المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقال بعض نحويي البصرة: إنما نصب ذلك، لأنه لما قال: - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٢

[ابن جرير الطبري]

الفصل: وقال بعض نحويي البصرة: إنما نصب ذلك، لأنه لما قال:

وقال بعض نحويي البصرة: إنما نصب ذلك، لأنه لما قال:(هداني ربي إلى صراط مستقيم) ، قد أخبر أنه عرف شيئًا، فقال:"دينًا قيمًا"، كأنه قال: عرفت دينًا قيما ملّة إبراهيم.

* * *

وأما معنى الحنيف، فقد بينته في مكانه في"سورة البقرة" بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)

* * *

القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‌

(162)

لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، الذين يسألونك أن تتبع أهواءهم على الباطل من عبادة الآلهة والأوثان = (إن صلاتي ونسكي)، يقول: وذبحي (2) = (ومحياي)، يقول: وحياتي = (ومماتي) يقول: ووفاتي = (لله رب العالمين)، يعني: أن ذلك كله له خالصًا دون ما أشركتم به، أيها المشركون، من الأوثان = (لا شريك له) في شيء من ذلك من خلقه، ولا لشيء منهم فيه نصيب، لأنه لا ينبغي أن يكون ذلك إلا له خالصًا = (وبذلك أمرت)، يقول: وبذلك أمرني ربي = (وأنا أول المسلمين)، يقول: وأنا أوّل من أقرَّ وأذْعن وخضع من هذه الأمة لربه بأن ذلك كذلك. (3)

* * *

(1) انظر تفسير ((الحنيف)) فيما سلف 3: 104 - 108 / 6: 494 / 9: 250، 251 / 11:487.

(2)

انظر تفسير ((النسك)) فيما سلف 3: 77 - 80 / 4: 86، 195.

(3)

انظر تفسير ((الإسلام)) فيما سلف من فهارس اللغة (سلم) .

ص: 283

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال:"النسك"، في هذا الموضع، الذبح.

14296-

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد:(إن صلاتي ونسكي)، قال:"النسك"، الذبائح في الحج والعمرة.

14297-

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله:(ونسكي) ، ذبحي في الحج والعمرة. (1)

14298-

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(ونسكي) ، ذبيحتي في الحج والعمرة.

14299-

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، وليس بابن أبي خالد، عن سعيد بن جبير، في قوله:(صلاتي ونسكي)، قال: ذبحي.

14300-

حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير في قوله:(صلاتي ونسكي)، قال: ذبحي. (2)

14301-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير= قال ابن مهدي: لا أدري من"إسماعيل" هذا! = (صلاتي ونسكي)، قال: صلاتي وذبيحتي.

14302-

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، حدثنا الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن جبير، في قوله:

(1) في المطبوعة: ((ذبيحتي)) ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)

في المطبوعة: ((ذبيحتي)) ، غير ما في المخطوطة.

ص: 284

(صلاتي ونسكي)، قال: وذبيحتي. (1)

14303-

حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(ونسكي)، قال: ذبحي.

14304-

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:(ونسكي)، قال: ذبيحتي.

14305-

حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك:(صلاتي ونسكي)، قال:"الصلاة"، الصلاة، و"النسك"، الذبح.

* * *

وأما قوله: (وأنا أوّل المسلمين)، فإن:-

14306-

محمد بن عبد الأعلى حدثنا قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(وأنا أول المسلمين)، قال: أول المسلمين من هذه الأمة.

* * *

القول في تأويل قوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان، الداعيك إلى عبادة الأصنام واتباع خطوات الشيطان = (أغير الله أبغي ربًّا)، يقول: أسوى الله أطلب سيدًا يسودني؟ (2) = (وهو

(1) الآثار: 14299 - 14302 - ((إسماعيل)) ، الذي روى عنه ((سفيان الثوري)) ، وروى هو ((سعيد بن جبير)) ، والذي جاء في الخبر الأول أنه ((ليس بابن أبي خالد)) ، وفي رقم: 14302 ((إسماعيل بن أبي خالد)) مصرحًا به، والذي جهله ((ابن مهدي)) في رقم: 14301، لم أجد من أشار إليه، إلا أني وجدت في أسماء الرواة عن ((سعيد بن جبير)) :

((إسماعيل بن مسلم)) ، مولى بني مخزوم، سمع منه وكيع، وابن المبارك وعمرو العنقزي، مترجم في الكبير 1 / 1 / 372، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 197، فلا أدري أهو هو، أم هو غيره.

(2)

انظر تفسير ((بغي)) فيما سلف 11: 337، تعليق: 2، والمراجع هناك.

ص: 285

رب كل شيء) ، يقول: وهو سيد كل شيء دونه ومدبّره ومصلحه (1) = (ولا تكسب كل نفس إلا عليها)، يقول: ولا تجترح نفس إثمًا إلا عليها، أي: لا يؤخذ بما أتت من معصية الله تبارك وتعالى، وركبت من الخطيئة، سواها، بل كل ذي إثم فهو المعاقب بإثمه والمأخوذ بذنبه (2) = (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، يقول: ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها، ولكنها تأثم بإثمها، وعليه تعاقب، دون إثم أخرى غيرها.

