُ ذلك"إثمًا"، وكان الله عمّ بقوله:(وذروا ظاهر الإثم وباطنه) ، جميع ما ظهر من الإثم وجميع ما بطن= لم يكن لأحد أن يخصّ من ذلك شيئًا دون شيء، إلا بحجة للعذر قاطعة.
غير أنه لو جاز أن يوجَّه ذلك إلى الخصوص بغير برهان، كان توجيهه إلى أنه عنى بظاهر الإثم وباطنه في هذا الموضع، ما حرم الله من المطاعم والمآكل من الميتة والدم، وما بيَّن الله تحريمه في قوله:(حرمت عليكم الميتة) إلى آخر الآية، أولى، إذ كان ابتداء الآيات قبلها بذكر تحريم ذلك جرى، وهذه في سياقها. ولكنه غير مستنكر أن يكون عنى بها ذلك، وأدخل فيها الأمر باجتناب كل ما جانسه من معاصي الله، فخرج الأمر عامًا بالنهي عن كل ما ظهر أو بطن من الإثم.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين يعملون بما نَهاهم الله عنه،
(1) انظر تفسير ((الإثم)) فيما سلف من فهارس اللغة (أثم) .