الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن قال: أو ليس المواقيت في مثل هذا تكون في كلام العرب بالواو الدالِّ على الوقت؟
قيل: إن ذلك، وإن كان كذلك، فإنهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع، استثقالا للجمع بين حرفي عطف، إذ كان"أو" عندهم من حروف العطف، (1) وكذلك"الواو"، فيقولون:"لقيتني مملقًا أو أنا مسافر"، بمعنى: أو وأنا مسافر، فيحذفون"الواو" وهم مريدوها في الكلام، لما وصفت. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
(5) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلم يكن دعوى أهل القرية التي أهلكناها، إذ جاءهم بأسنا وسطوتُنا بياتًا أو هم قائلون، إلا اعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين، وبربهم آثمين، ولأمره ونهيه مخالفين. (3)
* * *
وعنى بقوله جل ثناؤه: (دعواهم) ، في هذا الموضع دعاءَهم.
* * *
ولـ"الدعوى"، في كلام العرب، وجهان: أحدهما: الدعاء، والآخر: الادعاء للحق.
ومن"الدعوى" التي معناها الدعاء، قول الله تبارك وتعالى:(فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ)[سورة الأنبياء: 15]، ومنه قول الشاعر:(4)
(1) في المخطوطة: ((إذ كان وعندهم من حروف العطف)) بياض، وفوق البياض (كذا) ، وفي الهامش حرف (ط) . والذي في المطبوعة شبيه بالصواب.
(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 372.
(3)
انظر بيان قول ((بربهم آثمين)) فيما سلف ص: 171، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(4)
كثير عزة.
وَإِنْ مَذِلَتْ رِجْلِي دَعَوْتُكِ أَشْتَفِي
…
بِدَعْوَاكِ مِنْ مَذْلٍ بِهَا فَيَهُونُ (1)
* * *
وقد بينا فيما مضى قبل أن"البأس" و"البأساء" الشدة، بشواهد ذلك الدالة على صحته، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
* * *
وفي هذه الآية الدلالةُ الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:"ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم".
* * *
وقد تأوّل ذلك كذلك بعضهم.
14323-
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن ميسرة الزرَّاد قال، قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله: ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم - قال قلت لعبد الملك: كيف يكون ذلك؟ قال: فقرأ هذه الآية: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا) ، الآية (3) .
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) ؟ وكيف أمكنتهم الدعوى بذلك، وقد جاءهم بأس الله بالهلاك؟ أقالوا ذلك قبل الهلاك؟ فإن كانوا قالوه قبل الهلاك، فإنهم قالوا قبل
(1) ديوانه 2: 245، في باب الزيادات، نهاية الأرب 2: 125، واللسان (مذل) .
((مذلت رجله (بفتح وسكون) ومذلا (بفتحتين) : خدرت، كانوا يزعمون أن المرء إذا خدرت رجله ثم دعا باسم مَنْ أحب، زال خدرها.
(2)
انظر تفسير ((البأس)) فيما سلف ص: 299، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(3)
الأثر: 14323 - ((عبد الملك بن ميسرة الهلالي الزراد)) ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 503، 504، 1326، مات في العشر الثاني من المئة الثانية. لم يدرك ابن مسعود ولا غيره من الصحابة. فإسناده منقطع.
وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره 3: 448، عن الطبري ولم يخرجه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 67، ولم ينسبه إلى غير ابن أبي حاتم.
((أعذر من نفسه)) ، إذا أمكن معاقبة بذنبه منها. يعني: أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، فيعذروا من أنفسهم، ويستوجبوا العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر في إلحاق العذاب بهم.