وإنما يعني بذلك المشركين الذين أمرَ الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول لهم. يقول: قل لهم: إنا لسنا مأخوذين بآثامكم، وعليكم عقوبة إجرامكم، ولنا جزاء أعمالنا. وهذا كما أمره الله جل ثناؤه في موضع آخر أن يقول لهم:(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[سورة الكافرون:6]، وذلك كما:-

14307-

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: كان في ذلك الزمان، لا مخرج للعلماء العابدين إلا إحدى خَلَّتين: إحداهما أفضل من صاحبتها. إمَّا أمرٌ ودعاء إلى الحق، أو الاعتزال = فلا تشارك أهل الباطل في عملهم، وتؤدي الفرائض فيما بينك وبين ربك، وتحبّ لله وتبغض لله، ولا تشارك أحدًا في إثم. قال: وقد أنزل في ذلك آية محكمة: (قل أغير الله أبغي ربًا وهو رب كل شيء)، إلى قوله:(فيه تختلفون)، وفي ذلك قال:(وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ)[سورة البينة: 4] .

* * *

يقال من"الوزر""وزَر يَزِر"،"و"وزَرَ يَوْزَر"، و"وُزِرَ يُؤزر، فهو موزور". (3)

* * *

(1) انظر تفسير ((الرب)) فيما سلف 1: 142.

(2)

انظر تفسير ((كسب)) فيما سلف صلى الله عليه وسلم: 266، تعليق 2، والمراجع هناك.

(3)

في المطبوعة: ((وزر يوزر فهو وزير، ووزر يوزر فهو موزور)) ، غير ما في المخطوطة، وحذف وزاد من عند نفسه، وعذره في ذلك سوء كتابة ناسخ المخطوطة، وصواب قراءة ما فيها ما أثبت. وهو المطابق لنص كتب اللغة.

ص: 286

القول في تأويل قوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان: كل عامل منا ومنكم فله ثواب عمله، وعليه وزره، فاعملوا ما أنتم عاملوه - (ثم إلى ربكم) ، أيها الناس = (مرجعكم)، يقول: ثم إليه مصيركم ومنقلبكم (1) = (فينبئكم بما كنتم فيه) ، في الدنيا، (تختلفون) من الأديان والملل، (2) إذ كان بعضكم يدين باليهودية، وبعضٌ بالنصرانية، وبعض بالمجوسية، وبعض بعبادة الأصنام وادِّعاء الشركاء مع الله والأنداد، ثم يجازي جميعَكم بما كان يعمل في الدنيا من خير أو شر، فتعلموا حينئذ من المحسنُ منَّا والمسيء.

* * *

القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأمته: والله الذي جعلكم، أيها الناس، (خلائفَ الأرض) ، بأن أهلك مَنْ كان قبلكم من القرون والأمم الخالية، واستخلفكم، فجعلكم خلائف منهم في الأرض،

(1) انظر تفسير ((المرجع)) فيما سلف ص: 37، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)

انظر تفسير ((النبأ)) فيما سلف ص: 274، تعليق: 1، والمراجع هناك.

ص: 287

تخلفونهم فيها، وتعمرُونها بعدَهم.

* * *

و"الخلائف" جمع"خليفة"، كما"الوصائف" جمع"وصيفة"، وهي من قول القائل:"خَلَف فلان فلانًا في داره يخلُفه خِلافة، فهو خليفة فيها"، (1) كما قال الشماخ:

تُصِيبُهُمُ وَتُخْطِئُنِي المَنَايا

وَأَخْلُفُ فِي رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ (2)

وذلك كما:-

14308-

حدثني الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(وهو الذي جعلكم خلائف الأرض)، قال: أما"خلائف الأرض"، فأهلك القرون واستخلفنا فيها بعدهم.

* * *

وأما قوله: (ورفع بعضكم فوق بعض درجات)، فإنه يقول: وخالف بين أحوالكم، فجعل بعضكم فوق بعض، بأن رفع هذا على هذا، بما بسط لهذا من الرزق ففضّله بما أعطاه من المال والغِنى، على هذا الفقير فيما خوَّله من أسباب الدنيا، وهذا على هذا بما أعطاه من الأيْد والقوة على هذا الضعيف الواهن القُوى، فخالف

(1) انظر تفسير ((الخليفة)) فيما سلف 1: 449 - 453.

(2)

ديوانه 58، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 209، واللسان (ربع) ، من قصيدته التي قالها لامرأته عائشة، وكانت تلومه على طول تعهده ماله، أولها: أَعَائِشَ، مَا لِقَوْمِكِ لا أَرَاهُمْ

يُضِيعُونَ الهِجَانَ مَعَ المُضِيعِ

يقول: لها تلوميني على إصلاح مالي، فمالي أرى قومك يقترون على أنفسهم، ولا يهلكون أموالهم في الكرم والسخاء؟ ثم يقول لها بعد أبيات: لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي

مَفَاقِرَهُ، أَعَفُّ مِنَ القُنُوعِ

و ((القنوع)) ، السؤال. وقوله: ((وأخلف في ربوع

)) ، ((الربوع)) جمع ((ربع وهو جماعة الناس الذين ينزلون ((ربعا)) يسكنونه، يقول: أبقي في قوم بعد قوم. وعندي أن هذا البيت قلق في قصيدة الشماخ، سقط قبله شيء من شعره.

ص: 288